بسم الله الرحمن الرحيم
باب الغسل/ الدرس الحادي والخمسون
من الفقه الموسع
لفضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري
باب الغسل
الغُسل: قد يطلق على الفعل -وهذا واضح- وقد يطلق على الماء الذي يُغتسل به، كما جاء في حديث ميمونة -رضي الله عنها- ” أنها وضعت للنبي ﷺ غُسلاً ” يعني ماءً،
فالغسل يطلق ويراد منه: الفعل وهذا هو الأكثر، ويطلق ويراد منه: الماء المستعمل في الغُسل.
والغسل يختلف حكمُه:
فإن هناك أغسالاً واجبة: وذلك كالغسل من الجنابة والحيض والنفاس، وغُسل يوم الجمعة على قول.
وهناك من الأغسال ما هو مستحب: كغسل يوم الجمعة على قول، وكغسل يوم العيد ونحو ذلك.
وهناك غسل مباح: وهو الغسل للتبرد.
وهناك غسل منهيٌّ عنه: وهو الغسل الذي يقيد بعبادة لم يأتِ بها الشرع، وذلك كقول بعض الفقهاء في إدراج الاغتسال لصلاة الكسوف تحت الأغسال المستحبة، والصحيح أنه منهيٌّ عنه وذلك لعدم الدليل.
والأغسالُ المستحبة تأتي في حينها، فمن الأغسال المستحبة:
غسل يوم الجمعة -والمسألةُ فيها خلاف- ومنها غسل يوم العيد، ومنها الغسل للإحرام، ومنها الغسل لدخول مكة، ومنها الغسل في عرفة -على قول- ولكل هذا الإغتسال حكمٌ سيأتي في بابه بإذن الله.
ونحن بصدد الإغتسال الواجب، فالاغسال الواجبة هي محل حديثنا، ولذا قال الفقهاء:
(من موجبات الغسل) يعني: مما يجعل الغسل واجباً أشياء، ثم ذكروها رحمهم الله، فالموجِبُ الأول من موجبات الغسل:
1/ خروج المني دفقاً بلذة من مخرجه إن كان من يقظان:
فقولهم رحمهم الله (خروج المني دفقاً بلذة من مخرجه من يقظان) هذا الموجب له جزئيات وفرعيات متعددة، فالقولُ بخروج المني يدل على أن عدمَ خروجه لا يكون موجبا للغسل،
ولكن لو قال قائل: لو أن هذا المني انتقل من محله ولم يخرج؟ ويمثلُّ الفقهاء بصورة قد تكون بعيدةً أو قليلة الوقوع: ” كأن إذا انتقل من موضعه أمسك بذكره” فلو أنه انتقل المني فأمسك بذكره حتى لا يخرج فهل يوجب هذا الانتقالُ من غير خروج، هل يوجب الغسل؟
اختلف العلماء في هذا، فبعض العلماء: يرى أن مجرد الانتقال يوجب الغسل، وذلك مأخوذ من مسمى الجنابة، فالجنابة هي البعد، وهذا الماءُ قد ابتعد عن مكانه، ولذا يقولون إن انتقاله يدل على بلوغ الصبي.
والقول الثاني: ان انتقاله من غير خروجه لا يوجب الغسل، -وهو الصواب-؛ وما ذكروه من تعليل مقبول لو لم يأتِ نصٌّ يفصِلُ في النزاع، وهذا النص هو ماجاء في الصحيح أن الرسول ﷺ، قالت له أم سليم:
” يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي مِنْ الْحَقِّ، هَلْ عَلَى الْمَرْأَةِ مِنْ غُسْلٍ إِذَا هِيَ احْتَلَمَتْ؟
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: نَعَمْ إِذَا رَأَتْ الْمَاءَ “
فعلّقَ الحكمَ برؤية الماء، فإذا لم يُرَ الماء فإنه ليس هناك موجب للغسل.
ــــــــــــــــ
وقولهم ( المني ) يخرج ماعدا المني مثل (المذي) وسبق انه لا غُسلَ فيه .
وقولهم (دفقاً بلذة) أي أن يكون هذا المني قد خرج بلذة وفيه قذْف، ولذا قال بعض العلماء:
لو حُذفت كلمةُ ( دفقاً ) واقتُصِرَ على كلمةِ ( اللذة ) لكفت، لأنه لا لذةَ بخروج المني إلا مع القذف.
ولو قال قائل : ماالدليل على التدفق واللذة مع أن النبي ﷺ قال كما عند مسلم وغيره: ( الماءُ من الماء ) فأوجَبَ الغسل بسبب الماء، ولم يُفصل ﷺ، فلم يذكُر التدفق ولا اللذة،
والجواب عن هذا: أن هذا الحديث أولا هو حديثٌ قال عنه بعض العلماء: منسوخ؛
فعلى القول بِنَسخِه لا نحتاجُ إلى ذِكْرِ جواب، وهناك من يقول بعدم النسخ -وسيأتي له حديث في الموجب الثاني- فعلى عدم نسخه فقد ورد في مسند الإمام أحمد وسنن أبي داود قال النبي ﷺ:
” إذَا حَذَفْتَ الْمَاءَ فَاغْتَسِلْ ” وفي الرواية الأخرى: ” فَإِذَا فَضَخْتَ الْمَاءَ فَاغْتَسِلْ “
فإذا خرج هذا المني من غير لذةٍ فإنه لا يوجب الغسل؛ وهذا ما يسمى بـ (الودي) وسبق بيانُ حكم الودي أنه يجب غَسْلُ ما أصاب الذَّكَر.
وقولهم ( من مخرجه ) يخرج ما لو خرج المني من غير مخرجه: فإنه لا يعد منيا وانما يكون في حكم الودي، وحكم الودي هو النجاسة؛ وذلك كما لو انكسر صُلْبُه فخرج منه مني حتى ولو كان بلذة فإنه لا يوجب الغسل ، وذلك لأن هذا المخرج ليس مخرجاً أصلياً رَتَّبَ عليه الشرع احكامَ المَخرج، ولذا مر معنا في باب الاستنجاء والاستجمار ما يدل على هذا.
أما إذا خرج من مخرجه بلذة: فإنه يوجب الغسل حتى ولو كان هذا الخروج خروج دم، وهذا يحصل وذلك لأن أصلَ المني هو الدم، وقد حدّثني بعضُ كبارِ السن أن هناك مَن جامَعَ زوجته في أولِ ليلة ثنتي عشرة مرة، في الثانيةِ عشرة خَرَجَ دم.
وقولنا ( من يقظان ) يُخرِجُ النائم، فإن النائم لا يشترط فيه أن يكون خروج المني منه بلذة، لقول النبي ﷺ لأم سُلَيم لما سألت: ” يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي مِنْ الْحَقِّ، هَلْ عَلَى الْمَرْأَةِ مِنْ غُسْلٍ إِذَا هِيَ احْتَلَمَتْ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: نَعَمْ إِذَا رَأَتْ الْمَاءَ ” ولم يُفَصِّل ﷺ، والقاعدةُ المعروفةُ في الأصول:
[ تَرْكُ الإستفصال يُنَزَّل منزلةَ العموم في المقال ].
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الموجب الثاني من موجبات الغُسل:
[تغييب حشفة أصلية أو قدرها في فرج أو دبر أصليين وإن لم يُنزِل]
هذا الموجب ليس محلَّ إجماع، وإنما هذا الذي عليه جمهورُ العلماء: لحديث أبي هريرةَ رضي الله عنه في الصحيحين أن الرسول ﷺ قال:
” إِذَا جَلَسَ بَيْنَ شُعَبِهَا الْأَرْبَعِ ثُمَّ جَهَدَهَا فَقَدْ وَجَبَ الْغُسْلُ “
وعند مسلم: ” إذا التقى الختانان فقد وَجَبَ الغُسل وَإِنْ لَمْ يُنْزِلْ “
القول الثاني/ وقد خالف في هذا بعضُ العلماء، فقالوا: إن مَن غّيّبَ حشفتَه أو ذَكَرَهُ ولم يُنزِل فإنه لا غُسلَ عليه لقوله عليه الصلاة والسلام: ” الماءُ من الماء ” وليس هناك ماءٌ قد خرج منه حتى يُلزم بالماء.
وأجاب الجمهور: بما جاء في حديث أبي هريرة وبزيادة عند مسلم: ” وَإِنْ لَمْ يُنْزِلْ “
وقالوا: إن حديث “الماءُ من الماء ” قد قال عنه أُبَيّ بنُ كعب -رضي الله عنه- كما في سنن أبي داود قال:
” أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ إِنَّمَا جَعَلَ ذَلِكَ رُخْصَةً لِلنَّاسِ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ ؛ لِقِلَّةِ الثِّيَابِ، ثُمَّ أَمَرَ بِالْغُسْلِ، وَنَهَى عَنْ ذَلِكَ. قَالَ أَبُو دَاوُدَ: يَعْنِي الْمَاءَ مِنَ الْمَاءِ “.
فللمشقة الحاصلة من كثرة الإغتسال وقلة الثياب لم يوجب عليه الصلاةُ والسلام الغُسلَ إلا برؤية الماء، ومِن ثَمَّ قال الجمهور: إن حديث “الماءُ من الماء ” حديثٌ منسوخ، والناسخُ له حديثُ أبي هريرة رضي الله عنه.
وقال بعض العلماء: لا نسخَ، وإنما حديثُ “الماءُ من الماء ” يُقَدَّمُ عليه حديثُ أبي هريرة رضي الله عنه وذلك القاعدة في الأصول: [ أن المنطوق إذا تعارض مع المفهوم قُدِّمَ المنطوق] فحديثُ أبي هريرة رضي الله عنه منطوقُهُ صريحٌ في وجوب الغسل بإدخالِ الذَّكَر، وحديث “الماءُ من الماء ” مفهومُه أنه لا غسل إذا لم يَرَ الماء.
وقد قال بعض العلماء: إنه نُقِلَ رجوع الصحابة الذين قالوا بحديث “الماءُ من الماء ” فيكونُ مَحَلَّ إجماع
وقد عُرِضَ هذا بأن المسألة خلافيةٌ في عصر التابعين، فلو كان رجوعُهم صحيحاً منقولاً لما خالفهم التابعون، فيكونُ هناك افتراقٌ بين النائمِ واليقظان:
فالنائم: متى ما رأى الماء يجب عليه الغسل، وأما إذا لم يَرَ الماء وإن كان رأى في منامه احتلاماً فلا غُسلَ عليه.
أما اليقظان: فإن الماء إذا خرج منه من غير لذةٍ فلا غسل عليه، وإن أدخَلَ حَشَفَتَه في فرجٍ أصليّ فإن الغُسلَ واجب عليه وإن لم يُنزل.
ولو قال قائل: لماذا نص الفقهاء على الحشفة، فهل هناك دليل ينص على الحشفة أم أن الحديث مطلق فلا يحصل وجوبٌ إلا بإدخال الذَّكَرِ كلِّه؟
فالجواب: أن هناك دليلا على ذِكْرِ الحشفة، منها حديث: ” إذا التقى الختانان فقد وَجَبَ الغُسل “
والختانُ مَوضِعُهُ مِن الحشفة، ومع ذلك فقد جاءت رواية عند ابن ماجه:
” إذا ألزق الختان بالختان وتوارت الحشفةُ ” ومن ثَمَّ لو أدخَلَ بعضَ حشفته فإنه لا غُسلَ عليه؛
أو أدخل حشفةً غيرَ أصلية فإنه لاغسل عليه لأن الحكم الشرعي مرتبٌ على ما هو أصلي،
فإن عُدِمَت الحشفةُ فبقدرها مِن ذَكَرِه: ولو لم يُقَل بهذا لما وجب عليه غُسلٌ في هذا الموجب،
ولْتعلم أن الإجماع انعقد على أنه ليس المراد من حديث: ” إذا التقى الختانان فقد وَجَبَ الغُسل “
قد انعقد الإجماع على أنه إذا لم يُدخل حشفته وانما ألزَقَ ختانه بختان المرأة فإنه لا غُسلَ عليه،
فلو أن الرجلَ ألزَقَ ختانَه بختانِ المرأة فلا غُسل لأن المراد تغييبُ الحشفة، وقد سبق معنا في الختان موضِعُ الختانُ من المرأة وموضع الختان من الرجل.
ولو قال قائل: لو أدخل حشفته وقد أحاط بها حائل، فهل يجب عليه الغُسل؟
نقول: اختلف العلماء في هذا،
فبعض العلماء: يرى أنه لا غسل عليه، وذلك لأن الحشفة لم تلاصق ختان المرأة.
وبعض العلماء: نظر إلى تغييب الحشفة بقطع النظر عما يحيط بها، فقال: يجب الغسل.
وبعض العلماء: فَرَّق، فقال: إن كان الحائلُ رقيقاً فيجب الغسل، وإن لم يكن فلا يجب، وذلك لأن الرقيق تحصل معه اللذة،
وهي كلها اجتهادات، والذي أرى: أنه يجب الغُسل لأن الرسول ﷺ لم يفصل قال: ” وتوارت الحشفة ” فلو كان الستر والحائلُ له أثر سواءٌ كان حائلاً رقيقاً أو غيرَ رقيق لَذَكَرَه ﷺ كما ذكر الحائل في مس الذَّكَر في عدم نقْضِ الوضوء،
فإذا أدخَلَها على أيِّ صورةٍ كانت: فإن الغُسلَ واجب.
ويشترط في صاحب الحشفة: أن يكون ممن يطأُ، وذلك أن يكون قد بلغ عشر سنين، فإذا كان عمُرُه أقلَّ من عشر سنين فلا يجبُ عليه الغسل، وأما إذا كان قد بلغ العشرَ فأكثر فيجبُ عليه الغسل سواءٌ كان زائل العقل أو كان نائماً فإن الغسلَ واجبٌ عليه.
وقولُ النبي ﷺ في حديث ابي هريرة رضي الله عنه:
” إِذَا جَلَسَ بَيْنَ شُعَبِهَا الْأَرْبَعِ ثُمَّ جَهَدَهَا فَقَدْ وَجَبَ الْغُسْلُ ” اختلف العلماء في هذه الشعب:
ولكن الأظهر من هذه الأقوال: ” يدَيها ورِجلَيها ” ولذا يُقال إن جماعَ المرأةِ على هذه الصورة هي أحسنُ صورِ الجماع.
ويشترط أن يكون إدخال هذه الحشفة في فرجٍ أو دبر أصليين.
فإن كانا غيرَ أصليين فلا يجبُ الغسل.
فنخلُصُ من هذا: إلى أن مَن وطئ على غِرارِ ما ذُكر مِن مسائلَ سابقة فإنه يجب عليه الغُسل،
وكذا/ مُسْتَدْخَلٌ ذَكَرُه كمجنون ونائم، لكن المُستدَخَل ذَكَرُه إن كان لم يبلغ عشرَ سنين -فكما قلنا- لا غُسلَ عليه، والمُجامَعُ يجبُ عليه الغُسل فإن كان المجامع انثى يُوطأُ مِثلُها فيجب عليها الغسل، وهي التي بلغت تسعَ سنين، والدليل أن عائشةَ رضي الله عنها دخل بها النبيُّ ﷺ وهي بنتُ تسعِ سنين وكانت تغتسل، ولذا قالت: ” إذا بلغت الجاريةُ تسعَ سنين في امرأة ” ومن ثَم فلا يشترط البلوغ في الغُسل.
وأما إن كان سنُّ الأنثى تسعا فأكثر: فيجب عليها الغسل سواءً جُومعت في فرجها أو جومعت في دُبُرِها، فمن جامع زوجَتَه في دُبُرِها: فهو آثم، لكن حديثنا منصب على الغسل، فالغسل واجبٌ عليه وعليها،
وكذلك الذَّكَرُ إذا جومع في دبره: فإنه يجب عليه الغسل.
فلو قال قائل: هب أن المُجامَع ميت، أدخَلَ رجلٌ ذَكَرَه في فرج امرأةٍ ميتة، فهل يجب عليه الغسل -عافانا اللهُ وإياكم من السوء-؟
قال بعض العلماء: يجب عليه الغسل، لأن التلذذَ يحصُلُ بجماع الميتة كما يحصُلُ بجماع الحيّة، والنبي ﷺ قال: ” إذا التقى الختانان فقد وَجَبَ الغُسل ” والختانان قد التقيا.
وقال بعض العلماء: لا يجب عليه الغسل، لأن النبي ﷺ قال في حديث ابي هريرة رضي الله عنه:
” إِذَا جَلَسَ بَيْنَ شُعَبِهَا الْأَرْبَعِ ثُمَّ جَهَدَهَا فَقَدْ وَجَبَ الْغُسْلُ ” وهو لا يُجهِدُ المَيتةَ،
والصواب: هو القولُ الأول، لأن نصوصَهم صريحة، والإجهادُ في حديث أبي هريرة محمول على ما جاء في تلك النصوص.
ولو قال قائل: هب أن تغيب الحشفة كان في بهيمة، فهل يجب عليه الغسل؟
اختلف العلماء هي هذا،
فبعض العلماء: يرى أن الغسل واجب عليه، وذلك لأنه إدخال ُذَكَرٍ في فرج أو في دبر.
وقال بعض العلماء: لا يجب عليه الغسل، وذلك لأنه لا يُتلذذ بالبهيمة كما يُتلذذ بالمرأة، ولأن الأحاديث جاءت في ذِكْرِ البشر وليس في الحيوان،
والمسألةُ محتملة، والإحتياط في هذا هو الأولى،
والعلماءُ إذا ذَكروا هذه الصور لا يدل على الجواز، فإن البهيمةَ لا يجوز أن تُواطأ، لكن لو حصل:
فإن هذا الغسل يجب عند البعض، ولا يجب عند البعض الآخر.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بقيت مسألة وهي مسألة: ما إذا استيقظ الإنسان وفي ثيابه بللا؛ وهذه المسألةُ تحتاج إلى تفصيل:
أولا/ إن يتيقّن أنه (مني) فيجب عليه الغسل.
ثانيا/ إن يتيقّن أنه (مذي) فإنه لا يجب عليه الغسل وإنما يجب عليه ما سبق في الدروس الماضية.
ثالثا/ لا يدري أهو (مني أم مذي) فقال بعضُ العلماء: يُنظَر إلى القرائن، فإن كان رأى في منامه احتلاماً فهو مني، وان لم ير احتلاماً وسبق هذا النوم تفكيرٌ في الجماع فإنه مذي،
وإذا لم تكن هناك قرينةٌ يُحال عليها فقد اختلف العلماء:
فبعض العلماء: يرى أنه يجب عليه الغسل لوجود هذا الماء وحتى يخرج بيقين.
وبعض العلماء قال: لا يجب عليه الغسل وذلك لأن الأصل عدمُ الجنابة،
وقد اختار بعض العلماء: أنه يحتاط في هذا فيغتسل، وهذا الاحتياط اختاره الشيخُ ابن عثيمين رحمه الله، والذي يظهر: أن الغسل واجب وليس فيه احتياط وذلك لأن النبي ﷺ قال كما في حديث أم سُلَيم:
” يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي مِنْ الْحَقِّ، هَلْ عَلَى الْمَرْأَةِ مِنْ غُسْلٍ إِذَا هِيَ احْتَلَمَتْ؟
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: نَعَمْ إِذَا رَأَتْ الْمَاءَ “ فعلّق الحكمَ بوجود الماء،
فإن قيل: أن هذا الحديث يراد منه المني فتكون ( أل) هي ( أل) العهدية؟
فنقول: محتمل هذا، ولكن جاء عند أبي داود وغيره من أهل السنن، أن الرسول ﷺ سئل عن الرجل يستيقظُ فيجد بللاً ولم يرَ احتلاماً؟ فقال ﷺ: عليه الغسل؛
وسُئل عن الرجل يرى احتلاماً ولم يرَ بللاً؟ فقال: لا غسل عليه.
فهو هنا ﷺ قال: عليه الغسل؛ لوجود هذا البلل، وبما أن هذا البلل مشكوكٌ فيه فيدخُلُ تحت هذا العموم من هذا الحديث،
بل إن القرينةَ لو وجدت فهي قرينةٌ لا ترفع الأصل، ولذا لو وجدت قرينه -كما ذكر البعض- فإن هذا الحديث عام فقال ( البلل ) ولم يُفصل عليه الصلاة والسلام؛
والذي يظهر لنا -والله أعلم- أنه إذا رأى البلل فإنه يجب عليه الغُسل إلّا إذا تيقّن أنه مذي.