بسم الله الرحمن الرحيم
باب الغسل/ الدرس الثاني والخمسون
من الفقه الموسع
لفضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري
ــــــــــــــــــــــــــــ
الموجب الثالث من موجبات الغُسل: موتُ المسلم
ولكن يُستثنى الشهيد، فالشهيد لو مات فإنه يَحرُم غَسْلُه -كما سيأتي في أحكام الجنائزِ إن شاء الله تعالى-فإذا مات المسلمُ وَجَب غَسْلُه، لا لنجاستِه وإنما تعبُّدًا لله عز وجل، وامتثالاً لأمره؛
والشهيد استُثْنِيَ لوجودِ النهي عن تغسيله.
وقولنا (المسلم) يُخرِجُ الكافرَ، فإن الكافر لا يجوز تغسيلُه ولذا لما قال عليٌّ -رضي الله عنه- لِلنَّبِيِّ ﷺ:
“إِنَّ عَمَّكَ الشَّيْخَ الضَّالَّ قَدْ مَاتَ. قَالَ ﷺ: ” اذْهَبْ فَوَارِ أَبَاكَ “. يعني: أبو طالب.
وقولنا (المسلم) يشمل كلَّ مسلم مِن ذَكَرٍ وأنثى صغيرٍ وكبير عاقل وغير عاقل،
لكن يستثنى من وجوب الغسل: ما نقص عُمُره إذا سَقَطَ مِن بطنِ أمه عن أربعة أشهر؛ فالذي لم يبلُغ من الأشهر إذا سقط أربعةَ أشهر فإنه بمنزلةِ الجماد لا تترتبُ عليه أحكامُ الغُسل،
وأما إذا بلغ أربعة أشهر: ومعنى ذلك أن يُتِمَّ الأربعةَ ويدخُل في الخامس، وليس معناه أن يكون في الشهر الرابع، إنما المراد تمامُها، والدليل ماجاء في الصحيحين من حديث عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- أنه قال:” إِنَّ أَحَدَكُمْ يُجْمَعُ خَلْقُهُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا نطفة، ثُمَّ يَكُونُ عَلَقَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَكُونُ مُضْغَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يُرْسَلُ الْمَلَكُ فَيَنْفُخُ فِيهِ الرُّوحَ، وَيُؤمَر بأربع كلمات” الحديث
فعدد الأيام مائة وعشرون يوما، فدل على أنه قبل مائةٍ وعشرين يوما لم تنفخ فيه الروح، وما لم تُنفَخ فيه الروح فليس بإنسان، والدليل على وجوب الغسل ما جاء في الصحيحين قولُه عليه الصلاةُ والسلام في المُحرِم الذي وقصته دابتُه: ” اغسِلوه بماءٍ وسدر ” وكما جاء في الصحيحين: ” اغسِلْنها ثلاثاً أو خمساً “
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الموجب الرابع من موجبات الغُسل: إسلامُ الكافر
فإذا أسلم الكافر: هل يجب عليه الغسل أم لا يجب عليه؟
اختلف العلماء في هذه المسألة،
فبعض العلماء يقول: إنه لا يجب عليه الغسل مطلقاً، سواءٌ وُجِدَ في كُفْرِه ما يُوجِبُ الغسل أو لم يوجد، وذلك لعدم الدليل، ولأن النبي ﷺ أسلم في زمنه عددٌ كبير ولم يأمُرهم بالغسل.
وقال بعضُ العلماء: يجب عليه الغسل إذا وُجِدَ في حال كُفْرِه ما يوجب الغُسل كجماعٍ واحتلامٍ ونحوه، وأما إذا لم يوجد فإنه لا يجب عليه الغُسل،
وهؤلاء نظروا إلى أدلة أخرى وهي: أن وجوب هذا الغسل مأمورٌ به في الشريعة لمن وُجِدَ منه مثلَ ذلك وليس الموجب هو الإسلام.
وقال بعض العلماء: يجب عليه الغسل مطلقاً سواءٌ وُجِدَ في حالِ كُفْرِه ما يوجب الغسلَ أو لم يوجد، واستدلوا بحديثِ قيسِ بنِ عاصمٍ عند أبي داود إذ أمَرَه النبيُّ ﷺ بأن يغتسل؛ وهذا الحديثُ صححه جماعةٌ من العلماء كابن القيم والألباني رحمهما الله وغيرُهما، والأمرُ يقتضي الوجوب،
وأما القول بأن هناك عددا قد أسلَم ولم يأمُرْهُم، فنقول: إن النبي ﷺ قال:
” إِنَّمَا قَوْلِي لِامْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ كَقَوْلِي لِمِائَةِ امْرَأَةٍ “
فإذا وُجِدَ الأمرُ مُوِجَّهًا لشخص فإن الحكمَ لا ينحصِرُ فيه، وهذا هو الراجح.
(والكافر) يشمل حتى المرتد، فمن كان مسلماً ثم ارتد -عياذا بالله من ذلك- ثم عاد فإنه يجب عليه أن يغتسل، وقد جاء في جمله هذا الأمر لقيس ابن عاصم قوله ﷺ:
“اغتسِل بماءٍ وسِدر، وألقِ عنك شعرَ الكفرِ واختتن” فاستحب العلماءُ أن يغتسل بسدر،
والاغتسال بالسدرِ حثَّ عليه النبيُّ ﷺ فقال في المُحرِمِ الذي وقصته دابته: ” اغسلوه بماءٍ وسدر “
وأمَرَ عليه الصلاةُ والسلام أسماءَ بنتَ شَكَل إذا اغتسلت من الحيض أن تغتسل بسدر؛ وأمَرَ عليه الصلاةُ والسلام عائشةَ رضي الله عنها لما حاضت بسَرِف أن تُدخِلَ الحجَّ على العمرة وأن تغتسل بسدر؛
وكذا أمْرُه هنا لقيسِ بنِ عاصم، فدل على أن السدر يُراد منه المبالغةُ في التنظيف والتطهير.
وكذا يُسَنُّ أن يَحلِقَ الكافرُ شعرَ رأسِه، إذ قال: “وألقِ عنك شعرَ الكفرِ” وليس الأمرُ للوجوب هنا، وإنما هو أمْرٌ بالاستحباب، لانه أضاف الشعرَ إلى الكفر، والكفارُ لهم أحوالٌ في شعورهم، فإضافتُه إلى الكفر يدل على الاستحباب، بينما المأموراتُ في الحديث لم تُقَيَّد بالكفر.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الموجب الخامس من موجبات الغُسل: انقطاع دمِ الحيض
فإذا طهُرَت المرأةُ من الحيض فيجبُ عليها أن تغتسل، ولذا أمر النبي ﷺ المستحاضةَ أن تغتسل عند إدبارِ حَيضَتِها، قال ﷺ: ” امْكُثِي قَدْرَ مَا كَانَتْ تَحْبِسُكِ حَيْضَتُكِ، ثُمَّ اغْتَسِلِي، وَصَلِّي “
ومسألة الحيض، وكيف يُعرف أنه حيض لها حديثٌ في بابها.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الموجب السادس من موجبات الغُسل: انقطاع دم النِّفاس
فإذا انقطع دمُ النِّفاس فيجب عليها الغُسل، لقوله ﷺ لعائشةَ -رضي الله عنها- لما حاضت: ” أنَفِسْتِ “
فدل على أن النفاس يأخُذُ حكمَ الحيض.
والنِّفاسُ المعدودُ شَرعًا والمعتبَرُ فيه:
أن تُسقِطَ المرأةُ ما تبيّن فيه خَلْقُ الإنسان، كيدٍ أو رِجلٍ أو نحوِ ذلك؛
فإذا ألقَت نطفةً أو علقةَ دم أو مضغةً غيرَ مُخَطَّطَة: فليست بنفُسَاء ولا يجبُ عليها الغُسل؛ إنما يجبُ عليها إذا وَلَدَت ما تبيّن فيه خَلْقُ الإنسان،
والمسألةُ في النِّفاس لها حديثٌ في بابها، فإن المراد هنا أن نعرِفَ أن النفاسَ مِن جُملةِ موجبات الغُسل.
ولكن هناك مسألة وهي: مسألةُ ولادةِ المرأةِ طفلاً أوجنينًا عاريًا مِن الدم، هل يجبُ عليها الغسل؟
وهذا قد يندُر أن تُنجِبَ المرأةُ طفلاً عارياً من الدم، فهل يجب عليها الغسل أو لا يجبُ عليها؟
المسألةُ اختلف فيها العلماء، فقال بعضُ العلماء: لا يجب عليها الغسل وذلك لأن النفاس حقيقة هو نزول الدم، بدليل أن النبي ﷺ قال لعائشةَ -رضي الله عنها-: ” أنَفِسْتِ ” وهذا النازلُ منها هو الدم، ويكونُ الولدُ طاهرًا لا يجب غَسْلُه لعدمِ وجودِ النجاسة.
وقال بعضُ العلماء: يجبُ عليها الغُسل، لأن النفاسَ حقيقةً هو نزولُ الجنين، ولذا إذا نزل منها تنفست الصُّعَداء، فنزولُه منها تنفيسٌ وتخفيفٌ عليها،
والمسألة محتملة، والاحتياطُ أن تغتسل المرأة،
ولوجاء حديث يأمُرُ عليه الصلاةُ والسلام النُّفساء أن تغتسل لقلنا بوجوب الغُسل وُجِدَ الدم أو لم يوجد لعدم التفريق، لكن لم أطّلِع على دليلٍ يأمر النفساءَ بالغسل، وإنما هو مَقيسٌ على دمِ الحيض، والله أعلم بالصواب.
ــــــــــــــــــــــــــــ
فهده هي موجبات الغسل
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ