بسم الله الرحمن الرحيم
باب الغُسل/ الدرس الخامس والخمسون من الفقه الموسع
لفضيلة الشيخ: زيد بن مسفر البحري
______________________________________
مسألة/ [مَن لَزِمَه الغُسل حَرُمَ عليه الصلاة، والطواف، ومس المصحف، وقراءة القرآن]
فالمحدِثُ حدثاً أكبر تحرُمُ عليه أشياء، وسبق أن الحدث الأصغر تحرم عليه أشياء وهي:
[الصلاةُ والطوافُ ومَسُّ المِصحف] وسبق ذكر الأدلة،
لكن زاد الحدثُ الأكبر: أنه يحرُمُ أن يقرأ الجُنُبُ القرآنَ عن ظَهْرِ قلب -وهذا على ما رجحنا-
وأما على القول الآخر: فيكونُ المُحَرَّمُ على المُحدثِ حدثاً أصغر هو المُحَرَّم على المحدث حدثاً أكبر.
وعلى القول بأنه لا يقرأ: فله أن يقرأَ آيةً تتضمنُ دعاءً، فإذا قرأ آيةً تتضمن دعاءً كقوله تعالى:
{رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا} وغيرَها من الآيات، قرأها بِقَصدِ الدعاء فلا حرج،
وله أن يَذكُرَ اللهَ عزوجل: لحديث عائشة -رضي الله عنها-:
” أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَذْكُرُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى كُلِّ أَحْيَانِهِ “
وله أن يتفكر فيه من غير تحريك للسان والشفتين: وهذا يدل على أن الكلام لايكون كلاماً إلا إذا تضمن معنًى وحرفاً،
وقد قال بعض الفقهاء: له أن يقرأ بعضَ آية ما لم يقصُد التحايُل، ولا أرى لهم دليلاً من المرفوع إلا دليل
” فَأَمَّا الْجُنُبُ فَلَا، وَلَا آيَةَ ” فعلى القول بصحته: يكونُ مفهوم ” فَلَا، وَلَا آيَةَ “
أن ما دون الآية يجوزُ قراءتُها، ولعل ما يؤيدهم ما جاء عن بعضِ الصحابة -كما ذكر الترمذي في سنته- أنهم كانوا يتجاوزون في الحروف والحرفين،
ولكن الصواب: هو المنع، لأن الحرفَ الواحد مِن القرآن، إلا إذا كان هناك إجماع فالعُمدةُ على الإجماع.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مسألة/ [يجوزُ دخولِ الحمام معَ أمْنِ الوقوعِ في مُحَرَّم، ولا يجوزُ للمرأةِ إلا عند الضرورة]
هذه المسألة، مسألةُ الحمام: تُذكَرُ في باب الغُسل لحاجةِ الناسِ إلى هذا الحمّام،
وليس المرادُ بالحمّام ما هو في عُرفِنا، وإنما المراد ما كان في العُرفِ السابق، وهو:
حمّامُ البُخار الذي يَستدفِئُ به المُغْتَسِل.
وقد قال بعضُ العلماء: ليس هناك حديثٌ يصح في الحمام،
وتُعُقِبَ مِن الألبانيِّ رحمه الله، فقال: ورد حديث:
” اتقوا الحمّام، قالوا: يا رسولَ الله إنه يُنْقِي، فقال ﷺ: فمن دخله فلْيستتر”
والصحابةُ -رضي الله عنهم – قد دخَلوا هذا الحمّام، ومِن ثَم:
فيجوزُ دخولُه إذا أمِنَ مِن الوقوعِ في مُحَرَّم، ككَشْفِ العورة، أو النظرِ إلى عوراتِ الآخَرين، لأن هذا الحمّام لا يخلو أن تُكشَفَ فيه العورات، ولذا قال الإمامُ أحمد رحمه الله: ” لا يبنيهِ عَدْل “
ولكن شيخ الإسلام قال: إن قول الإمام أحمد مبنيٌّ على إذا لم تكن هناك ضرورة، وذلك كالبلدان الحارة أما البلدان الباردة فلا يدخُلُ قولُه، وذلك لأن الحمامَ قد يُحتاجُ إليه للإتيانِ بواجب كاغتسالٍ مِن جنابةٍ ونحوه؛ هذا بالنسبة للرجل، أما بالنسبة للمرأة: فإنه لا يجوزُ أن تدخُلَ الحمّام، لقول النبي ﷺ:
” مَا مِنِ امْرَأَةٍ تَخْلَعُ ثِيَابَهَا فِي غَيْرِ بَيْتِهَا إِلَّا هَتَكَتْ مَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى “
وهذا يشمل في هذا الوقت محلات المسماة بـ (الكوافير)
ولكن قال شيخُ الإسلام: يجوز لها الدخول إذا كانت هناك ضرورة، أما إذا لم تكن فيحرُم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مسألة/ [الأغسالُ المستحبة]
الأغسالُ المستحبةُ أنواع، وهذه الأنواع منها ما دَلَّ عليه الدليل، ومنها ما لم يَدُلّ عليه الدليل،
فمن الأغسال المستحبة:
الأول: الغُسْلُ لصلاةِ الجُمُعة لمن حَضَرَها -وهذا على أحد الأقوال- وسيأتي له مزيدُ حديثٍ في مسائلِ صلاة الجمعة -بإذن الله تعالى- لأن مسائلَه متفرعة، فالأولى به أن يُذكَرَ هناك.
النوع الثاني مِن أنواعِ الأغسالِ المُستحَبّة: الغُسلُ مِن تغسيل الميت -وسبق معنا-.
النوع الثالث: الغُسلُ لصلاةِ العيد -وسيأتي في بابه إن شاء اللهُ تعالى –
الغُسلُ الرابع: مَن أفاق مِن جنونٍ أو إغماء، والدليلُ: أن النبي ﷺ لما أغمِيَ عليه في مرضِ مَوْتِه فأفاق اغتَسَل، وهذا الغُسْلُ مستحب ما لم يكن هناك احتلامٌ حَصَلَ في جنونه أو إغمائه فيكونُ واجبًا.
النوع الخامس: الاغتسالُ للمستحاضةِ عند دخولِ كلِّ وقتِ صلاة -وهذا سيأتي في باب الحيض –
النوع السادس: الاغتسالُ عند الإحرام -وقد ذُكِرَ مُفَصَّلًا في دورة الحج، فلْيُراجَع هناك –
النوع السابع: عند دخولِ مكةَ ولو لم يُرِد نُسُكًا -وسبَقَ بيانُه في دروة الحج مفصلاً، فلْيُراجَع هناك –
النوع الثامن: -عند بعضِ العلماء- الغُسلُ لصلاةِ الكسوف، والصحيح: أنه لا يجوز ولا يُشرَع لعدم فِعلِه عليه الصلاةُ والسلام، ولأن الإنسانَ مشغولٌ بأمْرٍ أهمّ، فقد يفوتُ سبَبُ هذا الكسوف.
النوع التاسع: -عند بعض العلماء- الاغتسال لصلاة الاستسقاء؛ والصحيح: أنه لا يُشرَع لعدم الدليل،
وأما قياسُه وكذلك قياسُ الاغتسالِ للكسوف على الجُمُعة وعلى العيد باعتبارِ أنهما صلاتانِ يحصُلُ فيهما الاجتماع فقياسٌ لا دليلَ عليه، وقياسٌ مع الفارِق.
النوع العاشر: -عند بعض العلماء- الاغتسال لطواف الإفاضة؛ والصحيح: أنه لا يُسَن لعدم الدليل.
النوع الحادي عشر: -عند بعض العلماء- الاغتسالُ لرَمْيِ الجمرات، والصحيح: أنه لا يُشرَع لعدم الدليل، وقياسُ هذه الأشياء على الاغتسالِ عند الإحرام قياسٌ مع الفارق،
فهذه الأسبابُ وُجِدَت في عصرِ النبي ﷺ ولم يَفْعَلْها.
النوع الثاني عشر: الاغتسالُ في يومِ عَرَفَةَ -عند بعض العلماء- لِفِعلِ ابنِ عمرَ رضي الله عنهما كما في موطأ الإمامِ مالك، وهذا يختارُه شيخُ الإسلامِ -رحمه الله-، وبعض العلماء يقول: أنه لا يُشرَع، بل يقول إنه من البدع -وهو رأيُ الألباني – ولعله لم يطّلِع على كلامِ شيخِ الإسلامِ رحمه الله، ويستدِلُّ بعدمِ فِعلِ النبي ﷺ، وأما أنه يصِلُ إلى التبديع ففيه مُبالَغَة، لو قيل: (الأولى تَرْكُه) لكان أحسن.
هذه جملةٌ من أنواعِ الأغسالِ المستحبة ما يُشرَعُ منها وما لا يُشرَع، وبعضُها سيأتي بإذن الله مُفَصَّلاً، وبعضُها قد مَرَّ معنا؛ وبهذا ينتهي الحديثُ عن أحكامِ ومسائلِ بابِ الغُسْل.