الدرس ( 59 ) باب التيمم ( 4 ) ( لا يجوز تأخير الصلاة عن وقتها ــ الترتيب بين طهارة الماء والتراب ـ طلب الماء )

الدرس ( 59 ) باب التيمم ( 4 ) ( لا يجوز تأخير الصلاة عن وقتها ــ الترتيب بين طهارة الماء والتراب ـ طلب الماء )

مشاهدات: 485

بسم الله الرحمن الرحيم

باب التيمم – الدرس التاسع والخمسون- من الفقه الموسع

لفضيلة الشيخ/ زيد البحري

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

مسألة/ [ لا يجوزُ تأخيرُ الصلاةِ عن وقتِها بحجةِ انتظارِ الماء ]

الشرح/ صورة هذه المسألة:

 أن يَعدِمَ إنسانٌ الماءَ فينتظرَه حتى يكون آخِرُ الوقت، فيخرُجُ عليه الوقتُ وهو لم يصل انتظارا للماء،

 

أو أن الإنسان يأتي في آخر الوقت راجيا في أول الوقت أن يحصُلَ على الماء في آخره، فلما جاء آخِرُ الوقت إذا بهذا الماء يتناوبُ عليه الكثير، فإن انتظر صلّى بعد الوقتِ بالماء، وإن لم ينتظر صلى في الوقت بالتيمم؛ وهذا المسألة اختلف فيها العلماء:

 

القول الأول: إن أتى في آخر الوقت ولم تصِل إليه النوبةُ إلا بعد خروج الوقت فإنه لا يصلي لأن الماء موجود.

القول الثاني: يجب أن يصلي، وذلك حتى لا تخرج الصلاة عن وقتها إذ قال عز وجل:

{إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا}

والنبيُّ ﷺ في صلاةِ الخوف -مع هذا العذر الشديد -ما كان يدعُ الصلاةَ حتى يخرج وقتُها ليزولَ عذرُه، والنصوصُ في وجوب أداءِ الصلاةِ في وقتها كثيرة -تأتي بإذن الله تعالى في شروط صحة الصلاة –

 ومِن هذه الشروط ( دخول الوقت )

ولكن قالوا: إن صلى فإنه يُعيد الصلاةَ بطهارة الماء لأن الله عز وجل قال: { فلم تجدوا ماءً}

 

 ولكن الصحيح هو القول الثالث: من أنه يصلي في الوقت بالتيمم ولا إعادةَ عليه، أما وجوبُ صلاتِه في الوقت فللنصوصِ المذكورةِ آنِفا، ولأنه لو انتُظِرَ الماءُ لما كان في مشروعية التيمم أيُّ فائدة،

 وأما عدمُ وجوبِ الصلاةِ مرةً أخرى: فلأن الشريعةَ لم تأت بهذا، قد قال النبي ﷺ كما في سنن أبي داود:

” لَا تُصَلُّوا صَلَاةً فِي يَوْمٍ مَرَّتَيْنِ “

 وهذه قاعدةٌ يجب أن يعرفها المسلم، وهي:

 [ وجوبُ أداءِ الصلاة في وقتها على أي حالٍ يكونُ عليها المسلم ].

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

مسألة / [ الترتيبُ والموالاةُ بين طهارةِ الماء وطهارةِ التراب لا تُشترط ]

الشرح/ صورةُ هذه المسألة:

أن يُجرَحَ الإنسانُ مثلا فلا يستطيع أن يغسِل هذا الجُرحَ المكشوفَ، ولا مَسْحَه بالماء، وكان هذا الجُرحُ في أحدِ أعضاءِ الوُضوء كاليدِ مثلا، فإن الواجبَ عليه أن يتوضأَ وأن يتيممَ عن هذا الجُرح،

 لكن هل يُشترط الترتيبُ والموالاة؟

القولُ الأول: يشترط الترتيب والموالاة إن كان في الحدث الأصغر، وذلك لأن الترتيب والموالاة شرطان في طهارة الماء في الحدث الأصغر،

وأما الطهارةُ من الحدث الأكبر فهي لا تشترطُ في طهارة الحدث الأكبر بالماء، فكذلك بالتراب،

 ويكونُ على هذا القول: عليه أن يتمضمض ويستنشق ويغسلَ وجهَه ويغسلَ يدَيه إلّا مَوضِعَ الجُرح، ويتيمم عن هذا الجُرح قبلَ أن ينتقِلَ إلى مَسْحِ الرأس، ثم يغسِلَ قدمَيه.

 

القول الثاني: ويختارُه شيخُ الإسلامِ رحمه الله فيقول:

 إن الترتيب والموالاة لا يشترطان، وذلك لعدم الدليل، بل قال رحمه الله:

 إن فَصْلَ طهارةِ الماء بطهارةِ التراب مِن البدع، ولذا/

 فله أن يتيمم قبل أن يتطهّرَ بطهارةِ الماء،

 وله أن يؤخّرَ طهارة الترابِ بعد طهارةِ الماء.

 وكذلك الشأنُ في الموالاة: فلو أن إنسان نسيَ أو جَهِلَ أن يتيممَ عن مَوضِعِ جُرحِه، أو حتى لو تعمّد، ثم بعد فاصِلٍ طويل تيمم عن هذا الجُرح: فإن طهارتَه تامة، ولا شيءَ عليه، وهذا هو القولُ الراجح.

 

 وهذه المسألة تسوقُنا إلى مسألة أخرى وهي:

 [ الترتيبُ بين أعضاءِ التيمم ]

فإن طهارة التراب تكون في عضوين هما: الوجهُ والكفان، فهل يجب أن يُرتبَ بين هذين العضوين بحيث يبدأُ أولا بالوجه ثم باليدين؟

اختلف العلماءُ في هذا:

القول الأول: يشترط الترتيبُ وكذا الموالاةُ في الحدث الأصغر، وأما في الحدث الأكبر فلا يشترطان للعلة السابقة في المسألة الأولى، ودليلُ هذا القول:

الدليل الأول: قوله عز وجل: {فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُم مِّنْهُ}

فقدّمَ الوجهَ على اليدين، وما كان مُقَدَّمًا في كتابِ الله عز وجل فله مَزَيّة إلا إن جاء دليلٌ يُخرِجُه،

 ودليلُ هذه القاعدة: أن النبي ﷺ قال كما عند مسلم لما بلغ الصفا: ” أبدأ بما بدأ اللهُ به “

 فبدأ بالصفا لأن الله عز وجل بدأ بها في قوله تعالى: {إن الصفا والمروةَ مِن شعائرِ الله}

 

الدليل الثاني: لأن النبي ﷺ في حديث عمّار بدأ بِذِكْرِ الوجهِ قبل الكفين، فيكونُ قوله عليه الصلاة والسلام موافقا لما جاءت به الآية.

 

الدليلُ الثالث: أن التيمم بدل عن طهارةِ الماء، والبدلُ يأخذُ حكمَ المُبْدَلِ منه.

 

والقول الثاني: أن الترتيبَ والموالاة شرطان في الحدثِ الأصغر والأكبر،

 ودليلُ هذا القول:

الدليل الأول: حديثُ عمّار، فإنه جاء في التيمم، فجاءت الصفةُ مرتبةً مبدوءً فيها أولا بِذِكْرِ الوجهِ ثم الكفين،

 ويردُّ أصحابُ هذا القول على أصحابِ القول الأول الذي فَرَّقَ بين الحدثِ الأصغر والحدثِ الأكبر:

 فقالوا/ إن حديث عمار يُبطِلُ ما ذكرتم، ولأن قياسَ طهارةِ الترابِ بطهارةِ الماء في الحدثِ الأكبر قياسٌ مع الفارِق، لأن التيممَ تطهيرٌ لعضوين في الحدث الأكبر، أما في طهارة الماء فإنها تكونُ لجميع البدن، وهذا القولُ أصوبُ مِن القولِ الأول.

 

والقول الثالث: إن الترتيبَ والموالاة لا تشترطان،

 فدليلُ عدمِ اشتراطِ الموالاة: عدمُ الدليل، فليس هناك دليلٌ يقولُ بِفَرْضِيّةِ الموالاة،

 وأما الترتيب فقالوا: إن ذِكْرَ الوجهِ في الآية مُقَدَّمًا على ذِكْرِ اليدَين، لا يُرادُ منه الترتيب لأن السنةَ أخرجَتْهُ، فقد جاء في إحدى روايات عمّار في صحيح البخاري ( جاء تقديمُ الكفين على الوجه )

 بل جاء عند أبي داود أن النبي ﷺ قال:

 ( تمسحُ بشمالك على يمينك، وبيمينك على شمالك، ثم تمسحُ وجهَك )

فقد جاءت الرواياتُ بالعطف ( بالواو ) وهي لا تقتضي الترتيب لا في رواية تقديم الوجه على اليدين ولا في رواية تقديم اليدين على الوجه، لكن هذه الرواية أتت بـ ( ثم ) وهي تفيدُ الترتيب،

 وهذا هو اختيارُ ابن حجر رحمه الله: أن الترتيب ليس بشرط، وهو الصواب.

 

أما الموالاة فالذي يظهر: أنها شرط، وذلك لأن النبي ﷺ أوضَحَ التيممَ لعمار في قوله وفِعْلِه عليه الصلاة والسلام، مع أن عمارا كان جاهلا ولذا تمرغ كما تتمرغُ الدابة، فلو كان هذا غيرَ مشروطٍ أو غيرَ مُعتبرٍ لبيّنه النبي ﷺ،

ويَبْعُد أن يُقالَ لشخص تيمم في الصبح فمسَحَ وجهَه، وعند أذانِ الظهر مَسَحَ كفّيه؛ يَبعُدُ هذا عن أن تكونَ هذه طهارةَ تيمم.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

مسألة/ [ يجب أن يطلُبَ الإنسانُ الماءَ قريبا منه عُرفا ]

الشرح/ صورة هذه المسألة:

 أن الإنسانَ إذا عَدِمَ الماء فيجبُ عليه أن يَطلُبَ هذا الماء، ولكن يُشترط في طلبِه لهذا الماء أمور:

 

أولا/ أن يكون هذا الطلبُ قريبا عُرفا، وذلك حتى لا تحصُل عليه مشقة إذا طُلِبَ منه أن يطلُبَ الماءَ في البعيد، ويكونُ هذا الطلبُ في القُرب مشروطٌ بالعُرف، فَطَلَبُ الماءِ قُربًا في الزمنِ الماضي ليس كهذا الزمن، وذلك لاختلافِ وسائلِ النقل، فما كان طلبُه قريبا بالإبل ليس كمن يكونُ طلبُه قريبا بالسيارة، فيكونُ هذا القُربُ مشروطا بالعُرف.

 

الشرطُ الثاني/ ألا يترتبَ على طلبه خروجُ وقتِ الصلاة – وقد سبق أنه يجب أن تؤدى الصلاةُ في وقتها مهما كانت حالةُ الإنسان – ودليل هذا الطلب قولُ اللهِ عز وجل: {فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء}

 

فلا يتحققُ عدمُ الوجود إلا بطلبِه، فإذا لم يطلُبْهُ لم يَصدُق عليه أنه عادِمٌ للماء.

الشرطُ الثالث/ ألا يترتبَ في طلبِه ضررٌ عليه أو على أهله، أو على رفيقه، وذلك فيما لو طلَبَه لزادَ مرضُه، أو لتأخّر شفاءُ مَرَضِه، أو ضَيّعَ أهلَه، أو رفيقَه، أو ما شابه ذلك مِن هذه الأضرار،

 لقول النبي ﷺ كما في المسند وسنن ابن ماجه: ” لا ضرر ولا ضرار “.

 

وهنا مسألةٌ طارئةٌ يذكرُها الفقهاء وهي:

 لو أنَّ الإنسانَ خَرَجَ لاحتطابٍ ونحوِهِ، ولم يستطع حَمْلَ الماء ولا الرجوعَ للوُضوء إلّا بتفويتِ حاجتِه فإن له أن يتيمم، وصورتُها:

أن يريدَ الإنسانُ أن يحتطب لكن لا قدرةَ له على حَمْلِ الماء، ثم لو عاد إلى مَوْضِعِ الماءِ ليتوضأ فاتت حاجتُه، فهنا: له أن يتيمم؛

لكن لو استطاع أن يعودَ لموضِعِ الماء دون أن تفوتَ حاجتُه: فلا يجوزُ له أن يتيمم،

وأما إن استطاع أن يحمِلَ الماء فَفَرّط، فلما حضرتِ الصلاة لم يجد ماءً لأنه ضَيّعَ الحزْمَ، فهل له أن يتيمم، أم لا يجوزُ له لتفريطِه؟

قال شيخُ الإسلام – رحمه الله – مِن الفقه في شأنِ مَن ضَيّعَ الحَزْمَ بِتَرْكِ الماء:

 مِن الفقهِ أنه يجوزُ أن يتيمم؛ والصحيح أنه لا يُعيد، وذلك لأن النبي ﷺ قال كما في أبي داود:

” لَا تُصَلُّوا صَلَاةً فِي يَوْمٍ مَرَّتَيْنِ “

وهذا صادِقٌ عليه أنه لم يجد الماء، ولا يُنظَرُ إلى حالتِه السالفة،

 إنما يُنظَرُ إلى حالتِه الحاضِرَة.

 

سؤال/ هل يجب طلب الماء حتى يتيقن أنه غير موجود كما يكون في الصحراء؟

الجواب / نعم.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ