الدرس ( 6 ) من شرح منهج السالكين ( كتاب الطهارة ـ إزالة النجاسة والأشياء النجسة )

الدرس ( 6 ) من شرح منهج السالكين ( كتاب الطهارة ـ إزالة النجاسة والأشياء النجسة )

مشاهدات: 369

بسم الله الرحمن الرحيم

شرح منهج السالكين – كتاب الطهارة ـ الدرس ( 6 )

فضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

بسم الله الرحمن الرحيم

والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آلة وصحابته وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين، أما بعد

 

ثم قال المصنف رحمه الله:

 [ ويكفي في غَسْلِ النجاسات على البدن، أو الثوب، أو البُقعة، أو غيرها: أن تزول عينُها عن المَحَلّ،

 لأن الشارعَ لم يشترط في غَسْلِ النجاسة عدداً إلا في نجاسة الكلب، فاشترط فيها سبعَ غسلات إحداها بالتراب للحديثِ المتفق عليه ].

الشرح/

مفادُ هذا الكلام منه رحمه الله: أن تطهيرَ النجاسةِ يكون بإزالةِ عينِها وأثَرِها،

 ومِن ثَم: لو أن النجاسة لم تُزَل بماء، إنما أزيلت بمُطَهِّر، مثال: وقعت نجاسةٌ على هذه الفرشة، فجيءَ بمطهر دون أن يُخلَطَ بماء، فأزالها، أتطهُر أم لا؟

 قولان لأهل العلم، والصواب: أنها تطهُر، لأن النجاسة عينٌ مستقذرة، متى مازالت زال حكمُها،

 ولذا النبي ﷺ بيّن أن النجاسةَ تُزال بِدَلْكِها على الأرض، كما لو علق بالنِّعال نجاسة، فطهارتهما أن يدلكهما بالتراب كما جاء في سنن أبي داود.

لو أنقيت النجاسة بِغَسْلَة واحدة، هل تلزمُنا غسلة ثانية؟ لا.

إذًا: غَسْلُ الدُّبُر بالماء بعد النجاسة، كم عدد الغسلات؟

الجواب: حتى تطهُر، بواحدة أو بثلاث أو بأكثر،

وأما الاستجمار: فلابد مِن ثلاث فأكثر حتى يحصُلَ الإنقاء.

لو قال قائل: ما علامةُ الإنقاء في الاستجمار؟

 الجواب: هناك ضابطان، أحسنُهما أن يعودَ إليك الحجرُ غيرَ مبلول، تتنظف بالحجارة،

بالأولى ثم الثانية ثم الثالثة، ثم تنظر إلى الثالثة: إن عاد إليك الحجر من غير أن يكون فيه أثر فهذه علامةُ الإنقاء، أن يعودَ إليكَ الحجرُ غيرَ مبلول.

 

أما علامة الإنقاء في الاستنجاءِ بالماء:

 أن تعودَ خشونةُ المَحَل، فإذا بقيت اللزوجةُ في المَحَل فليس هذا إنقاء، الإنقاء في الاستنجاء يكون أن تعودَ خشونةُ المحل الذي هو الدُّبُر.

ـــــــــــــــــــــــــــــــ

 

ثم قال المصنف رحمه الله: [ لأن الشارع لم يشترط في غسْلِ النجاسة عدداً إلا في نجاسة الكلب، فاشترط فيها سبع غسلات إحداها بالتراب ]

الشرح/

مراد المؤلف رحمه الله من هذا الكلام:

أن يبينَ أن الضابطَ والمُعَوَّلَ عليه أن تزولَ النجاسة، بِقَطْعِ النظرِ عن عددِ الغَسلات،

 فلو وقعت نجاسةٌ على ثوبِك أو مَحَلِّ صلاتِك فإن طهارَتَها تكونُ بإزالتِها سواءٌ كانت مرةً أم مرتين أم ثلاث أم سبع أم أكثر أم أقل،

 وأما ما جاء عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: ” أُمِرْنا بِغَسْلِ الأنجاسِ سَبْعًا “

 فهو حديثٌ ضعيف لا يصح.

 ومما يدل على عدمِ اشتراطِ العدد:

ما جاء في قصةِ ذلك الأعرابيّ في الحديثِ المتفق عليه، أنه لما بالَ في ناحيةٍ مِن نواحي المسجد أمَرَ النبيُّ عليه الصلاة والسلام أن يُراقَ على بولِه ذَنوباً مِن ماء، ولم يشترط عددا عليه الصلاة والسلام؛

 وهذا بالنسبة للنجاسة المتوسطة، لأن النجاسة نوعان:

نجاسةٌ عينية.

نجاسةٌ حكمية.

فالنجاسة العينية: مثلُ/ روثة الحمار- عَذرَة الإنسان- روثة الكلب، ونحوِها.

 فإن هذه الروثة أو هذه العَذرة لابن آدم، نجاستُها نجاسة عينية، بمعنى: لو صببتَ عليها ماءً كثيرًا ما طهُرَت، فهذه ليست مُرادَه معنا في بابِ النجاسات في الفقه،

 والفقهاء لا يريدون في الحديث عن النجاسة الحديث عن النجاسة العينية،

 إنما مقصودُهم هو القسم الثاني، وهو: النجاسة الحكمية.

ما هي النجاسة الحكمية؟

أن تقع النجاسة على ثوبِكَ الطاهر، إذا غُسِلَت هذه النجاسة فزالت، طَهُرَ هذا الثوب،

 فالنجاسةُ هنا: نجاسة حكمية،

وقعت نجاسةٌ على سجادة: نفس الحكم، نجاسة حكمية.

إذًا/ حديث الفقهاء عن النجاسة الحكمية.

 هذه النجاسة الحكمية تنقسمُ إلى ثلاثة أقسام:

القسمُ الأول/ النجاسة المغلظة: وهي نجاسة الكلب كما سيأتي معنا.

القسمُ الثاني/ النجاسة المخففة: وهي بولُ الرضيع الغلام الذي لم يأكل الطعام، فنجاسته كما سيأتي نجاسةٌ مخففه.

القسمُ الثالث/ النجاسة المتوسطة: وهي ما عدا هذين النوعين.

كيف نصنع بالنجاسة المتوسطة؟

 سبق بيانُ ذلك: متى ما أزيلت زالَ حكمُها بِقَطْعِ النظر عن عددِ الغَسلات.

بول الحمار على الثوب الطاهر: نجاسة متوسطة.

فالنجاسةُ المتوسطة تقدّمَ بيانُ حُكْمِها.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

النجاسة المغلظة: هي ما ذكرها المصنفُ رحمه الله إذ قال: [ لا في نجاسة الكلب فاشترط فيها سبع غسلات إحداها بالتراب] هذه هي النجاسةُ المغلطة، ما الدليل؟

الدليل قول النبي ﷺ كما في الصحيحين:

” طُهُورُ إِنَاءِ أَحَدِكُمْ إِذَا وَلَغَ فِيهِ الْكَلْبُ أَنْ يَغْسِلَهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ أُولاَهُنَّ بِالتُّرَابِ “

هذه النجاسةُ المغلظة يُحتاج فيها إلى كم؟

إلى سبعِ غَسلات، مِن بينِ هذه الغسلات واحدة بالتراب،

 ومِن ثَم: فإن الحديثَ نَصَّ على نجاسة الكلب، فهل يُقاس عليه الخنزير مع أنه أخبثُ مِنه،

 فإذا وقعت نجاسةُ الخنزير مثلا في إناء، أو وَلَغَ في إناء:

 هل يُغسَل سبعَ مرّات أولاهنّ بالتراب كالكلب لأنه أخبث، أم لا؟

 قولان لأهل العلم، والصواب: أنه لا يُقاسُ عليه، لمَ؟ لأن الخنزيرَ كان موجوداً في عهد النبي ﷺ ولم يبين له حكماً، فدل على افتراقٍ بين الكلب والخنزير.

 

 وكذلك نصَّ الحديثُ على الولوغ، والولوغ يحصل معه خروجُ اللعاب:

 فهل تكونُ عَذرَةُ الكلب أو بولُه داخلةً في نفسِ الحكم؟

 الصحيح: أنها داخلة، وذلك لأن بولَه أخبثُ وأقذرُ مِن ريقِهِ.

 

 ونصَّ الحديثُ على التراب، فهل يُقاس غيرُه عليه، بمعنى: لو أُتِيَ بصابون أو مادةٍ مُطَهِّرَة في هذا العصر، فاكتُفِيَ بها عن التراب، أتُغني هذه المادةُ عن التراب؟

الجواب/ قولان، والصواب: أنه لا غِنى عن التراب، وذلك لأن التراب له خاصيّةٌ قد لا توجدُ في غيرِه، بل ثبت عن طريقِ الطب: أن لعابَ الكلب تنبعثُ منه دودةٌ شريطية لا يقتُلُها إلا التراب.

 

ونصّ الحديثُ على سبع، وجاء في صحيح مسلم، قول النبي ﷺ:

” إذَا وَلَغَ الْكَلْبُ فِي الْإِنَاءِ، فَاغْسِلُوهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ، وَعَفِّرُوهُ الثَّامِنَةَ فِي التُّرَابِ  “

قال ﷺ: ” وَعَفِّرُوهُ الثَّامِنَةَ فِي التُّرَابِ  “

فتكونُ هذه الرواية كما قال النووي رحمه الله:

 إن النبي ﷺ أوقع التراب موقِعَ غَسْلة، وإلّا فالأصل أنها سبعُ غسلات مِن بينها: التراب.

 

وهذا التراب إما أن يُوضَعَ معه ماء حتى يتكدر، ويُلطَخَ به الإناء، أو يُذَرُّ ذَرًّا على الإناء، فالحديثُ لم يُبين شيئاً مِن هذا.

 ولْتعلم: أن الكلبَ المُعَلّمَ الذي يُصادُ به، هو يصيدُ بفمِه، فيكونُ هذا الصيدُ طاهراً لا يُلزَم الصائد بِغَسْلِهِ، وذلك لأن الشرع تسامح فيه.

 

وكذلك عمم الحديث، فالحديثُ لم يذكُر كلباً معينا، فيشمل أيَّ كلب، ولو قال قائل:

 أيُعذَرُ الإنسان في كلب الصيد أو في كلب الزراعة أو في كلب الحراسة التي رَخّصَ الشرعُ فيها فيُخفف على هؤلاء الذين اقتنَوها بجوازِ الشرع، أم لا؟

 قولان، والصواب: أن الحديثَ عمم ولم يذكُر صِنفاً معينا، فسواءٌ كان هذا الولوغ مِن كلبِ صيدٍ أو كلبِ ماشية أو كلبِ زَرْعٍ أو لم يكن، فإن هذا الحكمَ هو حُكمُه.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

 

ثم قال المصنف رحمه الله: [والأشياءُ النجسة: بولُ الآدمي وعذَرَتُه والدم، إلا أنه يُعفى عن الدمِ اليسير، ومثلُه الدم المسفوح مِن الحيوانِ المأكول دون الذي يبقى في اللحمِ والعروق فإنه طاهر].

الشرح/

قوله رحمه الله: [والأشياءُ النجسة] هذه مِن أي نوع مِن أنواع النجاسات الحكمية؟

 الجواب: المتوسطة.

 

قال رحمه الله: [بولُ الآدمي وعذَرَتُه] الدليل على نجاسة بول الآدمي:

 ما جاء في الصحيحين في حديث ابنِ عباس رضي الله عنهما، قال ﷺ في الذين يُعذبان في قبريهما قال: ” أما أحدُهما فكان لا يستتر مِن بوله “

وأما الدليل على نجاسة الدم: قول النبي ﷺ في المرأة التي يأتيها الدم في عادتها قال:

 ” ثم اغسلي عنك الدم وصلّي “.

والدم هنا أطلقه المصنف رحمه الله، والدماءُ أقسام:

النوع الأول/ الدم الذي يخرج من السبيلين: هذا نجس،

 لقول النبي ﷺ ” فاغسلي عنك الدم ” وهذه قاعدة: [ كلُّ ما خَرَجَ مِن السبيلين، مِن الذَّكَرِ أو الدُّبُر، فإنه نجِس، إلّا الريح والمنيّ والشيء اليابس الذي لم تحصُل معه رطوبة، بمعنى: أنه لم يؤثر في المَحَل، وهذا نادر، كما لو نزلت حصاةٌ مِن دُبُرِ الإنسان، وما أحدَثَت شيئا في مَحَلِّه، أي: في دُبُرِه، ما تأثر، فهذه لا حكمَ لها، لم؟

 لأن النجاسةَ لم توجد، فلما لم توجد لم يوجد حكْمُها.

-كما سيأتي بيانُه إن شاء الله-

النوع الثاني من أنواع الدماء/ دم السمك والجراد، هذا طاهر لأن ميتته طاهرة.

 

النوع الثالث/ دمُ الحيوان المأكول المسفوح، نجس، والمقصود مِن المسفوح، هو: ما يخرُجُ مِن الحَلْق عند التذكية، وذلك بِقَطْعِ الحُلقوم والمَريء والوَدِجَين، الدم النازل من هذا المَحل هو الدم المسفوح، فهذا نجِس، لقوله تعالى: {قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ} [الأنعام:145]

 

النوع الرابع من أنواع الدماء/ هو الدم الذي يبقى في لحم المُذَكّاة، فإذا ذكيتَ شاةً مثلًا، فقلنا: إن الخارجَ عن طريقِ الحُلقوم والمَريء والوَدِجَين (نجِس) لأنه دم مسفوح، لكنّ اللحم الآخَر يكونُ فيه دِماء كلَحمِ الكتِف، ولحم البطن، والفخذ، هذه فيها دماء، هذه الدماء طاهرة ولو كثُرَت،

إذا قلنا طاهرة: طاهرة ولو كَثُرَت.

 

النوع الخامس من أنواع الدماء/

هو الدم الذي يخرُجُ مِن البهيمة وهي حَيّة: فهذا الدم نجِس.

 

النوع السادس/ دم الشهيد، طاهر ولو كَثُر،

 لقول النبي ﷺ عن دم الشهيد: ” اللَّوْنُ لَوْنُ الدَّمِ، وَالرِّيحُ رِيحُ الْمِسْكِ “

فشبهه بالمسك، وهذا يدل على طهارته لا على نجاسته لأنه في سياق التكريم.

 

النوع السابع/ دمُ الآدميّ غير الشهيد،

مثلا: إنسانٌ خرَجَ مَن يدِه أو مِ رِجلِه دمٌ، أهوَ طاهر أم نجِس؟

 إن كان قليلًا: بالإتفاق يُعفى عنه.

 إن كان كثيرًا: فجمهورُ العلماء يرون أنه نجِس، ويُعفَى عن يسيرِه فقط،

والقولُ الآخَر: يرى أنه طاهر، وهذا هو الأقرب لعدم وجودِ الدليل على نجاسته،

 ولو احتاط الإنسان فاخذ برأيِ الجمهور فهذا شيءٌ حَسَن.

 

النوع الثامن/ دم ما لا نفسَ له سائلة، فهذا دمُهُ طاهر،

 ولكن لِتَعلَم: أنه لا يَلزَم مِن الطهارة أنه يجوزُ أكلُه أو شُربُه! فالسم طاهر ولا يجوزُ أكلُه،

 وكذلك الذباب: لو ضربت ذبابًا، وأبقت هذه الضربةُ دَمًا منه -الذباب له دم، لكنّ دمَهُ لا يسيل: فهذا الدم طاهر، ومثل: البعوض، مثل: الخُنفساء، مثل: العقرب، لقول النبي ﷺ كما عند البخاري:

” إِذَا وَقَعَ الذُّبَابُ فِي إِنَاءِ أَحَدِكُمْ فَلْيَغْمِسْهُ ثُمَّ لِيَنْزِعْهُ فَإِنَّ فِي إِحْدَى جَنَاحَيْهِ دَاءً وَالْأُخْرَى شِفَاءً “

ومعلوم أن الذباب إذا غُمِس سيموت، فإذا كان وهو ميّت لا يُنَجِّس هذا الإناء، فمن بابِ أولى دمُه

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

 

ثم قال المصنف رحمه الله: [ومن النجاسات: بولُ وروثُ كل حيوانٍ مُحرّم أكلُه]

الشرح/ كلُّ ما حُرِّمَ أكلُه فإن بولَه وروثَه نجِس.

 فالحمار بولُه وروثُه نجِس، لمَ؟ لأنه يحرم أكلُه.

 الخنزير، والقرد، وعلى هذا فقِس.

 

والتقييد بعلة [مُحرّم أكلُه]:

حتى لا يأتيَ آتٍ ويقول: الحمار بولُه وروثُه نجِس لأنه نجِس!

 لا! الحمارُ ليس بنجِس، ولذا: رَكِبَه النبيُّ ﷺ وكانت الأمطار تهطل، وَرَكِبَه الصحابة رضي الله عنهم، وتنبَعِثُ مِنه إفرازات كالعرَقِ ونحوِه، ومع ذلك لم يتوقّوا هذا، وهي قاعدة:

 [كلُّ ما طاف علينا فهو طاهرُ البدن] ففي السنن أن النبي ﷺ قال عن الهرة:

” إِنَّهَا لَيْسَتْ بِنَجَسٍ إِنَّهَا مِنَ الطَّوَّافِينَ عَلَيْكُمْ والطَّوَّافاتِ “

فريقُها وعرقُها وظاهرُ بدنِها: طاهر.

 الحمار مِن الطوافين: فريقُه ولعابُه وعرقُه طاهر.

 أما فضلاتُ الحمار كروثه وبوله ودمه؛ والهرة: روثُها وبولُها ودمُها: نجِس.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

ثم قال المصنف رحمه الله: [والسِّباعُ كلُّها نجِسَة]

الشرح/

السباع مثل: الأسد والفهد والنمر، فهذه نجِسَة.

 أما سُؤرُها، بمعنى: أنها لو شرِبَت مِن ماء أو أكلَت مِن طعام، فإن ما بَقِيَ منها:

 على الصحيح مِن قولَي العلماء، وهو رأيُ الجمهور: أنه طاهر.

 عند ابن ماجه: سُئل النبيُّ ﷺ عن آسار السباع، يعني: عن سؤرِها، وهي: البقية من طعامِها أو شرابِها، فقال ﷺ: ” لَهَا مَا حَمَلَتْ فِي بُطُونِهَا، وَلَنَا مَا غَبَرَ طَهُورٌ “

فلو شَرِبَ أسدٌ أو فَهْدٌ مِن ماء: فإن هذا الماء المتبقي منه طاهر.

 لكنَّ فضلاته: نجِسَة.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

ثم قال المصنف رحمه الله: [وكذلك الميتات إلا ميتةَ الآدمي، وما لا نفْسَ له سائلة، والسمكَ والجراد فإنها طاهرة، قال تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ} [المائدة:3]

الشرح/ هذا دليل على نجاسة الميتة،

 فكلُّ ميتةٍ نَجِسَة، والميّتُ مِن البهائم ما ماتَ حَتْفَ أنْفِهِ،

بمعنى: أنه لم يُذَكَّ -إن كان مما يُؤكلُ لحمُه-

 فالمييتاتُ كلُّها نجِسة، واستثنى: [إلا ميتةَ الآدمي] والآدميّ هو طاهر في الحياة وبعد الممات، لقول النبي ﷺ -كما ذَكَرَه المصنف-: ” المؤمن لا يَنْجُس حيًّا ولا مَيِّتًا “

 وكذلك استثنى: [ما لا نفْسَ له سائلة]  [ما لا نفْسَ] يعني: [ما لا دمَ]

[ما لا نفْسَ له سائلة]  له دم: لكنه لا يسيل، مثلُ: الذباب -العقرب- الخنفساء، ما الدليل؟

قول النبي ﷺ:

” إِذَا وَقَعَ الذُّبَابُ فِي إِنَاءِ أَحَدِكُمْ فَلْيَغْمِسْهُ ثُمَّ لِيَنْزِعْهُ فَإِنَّ فِي إِحْدَى جَنَاحَيْهِ دَاءً وَالْأُخْرَى شِفَاءً “

 

[والسمكَ والجراد فإنها طاهرة] ما الدليل؟

 ذكره المصنف رحمه الله:

” أُحِلَّتْ لَنَا مَيْتَتَانِ: الْحُوتُ، وَالْجَرَادُ، أما الميتتان: فالحوتُ والجراد ” وهذا هو موضع الشاهد من الحديث، ” وأما الدمان: فالكبدُ والطِّحال ” رواه أحمدُ وابنُ ماجه.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

ثم قال المصنف رحمه الله: [وأما أرواثُ الحيوانات المأكولةِ وأبوالُها فإنها طاهرة]

الشرح/

خُذْها قاعدة معك: وهذا هو رأيُ الجمهور وهو الصواب:

 [كل ما يُؤكَل لحمُه، فبولُه وَرَوثُه وَمَنِيُّه وقيؤه: طاهر]

 والدليل: جاء في الصحيحين أن النبي ﷺ أمَرَ العرنيين لما اشتكوا بطونَهَم مِن المرض، أمَرَهم أن يخرجوا إلى إبِلِ الصدقة، فيشربوا مِن أبوالِها ومِن ألبانِها،

والذي يُشرَب طاهر أم نجس؟ طاهر.

إذًا/ لو ذَهَب إنسان إلى سوقِ الغنم، فبالت عليه شاة، وحضرت الصلاة، وثوبُه قد تَلَوّث بهذا البول، فله أن يصليَ ولو كان كثيرًا، ولكنّ الأولى به: أن يَغسِلَه مِن بابِ التنظف والتجمل.

روثُ الضب: طاهر.

 إذاً/  [كل ما يُؤكَل لحمُه، فبولُه وَرَوثُه وَمَنِيُّه وقيؤه: طاهر]

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

ثم قال المصنف رحمه الله: [ومنيُّ الآدمى طاهر] ثم ذَكَر الدليل:

[كان النبي ﷺ يغسِلُ رَطْبِه ويَفرُك يابِسَه]

الشرح/ كما في حديث عائشة رضي الله عنها:

” كانت تغسِلُ الرطبَ منه، مِن ثوب النبي ﷺ، وكانت تفرُكُ اليابس “

ومعلوم أن الفرك لا يُطَهِّر، فلو أتيتَ إلى نجاسة وفَرَكْتَها فلا تطهُر، فدل على أن المني طاهر وهذا الصواب من أقوال العلماء،

 ومما يزيده قوّة: أن المني أصلُ عبادِ الله المطهرِين مِن الأنبياء والصالحين والأولياء،

 وتأبى حكمةُ الله أن يكونَ أصْلُ هؤلاء نجِسا.

 ولذا/ لو أن الإنسان احتلم فتبعثرَ هذا المني على سراويله وثيابِه، فاغتسلَ للجنابة، ولَبِسَ هذه الثياب فصلّى، ما حكمُ صلاتِه؟

 الصلاةُ صحيحة، لكن لا يعني إذا قلنا إنها طاهرة أن يُقدِم الإنسان على الصلاة وهو على غيرِ هيئةٍ حسنة، فعليه أن يأتيَ إلى الصلاة بأحسنِ ما لديه من الثياب.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

ثم قال المصنف رحمه الله: [وبول الغلام الصغير الذي لم يأكل الطعام بشهوة:

يكفي فيه النضح كما قال النبي ﷺ:

يُغْسَلُ مِنْ بَولِ الجَارِيَةِ، ويُرَشُّ مِن بَولِ الغُلامِ ” رواه ابو داود والنسائى ]

الشرح/ هذه المسماة النجاسة المخففة

وهي بول الغلام الرضيع الذي لم يأكل الطعام بشهوة،

 لو أن صغيرا يرضع مِن ثدي أمه، وكان ذَكَراً ليس أنثى، فبال على ثوبِك، فماذا تصنع به؟ تنضحُه، ولو غَسَلْتَه فهذا خيرٌ على خير، ولو نضحته، أي: رششتَ عليه الماء، لكفى، لما جاء في الصحيحين أن النبي ﷺ لما بال ذلك الصبي الذي لم يأكل الطعام على حِجْرِه، دعا بماء فنضحه عليه الصلاة والسلام.

 ولو سألتُ سؤالاً: بول الغلام الذكر الذي لم يأكل الطعام، بولُه نجِس أم طاهر؟

نجِس ليس طاهرا، لكنَّ نجاستَه مخففة.

 

ومِن هنا فقد أخرج الحديثُ الأنثى: الجارية البنت الصغيرة التي ترتضع من ثدي أمها،

 لو بالت فبولُها مِن أيِّ أنواعِ النجاسات الحكميّة؟

النجاسة المتوسطة، وحكم المتوسطة: الغَسل بقدر ما تزول هذه النجاسة.

 

 ويدل الحديث على أن غائطَ الصبي، مِن أيِّ أنواعِ النجاسات؟

 الحديث نَصَّ على البول، فالغائط مِن النجاسات المتوسطة، يُكتفى فيها بالغَسْل.

 

 لو أن هذا الغلامَ أكل     الطعامَ: فبولُه مِن النجاسات المتوسطة يجبُ فيها الغَسْل.

 لكن لو أن الصبي يُدخَلُ في فمِه الطعام، ولم يشتهِهِ: يعني: لم تشتق نفسُه إليه، لكنَّ أهلَه يضعونَ أشياءَ يسيرة من الطعام في فمِه كتمرةٍ أو شوربة أو ما شابه ذلك، مِن غيرِ ما تشرئبُّ نفسُه إلى هذا الطعام:

 فبولُه من النجاسات المخففة، ولذلك قال رحمه الله: [الذي لم يأكل الطعام بشهوة]

فالحكمُ باقٍ على ما هو عليه، ومما يدل على هذا أن النبي ﷺ كما في الأحاديثِ الصحاح:

” كان يُحَنِّكُ صبيانَ أهلِ المدينة عند ولادَتِهم بالتمر “

 لكن متى يخرُج مِن النجاسة المخففة إلى النجاسةِ المتوسطة؟

 عندما يأكلُ الطعام بشهوة، كأن يرى الطعام ويصيحُ عندَه، أو يتحرك، أو تظهَر منه أمارةُ حبٍّ لهذا الطعام، فإنه إذا وُضِعَ هذا الطعام في فمِه: فإن بولَه مِن النجاسات المتوسطة.

ولو سأل سائل، فقال: هو لا يأكل الطعام، وإنما يرتضع هذا الحليب المجفف، فقد يُولَدُ وهو ابن يوم أو يومين ويشرب مِن هذا الحليب المُجَفّف، فبال، فما حكم بولِه؟

 مِن النجاسات المتوسطة، لمَ؟ لأن هذا الحليب طعام، ليس مِن الآدميات وإنما هو مِن البقر أو من البهائم، وهو يشتاقُ إليه، ويصيحُ عندَه، ويرغبُ فيه.

 

 وأفاد هذا الحديث: بأن الحكمَ مَنوطٌ بالبول، فأما الغائط فنجاستُه نجاسة متوسطة.

 

 قيء الغلام: [استفراغُه] ليس بولا، وليس غائطا، فالقيء أخف من البول ومن الغائط، يعني أخف ما يكون هو القيء ثم البول ثم الغائط، لكن:

 هل القيء يدخُلُ ضِمنَ النجاسة المخففة أم ضِمنَ النجاسة المتوسطة؟

قولان لأهل العلم، والصواب: أن قيأه من النجاسات المتوسطة، وذلك لأن القيء لا يُقاسُ على البول، لأن البول باستمرار، وانتشارُه ليس كانتشارِ القيء، فنبقى على ما نصَّ عليه الحديث،

 لكن لِتَعلَم: أن الصبيَ لو قاءَ فإن ما يأتي بعد هذا القيء مِن لعاب فإنه طاهر، بمعنى:

 أن لعابَه الذي يأتي بعد قيئه طاهر،

لأن النبي ﷺ لم يأمر النساء في ذلك العصر أن يتوقين ما بعد هذا القيء.

 

 ولو قال قائل: ما الحكمة في التفريق بين الذكر والأنثى؟

أعلى الحِكَم هو اتباع الشرع، الشرع أمَرَ بهذا، سمِعنا وأطعنا، وهذه حكمة خذها معك دائماً، ولذلك في الصحيحين لما سألت تلك المرأةُ عائشةَ رضي الله عنها:

” ما بال الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة؟ “

فردتها عائشة رضي الله عنها لأمر الشرع قالت: ” كان ذلك يصيبنا على عهد رسول الله ﷺ فنؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة “

لكن العلماء استنبطوا حِكَماً، وقد تستنبط أنتَ حكماً أخرى، أو قد يستنبط غيرُك ممن يأتي، أو في هذا العصر، قد يستنبط حِكَما أخرى، لأن الحكمةَ ليست منصوصة،

 فقال بعض العلماء: لأن الذكرَ يُحمل كثيراً، فلو أمِرَ بِغَسْل بوله، لأن البول مستمر ليس كغائطه، لو أمر الناس بغسله لحصلت مشقة؛ بينما الأنثى الرغبةُ فيها أقلّ، وهذه طبيعة ابن آدم يرغب الذكر أكثر من الأنثى، فيكون حَمْلُها قليلاً بالنسبة إلى حمل الذكر.

 وقال بعض العلماء: لأن الذكر عنده قوّة هَضْم للطعام ليست عند الأنثى.

 وقال بعضهم: لأن بول الغلام لا ينتشر بينما بول الجارية ينتشر ويتفرق ويتبعثر في أماكنَ متعددة.

 وعلى كلٍّ، هذه حِكَم كلُّها تدخُل ضِمن هذا الأمر، ولا يعني أنَّ الحِكَم قد انتهت.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

 

ثم قال المصنف رحمه الله: [ وإذا زالت عينُ النجاسة طهُرَت]

الشرح/

النجاسة يسميها الفقهاء أو يجعلونها مِن باب التروك.

 ما معنى: مِن باب التروك؟

 أي: أنها لا تفتقر إلى نيّة، فلو أن ثوبَك قد تلوث بنجاسة فوضعته في السطح، فجاءت مياهُ الأمطار فغَسَلَتْهُ؛ (أنتَ لم تنوِ) فزالت النجاسة، طهُرَت أم لم تطهُر؟

 طهُرَت، لأنها مِن بابِ التروك، ليست من باب العبادات.

 وأفاد رحمه الله بهذا الكلام وكأنه يشير رحمه الله إلى أنه يرجح أحد القولين في مسألة،

ما هي هذه المسألة؟

أتُزالُ النجاسة بالماء فقط، أم أنه ممكن أن تزولَ النجاسة بالماء وبغير الماء؟

قولان لأهل العلم، فبعض أهل العلم يقول: لابد من الماء، فأي نجاسة تزال لابد من الماء.

 والقول الآخر: أن النجاسة عينٌ مستقذرة مستخبثة، متى ما زالت زال حكمُها، وهذا هو الصواب

 فلو وقعت نجاسة على هذه السجادة، وأتينا بمُطَهِّر مِن المُطَهِّرات المُستحدَثَة، فوَضَعْنا هذا المُطَهِّرَ على هذه النجاسة، فزالت هذه النجاسة،

فالصواب: أن هذا المكان يطهُر، لأن النجاسةَ زالت، فيزولُ حُكمُها.

 ومما يدل على هذا: أن الشرعَ تسامح في الاستجمار،

 فلو استجمرت بحجارة، أتُزيلُ هذه الحجارةُ كلَّ النجاسة؟

 الجواب: لا؛ والنبي ﷺ كما في سنن أبي داود، أرشَدَ إلى أن من أصابت نَعلَيه نجاسة، أن يدلِكَهُما بالتراب، هل هذا الدلك يُزيلُ كلَّ النجاسة؟

 لا؛ فدل على تسامح الشرع في هذا،

 فنقول: النجاسةُ عينٌ خبيثةٌ مستقذرَة، متى مازالت زالَ حكمُها، اللهم إلا في حالةٍ واحدة، ذَكَرناها وهي: نجاسةً الكلب فلابد من التراب، لكن لو انعدم التراب؟

 فعليه أن يضعَ شيئاً غير التراب، وهناك قاعدة وهي: [أن مع الضرورة يزول الضرر]

 إنسان في حالة اضطرار سيهلك إن لم يأكل من الميتة الخبيثة، لو أكل منها -هي مليئة بالأضرار والجراثيم- لو أكل منها لن تضرَّه بإذن الله، ففي حالة الضرورة-سبحان الله- ينتفي الضرر،

 فإذا انعدم التراب: فاستخدم غيرَه كفى إن شاء الله تعالى.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

ثم قال المصنف رحمه الله: [ولم يضر بقاءُ اللون أو الريح، كما قال النبي ﷺ لخولةَ بنت يسار في دم الحيض: ” يَكْفِيكِ الْمَاءُ وَلَا يَضُرُّكِ أَثَرُهُ ” ]

الشرح/قال هنا: [لم يضر بقاءُ اللون أو الريح] إذا عَجَز، بشرط أن نُقَيّد، فنقول: إذا عَجَزَ،

إنسان غَسَل الدم النجِس الذي على ثوبِه، وعَجَزَ عن أن يزول اللون أو تزول الرائحة، فإنه معفوٌ عنه،

أين الدليل؟ ” يَكْفِيكِ الْمَاءُ وَلَا يَضُرُّكِ أَثَرُهُ “

إذًا/ يضرُّ بقاء طعم النجاسة لا لونها وريحها عجزاً، أين الدليل؟ قول النبي ﷺ ” يَكْفِيكِ الْمَاءُ وَلَا يَضُرُّكِ أَثَرُهُ “

إذاً/ طعم النجاسة يضُّر، لو بقيَ طعم النجاسة يضر، لمَ؟

 لأن طعمَ النجاسة في الغالب لا يبقى، فإذا بقيَ دلَّ على أن هناك تقصيراً مِن الغاسل في هذه غَسْلِ هذه النجاسة.