بسم الله الرحمن الرحيم
الدرس الحادي والسبعون من الفقه الموسع
لفضيلة الشيخ زيد البحري
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مسألة: [لا تصح الصلاةُ من الكافرِ والحائض والنفساء والمجنون وغيرِ المُميز]
الشرح/ هذه المسألة لها تفريعاتٌ:
الفرع الأول: لا تصح الصلاةُ من الكافر، والدليل قوله تعالى:
{وَمَا مَنَعَهُمْ أَن تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلاَّ أَنَّهُمْ كَفَرُواْ بِاللّهِ وَبِرَسُولِهِ}(1)
وقال عز وجل: {وَقَدِمْنَا إِلَىٰ مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَّنثُورًا} [الفرقان:23]
وذلك لأنه لا نيةَ له،
وليس معنى عدم صحتها أنه لا يأثم، ولذلك فالصحيح من قولَي علماء الأصول: أن الكفار مخاطبون بفروع الشريعة كما أنهم مُخاطبون بأصولها بالإجماع وهو التوحيد، ومِن ثَم:
فإن هؤلاء يأثمون على ترْكِهم لهذه الصلوات، وأنه يُزاد لهم في العذاب،
والدليل على أنهم محاسبون على فروع الشريعة، قوله تعالى:
{مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ-قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ – وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ-وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ-وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ} [سورة المدثر]
فذكروا أن من أسباب دخولهم سقر تركهم للصلاة، ولو لم يكن لترْكِهم أثر لما كان في ذِكْرِه فائدة، والقرآن منزه عن العبث، لأنه أفصحُ وأبلغُ الكلام، ولذا قال تعالى:
{الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ زِدْنَاهُمْ عَذَابًا فَوْقَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُوا يُفْسِدُونَ} [النحل:88]
فلكفرهم وهو موجبٌ لدخول النار زيدوا في العذاب لأنهم صدوا عن سبيل الله، بل إن هؤلاء الكفار يُحاسَبون حتى على مطعمِهم ومَشرَبِهم قال تعالى:
{لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} [المائدة:93]، فبدلالة المفهوم أن من لم يؤمن ويعمل صالحا ان عليه جُناحا وإثما.
لكن لو قال قائل: إن صلى الكافر؟
فنقول: إن صلى فمسلمٌ حُكْما، بمعنى أننا نحكُم بإسلامه، بِقَطْعِ النظرِ عن نيته، فقد يُسلم بغير إرادته ورغبته، ومِن ثَم: نُجري عليه أحكامَ المسلمين، فلو مات يُصلّى عليه ويُغَسّل ويُكَفّن ويُورَث، إلى آخِرها مِن أحكامٍ تتعلقُ بالمسلمين.
وكذلك لو قال: إني مستهزئ أو غيرُ قاصِد، لا يُقبلُ قولُه، فيقال: إن رجعتَ إلى الكفرِ فأنتَ مرتد، وقد قال النبي كما في صحيح البخاري: ” من بدّل دِينَهُ فَاقْتُلُوه ” (1)
وكذلك لو أذَّنَ للصلاة ولو في غيرِ وقتِ الصلاة، لأن في أذانه ذِكْرًا للشهادتين، وكذلك لو أقام للصلاة،
فكلُّ عملٍ يقومُ به الكافرُ مِن شعائرِ الإسلام مما يختصُّ بها الإسلام دون غيره من الأديان فإننا نحكُمُ بإسلامه، بقَطعِ النظرِ عما في قلبه.
ولو قال قائل: لو أسلم الكافرُ فهل يُلزَمُ بما مضى من واجبات ترَكَها حالَ كُفْرِه؟
الجواب / أن الكافر على نوعين: كافرٌ أصلي، وكافرٌ مرتد،
فأما الكافرُ الأصلي: فقد قال شيخُ الإسلام رحمه الله: إن الإجماع ينعقد على أن الكافر الأصلي
سواء كان كُفْرُه جحودا أو عنادا أو استكبارا، أنه لا يُلزَمُ بشيءٍ مما ترَكَه مِن الواجبات، مِن صلاةٍ وصيامٍ وزكاةٍ ونحوِ ذلك، لأنه لا يعتقِدُ وجوبَها.
النوع الثاني من أنواع الكفر هو كفرُ الارتداد -أعاذنا الله وإياكم منه-: فهذا إن عاد إلى الإسلام فموضع خلافٍ بين العلماء: هل يُلزَم بما فات عقوبةً له أو أنه لا يُلزم؟
الصحيح: أنه لا يُلزَم لأنه كافر، وقد قال تعالى:
{قُل لِلَّذِينَ كَفَرُواْ إِن يَنتَهُواْ يُغَفَرْ لَهُم مَّا قَدْ سَلَفَ} (3) فقال معمما لجميع أنواع الكفر الأصلي منه والارتداد {قُل لِلَّذِينَ كَفَرُواْ} والذين: اسم موصول يقتضي العموم
ومما يدل على عدم وجوب القضاء: قول النبي كما عند مسلم: ” الإِسْلاَمُ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ “
وهناك رواية: ” الإسلام يَجُبُّ ما قبله ” قال الالباني في السلسلة الضعيفة: لا أصل لها، وقد وَهِمَ الحافظُ ابن حجر في ذِكْرِها في الفتح، هذا قولُ الالباني، ولم يُصِب في توهيمِه لابن حجر! لأنها موجودة في مسند الامام أحمد، وقد قال عنها الهيثمي عنها في مُجمع الزوائد: رواتُها ثقات،
وقد صدَقَ القائل ( لكل جواد كبوة )
سؤال: هل هناك فرق بين كلمة ( يهدم ويجُب )؟
الجواب/ فيه فرق، يهدم: أن يزيل، يجُب: من الجَبّ وهو القَطْع،
يعني: يجعل هذا الشخص الذي أسلم في مَعزِلٍ عن الكفر، فلا يَلحقُه ضررٌ ولا تَبِعةٌ مما صَنَعَه قبل، فهناك حاجزٌ منيع.
سؤال: أيهما أبلغ؟
الجواب: كلتيهما بليغتان، لكن الاستدلال بما عند مسلم يؤتى به أولا.
وهذا يفيدنا أن توهيمَ الكبار لا يُقدم عليه من قِبَلِ الصغار، ولا حتى مِن قِبلِ الكبار في هذا العصر لأن أمثال هؤلاء كما يقال قد جاوزوا القنطرة، لا نُقدسهم ولكن يجب أن يحتاط الإنسان، وأن يُربي لسانه على احترام وتقدير العلماء السابقين، ولذا جاء في سنن أبي داود أن النبي ﷺ كان يسلم عن يمينه وشماله فيقول ( السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ) وقد ذكرها ابنُ حجر في البلوغ، وقد وُهِّمَ ابن حجر، فقالوا: إن الثابت في كلمة ( وبركاته ) إنما هي عن اليمين، قال المباركفوري: إن مَن وَهّم ابنَ حجر فهو المتوهِّمُ المخطئُ فإنه في إحدى نسخ أبي داود موجودة هذه الكلمة،
وهذا المثل: علينا جميعا أن نكون حريصين على عدم التسرع، فإذا كان أمثال هؤلاء الكبار كالألباني يوَهِّمون ولا يُصيبون في توهيمهم، فما ظنّكم بمن ليس كذلك، بل بمن هو دون ودون ودون.
فإذا أسلم الكافر فإنه لا يلزم بشيء لحديث: ” الإِسْلاَمُ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ “
ولرواية: ” الإسلام يَجُبُّ ما قبله “ولأن إلزامهم قد يترتب عليه كراهيتُهم للدخول في الإسلام، ولا شك أن هذه مفسدة دفعها الإسلام،
لكن لو أسلم قبل خروج الوقت، مثلا قبل أن يخرج وقتُ صلاة الظهر أسلم الكافر؟
فالجواب: أنه يُلزم لأنه صار من أهل الوجوب في وقت هذه الصلاة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الصنف الثاني ممن لا تصح منه الصلاة: الحائض.
لقول النبي ﷺ كما عند مسلم لما سألته تلك المرأة الجذْلَةُ، أي: ذاتُ عقْلِ وحَزم، عن سببِ نُقصانِ دينِ المرأة قال: ” أَلَيْسَ إِذَا حَاضَتْ لَمْ تُصَلِّ وَلَمْ تَصُمْ ” (2)
وقال عليه الصلاة والسلام ( تمكث الليالي والايام لا تصوم ولا تصلي ) وقد سبق الحديثُ عن الحائض وأن الصلاة منها لا تصح بل وتحرم وتكونُ آثمة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
الصنف الثالث: النفساء، القولُ فيها كالقولِ في الحائض:
وقد أجمع العلماء على أن النفساء لا تصحُ منها الصلاة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
الصنف الرابع / المجنون، ومِثلُه الهَرِم المُخَرِّف، لأنه لا نيةَ له، وقد ثبت في المسند والسنن مِن حديثِ عليٍّ وعائشةَ رضي الله عنهما ان النبي ﷺ قال:
” رُفع القلمُ عن ثلاثة” ذكَر منهم: “عن المجنون حتى يُفيق “
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الصنف الخامس: الصبيُّ غيرُ المميز، فإن غيرَ المُميز لا نيةَ له، ومِن ثَم: فإنه يُلحَقُ بحكمِ المجنون،
وأما إن كان مميزا: فإن الصلاةَ منه تصح، وعلى وليِّه أن يأمُرَه، ولكن هذ الأمْر اختُلف فيه:
أهو أمْرُ استحبابٍ أم أمْرُ وجوب؟
والصحيح: أنه أمْرُ وجوبٍ لأن النبي ﷺ قال كما عند أبي داود وغيره:
” مُرُوا أَوْلاَدَكُمْ بِالصَّلاَةِ وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعِ سِنِينَ ” (1)
والأمرُ هنا يقتضي الوجوب، وهذا من باب تعويدِه على الخير والصلاح، ولذا ثبت في البخاري أن الصحابة رضي الله عنهم يُصَوِّمُون أبناءهم، وهذا ابنُ عباسٍ رضي الله عنهما كما جاء في الصحيحين ينقُلُ لنا أن صلاة النبي ﷺ ( ما كان يُعرَفُ انقضاءُ الصلاةِ إلا بالذكر ) وفي رواية ( إلا بالتكبير ) فيجبُ على وليِّ أمْرِه أن يأمُرَه، ولوليِّ الأمر ثوابُ الأمْرِ والنُّصح، وأما ثوابُ الصلاة فهو للصبي المُميز لعموم قوله تعالى: {ثمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ} [البقرة: 281]، ولقوله تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ} [الجاثية:15] ولقول النبي ﷺ للمرأة كما عند مسلم لما رفعت الصبي وقالت ألهذا حج؟ قال ” نعم ولك أجر ” فَفَصّل عليه الصلاةُ والسلام، ومَيَّزَ بين ما للصبي وما للمرأة، وهذا شاملٌ للذكورِ والإناث، لأن كلمةَ الولد إذا جاءت في النصوص فهي للذكَرِ والأنثى، بخلاف ما عليه مصطلحُنا وعُرفُنا، فإن الولدَ يُحصَر في الذَّكَر.
وهذا التمييز أهو مضبوطٌ بالعدد، أم مضبوطٌ بالوَصْف؟
بمعنى: أن سِنَّ التمييز لا يمكن أن يكون إلا إذا بَلَغ سِنَّ السابعة؟ أم أن التمييز ربما يحصُلُ قبلَ هذا السن، فيكونُ الحكم مَنوطا بالوصف الذي هو التمييز؟
اختلف العلماءُ في هذا، فبعض العلماء: يرى أنه مَنوطٌ بالوصف، وأن السنَّ غيرُ مُعتَبَر، ويُجيبون عن حديث النبي ﷺ ” مُرُوا أَوْلاَدَكُمْ بِالصَّلاَةِ وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعِ سِنِينَ ” أنه من باب بيانِ الغالب، وأن الغالبَ في الصبي إذا بلغ سبعَ سنين أن يُدرِكَ وأن يُمَيِّز،
وقال بعضُ العلماء: إنه مَربوطٌ بالعدد، لقول النبي ﷺ ” مُرُوا أَوْلاَدَكُمْ بِالصَّلاَةِ وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعِ سِنِينَ “وهذا هو الصواب، والقولُ الأول له وِجهَةٌ، ولو صَحَّ الدليل الذي جاء في سنن أبي داود لكان هو الفيصل: فقد جاء في إحدى روايات أبي داود: ” إذا عَرَفَ يَمينَه مِن شِمالِه فمُروهُ بالصَّلاةِ ” ولم يقل سبع،
ويمكن أن يُستدل لأصحاب القول الأول بما جاء في قصة ( عمرو بن سَلَمَة ) إذ أمَّ قومَهُ وهو ابنُ ( سِتٍّ أو سبْعِ سنين) على رواية الشك، ولكن الروايات الأخرى جاءت بالجزم وانه أمَّ بهم وهو ابنُ سبع سنين)
ومما يدل على ان الحكم منوطٌ بالسبع: أن هناك روايةً تعددت في هذا الحديث، فمن بينِها ” مُرُوا أَوْلاَدَكُمْ بِالصَّلاَةِ وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعِ سِنِينَ ” فهذا هو الأقوى، ولا يعني أن القولَ الأول ضعيف، ولكنَّ ضَبْطَه بالسبع هو الأقوى، لأن الشرعَ أعلمُ وأحكَم.
ولو قال قائل: لو أن الصبي أدّى هذه الصلاة، ثم لما فَرَغ منها ولم يخرُج الوقت بَلَغ، أيُلزَمُ بإعادَةِ الصلاة بناءً على أن الأولى أدِّيَت نفلا؟
فالجواب / أن العلماء اختلفوا في ذلك:
القول الأول للعلماء: يرى أنه يجب عليه القضاء لأنه أدرَكَ جزءًا من الوقت وهو مِن أهلِ الوجوب.
القول الثاني: أنه لا يَلزَمُه شيء، وهو الصواب، وذلك لأن هذا الشيءَ يقعُ كثيرا في عهدِ الصحابة رضي الله عنهم ولم يُنقَل أنهم كانوا يأمرون أبناءهم بإعادة تلك الصلاة، مع دواعي الحاجةِ إلى نَقْلِه لم ينقل،
ولأن الصبيَ أدّاها بمقتضى الشرع، فلا يُلزَمُ بإعادتها لحديث النبي عند أبي داود:
” لا تُصَلوا صَلاةً في يومٍ مرَّتينِ “
ونظيرُ هذا الاختلاف في هذه المسألة، الاختلافُ فيما لو بَلَغَ في أثناءِ الصلاة؟
فإن بعض العلماءِ يقول: يجبُ عليه أن يُعيدَ هذه الصلاة، لأنه دخَلَ فيها على أنها نَفْلٌ، ونية النفل لا تُغني عن نيةِ الفرض.
وبعضُ العلماء: لا يُوجِبُ عليه إعادةَ الصلاة، وهو الصواب، وأدلتُه كأدلة المسألة السابقة.
وأما إذا كان البلوغ بعد خروج وقت الصلاة: فلا يُلزَمُ بشيء.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ومن هنا نخلُص إلى: أن الصلاةَ تجبُ على كل مسلم بالغ عاقلٍ، لا حائضا ولا نُفساء.
ويُعَبِّرُ الفقهاء عن الجنون وعن الصِّغَرِ بأنه: غيرُ تكليف، فالمكلفُ لديهم هو البالغُ العاقل
والتكليف لغةً هو: [الإلزامُ بما فيه مشقة] وليس هو كذلك في الشرع، لأنه لا إلزامَ بمشقةٍ في الشرع.
وهو في الشرع: إلزامُ مقتضى خطابِ الشرع، ولذا قال تعالى في آيات كثيرة: {لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا} [البقرة:286] { لا تكلف نفسا إلا وسعها } { ولا نكلف نفسا إلا وسعها }
وعلى هذا التعريف ماذا يصنع هؤلاء: النائم والزائلُ عقلُه بإغماءٍ أو سُكْرٍ أو نحوِه؟
الجواب/ أن النائمَ يجبُ عليه أن يقضيَ ما فاته، وهذا القضاء ثابتٌ بالسنة الفعليّة والقوليّة،
فأما السنةُ الفِعليةُ: فقد جاء في الصحيحين: أن النبي ﷺ لما نام عن صلاة الفجر حتى أشرقت الشمس، قام فصلى، وأما السنة القولية: فلِما جاء عند مسلم:
” مَنْ نَسِيَ صَلَاةً فَلْيُصَلِّها إِذَا ذَكَرَهَا “
وعند البخاري: ” مَن نام عن صَلاةٍ أو نَسِيَها فلْيُصَلِّها إذا ذَكَرَها “
ولأن إسقاطَ القضاءِ عن النائم مع كثرةِ النوم يترتبُ عليه تَرْكُ صلواتٍ كثيرة.
وأما حديث ” رُفع القلمُ عن ثلاثة ” ذُكر من هؤلاء: ” عن النَّائم حتى يستيقظ “
فالمرادُ: رَفْعُ الإثم لا رَفْعُ القضاء.
ــــــــــــــــــــــــــــــ
وأما الزائلُ عقلُه، فهم أصنافٌ وأنواع:
فمن بين هؤلاء: المُغمى عليه، والمغمى عليه اختلف العلماءُ في وجوب القضاء عليه، مع أنهم قالوا إن طال الإغماء فلا يُلزَم بقضاء، أما إذا قَلّ فإنه يقضي، ومِن ثَم اختلفوا:
هل تُقضى صلاةٌ واحدة، أم صلاتان، أم أربعُ صلوات، أم خمسُ صلوات؟
والصوابُ: أن المغمى عليه لا يَقضي لحديث النبي ﷺ:
” رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلاَثَةٍ ” ذكر منهم: ” عَنِ الْمَجْنُونِ حَتَّى يُفِيق”، والإغماءُ نوعٌ من أنواع الجنون،
وقد أثُرَ عن ابنِ عمر رضي الله عنهما أنه أغمِيَ عليه ثلاثةَ أيام، فأفاقَ ولم يقضِ،
وأثِرَ عن عليٍّ رضي الله عنه أنه أغمِيَ عليه أربعَ صلواتٍ فقضاهُنّ،
وأثِرَ عن عمّار بن ياسر رضي الله عنه كذلك، أثِرَ عنه القضاء،
وفِعلُ هؤلاء الصحابةِ الذي قَضَوا ما فاتَهم وقتَ الإغماء، هذا من بابِ الاحتياطِ والتورُّع، وإلا فليس هناك نصٌّ صريحٌ في وجوبِ القضاءِ عليهم، وليس هناك إجماعٌ بين الصحابة في وجوب القضاء عليه إن كانت المدةُ يسيرةٌ،
ولا يُقاسُ على النائم، لأن النائمَ غيرُ زائلٍ عقله، وذلك إذا أوقِظَ استيقظ، بينما المغمى عليه إذا أوقِظَ لم يستيقظ، فالقياسُ بينهما قياسٌ مع الفارق.
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
ومِن أصناف مِن زال عقلُه: مَن زال عقلُه بِسُكْر:
فهذا إن كان زوالُ العقلِ باختياره، بمعنى: أنه هو الذي أقدَمَ على شُرْبِ المُسكِر، فان الصلاةَ تلزمُه، حتى لا تكونَ مدعاةً لهؤلاء أن يسكروا قُبيل وقتِ الصلاة وقد قال تعالى:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنتُمْ سُكَارَىٰ حَتَّىٰ تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ} [النساء:43]
وأما إن كان سُكْرُه بغيرِ اختيارِه: فليس هناك دليلٌ على عدم القضاء، فنرجِعُ إلى الأصل، والأصل:
أن مَن فاتته الصلاة أنه يجبُ عليه القضاء، ولم يستثن الشرعُ إلا النائم، ومِن ثَم: فمن زال عقلُه فإن الصلاةَ واجبةٌ عليه قضاءً،
وقد اختار بعضُ العلماء: أن مَن زال عقلُه بمباح مثل: أن يشرب دواءً ونحوَ ذلك فإنه لا قضاءَ عليه، ولكن لا دليل على ترْكِ القضاء، والعلمُ عند الله.
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ــ التوبة 54
(1) ــ [ صحيح البخاري بَاب إِثْمِ مَنْ أَشْرَكَ بِاللَّهِ وَعُقُوبَتِهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ح/ 6922، 7368 ]
(3) ــ الأنفال 38
(2) ــ صحيح البخاري باب ترك الحائض الصوم رقم /304
(1) ــ أبو داود باب متى يؤمر الغلام بالصلاة رقم /495 قال عنه الألباني في صحيح سنن أبي داود: حسن صحيح رقم: 495