بسم الله الرحمن الرحيم
الدرس السادس والسبعون من الفقه الموسع
لفضيلة الشيخ زيد البحري
باب الأذان والإقامة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مسألة/ [مستحبات الأذان]
أن يكونَ المؤذِّنُ [ صَيِّتًا – عالِمًا بالوقت – أمينًا – مُرَتِّلًا – مستقبلَ القِبلة – جاعِلًا أُصبُعَيه في أُذُنَيه – مُلْتَفِتًا في الحًيعَلَتَين ]
الشرح/ هذه المسألة فيها بيانُ ما يُسَنُّ في الأذان:
المستحب الأول: أن يكونَ صَيِّتًا
والصَّيِّتُ: هو جَهورِيُّ الصوت، ويشمل هذا المستحب نداوةَ الصوت وجمالَه، لقول النبي ﷺ لعبد الله بن زيد كما في المسند وسنن أبي داود، لما رأى الملَك يؤذنُ في المنام أتى فأخبر النبي ﷺ فقال:” فَقُمْ مَعَ بِلاَلٍ فَأَلْقِ عَلَيْهِ مَا رَأَيْتَ فَلْيُؤَذِّنْ بِهِ فَإِنَّهُ أَنْدَى صَوْتًا مِنْكَ ” (2
ولقولِه ﷺ كما عند البخاري: ” لا يَسْمَعُ مَدَى صَوْتِ المُؤَذِّنِ، جِنٌّ ولَا إنْسٌ ولَا شيءٌ، إلَّا شَهِدَ له يَومَ القِيَامَةِ”
وهذا يدلُّ على أهمية رَفْعِ الصوتِ بالأذان، ولأن المقصودَ مِن الأذان: هو الإعلام، ورَفْعُ الصوتِ ركن مِن أركانِ الأذان، إلّا إن كان يؤذنُ لحاضِرٍ فبِقَدرِ ما يُسمعه،
فإن كان يؤذنُ لحاضرٍ فالواجبُ أن يُسمِعَه، فإن زاد في الأذانِ للحاضر على قدْرِ ما يُسمعه فهذا هو محلُّ حديثِنا في الاستحباب، فكَونُ المؤذنِ صيِّتا على أنه مستحب فيما إذا كان يُؤذنُ لحاضر، أو يؤذنُ لنفسِه، وأما إذا كان يؤذنُ لمن هو بعيدٌ عنه: فلا بد أن يرفع صوتَه وجوبا لكي يُسْمِعَه.
ــــــــــــــــــــ
المستحبُّ الثاني: أن يكونَ عالِمًا بالوَقت
ودليل الاستحباب وعدم الوجوب: ما جاء في الصحيحين: ” أنَّ ابنَ أمِّ مكتوم رضي الله عنه – وهو أحدُ مؤذِّنِي رسولِ اللهِ ﷺ كان رجلاً أعمى لا يؤذِّن حتى يُقالَ له: ” أصبحتَ أصبحت ” (1)
وهنا فائدة ذكرها شيخ الاسلام: قال: لا يَلزَمُ المسلمَ أن يَبحث وأن يَطَّلِعَ في الوقت، بل له أن يعتمِدَ على أذانِ المؤذِّن، وهذا هو الذي عليه كثيرٌ مِن العلماء، بخلافِ بعضِ أصحابِ الإمامِ أحمد فإنهم يقولون :
إن مَن يعرِفُ الوقت لا يعتمد على المؤذن لا في صيامٍ ولا في صلاة ونحو ذلك من أحكام تترتب على دخول الوقت
والصواب: ما ذَكَره شيخ الإسلام، ويدل له قول النبي ﷺ كما في الصحيحين:
” إنَّ بلَالًا يُؤَذِّنُ بلَيْلٍ، فَكُلُوا واشْرَبُوا حتَّى يُؤَذِّنَ ابنُ أُمِّ مَكْتُومٍ “
ولقوله ﷺ كما عند الطبراني:
” المؤذِّنونَ أُمَناءُ الناسِ على صلاتِهم وسحورهم “
ويكون مَحلُّ الاستحباب: فيما إذا كان هناك من يُعْلِمُه بدخول الوقت، أما اذا لم يكن فينتقل هذا الحكم من الاستحباب إلى الوجوب حتى لا يُلَبِّسَ على الناس.
ــــــــــــــــــــــــــ
المستحبُّ الثالث: أن يكون أمينا
(وهو مَوضِعُ خلافٍ بين العلماء)
وهذا مسنونٌ عند فقهاء الحنابلة في المشهور عنهم، ولكن الصواب: أنه يجب هذا الأمر، وذلك لأن النبي ﷺ قال كما في معجم الطبراني: ” المؤذِّنونَ أُمَناءُ الناسِ على صلاتِهم وسُحورهم “
والصلاةُ والصيام من أركان الدين، ولا يتولى الإخبارَ والإعلامَ عنهما إلا مَن هو أمين،
ولقول النبي ﷺ كما في سنن أبي داود: ” الإمامُ ضامِنٌ، والمُؤَذِّنُ مُؤتَمَنٌ “
ولأن الأمانة أحدُ ركنَي العمل قال تعالى:
{قَالَ عِفْرِيتٌ مِّنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ ۖ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ} [النمل:39]
وقال تعالى عن إحدى بنتي شعيب: {قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ ۖ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ} [القصص:26]
فقد يكونُ الانسانُ قويا في العمل لكنه غيرُ أمين، فلا تقومُ لهذا العمل قائمة، وقد يكونُ العكس: قد يكون أمينا لكنه غيرُ قويٍّ في عَمَلِه فلا يُثمرُ هذا العمل، ولذا قال تعالى في وِلاية المُلْك:
{وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا ۚ قَالُوا أَنَّىٰ يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِّنَ الْمَالِ ۚ قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ ۖ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَن يَشَاءُ ۚ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [البقرة:247]، موضِع الشاهد: {بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ}
فالعلمُ يُوَرِّثُ الأمانة، والبَسْطَة في الجسم تُوَرِّثُ القدرةَ على القيامِ بالعمل.
ومِن ثَم: فإن أذانَ الفاسق اختَلف فيه العلماء:
قال شيخُ الإسلام: ولذا فالصحيح أنه لا يُجزئ لأن الفاسق غيرُ أمين،
ويكفي أن يكون عدْلا ولو ظاهرا، أما الخفايا فأمْرُها إلى الله، ولذا قال في منار السبيل:
( ويجزئ أذان مستورِ الحال بغيرِ خلافٍ نَعلَمُه ).
ومن باب أولى وأحرى: ألا يصِحَّ أذانُ الكافر.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المستحبُّ الرابع: أن يكون الأذانُ مُرَتَّلًا
ودليل هذا المستحب: ما جاء عند الترمذي قول النبي ﷺ: ” إذا أَذَّنْتَ فتَرَسَّلْ في أَذَانِكَ وإذا أَقَمْتَ فاحْدُرْ ” (1) ولكنه حديث ضعيف، فيكون دليله مِن حيث المعنى وهو:
أن المقصود من الأذان هو الإعلام، والترسُّلُ والترتيلُ يُناسِبُ هذا الإعلام، شريطةَ ألا يكون هذا الترسُّلُ وهذا الترتيلُ مُلَحَّنًا زائدا عن الحَد، فإن كان التلحينُ يُخرج الجملة عن معناها فإنه لا يصح وذلك كأن يمُد الباء في (أكبر ) فيقول (إكبار) أو ما شابه ذلك من التلحين الزائد المخرج لجمل الأذان أو بعضها عن معناها الأصلي.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المستحبُّ الخامس: أن يكونَ مستقبل القبلة
ودليله: أن الملَك الذي رآه عبد الله في المنام أتى على جَزْمِ حائط فاستقبل القبلة وأذّن، ولذا قال الألباني : لم يصح استقبال القبلة في الأذان إلا في حديث رؤيةِ الملَك في المنام، مِن فِعل الملَك
وأما قولُ بعضُ الفقهاء وهو (ابنُ مُفلِح) في الفروع قال: يُشرع استقبال القبلة في كل عبادةٍ إلا بدليل، فهذا فيه نظر، وقد سَبقَ الحديثُ عن هذا الكلام في مسألة سابقة .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المستحبُّ السادس: أن يجعل المؤذن أصبُعيه في أذنيه
ودليها: فِعلُ بِلال رضي الله عنه،
ولذا بعضُهم لا يرى وضْعَ الأصبُعين لضعف حديث ( إذا أذنت فاجعل أصبعيك في أذنيك فإنه أرفع لصوتك ) فهو ضعيف، لكنه صَحَّ مِن فِعل بلال كما قال الألبانيُّ رحمه الله
وإذا فَعَله فهو إقرارٌ مِن النبي ﷺ إن كان يعلمُه، وإن كان لا يعلمُه فهو إقرارٌ مِن اللهِ عز وجل، إذ لو كان هذا الفِعلُ مُخالفا للشرع لأوحى اللهُ جل وعلا إلى نبيه ﷺ بِفِعلِ بلال
وقد نص الفقهاء على أن هذين الأصبعين هما السبابتان:
ولم أر دليل بالتنصيص على السبابتين، لكن لعلها من باب السهولة واليُسر، فإن وَضْعَ السبابتين أيسر مِن وَضْعِ غيرِهما، أو لأن السبابة يُشارُ بها إلى التوحيد، كما في رَفْعِها في التشهد،
وَوَضْعُ الأصبعين يكونُ في جميع اجُمَلِ لأذان، كما أشار إلى ذلك شيخ الإسلام رحمه الله.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المستحبُّ السابع: أن يلتفت في الحيعلتين يمينا وشِمالا
ودليل ذلك: ما جاء في الصحيحين ان أبا جُحيفةَ قال:
عند البخاري: ” أَنَّهُ رَأَى بِلَالًا يُؤَذِّنُ، فَجَعَلْتُ أَتَتَبَّعُ فَاهُ هَاهُنَا وَهَاهُنَا بِالْأَذَانِ “
وعند مسلم: ” فَجَعَلْتُ أَتَتَبَّعُ فَاهُ هَاهُنَا وَهَاهُنَا يَقُولُ يَمِينًا وَشِمَالًا ؛ يَقُولُ : حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ، حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ”
س/ وهل تقالُ (حيّ على الصلاة) بجُملَتَيها عن اليمين، و(حيّ على الفلاح) بجُملَتَيها عن الشِّمال؟
أو أنه يقول (حيّ على الصلاة) مرة واحدة عن يمنه، ثم الأخرى عن يساره،
ثم (حي على الفلاح) عن يمينه ثم الأخرى عن يساره؟
ج/ قيل بهذا وقيل بهذا،
فالقائل بأنه يجعل مرة في ميمنته (حي على الصلاة) وفي ميسرته يقول الأخرى (حي على الصلاة) قالوا: لأن في هذا عَدْل، وهو أن تعدِلَ بين الجهات، فتُعطي كل جهة حَقّها من هذا الذِّكْر.
القول الآخَر:
وهو ظاهر حديث أبي جحيفة، أنه يقول الجملتين حي على الصلاة يمنة ويقول جملتي حي على الفلاح عن يساره فهذا هو الاحتمال الأرجح.
وفائدة هذا الالتفات: توزيع هذه الجمل على الجهات، فتُعطى الميمنة والميسرة نصيبا من جُمَل هذا الأذان، حتى يكون الإعلامُ أوسَع، وحتى لو لم يُسمَع فالناظر يراه مِن بُعد، يراه على أنه يؤذن
ويكون الأذان في هاتين الجملتين ألا يقول بعضا من هاتين الجملتين وهو مستقبل القبلة، بل تكون هاتان الجملتان عن الميمنة وعن الميسرة،
(ولا يلتفت بقدميه) يعني: لا يستدير، وقد جاء حديث لكنه ضعيف جدا: قولُ بلال رضي الله عنه:
” أمرَنا رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ إذا أذنَّا وأقمْنَّا أنْ لا نزيلَ أقَدامَنا عن مواضعِها “
وليس عُمدتنا هذا الحديث وإنما هو حديثُ أبي جُحَيفة إذ قال: ” فَجَعَلْتُ أَتَتَبَّعُ فَاهُ “
فدل على أن الالتفات يكون بالرأس
وقد قال بعض الفقهاء : إذا كان يؤذن في منارة فإنه يستديرُ بِجِسْمِه، ولكن لا دليلَ على ما ذكروه.
وهناك مسألة معاصرة وهي: هل السنية تبقى في الالتفات يمينا وشِمالا في قول المؤذن حي على الصلاة حي على الفلاح؟ أم أنها تزولُ في هذا العصر مع وجود هذه المُكَبِّرات؟
ج/ هذه المسألة اختلف فيها المعاصرون:
فبعضُ العلماء، وهو اختيارُ الشيخ ابن عثيمين رحمه الله، يقول: لا يَلتفت، وذلك لو أنه التفت انحرف عن مصدر الصوت، فوجودُ المكبرات في كل جهة من جهات المسجد تُغني عن هذا الالتفات، وهو رحمه الله نظَر إلى المعنى الذي شُرِعَ فيه هذا الالتفات.
والقول الآخر: أن السنية تبقى وهو اختيارُ الألبانيِّ رحمه الله، وهو الصواب:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المستحبُّ الثامن: أن يجمع بين التكبيرتين في الأذان:
وهذا موضع خلاف بين العلماء، فالمشهور من مذهب الإمام أحمد أنه يُفرِدُها، فيقولُ كلَّ تكبيرة على حِدَه لقول النبي ﷺ: ” التَّكبيرُ جَزْمٌ “
والجزم لا يكون إلا بالوقوف على كل تكبيرة، فيقول: (الله أكبر )
أما لو قال: (الله أكبر، الله أكبر) لم يحصل جَزْم، وإنما حصَل رفْع، ولأن إلقاءَ كلِّ تكبيرةٍ على حِدَه يناسبُ الترتيلُ والتَّرَسُّلَ في الأذان.
القول الثاني، وهو الصواب: أنه يجمع بين التكبيرتين بِنَفَسٍ واحد:
لقول النبي ﷺ في حديث عمرَ عند مسلم في متابعة المؤذن قال:
( إذا قال المؤذن الله أكبر الله أكبر فقال الله أكبر الله أكبر ..الحديث ) فجَمَع النبي ﷺ بين التكبيرتين،
وقد تُكُلِّمَ في الاستدلال بهذا الحديث، وقيل: إن هذا في المتابعة وليس في الأذان
والجواب/ أن نقول: هو في المتابعة لكن النبي ﷺ لم يذكُر المتابعةَ فحسْب، بل ذَكر قولَ المؤذن، فكونُه ﷺ يقول: ( إذا قال المؤذن: الله أكبر الله أكبر ) هذا فيه إشارة إلى: أن المؤذن يستحب له الجمع بين التكبيرتين، أما كونُه ﷺ ذاكرا لهذا الحديث وهم لا يُريدُ الأذان ولم يؤذن فلا ينفي استحبابَ الجمع بين التكبيرتين للمعنى المذكور آنفا
وعلى القول بأنه محصورٌ في المتابعة، فإننا نقول: بأن ما استدللتم به لا يصح عن النبي ﷺ، وإنما هو أثر، وكيف يكونُ قول النبي ﷺ والمصطلحات النحوية لم تأتِ إلا بعد قَرْنِه ﷺ ، كما قال ابنُ حجر، فهذا يدل على نكارة المتن، فضلا عن ضَعف سَنَده،
ثُم لو قيل بهذا: فليس هذا الأثرُ في باب الأذان، وإنما هو في الصلاة، ولذا تتمتُه ( والتسليمُ جَزْم ) فصدره ( التكبيرُ جزم والتسليم )
وليس في الجمع بين التكبيرتين ترْكًا للترتيل والترسُّل، بل هو مما يُعطي الأذانَ جمالا وحلاوةً ونداوةً، فعلى افتراض أن حديثَ عمر ليس في الأذان، فإن الاستدلال به أولى مما استدللتم به.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المستحبُّ التاسع: أن يؤذِّنَ على شيءٍ مرتفع:
وقد ذكر الفقهاءُ المنارةَ، ويدل لهذا ما جاء في سنن أبي داود:
أن بلالا رضي الله عنه كان يؤذن على سطح بيت امرأة من الأنصار بيتها من أطول بيت حول المسجد
“عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنِ امْرَأَةٍ مِنْ بَنِى النَّجَّارِ قَالَتْ كَانَ بَيْتِى مِنْ أَطْوَلِ بَيْتٍ حَوْلَ الْمَسْجِدِ وَكَانَ بِلاَلٌ يُؤَذِّنُ عَلَيْهِ الْفَجْرَ ” (3)
وهذا الفِعلُ يستفاد منه فائدة (ولا يَحسُن أن تُذاع ولا أن تُذْكَر، حتى لا يدخُلَ الكسلُ على بعضِ المؤذنين) يستفاد منه: أن الأذان مُجزئٌ ولو في غيرِ المسجد، كما لو أذّن في بيته، وَضَعَ أجهزةَ رَفْعِ الصوت: فهذا جائز.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المستحبُّ العاشر: أن يؤذِّنَ قائمًا:
وهذا موضع خلاف بين العلماء، فقد قال بعض العلماء: بعدم الجواز لحديث ( قم فأذن )
ولأن الصحابةَ رضي الله عنهم لم يفعلوه وهم جُلوس مِن غيرِ عذر، أما لعذر: فقد حصل هذا، منها:
ما جاء عند البيهقي أن أبا زيد كان يؤذن وهو جالس من جُرحٍ أصيب به في سبيل الله .
ولِمَا عند البيهقي: أن ابن عمرَ رضي الله عنهما كان يؤذنُ على البعير، فإذا أراد أن يُقيم نَزَلَ فأقام،
قال شيخ الاسلام : لم يأتِ أن الصحابة فعلوه من غير عذر.
والقولُ الآخَر: يقول بالاستحباب، وذلك لِفعل ابنِ عمرَ وأبي زيد، وهو الصواب، الصواب: أنه لا يُجزئ لعدم الفعل، وحديث (قم فأذن) لا يدل على الوجوب، لأنه قد يُراد منه مُطلق القيام، وليس المراد منه القيام المخصوص، ولأن الجلوسَ يُنافي الإعلام الذي هو مَقصود مشروعية الأذان.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المستحبُّ الحادي عشر: وأن يكونَ مُتَطهِّرًا:
وهذا يشمل: التطهُّرَ مِن النجاسة، ومن الحدث الأصغر والأكبر
وأما حديثُ أبي هريرة ” لاَ يُؤَذِّنُ إِلاَّ مُتَوَضِّئٌ ” (2) قال عنه الألباني لا يصح لا موقوفا ولا مرفوعا.
والاستحباب في التطهر من النجاسة ومن الحدث الأصغر واضحٌ،
لكن المشكلَ في الحدث الأكبر إذا كان يؤذن في المسجد: كيف له أن يمكُثَ في المسجد ويؤذن الأذان؟ فإن كان المقصود من أذان المحدث حدثا أكبر خارجَ المسجد: فنعم، لأنه ذِكْر، والذِّكْرُ لا يلزم منه أن يكون الإنسانُ متطهرا، فالجُنُب له أن يَذكُرَ اللهَ عز وجل.
لكن إن كان الانسان في المسجد: فإنه لا يجوز،
أما كونُه مجزئا: فهو مجزئ، لكن هذا الفعل وهو البقاء في المسجد مع كونه جنبا: لا يجوز أن يمكث في المسجد إلا إذا توضأ (رَفَعَ الحدث الأصغر)
مع أن المسألة فيها خلاف، فهناك روايةٌ في المذهب ذَكَرها شيخ الإسلام: أن الجنب يؤمر بالإعادة، ولكن: لا دليل على إلزامه بالإعادة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المستحبُّ الثاني عشر:
أن يقولَ في أذانِ الفجر الثاني ” الصلاةُ خيرٌ مِن النَّوم “
إذا قال (الحيعلتين) قال: [الصلاة خير من النوم] لقول أبي محذورة للنبي ﷺ:
” يَا رَسُولَ اللَّهِ عَلِّمْنِى سُنَّةَ الأَذَانِ ” كما جاء في السنن، فمسح أو وضع يده على ناصيته وقال: ” تقول ” وعَلّمَه، قال ﷺ: ” إذا اذنت الأذان الأول لصلاة الصبح فقل: الصلاة خير من النوم )
وهذه السنية يذكرها الفقهاء على انها سنة، والذي يظهر: أنها ليست السنية التي اصطلح عليها الفقهاء وإنما هي [الطريقة] ” عَلِّمْنِى سُنَّةَ الأَذَانِ ” أي: طريقةَ الأذان، كما قال ﷺ: ” من سنن الفطرة ” فالسنة هي: الطريقة، ولذا: فالاقتصار على أنها سُنة يُثاب عليها ولا يُعاقَب تارِكُها فيه نظر، وذلك لأن النبي ﷺ قال هذه الجملة ضِمنَ جُمَلِ الأذان، ويصدُق على جمل الأذان أنها سُنن، فلو جاز إسقاطُها لجاز إسقاطُ جملة التكبير أو جملة الحيعلة، ولا يقال بهذا .
وقوله ﷺ ( إذا أذنت الأذان الأول لصلاة الصبح ) حصر النبي ﷺ ذِكْرَ هذه الجملة في الأذان الأول، ولذا قال البعض: إن هذا الفعل وهو ما يفعله الناس في هذا العصر من الاتيان بهذه الجملة في الأذان الثاني قال إنها (بدعة) ويُرد على هذا القول:
بأن البدعةَ هي الإتيان بهذه الجملة في الأذان الأول وليس في الأذان الثاني، وايضاح هذا الأمر يكون كالتالي:
وأما ما استدلالكم بأن كلمة ( الصلاة خير من النوم ) لا تكون في الأذان الثاني وإنما في الأذان الأول، لأن الأذان الأول سَنة، ومعنى هذه الجملة لا يتناسب مع الأذان الثاني، فقولك ( الصلاة خير من النوم ) فكان المناسب لها هو الأذان الأول:
فيُجابُ عن هذا: أن التفضيلَ والخيرية تحصل في أوجب الواجبات، ولا يدل على سنتيها، قال تعالى:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَىٰ تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ – تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ} ثم قال تعالى: {ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ}
وقال تعالى: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَىٰ ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ۚ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} [الجمعة:9]
وصلاةُ الجمعة واجبة، فعلى هذا تكون الجملة في الأذان الثاني، وهي ما تُسمى بالتثويب الذي هو الترجيع ، ولذلك لأن المؤذن إذا قال ( حي على الصلاة، حي على الفلاح ) ففي هاتين الجملتين دعوة إلى حضور الصلاة، ثم ثَوّب المؤذن بالتأكيد على ما سبق فقال ( الصلاة خير من النوم )
وهذا (التثويبُ) يكونُ بدعةً في غير أذان الفجر:
وقد جاء عند أبي داود أن ابن عمر رضي الله عنها دخل مسجدا فسمع المؤذن يقول الصلاة خير من النوم في صلاة الظهر فخرج من المسجد وقال: ” أَخْرَجَتْنِي البِدْعَةُ ”
وأما ما جاء عند ابن ماجه: أن بلالا قال:
” أمرني رسولُ الله ﷺ أنْ أُثَوِّبَ في الفجر، ونَهى أنْ أُثَوِّبَ في العشاءِ ” فهو حديث ضعيف،
فهذا التثويب لو نسيه المؤذن: عليه أن يأتي به إن لم يطُل الفصل، وإلا أعاد الأذان
هذا إذا لم يكن هناك مَن يؤذن في البلد.
وهذا التثويب يُلغي جميع الاستحسانات التي قد يستحسنُها البعض مِن المناداة بعد الفراغ من الأذان كأن ينادي للناس بعدما يفرُغ من الأذان، كأن يقول: ” هلموا إلى الصلاة ” أو ما شابه ذلك من الألفاظ!
فإن هذا من البدع، فالواجب أن يُقتصر على مورِد النَّص
ومِثلُه لو وَصَل الأذان بِذِكْر، أو ابتدأه بِذِكْر كالبسملة مثلا: فإن هذا العملَ غيرُ مشروع، وعلى غيرِ هديِ النبي عليه الصلاة والسلام.
(2) ــ أبو داود، كتاب الصلاة، باب كيف الأذان، برقم 499، وابن ماجه، كتاب الأذان، باب بدء الأذان، برقم 706، وحسنه الألباني في إرواء الغليل، 1/265
(1) ــ متفق عليه من حديث ابن عمر وعائشة رضي الله عنهم: البخاري، كتاب الأذان، باب أذان الأعمى إذا كان له من يخبره، برقم 617، ومسلم، كتاب الصيام، باب بَيَانِ أَنَّ الدُّخُولَ فِى الصَّوْمِ يَحْصُلُ بِطُلُوعِ الْفَجْرِ، برقم 1092
(1) ــ ضعيف جدا، سنن الترمذي باب الترسل في الأذان برقم / 195 وضعفه الألباني في ضعيف سنن الترمذي برقم / 195 قال: ضعيف جدا
(3) ــ سنن أبي داود باب الأذان فوق المنارة برقم /519، وحسنه الألباني في صحيح سنن أبي داود برقم /519
(2) ــ الجامع الصغير للسيوطي رقم/9938، والبيهقي في السنن باب لا يؤذن إلا طاهر 1/ 397 ح/1932 قال ابن حجر في بلوغ المرام ( فالحديث ضعيف مرفوعا وموقوفا ) البلوغ 1/47 ح /198 وضعفه الألباني في ضعيف الجامع رقم / 14461