الدرس ( 81 )باب شروط الصلاة ( 3) ( وقت صلاة العصر ـ وهل هي الصلاة الوسطى ؟ )

الدرس ( 81 )باب شروط الصلاة ( 3) ( وقت صلاة العصر ـ وهل هي الصلاة الوسطى ؟ )

مشاهدات: 476

بسم الله الرحمن الرحيم

الدرس الحادي والثمانون

من الفقه الموسع

لفضيلة الشيخ زيد البحري

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

مسألة: وقت العصر يلي وقتَ الظهر إلى أن تصفَرَّ الشمس، وهذا هو الوقتُ الاختياري؛

 وبعد اصفرارِها إلى غروبِها هذا هو الوقتُ الاضطراري.

الشرح/

يدل لهذا ما جاء في امامة جبريل لنبي ﷺ.

 وقد اختلف العلماء: هل بين وقت صلاة الظهر والعصر وقتٌ مشترك؟ بمعنى: اذا دخل وقتُ صلاةِ العصر أبقيَ وقتٌ مِن صلاةِ الظهر بمقدارِ اربعِ رَكَعات، أم انه مِن حين ما يدخُلُ وقتُ العصر يخرجُ وقتُ صلاةِ الظهر؟

اختلف العلماء في هذا:

القول الأول: بعض العلماء يرى ان هناك اشتراكا بمقدار اربعِ ركعات، والتحديدُ باربع ركعات لأن عدد ركعاتِ صلاةِ الظهر وصلاة العصر اربع، ودليلُهم: حديث امامة جبريل ( فإنه اتى في اليوم التالي فصلى بالنبي ﷺ صلاةَ الظهر حين صار للشيء مثلُ ظِله؛ وفي اليوم الاول جاء فصلى بالنبي ﷺ صلاةَ العصر حين صار للشيء مثلُ ظله ) فدل على ان هناك اشتراكا.

 

القول الثاني: وهو الصحيح

 انه لا اشتراك بين هذين الوقتين، فمتى ما خرج وقت صلاة الظهر دخل وقت صلاةِ العصر،

 ودليلُ هذا القول: ما جاء عند مسلم قول النبي ﷺ:

” أَمَا إِنَّهُ لَيْسَ فِي النَّوْمِ تَفْرِيطٌ، إِنَّمَا التَّفْرِيطُ عَلَى مَنْ لَمْ يُصَلِّ الصَّلَاةَ حَتَّى يَجِيءَ وَقْتُ الصَّلَاةِ الْأُخْرَى “

 

وقال ﷺ: ” ليس في النومِ تفريطٌ، إنَّما التفريطُ في اليقظةِ أنْ تؤخِّرَ صلاةً حتى يدخلَ وقتُ أخرى

 

فدل على انه ليس هناك فاصلٌ بين الأوقات، الا ما استُثني بالاجماع وهو: وقتُ صلاة الفجر مع وقتِ صلاة الظهر، او على القول الاخِر الذي يُستثنى فيه صلاةُ العشاء مع الفجر، وسيأتي بيانُه ان شاء الله

 ويمكن ان يُستدل لهم بقوله تعالى:{أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَىٰ غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ ۖ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا} [الإسراء:78]

{أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} ودلوك الشمس: أي زوالُها، فجعل عز وجل الصلاةَ تكون من الزوال الى غَسَقِ الليل، ثم لما كان الفجرُ منفصلا قال: {وَقُرْآنَ الْفَجْرِ ۖ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا}

وأصرحُ مِن هذين الدليلين قول النبي ﷺ عند مسلم:

” وَقْتُ صَلَاةِ الظُّهْرِ إذَا زَالَتِ الشَّمْسِ عن بَطْنِ السَّمَاءِ، ما لَمْ يَحْضُرِ العَصْرُ “

 

وحضورُ صلاة العصر بمصير الشيء له ظِلٌّ مِثلُه

 ويُجابُ عن امامة جبريل بأنه صلى بالنبي ﷺ قبل ان يخرجَ وقتُ صلاة الظهر، فانتهت صلاتُه بالنبي ﷺ حين صار للشيء مثلُ ظِلِّه.

 

سؤال: كيف يعرف وقت الزوال؟

الجواب / ان يُحسَب بالساعة ما بين طلوع الشمس الى غروبها، ويُقسَمَ على اثنين، فيكونُ هو وقت الزوال، أما بالساعات فهو قبل الظهر بمقدار عشر دقائق او ربع ساعة.

وهذا هو القول الراجح لقوله ﷺ:

” وَقْتُ صَلَاةِ الظُّهْرِ إذَا زَالَتِ الشَّمْسِ عن بَطْنِ السَّمَاءِ، ما لَمْ يَحْضُرِ العَصْرُ “

ــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

[ولصلاة العصر وقتان، 1/ وقت اختياري، 2/ وقت ضروري]

 

 وقبل هذا: فقد خالف في هذا ابو حنيفةَ رحمه الله، وقال: إن وقت صلاة العصر يبدأ من حين ما يكون للشيء مِثلاهُ في الظل، فإذا صار للشاخص ظلٌّ لمثلَيه فقد دخل وقت صلاة العصر،

 قال الشوكانيُّ رحمه الله في نيلِ الاوطار: ” هذا قولٌ فاسد، تَرُدُّه الاحاديث “.

 

فيكون عندنا وقتانِ لصلاة العصر:

  • وقتٌ اختياري: يمتد على قول الى صيرورة الشيء في الظل مِثلَيه، فإذا صار للشاخص ظل لمثلَيه فقد خرج وقت صلاة العصر الاختياري، ودخل الوقتُ الضروري، وهذا قولٌ لأحد العلماء، ويستدلُ على ذلك بإمامة جبريل بالنبي ﷺ إذ جاءه حين صار للشيء مثلاه في الظل وقال: ” يا محمّد الصلاةُبينَ هذينِ الوقتينِ “.

وبعضُ العلماء يجعل الوقتَ الاختياري يمتدُّ الى اصفرار الشمس لما جاء عند مسلم:

” وَقْتُ صَلَاةِ العَصْرِ ما لَمْ تَصْفَرَّ الشَّمْسُ “.

 

  • وقتٌ ضروري: من اصفرار الشمس على قول، أو من صيرورة الشيء في الظل مثلَيه الى غروب الشمس، لما في الصحيحين: ” من أدرَكَ رَكعةً منَ العصرِ قبلَ أن تغربَ الشَّمسُ فقد أدرَكَ العصرَ “

 

فيكونُ عندنا وقتان: وقتٌ اختياري مختلَفٌ في تحديده، ووقتٌ ضروري وهو الى غروب الشمس.

 

وبعضُ العلماء: يجعلُ لصلاة العصر أوقاتا

  • وقتُ فضيلة.
  • ووقت جواز.
  • ووقتُ اختيار.
  • ووقتُ اضطرار.
  • ووقتُ عذر.

قاله النووي، قال: قال أصحابُنا إن لصلاة العصر خمسةَ اوقات،

فأما وقتُ الفضيلة: فهو اداء الصلاة في أول وقتِها.

 وأما وقتُ الاختيار: فإلى صيرورة الشيء في الظل مِثلاه.

 ووقتُ الجوازِ: الى اصفرار الشمس.

 ووقتُ الاضطرار: الى الغروب، ووقت العذر: هو وقتُ الجمْع بين صلاتَي الظهر والعصر، ولذا قد يُجمَعُ بينهما جمْعَ تقديم، فتقعُ صلاةُ العصر عند زوالِ الشمس.

 

والمشكلُ عندنا في وقتِ صلاةِ العصرِ الاختياري: هل يمتد الى اصفرار الشمس؟ ام انه يمتد الى صيرورة الشيء في الظل مثلاه؟

فإمامةُ جبريل بالنبي ﷺ كانت في اليوم التالي عند مصيرِ ظلِّ الشيءِ مِثلَيه.

 

وأما سؤال السائل كما في حديث ابي موسى رضي الله عنه عند مسلم انه قال: ” ما لَمْ تَصْفَرَّ الشَّمْسُ “.

ومِن ثَم: فإن الاشكال قائم، هل ينتهي وقت صلاة العصر الاختياري بمصير ظل الشيء مثليه؟ ام انه ينتهي باصفرار الشمس؟

والصحيحُ: انه ينتهي باصفرار الشمس، لأن حديثَ جبريلَ عليه الصلاةُ والسلام كان بمكة، وأما سؤالُ السائل فقد كان بالمدينة، فيحتمل ان النبي ﷺ أُطلِعَ بامتداد الوقتِ الاختياري لصلاة العصر الى اصفرار الشمس، ويمكن ان يُجمع بين القولين فيقال: إن مصير الشيء مثليه من باب الاحتياط لاسيما في الفصول التي يَقصُرُ فيها النهار، فلو انه في بعض هذه الفصول التي يقصر فيها النهار كالشتاء، لو انه دخل في الصلاة حين مصير ظل الشيء مثليه لربما تجاوز اصفرارَ الشمس للقرب بين الوقتين، ولذا يحصل الابرادُ التام  إذا صار ظل الشيء مثليه، فيكون قريبا من اصفرار  الشمس، وهذا ملحوظٌ في بعض الفصول كفصل الشتاء، والمراد من الملحوظ قُربُ الوَقتَين.

 

وهذا الوقتُ الاختياري لا يجوزُ لأحد ان يتعداه، مهما كانت الأسباب:

 فلو أن شخصا لم يجد ما يستر به عورتَه، او نحو ذلك من الشروط، فإنه لا يجوزُ ان يؤخر الصلاةَ عن وقتها المُختار، ومِن ثَم:

 فإن للعصرِ وقتا آخر وهو، وقتُ الضرورة: ويكون من اصفرار الشمس الى غروبها، لقول النبي ﷺ كما في الصحيحين: ” من أدرَكَ رَكعةً منَ العصرِ قبلَ أن تغربَ الشَّمسُ فقد أدرَكَ العصرَ “

 

مثالُه: لو ان انسانا أصيب بجُرح فجعلَ يُضَمِّدُه حتى لا يؤثر هذا الجرح ولا يتضرر به حتى خرجت الصلاة عن وقتها المختار: لجاز له ذلك، وقد قال ابنُ قُدامة رحمه الله في وقت الضرورة:

كمجنون يفيق أو غلامٍ يُبلُغ أو حائضٍ تطهُر، أو كافرٍ يُسلِم فيكون هذا الوقت لهم.

 

 ومن يصلي في هذا الوقتِ مِن غيرِ ضرورة: فقد قال النبي ﷺ كما عند مسلم: ” تِلكَ صَلَاةُ المُنَافِقِ، يَجْلِسُ يَرْقُبُ الشَّمْسَ حتَّى إذَا كَانَتْ بيْنَ قَرْنَيِ الشَّيْطَانِ، قَامَ فَنَقَرَهَا أَرْبَعًا، لا يَذْكُرُ اللَّهَ فِيهَا إلَّا قَلِيلًا “

 

وكذلك على المَحمَل الراجح للحديث الذي أخرجه البخاري وأحمد:

” مَن ترَكَ صلاةَ العَصرِ مُتعمِّدًا حتَّى تفوتَهُ، فقدْ أُحبِطَ عمَلُهُ “

 

وعند البخاري أيضا: ” الذي تفوتُه صلاةُ العصرِ فكأنمَّا وُتِرَ أهلَهُ ومَالَه “

فكان بمثابة المَوتور الذي أُخِذَت اموالُه واهلُه بين عينُيه، فينزِلُ به غَمّان، غّمُّ الطلب وغّمُ الثأر، فكذلك تارِكُ الصلاةِ مُخْرِجًا لها عن وقتها المختار، يُوتَر بِغَمّين: غّمُ حصولِ الاثم، وغّمُ فواتِ الاجر،

 وذلك لأن صلاةِ العصر صلاةٌ فُضلى، قد رتّب الشرعُ عليها أجورا عظيمة، من بينِها: ما جاء في الصحيحين قال النبي ﷺ: ” مَن صَلَّى البَرْدَيْنِ دَخَلَ الجَنَّةَ ” والبُردان: الفجر والعصر،

ولما فيهما قال النبي ﷺ: ” يَتَعاقَبُونَ فِيكُمْ مَلائِكَةٌ باللَّيْلِ ومَلائِكَةٌ بالنَّهارِ، ويَجْتَمِعُونَ في صَلاةِ العَصْرِ وصَلاةِ الفَجْرِ، ثُمَّ يَعْرُجُ الَّذِينَ باتُوا فِيكُمْ، فَيَسْأَلُهُمْ وهو أعْلَمُ بهِمْ: كيفَ تَرَكْتُمْ عِبادِي؟ فيَقولونَ: تَرَكْناهُمْ وهُمْ يُصَلُّونَ، وأَتَيْناهُمْ وهُمْ يُصَلُّونَ “.

 

وقال ﷺ: ” إنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ كما تَرَوْنَ هذا القَمَرَ، لا تُضَامُونَ في رُؤْيَتِهِ، فَإِنِ اسْتَطَعْتُمْ أنْ لا تُغْلَبُوا علَى صَلَاةٍ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ، وصَلَاةٍ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ، فَافْعَلُوا “

وفي رواية: ” لا تضارُّون “

وما قبل الغروب: صلاة العصر؛ وهذا يدل على أن المحافظة على الصلوات لاسيما المحافظة على هاتين الصلاتين من أسباب رؤية الله عز وجل.

 

وقد قيل: إن أولَ صلاتَين فُرِضَتا (أُمِرَ بهما النبي ﷺ) قبل الاسراء: صلاتي الفجر والعصر، ولكني لم أر دليلا على ما ذُكِر، فإن كان هناك دليل فهو يُحسَبُ من فضائل هذه الصلاة،

 ولما جاء عند مسلم والنسائي من حديث أبي بَصرةَ رضي الله عنه أنه قال:

” صَلَّى بنَا رَسولُ اللهِ ﷺ العَصْرَ بالمُخَمَّصِ، فَقالَ ﷺ: إنَّ هذِه الصَّلَاةَ عُرِضَتْ علَى مَن كانَ قَبْلَكُمْ فَضَيَّعُوهَا، فمَن حَافَظَ عَلَيْهَا كانَ له أَجْرُهُ مَرَّتَيْنِ، وَلَا صَلَاةَ بَعْدَهَا حتَّى يَطْلُعَ الشَّاهِدُ. وَالشَّاهِدُ: النَّجْمُ “

 

 

ومن فضائلها: أنها الصلاةُ الوسطى على أحد الأقوال، قال تعالى: {حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلاَةِ الْوُسْطَى وَقُومُواْ لِلّهِ قَانِتِينَ} [البقرة]

وقد اختلف العلماءُ اختلافا واسعا في تحديد هذه الصلاة الموصوفةِ بالوسطى:

القول الأول: إنها صلاةُ العصر، ويستدلون على ذلك بالأحاديث المصَرِّحَةِ بذلك، قال النبي ﷺ كما في الصحيحين في غزوة الأحزاب: ” شَغَلُونَا عَنِ الصَّلاَةِ الْوُسْطَى صَلاَةِ الْعَصْرِ”.

القول الثاني: إنها صلاة المغرب، وذلك لأن المغربَ كما جاء عند الترمذي: ” وِتْرُ النهارِ ” ولأنها اولُ صلاةٍ ليلية.

القول الثالث: هي صلاةُ العشاء، لقول النبي ﷺ كما في الصحيحين:

” ليسَ صَلَاةٌ أثْقَلَ علَى المُنَافِقِينَ مِنَ الفَجْرِ والعِشَاءِ، ولو يَعْلَمُونَ ما فِيهِما لَأَتَوْهُما ولو حَبْوًا “.

 

 ولقوله ﷺ كما عند مسلم: ” مَن صَلَّى العِشَاءَ في جَمَاعَةٍ فَكَأنَّما قَامَ نِصْفَ اللَّيْلِ “

 

القول الرابع: هي صلاةُ الفجر، للأحاديث الواردةِ في فَضْلِها، كحديث: ” مَن صَلَّى البَرْدَيْنِ دَخَلَ الجَنَّةَ ” والبُردان هما: الفجر والعصر.

وحديث: ” يَتَعاقَبُونَ فِيكُمْ مَلائِكَةٌ باللَّيْلِ ومَلائِكَةٌ بالنَّهارِ، ويَجْتَمِعُونَ في صَلاةِ العَصْرِ وصَلاةِ الفَجْرِ ” الحديث.

وكحديث: ” مَن صَلَّى الصُّبْحَ في جَمَاعَةٍ فَكَأنَّما صَلَّى اللَّيْلَ كُلَّهُ ” أخرجه مسلم

 

 وحديث النبي ﷺ كما عند البخاري:

” إنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ كما تَرَوْنَ هذا القَمَرَ، لا تُضَامُونَ في رُؤْيَتِهِ، فَإِنِ اسْتَطَعْتُمْ أنْ لا تُغْلَبُوا علَى صَلَاةٍ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ، وصَلَاةٍ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ، فَافْعَلُوا “

 

 ولحديث أخرجه مسلم، قولُه ﷺ: ” مَن صَلَّى الصُّبْحَ فَهو في ذِمَّةِ اللهِ، فلا يَطْلُبَنَّكُمُ اللَّهُ مِن ذِمَّتِهِ بشَيءٍ، فيُدْرِكَهُ، فَيَكُبَّهُ في نَارِ جَهَنَّمَ “.

معنى في ذمّة الله: أي في حفظ الله، إلى غير ذلك من الأحاديث الواردة في فضْلِ هذه الصلاة.

 

القول الخامس: هي صلاةُ الظهر، لحديثِ زيد بن ثابت في سنن أبي داود أنه قال:

” كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يُصَلِّي الظُّهْرَ بِالْهَاجِرَةِ، وَلَمْ يَكُنْ يُصَلِّي صَلَاةً أَشَدَّ عَلَى أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ مِنْهَا، فَنَزَلَتْ: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى} وَقَالَ: إِنَّ قَبْلَهَا صَلَاتَيْنِ وَبَعْدَهَا صَلَاتَيْنِ “.

 

القول السادس: هي مُبهمَة مطلقًا، لقول بعض الصحابة، كإبهامِ الساعةِ التي تكونُ بالليل، وكالساعةِ التي تكونُ في يوم الجمعة، وكليلة القدر.

القول السابع: هي صلاةُ العصر والفجر معًا، للأحاديث الواردة في فَضْلِهِما.

القول الثامن: إن الامر في أول الآية بالمحافظة على جميع الصلوات، فتكونُ هذه الوسطى خارجةً عن هذه الصلوات الخمس،

ومِن ثَم/ قال بعضهم: إنها صلاةُ عيد الفطر،

وقال بعضُهم: هي صلاة عيد الأضحى،

وقال بعضهم: هي صلاة الوتر،

وقال بعضهم: هي صلاة الجماعة،

أقوالٌ متعددة، لكن الصحيح الذي تدل عليه الأدلة:

 انها صلاة العصر، للحديث الوارد في ذلك، والذي صرّحَ بأنها صلاةُ العصر، وأما ما استَدلَّ به أصحابُ كلِّ قولٍ، فإنها عموميات دالةً على فضْلِ هذه الصلوات، ولا يُنازع في فضْلِ هذه الصلوات، انما النزاعُ في: أيِّ الصلواتِ هي الوسطى؟ ولا يعكر على هذا القول إلا حديث عائشة وحديث زيد بن ثابت رضي الله عنهما:

فحديث عائشة رضي الله عنها كما عند مسلم:

عَنْ أَبِي يُونُسَ مَوْلَى عَائِشَةَ أَنَّهُ قَالَ: أَمَرَتْنِي عَائِشَةُ أَنْ أَكْتُبَ لَهَا مُصْحَفًا وَقَالَتْ: إِذَا بَلَغْتَ هَذِهِ الْآيَةَ فَآذِنِّي: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى} فَلَمَّا بَلَغْتُهَا آذَنْتُهَا، فَأَمْلَتْ عَلَيَّ: (حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَصَلَاةِ الْعَصْرِ وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ) قَالَتْ عَائِشَةُ: سَمِعْتُهَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ”

 

وأما حديث زيد بن ثابت: ذكرناه قبل قليل، قال:

” كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يُصَلِّي الظُّهْرَ بِالْهَاجِرَةِ، وَلَمْ يَكُنْ يُصَلِّي صَلَاةً أَشَدَّ عَلَى أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ مِنْهَا، فَنَزَلَتْ: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى} وَقَالَ: إِنَّ قَبْلَهَا صَلَاتَيْنِ وَبَعْدَهَا صَلَاتَيْنِ “.

أخرجه أبو داود وصححه الألباني.

 

فالجواب عن حديث عائشة: وقبل الجواب نُورِد الإشكال وهو: أن ( الواو ) أتت، والواو تقتضي المغايرة، فلما قالت اكتب (حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَصَلَاةِ الْعَصْر) دل على ان صلاة العصر ليست هي الصلاة الوسطى،

والجواب عن هذا من عدة أوجه:

  • أنها رضي الله عنها ذكرت هذا على انه قرآن، والقرآن لا يَثبُتُ بالآحاد انما يثبت بالتواتر القطعي، ومن ثَم فلا يكون حجة.
  • ان الواو تفسيرية، فهي تفسر ما قبلَها فتكون صلاة العصر هي الصلاة الوسطى ولهذا نظائر كما مر معنا في التوحيد ” هُمُ الَّذِينَ لا يَسْتَرْقُونَ، ولا يَتَطَيَّرُونَ، وعلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ” فجملة ” وعلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ” قيل انها تفسيرية، وقيل انها زائدة، والزيادة موجودة لها نظائر قال تعالى:

{وَكَذَٰلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ} [الأنعام: 75]

فالواو مُقحمَة أي زائدة (إعرابا) لأن رؤيتَه لملكوتِ السماوات والأرض تؤدي الى اليقين.

ولو قال قائل: الاصل ان الواو تقتضي العطف فلماذا عدلتم عن هذا فقلتم مرة تفسيرية وقلتم مرة زائدة؟

الجواب: ان العدول عن هذا الاصل لدليل وهو ما جاء في الصحيحين وقد فسرها النبي ﷺ بذلك قال:

” شَغَلُونَا عَنِ الصَّلاَةِ الْوُسْطَى صَلاَةِ الْعَصْرِ”.

وأما حديث زيد بن ثابت، فإنه فَهْمٌ فَهِمَه رضي الله عنه، وليس فيها أن صلاة الظهر هي الصلاة الوسطى، قال: فلما شق عليهم نزل قوله تعالى، وأما قوله: ” إِنَّ قَبْلَهَا صَلَاتَيْنِ وَبَعْدَهَا صَلَاتَيْنِ ” هو في ظاهر الامر محتمَل أن يكون قولًا للنبي ﷺ، أو قولا لزيد، والصحيحُ انه قولٌ لزيد، لوجودِ بعضِ الروايات التي صَرّحت بان القائلَ زيد، ومِن ثَم: فتُعَدُّ هذه فضيلةً مِن فضائل صلاةِ العصر.

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

وصلاة العصر: يُسنُّ تعجيلُها لأحاديثَ كثيرة، منها: ما جاء عند البخاري عن أنس:

 ( ان ناسا اتوا للنبي ﷺ بعد ما صلى العصر وقالوا ان سننحر جزورا وهم من بني سَلَمة وديارهم بعيدة عن المسجد قال انس فأتيا فلم تنحر الجزور فنحرت ثم قطعت ثم طبخت ثم أكلنا قبل مغيب الشمس )

ولحديث أبي بَرزةَ الاسلمي رضي الله عنه: أن الصحابة كانوا يصلون مع النبي ﷺ صلاة العصر ثم يذهبون إلى رحالهم في أقْصَى المَدِينَةِ والشَّمْسُ حَيَّةٌ.

 

 وكذلك حديث عائشة رضي الله عنها:

” أن رسولَ اللهِ ﷺ صلَّى صلاةَ العصرِ، والشمسُ في حجْرتِها، لم يَظْهَرْ الفيءُ مِن حجْرتِها “.

 

وهذا الحديث الذي ذكرته عائشة كفائدة عَرَضِيّة: يَرُدُّ على غلاةِ الصوفية الذين يقولون:

إن الصحابةَ إذا قُحِطُوا فَتَحَت عائشةُ كُوَّةً في حُجْرَتِها، حتى لا يكونَ هناك حائلٌ بينَ قبرِ النبي ﷺ وبين السماء، فتُمطِر السماء! فهذا يُبطِلُ قولَهم، لأن بيتَها ليس له سقف.

 

ويدل على سنية التعجيل: عمومُ النصوص الواردةِ بالمسارعةِ الى الخيرات -وسبق إيرادُها- كقوله تعالى: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ} [آل عمران: ١٣٣]،

{سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ} [الحديد: 21]

 

ومما يدل على فضلِ صلاة العصر: أن الساعة التي تكونُ في يوم الجمعة، وهي الساعةُ المستجابة، أن الارجحَ مِن الاقوالِ التي تزيدُ على اربعينَ قولا، أنها بعدَ العصر، وهذا يدلُّ على فضيلة صلاة العصر، وسيأتي لهذه المسألة حديثٌ في بابِ الجمعة ان شاء اللهُ تعالى.