الدرس ( 93 )باب شروط الصلاة ( 15) ( ما ورد عن النبي والصحابة في لبس الخاتم ـ خاتم النبي وخواتم الصحابة )

الدرس ( 93 )باب شروط الصلاة ( 15) ( ما ورد عن النبي والصحابة في لبس الخاتم ـ خاتم النبي وخواتم الصحابة )

مشاهدات: 474

بسم الله الرحمن الرحيم

باب شروط الصلاة

الدرس الثالث والتسعون من الفقه الموسع

لفضيلة الشيخ زيد البحري

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[ما ورد عن النبي ﷺ والصحابة في لبس الخاتم ـ خاتم النبي ﷺ وخواتم الصحابة]

أحبُّ ان أنَبِّه إلى أن بعض الصحابة رضي الله عنهم قد لبسوا خاتمَ الذهب، فما هو الحَد؟

مما ورد: وردَ عن خَبَّاب أنه كان يلبسُه، فقال أبو هريرة رضي الله عنه: ” أما آن لك ان تلقي هذا عنك؟

فقال رضي الله عنه: والله لن تراه عليّ بعد هذا اليوم ” فَفُهِم مِن هذا: أن خبَّاباً لم يبلغه النهي، فلما بَلَغَه النهي ألقاه ولم يلبسه.

وقد جَوز ابنُ حزمٍ رحمه الله لُبسَ خاتم الذهب بِفِعلِه، إذ كان يَلْبَسُه رحمه الله، قال عِياض فيما نقل عنه قال: وهذا شذوذ.

ومما لبسه البراءُ بنُ عازب كما جاء في مسند الإمام أحمد: فلما سئل عن هذا، قال:

إن رسول الله ﷺ قَسَم لي قَسْمًا وقال لي: ” البَسْ ما كساكَ اللهُ ورسولُه “

وهذا الأثر ضُعِّفَ مِن قِبَلِ بعضِ العلماء كالحازميّ كما في فتح الباري، لكن قال ابنُ حجر رحمه الله صحّ عند ابن أبي شيبة، وعلى افتراض صحته فإنه محمول على أنه لم يبلغه النهي

لكن قال ابن حجر رحمه الله: الأولى أن يُقال بأنه رضي الله عنه اجتهد فَفَهِمَ الجواز مِن عموم قول النبي ﷺ ” البَسْ ما كساكَ اللهُ ورسولُه ” ففهم الجواز وأن هذا الأمر مخصوص به.

فقد قال بعض العلماء: إن لُبسه مكروه، كما قيل في لُبس الحرير بناءً على ورود هذا كما قال ابنُ حجر عن ستةٍ أو سبعة من الصحابة

والجواب عما فَعَلَه هؤلاء الصحابة رضي الله عنهم: أنهم لم يبلغهم النهي، لوجود الأدلة الكثيرة التي حُرِّمَ فيها الذهبُ بعمومه، وقد سَبَقَ معنا، وقد ورد بالتنصيص على خاتم الذهب:

ما جاء عند مسلم: قال عليٌّ رضي الله عنه: ” نهاني رسول الله ﷺ عن خاتم الذهب”

وجاء عند البخاري: العموم ” نهى النبي ﷺ عن خاتم الذهب “

وكذلك عن النبي ﷺ رأى على صحابي خاتماً من ذهب، فَطَرَحه وقال ﷺ: ” جمرة من نار “

 ولعل ما فعله هؤلاء الصحابة مؤكِّدا ما قلنا من أنه لم يبلغهم النهي، أو أنه اجتهاد أن النبي ﷺ كما جاء عند البخاري وغيره أنه لبس خاتم الذهب في أول الأمر، فتتابع الناس على لُبسه فطرحه النبي ﷺ، وطرح الناس خواتيمَهم.

فلعله وقتَ طَرْحِه لم يكن هؤلاء موجودين، ولُبسه ﷺ لخاتم الذهب كما جاء عند النسائي: لَبِسَه في ثلاثة أيام، ما جلس في اصبُعه إلا ثلاثة أيام.

وأما ما جاء عند البخاري من حديث أنس رضي الله عنه أن النبي ﷺ طرح خاتم الفضة ولم يلبسه:

فقد قال بعض العلماء: إن ابن شهاب الزهري قد وَهِم في هذا الحديث، لأن الرواةَ الآخَرين أثبتوا أنه بقيَ خاتمُ الفضة إلى وقتِ عثمان رضي الله عنه، فإن هذا الخاتم بقيَ إلى وقتِ عثمان؛

جاء عند ابن سعد: أنه بقيَ عنده (ست سنوات) وكان الذي يلي هذا الخاتم صحابيٌّ اسمه (مُعَيقِيب) فبينما عثمان رضي الله عنه كما عند البخاري: عند بئرِ (أريس) يعبَثُ بخاتمه، وهذا العبث ليس عبَثاً مذموماً، لأنه عبَثٌ مِن أجل التفكرِ في الخير، ليس كعبث العابثين، فسَقَط منه، قال أبو داود في سُننه:

 فلما سقط الخاتم اختُلِف على عثمان، قال ابن حجر رحمه الله في الفتح:

 إن بين فَقْدِ عثمان للخاتم، وفَقْدِ سليمان للخاتم وجهُ تناسب، فإن سليمان لما فَقَدَ خاتَمَه ذَهَبَ مُلْكُه، وعثمان لما فَقَد هذا الخاتم ذَهَب مُلْكُه

هذا على التسليم بصحة أن خاتم سليمان قد ذَهَب وَذَهب معه مُلْكُه، فهذه من الاسرائيليات التي لا تثبت، فقد جاء عند البخاري أنهم بحثوا عن هذا الخاتم ثلاثةَ أيام حتى إنهم نزحوا ماءَ هذه البئر (بئر أريس) منسوبة إلى يهودي، فما الجواب؟

أهذا الذي طُرِح خاتمُ الذهب؟ فلا يكونُ هناك اشكال، إنما الاشكال يحصل في توهيم ابنِ شهابٍ الزهري، وقد قال شيخُ الإسلام رحمه الله في ابن شهاب الزهري، في مقدمة التفسير قال:

 مع سَعَةِ عِلْمِه، وكَثرة اطّلاعِه لم يُعثر له على وَهَم

  وليس هذا على سبيل الاطلاق لأن الانسان قد يَهِم، ولذا وَهَّمَه بعضُ العلماء،

 والبعضُ من العلماء وجّهه، فقال بعض العلماء: إن هذا الخاتم كان من فضة لكن لونه كلون الذهب فطرحه ثم اتخذ خاتماً اخر من فضة، فيلزم على هذا أنه اتخذ خاتمين من فضة، ولا دليل على هذا

وذُكِرَت أقوال ليس هذا مَحل حديثها وذِكْرِها، وقد ذَكَرها ابن حجر رحمه الله في الفتح

لكن ابن حجر رحمه الله استظهر: أنه ﷺ اتخذَ خاتم الذهب زينةً، فلما تتابع الناسُ عليه طَرَحَه، فطَرَح الناسُ خواتيمهم، فلما احتاج إلى الخاتم للختم، لأنه جاء في الصحيحين أن النبي ﷺ لما أراد أن يكتب إلى ملوكِ العرب والعجم، قالوا له: إن الملوك لا تقبَلُ كتاباً إلا بختم، فاتخذه، فلما اتخذ خاتم الفضة:

عند البخاري: ” أنَّ رَسولَ اللَّهِ ﷺ اتَّخَذَ خَاتَمًا مِن فِضَّةٍ، ونَقَشَ فِيهِ: مُحَمَّدٌ رَسولُ اللَّهِ، وقَالَ ﷺ: إنِّي اتَّخَذْتُ خَاتَمًا مِن ورِقٍ، ونَقَشْتُ فيه مُحَمَّدٌ رَسولُ اللَّهِ، فلا يَنْقُشَنَّ أحَدٌ علَى نَقْشِهِ

ففعلَ بعضُ الصحابة واتخذ خاتما مِن فضة على نَقْشِ خاتم النبي ﷺ

يقول ابن حجر رحمه الله: إما لأن الايمانَ ضعيفٌ في قوبهم، أو أن الذين فعلوا هذا منافقون، أو أنه لم يبلغهم النهي.

 فَطَرح النبي ﷺ هذا الخاتم من الفضة، فلما طرَحَه طَرَح هؤلاء خواتيمَهم، وأكَّدَ عليهم بألا ينقُشُوا على نَقْشِه، فلما لم ينقُشُوا رَجَع فأخَذَ خاتَمَه الذي طَرَحَه،

لكن عندنا إشكال وهو: أن حديثَ أنس عند البخاري قال:

” أنَّهُ رَأَى في يَدِ رَسولِ اللَّهِ ﷺ خاتَمًا مِن وَرِقٍ يَوْمًا واحِدًا، ثُمَّ إنَّ النَّاسَ اصْطَنَعُوا الخَواتِيمَ مِن وَرِقٍ ولَبِسُوها، فَطَرَحَ رَسولُ اللَّهِ خاتَمَهُ، فَطَرَحَ النَّاسُ خَواتِيمَهُمْ “

قلنا إن ابن شهاب وهِمَ هنا، والصحيح كما هي رواية الجماعة: ” رأيت الخاتم على النبي ﷺ من ذهب “

قال (رأيته يوما ) وعند النسائي ( أنه لبسه ثلاثة أيام )

فإن لم يُخطَّأ ابنُ شهاب على أنه مِن وَرِق، فلا إشكال، فالذهب لَبِسَه ثلاثةَ أيام، والخاتم الذي نُقِشَ على نَقْشِه اتخذه يوماً، فَطَرحه ثم رجَع فَلَبِسَه، وإن وُهِّمَ وهذا هو مَحلُّ الإشكال:

 عند النسائي أنه لَبِسَه ثلاثةَ أيام، وعند البخاري أنه لبسه يوماً واحداً وهي رواية الجماعة،

 جُمِعَ بين هذين الحديثين، فقيل: إن الثلاثة أيام راجعةٌ إلى مدة اللبس، وأما اليوم المذكور في حديث أنس فإنه راجع إلى رؤيةِ أنس، فإن أنسا رضي الله عنه رأى الخاتمَ يوماً واحداً.

( والخاتم ) يُجمَع كما قيل على: خواتِم – خواتيم – خياتِم – خياتِيم

وأما الخاتم: ففيه ثمان لغات، كما قال ابنُ حجر رحمه الله، نذكُر شيئاً منها حتى لا نُطيل:

 الخاتَم: بفتح التاء – الخاتِم: بكسرِها – خَتْم – خاتام – إلى غيرِ ما ذَكَر.

وخاتَمُ الفضة متى اتخذه النبي ﷺ؟

الجواب/ قيل: إنه اتخذه في السنة السادسة من الهجرة، وقيل: إنه اتخذه في السنة السابعة من الهجرة.

ويُجمَع بينهما: أن النبي ﷺ راسَلَ الملوك في زمن صُلحِ الحديبية، في زمن الهُدنَة، في السنة السادسة من الهجرة في شهر ذي القعدة، يعني في أواخر سنة سِت، فلما رَجع إلى المدينة في شهر محرم بدأ بالمُراسَلة، فهو اتخذ الخاتم لما أراد أن يُراسِل، تلك الإرادة في زمن الهدنة، فاتخذ الخاتم، ولما رجع إلى المدينة سنةَ سبع للهجرة بدأ في إرسال الكتب والرسائل إلى ملوكِ العربِ والعَجَم.

وخاتمُ النبي ﷺ كما جاء عند مسلم: فَصُّه مِن الحبشة، صيغة الرواية ” فصٌّ حبشيٌّ “

وعند البخاري ” فَصٌّهُ منه ” يعني من الفضة.

فقيل: إنه محمول على التعدد، عنده خاتم بفص على هذه الصورة، وبِفَصٍّ على هذه الصورة الأخرى، لكن هذا استُبعِدَ كما سبق، لأنه ﷺ لم يثبت أنه اتخذ الخاتم مرتين، فيكون الجمع:

 إما لأن لونه كلون فصوص الحبشة، أو أن صناعته كصناعة أهلِ الحبشة

 وقد جاء عند الدار قطني أن الذي صنعه ونقشه: يَعلى بنُ أبي أمَيّة؛ وهذا الخاتم مكتوبٌ عليه:

” مُحَمَّدٌ رَسولُ اللَّهِ ” محمد سطر – رسول سطر – والله سطر

وقد قال بعض العلماء:

إن كلمة ( الله ) في الأعلى، وكلمة (محمد ) في أسفل الخاتم، فيكون في الأسفل محمد، وفي الوسط كلمة ( رسول ) وفي الأعلى كلمة (الله )، لكن قال ابن حجر رحمه الله: إن ظاهر الرواية تَرُدُّ ما ذُكِر، لأنه قال ( محمد ) سطر و(رسول) سطر، و ( الله ) سطر.

وما ورد من أن البسملة مكتوبةٌ على الخاتم: فهو حديث ضعيف

وكذلك ما ورد من أن التهليلةَ وهي كلمة ( لا إله الا الله) منقوشةٌ على الخاتم: فهو حديث ضعيف،

 وما ورد أن فيه صورةَ أسد: فلا يصح.

 فنخلُص مِن هذا إلى: أن المنقوشَ على هذا الخاتم ” مُحَمَّدٌ رَسولُ اللَّهِ ” فقط.

 والكتابةُ على الخاتم موجودة حتى في خواتم الصحابة رضي الله عنهم:

 عبدُ الله بن عمر كَتَبَ على خاتمه اسمَه، وحُذيفةُ كَتَب ” الحمد لله “، وبعضُهم كتَب ” اللهُ المَلِك “.