الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين .
ثم قال المصنف رحمه الله :
( وأنواع العبادة التي أمر الله بها مثل : الإسلام ، والإيمان ، والإحسان )
هذه مراتب الدين ، فإذا قيل لك : ما مراتب الدين ؟ فقل : ثلاثة [الإسلام و والإيمان و والإحسان ] وذكر الإسلام لأنه هو الخطوة الأولى ثم يليه في الكمال الإيمان ثم المرتبة العليا الإحسان .
ثم قال رحمه الله :
( ومنه ) أي من الدين ( الدعاء ، والخوف ، والرجاء ، والتوكل ، والرغبة ، والرهبة ، والخشوع ، والخشية ، والإنابة ، والاستعانة ، والاستعاذة ، والاستغاثة ، والذبح والنذر ) ثم لما كانت كثيرة نبه على أن العبادة أنواع شتى قال رحمه الله ( وغير ذلك من أنواع العبادة )
كيف نعرف أنها عبادة ؟ ما ختام كلامه ؟ ( التي أمر الله بها ) وكل ما أمر الله به فهو عبادة ، صرف شيء مما أمر الله به يكون شركا ( كلها لله ) أي ما أمر الله به ( كلها لله سبحانه وتعالى ) .
ثم ذكر الدليل على كل نوع من أنواع هذه العبادة التي ذكرها قبل قليل.
، قال رحمه الله : ( والدليل ) أي الدليل على أن الدعاء عبادة ( قوله تعالى :{ وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً } الجن18)
وقد سبق الحديث عن هذه الآية فيما مضى مما ذكره المؤلف رحمه الله.
ثم قال رحمه الله : ( فمن صرف منها شيئا لغير الله فهو مشرك كافر ) .
والدعاء هنا / يشمل نوعي الدعاء ، فهناك دعاء عبادة ، وهناك دعاء مسألة .
فدعاء العبادة / مثل [ الصلاة ، والزكاة ، والصوم ] فهذه ونحوها أمثلة لدعاء العبادة .
أما دعاء المسألة فهو / كأن تقول : يا الله ارزقني ، رب ارحمني ، رب اغفر لي ، رب يسر لي أمري ، فما جاء بصيغة الدعاء فهو دعاء مسألة ، وما كان من عبادة يفعلها الإنسان فهو دعاء عبادة .
( والدليل ) أي الدليل الثاني على أن الدعاء نوع من أنواع العبادة ، ( قوله تعالى : { وَمَن يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِندَ رَبِّهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ }المؤمنون117 ) .
وذكر رحمه الله هذه الآية مع أن الآية الأولى كافية من باب تأكيد الأمر على أن ما يفعله كثير من الناس في هذا العصر وفي عصره رحمه الله من صرف الدعاء لغير الله أنه شرك بالله سبحانه وتعالى ، فقد أكثر من الأدلة على هذا النوع من أجل ماذا ؟ من أجل أن يبين ضلال وكفر من صرف هذا الدعاء لغير الله سبحانه وتعالى .
فقوله تعالى : { وَمَن يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ } هذا شامل لكل مَنْ دعا مع الله من ذكر أو أنثى أو حُر أو عبد ، ثم قال { لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ } أي لا دليل ولا حجة له على ذلك ، وهذا من باب بيان أن هؤلاء قد صرفوا عقولهم وأذهانهم عن الخير وإلا فإنه لن يأتي أحد ببرهان أو حجة على جواز صرف الدعاء لغير الله ، ثم قال { فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِندَ رَبِّهِ } وهذا يدل على عِظم الوعيد فإن الله سبحانه وتعالى قد تكفل أو أرصد له عذابا شديدا ثم ختم الآية بقوله { إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ } فدل على أن مَنْ دعا غير الله فإنه من الكافرين الذين لا يفلحون ، وهذه نقطة مهمة ينبغي لقارئ القرآن أن يتنبه إليها ، فإنه حينما يذكر الله سبحانه وتعالى حكما في أول الآية أو في آخر الآية فلتعلم أن لهذا الحكم متعلقا بما ذُكر ، فإنه لما قال { إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ } استفيد من ذلك أن مَنْ دعا غير الله أنه كافر .
ثم قال رحمه الله :
وفي الحديث ( الدعاء مخ العبادة )
وهذا الحديث عند الترمذي ، والأصح والصواب في متن هذا الحديث ، لأن السياق المذكور هنا فيه ضعف ، فالسياق الصحيح ( الدعاء هو العبادة ) هذا هو الذي صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فكأنه عليه الصلاة والسلام قال : إن العبادة هي الدعاء وأن الدعاء هو العبادة ، تصوروا لو أن شخصا صرف عبادة لغير الله يكون حكمه الكفر، كذلك من دعا غير الله ، فهو عليه الصلاة والسلام حصر الدعاء في كونه هو العبادة وأن العبادة هي الدعاء .
والدليل الرابع ، وهو يُعد دليلا ثالثا من كتاب الله عز جل على أن الدعاء عبادة
( والدليل : قوله تعالى : { وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ } غافر60 ) .
فقوله سبحانه وتعالى { عَنْ عِبَادَتِي } أي عن دعائي ، ولعل المصنف رحمه الله ذكر الحديث قبل الآية من باب أن يُبين أن الحديث توافقه آية وهي الآية المذكورة ، فإنه لما ذَكَر في صدر الآية { ادْعُونِي } ماذا قال في ختامها؟{ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي } ولم يقل [ عن دعائي ] فدل على أن الدعاء عبادة ، ثم بماذا حكم عليه ؟ { سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ } يعني صاغرين محتقرين .
ثم ذكر رحمه الله دليل الخوف :
( ودليل الخوف : قوله تعالى : { فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ }آل عمران175) .
فإن الخوف إذا صُرف لغير الله ، والمراد من ذلك خوف السر ، كأن يخاف من أن تُنزل الآلهة به سوءا أو ترفع عنه نعمة ، فإن هذا شرك بالله عز وجل ، أما الخوف الطبيعي فإنه لا بأس به ، كأن يخاف من أسد ، أو يخاف من سيل ، أو من عدو ، فهذه أشياء طبيعية ولا تضر في عقيدة المسلم ، لأن الله سبحانه وتعالى ذكر عن بعض من الأنبياء وعن بعض من الصالحين أنه خاف خوفا طبيعيا ومع ذلك لم تنحط مرتبته ، قال تعالى عن إبراهيم وهو إمام الحنفاء { فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً } الذاريات28 ، إلى غير ذلك من الأدلة ، فالمقصود من ذلك هو خوف السر وذلك بأن يخاف غير الله سبحانه وتعالى من أن يُنزل به عذابا أو أن يرفع عنه نعمة ، ولذلك قد يدخل في ضمن الخوف أن يخاف الموظف من رئيسه أن يفصله من وظيفته فإن في هذا نوعا من أنواع الشرك ، لم ؟ لأن الذي لا يأتي بالخير ولا يدفع الشر إلا الله سبحانه وتعالى .
ثم قال رحمه الله : ودليل الرجاء : قوله تعالى : { فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً } الكهف110 ) .
ختام الآية يدل على أن من صرف الرجاء شرك ، بمعنى أن مَنْ رجا غير الله أنه كافر ، لم ؟ لأنه ختم الآية بقوله { وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً } ثم إن في هذه الآية تنبيها للمسلم وللإنسان عامة أنه إذا أراد اللقيا الطيبة من رب العالمين يوم القيامة فعليه أن يرجو الله سبحانه وتعالى ، ولكن أين مكمن الرجاء ؟ في قوله تعالى { فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً } ، أما من يرجو رحمة الله وهو لا يعمل أعمالا صالحة ويقترف المحرمات فهذا رجاؤه رجاء غير صحيح ، رجاء كاذب .
ثم قال رحمه الله :
{ ودليل التوكل : قوله تعالى :{ وَعَلَى اللّهِ فَتَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ}المائدة23) .
هنا قدَّم المعمول على العامل لأن العامل هنا { فَتَوَكَّلُواْ } وحق العامل أن يُقدم ، فإذا أُخر العامل وقُدم المعمول دل على الحصر ، فدل هنا في تقديمه للمعمول { وَعَلَى اللّهِ } على العامل { فَتَوَكَّلُواْ } لأن أصل الكلام في غير كلام الله عز وجل [ فتوكلوا على الله ] فلما قدَّم المعمول على العامل دل على أن التوكل لا يكون إلا على الله سبحانه وتعالى وحده ، ثم كما قلت لكم ينبغي لقارئ القرآن أن يتنبه إلى صدر الآية وإلى ختامها ، ثم ختم الآية ؟ { إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ } فدل على أن التوكل على الله هو الإيمان وأن التوكل على غير الله مناف للإيمان .
( وقوله تعالى : { وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ } الطلاق3 ) .
أفادت هذه الآية بيان ثواب المتوكل .
والتوكل / هو تفويض الأمر إلي الله سبحانه وتعالى مع فعل الأسباب ، أما مَنْ يتوكل على الله في ظنه وهو لا يفعل السبب فليس بمتوكل{ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ } أي كافيه ، وإذا كفاك الله سبحانه وتعالى فلا تسأل عن الخير الذي يأتي إليك ولا تسأل عن الشر الذي يدفعه عنك ، وهذا يدل على عظم منزلة التوكل على الله سبحانه وتعالى