الشرح الموسع لثلاثة الأصول ـ الدرس الأربعون

الشرح الموسع لثلاثة الأصول ـ الدرس الأربعون

مشاهدات: 496

شرح ثلاثة الأصول موسع

تتمة الأصل الثالث :

معرفة نبيكم عليه الصلاة والسلام

فضيلة الشيخ : زيد بن مسفر البحري

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ــــــــــــــــــــــ

(( وبعدها أمر بالهجرة إلى المدينة ))

بعدها :

يعني : بعد أن صلى ثلاث سنين أمر عليه الصلاة والسلام بالهجرة إلى المدينة

وسبق التعليق على تنصيص المؤلف بالهجرة إلى المدينة

لأن هناك هجرة سبقت هذه  الهجرة وهي هجرة بعض أصحابه إلى الحبشة

(( والهجرة )):

(( الانتقال من بلد الشرك إلى بلد الإسلام )) :

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

هذا هو تعريف الهجرة

هي : الانتقال من بلد الشرك إلى بلد الإسلام

والهجرة نوعان :

ــ ما ذكره المصنف هنا :

هجرة المسلم بلاد الشرك

والانتقال منها إلى بلاد الإسلام

ــ هجرة المسلم ما حرم الله

كما  قال النبي ليه الصلاة والسلام :

(( المهاجر من هجر ما نهى الله عنه ))

وهي المقصودة في الحقيقة

من لم يهجر ما نهى الله عنه لم تتم الهجرة الثانية

بعض العلماء يزيدون نوعا ثالثا :

الهجرة في سبيل الله

قال تعالى :

((وَدُّواْ لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُواْ فَتَكُونُونَ سَوَاء فَلاَ تَتَّخِذُواْ مِنْهُمْ أَوْلِيَاء حَتَّىَ يُهَاجِرُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ))

(( الهجرة :

 فريضة على هذه الأمة من بلد الشرك إلى بلد الإسلام )) :

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

لماذا ؟

أولا :

لأن المسلم قد لا يستطيع أن يقيم شعائر الإسلام في بلاد الكفر

ثانيا :

أن في بقائه في بلد الكفر خطرا على دينه  فقد يزيغ بعد ما هداه الله

ثالثا :

فيه تكثير لسواد المسلمين إذا انتقل إلى بلاد المسلمين

ولذا صح عن النبي عليه الصلاة والسلام كما عند أبي  داود أنه  قال : (( أنا بريء ممن يقيم بين ظهراني المشركين ))

بعض العلماء يقول :

إن الهجرة قد تكون واجبة وقد تكون مستحبة

فإذا كان في بلد يخاف على دينه ولا يقيم فيها شعائر الدين الظاهرة فيجب عليه أن ينتقل

أما إذا كان لا يخشى على دينه ويقيم شعائر الدين

فالهجرة في  حقه مستحبة

ولعل مستندهم :

ما جاء في المسند وحسنه الهيثمي :

أن أعرابيا أتى إلى النبي عيه الصلاة والسلام وقال :أين تكون الهجرة ؟ أهي  معك أم تكون بعدك أم تنقطع بعدك ؟

فقال عليه الصلاة والسلام : (( إذا أقمت الصلاة فاسكن حيث تشاء ))

أو نحوا من هذا

ولاشك انه على هذين القولين يرى الجميع مشروعية الهجرة

ويندر أن يقيم المسلم شعائر الدين الظاهرة مثل الأذان مثل صلاة العيدين وما شابه ذلك في بلاد الكفار

(( وهي باقية إلى أن تقوم الساعة )) :

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وهي :

الضمير راجع إلى الهجرة

والمراد من قيام الساعة :

حتى تطلع الشمس من المغرب

فإذا طلعت الشمس من مغربها انقطعت الهجرة

ما مستندها ؟

ما سيأتي  من حديث النبي عليه الصلاة والسلام

(( والدليل قوله تعالى ))

الدليل على وجوب الهجرة

(({إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالْوَاْ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا فَأُوْلَـئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءتْ مَصِيراً }

النساء97

ــــــــــــــــــــــــــــــــ

((ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ))

من الأشياء التي  ظلموا  بها أنفسهم :

ترك الهجرة

((قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ )) يعني :

أين سكنتم؟

لمَ لمْ تهاجروا من هذه البلاد بلاد الشرك إلى بلاد الإسلام ؟

((قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالْوَاْ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا فَأُوْلَـئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءتْ مَصِيراً } النساء97

((قَالْوَاْ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا )) :

هذا يدل على أن المسلم متى ما ضيق عليه في دينه أن الله جعل له مخرجا

وفي هذا إشارة إلى أنها لن تخلو بلد من بلدان العالم من أن تكون بلدة إسلامية يعمرها مسلمون

وقد أشار إلى هذا الرسول عليه الصلاة والسلام بقوله :

 (( لا تزال طائفة من أمتي على الحق منصورة لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله ))

ومتى ما ضحى الإنسان بوطنه أو بماله أو بأرضه أو بعشيرته من أجل هذا الدين فإن الله أكرم منه

ولذا قال تعالى : ((وَمَن يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللّهِ يَجِدْ فِي الأَرْضِ مُرَاغَماً كَثِيراً وَسَعَةً ))

مراغما كثيرا :

يعني يراغم بها العدو

وسعة :

في الرزق

سعة في  الصحة

سعة في  كل شأن من شئون حياته

ولنأخذ عبرة من أصحاب الكهف الذين اعتزلوا أهليهم وبلادهم محافظة على دينهم ،  وسطر الله فعلهم هذا سطره في  هذا الكتاب المحفوظ

فكان فعلهم هذا أنهم أصبحوا هداة للخير

كيف ؟

لما تنازعوا قومهم في البعث :

هل يبعث الناس من قبورهم أو لا ؟

جعل نومتهم هذه دليلا على قدرة الله على البعث

فظهر فضلهم بعد ذلك فاختصم قومهم عليهم :

هل يبنون عليهم بنيانا

هل يقيمون عليهم مسجدا ؟

وذلك لما رأوا لهؤلاء من الفضل مالهم

بقطع النظر عن  صنيع قومهم هل هو جائز أو محرم

لأن بناء المساجد على القبور  محرم

وفيها من القصص والعبر مالا يتسع هذا المقام لذكره

الشاهد من هذا :

أن من ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه

والله لا يضيع أجر من  أحسن عملا

((إِلاَّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ ))

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الله عز وجل جعل مصير ومآل  هؤلاء الذين تركوا الهجرة مآلهم إلى النار

وهذا يدل على أنهم اقترفوا أمرا فظيعا أو تركوا أمرا عظيما وهو الهجرة

وبما أن الله لا يكلف نفسه إلا وسعها وهو أرحم بعباده من أمهاتهم لأنفسهم استثنى المستضعفين

فلا واجب مع العجز

هؤلاء عاجزون

وكما هي القاعدة الشرعية :

لا واجب مع العجز

إذا عجز المسلم عن الواجب سقط عنه هذا الواجب

((إِلاَّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ ))

يعني : الأطفال الذين لم يبلغوا

((لاَ يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً )) :

ليست لديهم  قدرة ولا طاقة ولا حيلة بالخروج من مكة

((وَلاَ يَهْتَدُونَ سَبِيلاً )) :

حتى لو كانت لديهم ما لهم تلك المعرفة بالطريق الذي يوصلهم إلى المدينة

ولذا يقول ابن عباس :

أنا وأمي من المستضعفين

((فَأُوْلَـئِكَ عَسَى اللّهُ أَن يَعْفُوَ عَنْهُمْ )):

وعسى من الله واجبة

فهو لما أتى بـ ( عسى ) فهو يريد عز وجل أن يطمعهم ولكرمه إذا اطمع أحدا أعطاه

كما في قصة أصحاب العراف :

}وَعَلَى الأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلاًّ بِسِيمَاهُمْ وَنَادَوْاْ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَن سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ } الأعراف46

وقوله تعالى : ((.. ))

هذا هو الدليل الثاني على وجوب وفرض  الهجرة

{يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ } العنكبوت56

قال البغوي :  سبب نزول هذه الآية :

في المسلمين الذين في  مكة لم يهاجروا ناداهم الله باسم الإيمان

البغوي :

الملقب بمحي السنة

واسمه : الحسين

وله كتاب في التفسير يدعى بـ  “معالم التنزيل “

وهو من أحسن التفاسير شمولية ومعتقدا وقد اختُصر في  مجلدين

فتصدير الآية بقوله : ((يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا ))

أراد البغوي : أن يبين أن هؤلاء لتركهم للهجرة لم يخرجوا من الدين

لأن الله ناداهم باسم الإيمان

لأن بعض العلماء يقول : إن الآية السابقة : ((إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ )

قالوا : إن الإسلام كان لا يقبل  من أحد حتى يهاجر  مع النبي عليه الصلاة والسلام

فلا إسلام في بداية الإسلام الا بالهجرة

ويمنع من إيجاب الكفر مانع :

وهو وجود هذا التوحيد وهذا الإسلام

ودليل هذا المانع :

ما ذكره هنا في الآية الثانية التي علق عليها البغوي وأيضا قوله تعالى :

((إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ ))

فمهما عظم الذنب فصاحبه تحت المشيئة ما لم يكن هذا الذنب شركا

(( والدليل على الهجرة من السنة ))

وهو دليل لما  قلنا آنفا من أن الهجرة باقية  إلى أن تطلع الشمس من مغربها إلى قيام الساعة لكن هي  تنقطع إذا طلعت الشمس من مغربها

ما هو  هذا الدليل :

قوله عليه الصلاة والسلام :

(( لا تنقطع الهجرة حتى تنقطع التوبة ))

فعلق انقطاع الهجرة بانقطاع التوبة

((ولا تنقطع التوبة حتى تطلع الشمس من مغربها ))

فليس لأحد أن يقول :  إن الهجرة قد انقطعت وزال وجوبها أو فرضها

فهي شقيقة التوبة

والتوبة كما هو مقرر أنها تقبل ما لم تطلع الشمس من مغربها

(( فلما استقر في المدينة أمر ببقية شرائع الإسلام ))

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

هذا يدل على أن الهجرة سبق  وجوبها  وجوب الزكاة والصوم والحج

فيدل على أن ما أوجبه الله على عباده بعد الشهادتين الصلاة

ثم بعد الصلاة : الهجرة

هذا يدل على أهمية الهجرة ويدل على مكانتها

وقد سبقت بقية شرائع الدين

مثل الصوم

الحج ، الزكاة على قول

فلما استقر بالمدينة أمر ببقية شرائع الإسلام : مثل

مثّل رحمه الله

ولعل في تمثيله بهذه  العبادات لعل لها وجه

(( مثل الزكاة ))

الزكاة :

قال بعض العلماء :

وجبت وجوبا مطلقا لقوله : ((وَآتُواْ حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ ))

وأما فرض نصاب كل  مال ففي المدينة

لماذا مثل بالزكاة ؟

لأن الزكاة كثيرا ما يقرنها الله مع الصلاة

فقدمها في هذا التمثيل –و الله اعلم – لأنها قرينة الصلاة في  مواضع متعددة في  كتاب الله

ومن فوائد اقترانها بالصلاة :

أن الصلاة حق للخالق ، والزكاة حق للمخلوق

ومن فضل الله وإحسانه وكرمه أنه إذا ذكر حقه ذكر بعده حق المخلوق تفضلا منه عز وجل .