الثالثة :
الدعوة إليه :
بعد العلم والعمل تأتي المرحلة الثالثة وهي:
الدعوة إلى هذا العلم
فلما تلذذ الإنسان بهذه العبادات ووجد فيها الخير والسعادة
الواجب عليه :
بمقتضى الأخوة الإيمانية فضلا عن الأمر الذي أمرنا فيه بتبليغ الدعوة أن يقدم هذا الخير لإخوانه المسلمين
فإذا علم وعمل هنا تأتي المرحلة الثالثة والمسألة الثالثة وهي الدعوة إلى هذا العلم
ولذا قال الله آمرا نبيه عليه الصلاة والسلام :
((قُلْ هَـذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي ))
معنى هذه الآية :
أنه هو وأتباعه يدعون إلى الله ودعوتهم على بصيرة وعلى علم
فمن أحب:
أن يكون من أتباع النبي عليه الصلاة والسلام فعليه أن يدعو إلى الله وأن يرشد الناس إلى الخير
ولكن لابد :
أن تكون هذه الدعوة عن علم وإلا أصبحت هذه الدعوة أضرارها أكثر من نفعها لأن الداعي إلى أمر لم تأت به الشريعة هذا في الحقيقة مفسدة ومضللة تحصل على الأتباع والمدعو ، لأن المدعو إذا دعي إلى أمر فتعبد الله به ولم تأت به الشريعة هذه مفسدة في حق المدعو وأيضا في حق الداعي لأنه يعرض نفسه للإثم والعقوبة
ولذا قال النبي عليه الصلاة والسلام :
(( من أُفتي بغير علم فإثمه على من أفتاه ))
فلابد أن تكون الدعوة :
واضحة قائمة على الدليل الشرعي
وهذا يذكرنا :
بما ذكر في مقدمة هذا الدرس بأن الإسلام تجب معرفته و الواجب معرفة دين الإسلام بالأدلة
لأن الإنسان قد يدعو إنسانا إلى أمر لم تأت به الشريعة أو ينهى إنسانا عن فعل شيء وهذا الفعل ثابت في الشريعة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الرابعة :
الصبر على الأذى فيه :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هذه هي المسألة الرابعة
فلما تعلمت وعملت تدعو إلى الله ، ولكن لتعلم أيها الداعية إلى الله أن الطريق ليس ممهدا ، وليس الطريق سهلا مفروشا كما يقال بالورود والرياحين
لا
فقد يعتريك ما يعتريك من الأذى من قبل المدعوين ،
فعليك:
أن تصبر كما صبر النبي عليه الصلاة والسلام ، وكما صبر الدعاة إلى الله في سلف هذه الأمة
ولذا يتسلى الداعية بما جرى للنبي عليه الصلاة والسلام في دعوته
ولكن ليعلم :
أن المآل والعاقبة:
إنما هي للمتقين ، وأن مآله أن يحظى بخير عظيم
ففي بداية الأمر سيجد من الصعوبة من الإعراض سيجد من الأذى :
إما بالقول وإما بالفعل / سيجد ما يجده من هذه الأذية
ولكن العاقبة للمتقين
ولذا :
كان التوجيه القرآني للنبي عليه الصلاة والسلام بأن يتسلى بمن كان قبله :
((فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ ))
وهوامتثل هذا الأمر
فلما قسم قسما بين أناس وترك أناسا قال رجل :
” إن هذه قسمة لم يرد بها وجه الله “
فقال النبي عليه الصلاة والسلام :
(( رحم الله أخي موسى لقد أوذي بأكثر من هذا فصبر ))
فهو تسلى بموسى
لأنك حينما تدعو الناس إلى فعل أمر إلى فعل واجب أو تدعوهم إلى ترك محرم إنما تبعدهم عما تشتهيه نفوسهم
لأن النفس تميل إلى:
الدعة إلى الكسل
لا تريد أن تعمل
لا تريد أن تمنع النفس عما تستطيبه وعما تستلذه
فحينما يأتي الداعي ويدعو الآخرين فهم يرون أن هذا الرجل يفصل بينهم وبين ما يشتهونه ويستلذونه
حينها يناصبون له العداء
ولكن إذا كان صابرا محتسبا الأجر من الله وفق إلى إيصال الخير إلى هؤلاء
وإذا اهتدى إنسان على يد داعية فكم له من الأجر العظيم
يكفي في ذلك قول النبي عليه الصلاة والسلام – كما في الصحيحين – لعلي بن أبي طالب :
(( فوالله لئن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من حمر النعم ))
يعني :
لو أن إنسانا اهتدى على يديك أفضل من أن تمتلك الإبل الحمراء التي كانت نفيسة عند العرب من أنفس أموالهم
لأن هذه الإبل مآلها إلى الفناء
وهكذا كل ما على هذه الدنيا من متع ،
وإنما الذي يبقى حقيقة هو:
العمل الصالح
ولذا قال النبي عليه الصلاة والسلام – كما في الصحيحين :
(( لموضع سوط أحدكم في الجنة خير من الدنيا وما فيها ))
موضع السوط خير من الدنيا وما فيها
موضع السوط :
المكان الذي يأخذه السوط من الجنة
هذا الموضع يسير هو خير من الدنيا وما فيها
لأن الدنيا فانية والآخرة باقية :
كما قال النبي عليه الصلاة والسلام – كما عند مسلم :
(( لأن أقول : سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر أحب إليّ مما طلعت عليه الشمس ))
هذه هي الدنيا في معيار الإسلام
كلمات أربع هي أفضل من الدنيا وما فيها
لماذا ؟
لأن الإنسان ينال بهذه الكلمات الأجر العظيم والنعيم المقيم ، والدنيا مصيرها إلى الزوال
وقول النبي عليه الصلاة والسلام كما عند مسلم – :
(( من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا ))
ولهذا كل ما يعمله العباد:
على وجه العموم من الأعمال الصالحة للنبي عليه الصلاة والسلام من الأجر نظير ما لهم من الأجر من غير أن ينقص من أجورهم شيئا
لماذا ؟
لأنه هو الذي دعا إلى هذا الخير
ولذا :
(( لما مرّ على موسى عليه السلام في ليلة المعراج بكى موسى ، فقيل : ما يبكيك ؟
قال : هذا الغلام يدخل من أمته الجنة أكثر مما يدخل من أمتي ))
هو لم يحسده وإنما غبطه
لماذا غبطه ؟
لأنه كلما كثر المتأثرون بدعوتك كلما كان لك أجر على حسب العدد وعلى حسب المتأسين بك
فطريق الدعوة إلى الله:
فيه شيء من الصعوبة
فيه شيء من المشقة
ولكن لا يعني أن يقف الإنسان مستسلما لواقع الناس ولما هم واقعون فيه من الذنوب والعاصي لا
النبي عليه الصلاة والسلام أتى إلى العرب وهم يعبدون الأصنام
يعني:
أتى إلى مجتمع :
هذا المجتمع استمرأ واستعجب هذا الأمر
مخالفات متنوعة متعددة في التوحيد
ومع ذلك وقف صامدا
دعا القريب
ودعا العشائر
ودعا القبائل
دعا عموم الناس
فالمتتبع لسيرته وأنتم قرأتم وسمعتم كيف في بداية أمره أوذي ؟
ـــ كان يوضع سلا الجزور على رأسه وعلى ظهره وهو ساجد
وسلا الجزور :هو ما يعلق بجنين الناقة إذا خرج من بطنها كالمشيمة للمرأة
تُكلم عليه
شج رأسه
كسرت رباعيته
سقط في حفرة في غزوة أحد
جرى له من الأذى ما جرى
ولكن النهاية ماذا كانت ؟
التأييد والظفر:
((إِذَا جَاء نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ{1} وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجاً{2} ))
يدخلون في دين الله أفواجا كانوا في السابق يدخلون فردا فردا على مراحل متباعدة
لكن في نهاية الأمر قال :
((وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجاً{2} فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً{3} ))
وهذه السورة كما قال ابن عباس :
نُعِيَتْ نفسُ النبي عليه الصلاة والسلام إليه
كيف ذلك ؟
يعني :
لما حصل ما حصل وتحقق ما كنت ترجوه وتؤمله من دخول الناس في دين الله أفواجا ما عليك إلا أن تستغفر وتسبح الله
ولهذا كان يتأول هذه الآية كان يقول في ركوعه وسجوده :
(( سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي ))
فهذه تنبيهات وإشارات إلى أنه سيترك هذه الدنيا وينتقل إلى الآخرة
لماذا ؟
لأن المهمة انتهت
فقد أقر الله عز وجل عينه عليه الصلاة والسلام
فهذا واجبنا
الآن نرى المجتمعات والبيئات فيها ما فيها من المخالفات سواء كان هذا على مستوى البيوت أو المجتمع بأسره
فلا يستعظم الإنسان هذا الأمر
ويرى أن الناس قد أسرفوا في المخالفات ولا سبيل ولا طريق الى توجيههم أو التأثير عليهم
فهذه نظرة تشاؤمية
وعلينا:
أن نحذو حذو النبي عليه الصلاة والسلام وصحابته الكرام في هذا المجال
ثم إن مجتمعنا لم يصل بعد إلى المجتمعات الكفرية التي سرت فيها المخالفات
فما علينا إذاً إلا أن ندعو إلى الله
ولكن قبل الدعوة:
أن نكون متحصنين بالعلم الشرعي وعاملين به
لأن من دعا إلى العلم وهو لم يعمل يكون وبالا عليه
ولذا كما أخبر النبي عليه الصلاة والسلام :
(( أنه يؤتى بالرجل يوم القيامة فيلقى في النار فتندلق أقتاب بطنه – يعني تخرج أمعاءه – فيقال يا فلان : ألم تكن تأمرنا بالمعروف وتنهانا عن المنكر؟
قال : بلى ولكن كنت آمركم بالمعروف ولا آتيه وأنهاكم عن المنكر وآتيه ))
فكان هذا هو المآل :
((أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ – استفهام إنكاري منه جل وعلا لليهود – أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ }
فهذه هي المسائل الأربع التي ذكرها الشيخ:
العلم
العمل
الدعوة إلى الله
الصبر على تحمل الأذى في الدعوة إلى الله
وإذا كان الأذى في سبيل الله يهون كل شيء
ونسأل الله الإعانة على تأدية حقوقه
ونسأل الله ألا يكلنا إلى أنفسنا طرفة عين
لأن النفس تميل إلى الراحة
وإذا لم يكن من الله للعبد عون أول من يجني عليه اجتهاده
فنسأل الله الإعانة