الشرح الموسع لثلاثة الأصول ـ الدرس الحادي عشر

الشرح الموسع لثلاثة الأصول ـ الدرس الحادي عشر

مشاهدات: 517

شرح ثلاثة الأصول موسع

شرح قوله :

 ( ( اعلم أرشدك الله لطاعته أن الحنيفية ملة إبراهيم أن تعبد الله مخلصا له الدين ))

فضيلة الشيخ : زيد بن مسفر البحري

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قوله :

 ( ( اعلم أرشدك الله لطاعته أن الحنيفية ملة إبراهيم أن تعبد الله وحده مخلصا له الدين ))

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ثم قال رحمه الله :

( اعلم – أرشدك الله لطاعته – أن الحنيفية ملة إبراهيم أن تعبد الله وحده مخلصا له الدين ، وبذلك أمر الله جميع الناس وخلقهم لها ، كما قال تعالى : { وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ }الذاريات56 )

 

قوله ( اعلم ) ما قيل فيما مضى يقال هنا ، ثم أتى بدعوة رقيقة واختلفت في الأسلوب عن الأسلوب الماضي قال ( أرشدك الله لطاعته) لأنه قد أقام عليك الحجة بذكر المسائل الأربع ثم بذكر المسائل الثلاث فما عليك إلا أن تطيع الله فهو يدعو الله أن يرشدك الله لطاعته سبحانه وتعالى ( أن الحنيفية ملة إبراهيم ) ما هي ؟ ( أن تعبد الله وحده مخلصا له الدين ، وبذلك أمر الله جميع الناس وخلقهم لها ) كل يتمنى أن يكون من أتباع إبراهيم عليه الصلاة والسلام فإن الأمم السالفة تدعي مثل اليهود والنصارى تدعي أنها على ملة إبراهيم فرد الله سبحانه وتعالى عليهم ، لم ؟ لأنهم لم يتبعوا إبراهيم عليه السلام ، قال تعالى{ مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيّاً وَلاَ نَصْرَانِيّاً وَلَكِن كَانَ حَنِيفاً مُّسْلِماً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ }آل عمران67 ، ولذلك أُمر النبي صلى الله عليه وسلم وأُمرنا باتباع ملة إبراهيم { ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ }النحل123، فإذا أردت أن تعرف ملة إبراهيم الملة الحنيفية الطيبة فما هي ؟ ( أن تعبد الله وحده مخلصا له الدين ، وبذلك أمر الله جميع الناس وخلقهم لها ) ما الدليل على أن الله خلق الخلق لأن يعبدوه العبادة الحنيفية ؟ قوله تعالى { وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ } الذاريات56 ، هذا هو المغزى وهذا هو المقصود من خلقنا نحن البشر ، بل ما خُلق في الكون إنما خلق لنا من أجل أن نلهو ؟ أن نعرض ؟ أن نعصي الله ؟ ( كلا ) ما خُلق في الكون إنما خُلق لنا لنستعين به على طاعة الله ، حتى العقارب والحيات ، هذه خُلقت لنا ، ما الفائدة من خلقها ؟ أن نعتبر بها ، أن نتعظ بها ، فهي للعبرة والعظة .

 

وقوله : (( أن تعبد الله وحده ))

التقييد بكلمة وحده له فائدة :

لأنه لو قيل  أن تعبد الله لفهم – وهذا المقام مقام تفصيل ومقام بيان ولاسيما أنه نشأ في  بيئة مشوبة بالخرافات والبدع والشركيات

وهذا المقام مقام تفصيل ولاسيما في العقائد حتى لا تلتبس الأمور على المتلقي وعلى المستمع وعلى القارئ

فقال : ” أن تعبد الله وحده “

لأنه لو اقتصر على قول : ” أن تعبد الله “لفهم من ذلك : أن يعبد الله وأن يعبد معه غيره

ولكن الإتيان بهذا القيد وهو قيد ” وحده “ يؤكد أن العبودية لا تصرف إلا لله وحده

ولذا قال تعالى :

(( وإلهكم إله واحد ))

وقال النبي عليه الصلاة والسلام – كما في الصحيحين من حديث  عبادة بن الصامت قال :

(( من  شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ))

فالشيخ  يقرر ما ذكر سابقا من أنه متبع للدليل متبع لمنهج النبي عليه الصلاة والسلام لأنه حذا حذو

وتعبير النبي عليه الصلاة والسلام :

(( من شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ))

فهذا من باب التأكيد

ثم قوله : (( مخلصا له الدين ))

هذا أيضا قيد آخر :

قد تقام العبادة لله ولكن لا يكون فيها إخلاص

قد يصلي الإنسان – سبق معنا تعريف العبادة

وهي  اسم جامع لكل ما  يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأفعال الظاهرة والباطنة

فالصلاة مثلا :

مرضية محبوبة عند الله

فهذه في  ظاهرها عبادة /

ولكن هل يؤجر عليها العبد ؟

هل يثاب عليها ؟

نعم إذا أخلص النية لله

قد يقوم إنسان ويصلي أمامنا

قد يتلو كتاب الله وتسمع تلاوته لا  لقصد العبادة والتقرب إلى الله

وإنما لقصد الرياء والسمعة

هنا : تعتبر هذه  العبادة لاغية لا فائدة منها :

فقوله : (( أن تعبد الله وحده ))

هذا قيد معتبر ومهم

قوله : (( مخلصا له الدين ))

أيضا مهم :

لأن من شروط صحة العبادة :

الإخلاص لله في  هذه العبادة

الشرط الثاني :

متابعة النبي عليه الصلاة والسلام في إقامة هذه العبادة

قد يصلي لله ، ولكن هذه الصلاة فيها من البدع ما لم يشرعها النبي عليه الصلاة والسلام وما لم يأت به الشرع

يأتي بأِشياء لم يأت بها الشرع

فهنا : تكون هذه الأشياء التي أتى بها في  هذه العبادة تعتبر من البدع

وهذا هو المطلوب  من جميع البشر

قال تعالى :

((وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ{56} مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ{57} ))

ولذا :

 جملة من الآيات إذا ذكرت العبادة ذكرت معها الرزق

لم ؟

حتى يعرف ابن آدم أنه ليس  مطالبا بالرزق  من حيث هو ، وإنما مطالب بعبادة الله ويأتي الرزق تبعا

فلا تشغل نفسك يا ابن آدم بأمور الدنيا وتتيه في أودية هذه الدنيا فتضيع العبادة

فالعبادة هي الأساس والمرتكز

ولذا قال تعالى كما ذكر في قصة قارون :

((وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ ))

قدم الآخرة :

((وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا ))

وقال تعالى :

((فَابْتَغُوا عِندَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ ))

((اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ هَلْ مِن شُرَكَائِكُم مَّن يَفْعَلُ مِن ذَلِكُم مِّن شَيْءٍ ))

فتلحظ ان الرزق يشار إليه عند العبادة

لم ؟

حتى لا ينصرف قلب الإنسان إلى هذه الدنيا ، وإنما رزقه قد كتب

ولا يعني أن يظل  متواليا متواكلا متكاسلا في طلب الرزق ،لا

لكن ليعلم :

أن المطلب الحقيقي الذي من أجله أوجد  عبادة الله :

ولذا قال :

(وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ ))

هكذا  :

((مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ))

هكذا : ((حُنَفَاء ))

فكلام الشيخ مستخلص من هذه الآية :

قال : (( الملة الحنيفية ملة إبراهيم أن تعبد الله وحده مخلصا له الدين ))

انظروا إلى هذه الآية :

((وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء ))

والإخلاص من الضرورة بمكان

والمخلص يخلصه الله ، فالجزاء من جنس العمل

تخلِص :

تُخْلَّص من النار

ومن الشرور

ومن الآفات

ومن البلايا

قال عن يوسف :

((كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاء إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ ))

صرفت عنه

انظروا :

كلما أخلص العبد لله في شئونه كلها

وفي هذا المقام أريد أن أشير إلى أمر :

وهو أن الموفق من يجعل من عاداته عبادات

قد يكون الإنسان مثلا موظفا :

من الخسران المبين أن يظل وأن يمكث سبع أو ثماني ساعات في  هذا العمل وهو لا يؤجر عليه

لأن هذا محسوب  من عمرك

بينما لو أصحب هذا العمل نية خالصة

ــــ خرج من بيته من أجل أن يكف نفسه عن سؤال الآخرين ،

ـــ من أجل أن يعول أبناءه وأسرته :

((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ ))

ـــ من أجل أن يخدم المسلمين

ــ من أجل أن يقف مع الضعيف

ــ أن يسهل أمور الناس

هنا من حين يخرج من بيته إلى أن يرجع وهو في أجر وفي حسنات

وهذه نقطة تغيب عن كثير من الناس فاجعل عاداتك عبادات

ولا يكون ذلك بالتمني ولا بالتحلي وإنما بالإخلاص

إذا وقر الإخلاص في هذا القلب أصبحت هذه العادات عبادات

انظروا إلى هذا التعبير العظيم :

((كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاء ))

لم يقل : ” لنصرفه ” لا

السوء  والفحشاء يصرفان عنه

كأنه واقف مكانه شامخا لم يتأثر والسوء والفحشاء  مبتعدان عنه

لماذا نجي يوسف ؟

لأنه من المخلصين

والنية من الضرورة بمكان أن يُعنى بها وأن يتعاهدها المسلم في  جميع شؤونه

حتى حينما تحادث شخصا في أمر  من الأمور :

كأن يكون هذا الشخص محتاجا إلى أن يهدى السبيل إلى أن يهدى الطريق

وقوفك معه احتسب هذا الأمر

ما وقفت إلا من أجل أن أسدي إلى هذا الشخص خيرا

أن أقف معه ، أن أكون عونا له:

إنسان يحكي لك مشكلة حصلت له هنا قد تستمع إليه ،

لكن أين النية ؟

تستمع إليه من أجل أن تقدم له خيرا

من أجل أن ترفع عنه همه

فالنية مطلب عظيم

ولذا يقول :

ابن أبي  مُليكة كما عند البخاري يقول :

(( أدركت ثلاثين من صحابة النبي عليه الصلاة والسلام كل منهم يخشى على نفسه النفاق ما يقول : إن إيماني مثل إيمان جبريل وميكائيل ))

هؤلاء هم الصحابة

فاتهم دائما نفسك ولا تستعظم أي عمل تؤديه لهذا الدين

بل لله المنة والفضل أولا وآخرا

لأن الإنسان قد يعجب بعمله فيعظم له الشيطان هذا العمل

فيقول : قدمت أعمالا ويتكاسل عن أداء أعمال أخرى

والعجب شقيق الرياء

فالإنسان قد يرائي الآخرين

والعجب أن يرائي نفسه

وليس معنى هذا حتى لا يختلط الفهم والفكر ليس معنى ذلك ألا يسر الإنسان بالأعمال الصالحة التي يقوم بها ، لا

قال النبي عليه الصلاة والسلام :

(( من سرته حسنته وساءته سيئته فهو المؤمن ))

لكن : هل يقف؟

هو مسرور بهذه العبادة

لكن هل يقف؟

من يقف هو المعجب بعبادته

فإذاً :

من  شروط صحة العبادة أن تكون هذه العبادة مبنية على الإخلاص لله

إذا أردت أن تخلص فأخلص العمل لله عز وجل

وما علامة المخلص ؟

الذي لا يريد إلا وجه الله

ولا يريد وجه غيره

من علاماته كما  قال البعض  السلف :

” من استوى عنده ثناء الناس  وذمهم “

مدح أو ذم فالأمر عنده سواء

المهم:

أنه في  قرارة قلبه مرضي الله قائم بحقوق الله فلا يضره قول فلان ولا يؤلمه قول فلان