شرح ثلاثة الأصول موسع
تتمة أنواع العبادة وأدلتها ( 1 )
فضيلة الشيخ : زيد بن مسفر البحري
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله :
ودليل الرجاء قوله تعالى :
((فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً }الكهف110
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وقوله : (( ودليل الرغبة والرهبة والخشوع )) :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قال بعض العلماء :
الرغبة والرهبة هي ثمرة الخوف والرجاء
إذاً :
الرغبة لها صلة بالرجاء
بينما الرهبة لها صلة بالخوف
(( والخشوع )) يختلف عن ( الخضوع )
الخضوع يكون في البدن
يمكن أن يطلق أحدهما على الآخر تجوزا
ولكن عند إرادة التفريق فالخضوع يكون في البدن
وأما الخشوع فيكون في السمع والبصر وفي القلب وفي الصوت
فالخضوع كما في قوله تعالى :
{إِن نَّشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِم مِّن السَّمَاء آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ }الشعراء4
بينما دليل وجود الخشوع في السمع : (( وخشعت الأصوات للرحمن ))
ودليل خشوع القلب قول النبي عليه الصلاة والسلام : (( اللهم إني أعوذ بك من قلب لا يخشع ))
والبصر : (( خاشعة أبصارهم ))
كان من دعاء النبي عليه الصلاة والسلام في الركوع (( اللهم خشع لك سمعي وبصري وعظمي وعصبي وما استقلت به قدمي ))
إذاً :
عندنا :
الرغبة
والرهبة
والخشوع
هذه من أنواع العبادات التي لا يجوز أن تصرف لغير الله
ما الدليل على أنها من العبادات ؟
قوله تعالى :
((إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ }الأنبياء90
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الله أثنى على هؤلاء الرسل :
((وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْداً وَأَنتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ{89} فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ{90} ))
فأثنى الله على هؤلاء بما اتصفوا به من هذه الصفات
وهو جل وعلا لا يثني إلا على ما كان عبادة
ثم تقديم المسارعة في الخيرات ينبئ عن شيء سبق ذكره
وهو أن الرجاء المحمود والخوف المحمود لا يكون إلا بالعمل :
((إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ{90} ))
الجمع بين الرغبة والرهبة هنا يدل على القاعدة المطردة في كتاب الله وهي:
أن الله يجمع بين الترغيب والترهيب
{اعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ وَأَنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } المائدة98
((غَافِرِ الذَّنبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ))
((نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ{49} وَ أَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الأَلِيمَ{50} ))
والآيات في هذا المعنى كثيرة
قوله : (( ودليل الخشية )) :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ما الفرق بينهما وبين الخوف ؟
الخشية :
أخص من الخوف
ولذا :
الخشية لا تكون إلا من عظيم معلوم
فالمخشي يكون عظيما معلوما
بينما المخوف :
قد يكون عظيما وقد يكون غير عظيم
قد يكون معلوما وقد يكون غير معلوم
ولذا :
بعض الناس قد يخاف ممن ليس بعظيم
وإنما لضعف قلبه يخاف منه
وقد يكون الخوف من شيء مجهول
على كل حال :
ما نريد أن نذكره هنا :
أن الخشية والخوف في مقام واحد
لكن الخشية أخص من الخوف
والخشية لا تكون إلا من عظيم معلوم
ولذا قال تعالى :
((إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء ))
فالمخشي منه هنا الله
أليس عظيما ؟
بلى
أليس معلوما ؟
بلى
أما الخوف :
قد يكون المخوف عظيما وقد يكون غير ذلك
وقد يكون معلوما وقد يكون غير ذلك
فإذاً :
الخشية كما سبق وقلنا إن الخوف من أنواع العبادة : ((فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ }آل عمران175
كذلك الخشية نوع من أنواع العبادة بل هو أعلى من مرتبة الخوف
فصرفه لغير الله يعتبر شركا
دليل الخشية قوله تعالى : ((فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي ))
فنهى أن يخشى غيره وحصر بعد النهي الأمر في خشيته وحده
قصر الخشية له
وقوله : (( ودليل الإنابة )) :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الإنابة :
هي أعلى مقامات التوبة
((وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ ))
دليل الإنابة :
قوله تعالى : ((وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ ))
حصر هنا : (( إلى ربكم ))
فلا يجوز أن تصرف هذه العبادة لغير الله
ويجوز هذا اذ ا كانت التوبة بمعناها اللغوي
كما قالت عائشة :
(( أتوب إلى الله وإلى رسوله ))
يعني : أرجع
لأن التوبة في اللغة معناها الرجوع
فهي تريد بذلك :
أن ترجع وأن تقلع عما فعلته لا لكونها تصرف هذه العبادة وهي التوبة إلى النبي عليه الصلاة والسلام
لا
وإنما المراد : المعنى اللغوي
كما يقال عند تأديبه لولده : (( أتتوب ))
فيقول : أتوب
فإذاً :
الإنابة هي أعلى مقامات التوبة
ولا يجوز أن تصرف لغيره
قال : (( وأسلموا له )) يعني : أخلصوا له
فلابد : أن تكون هذه التوبة متضمنة الإخلاص لله
وشروط التوبة :
من أولها :
الإخلاص لله
والدليل : ((وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ ))
ولقول النبي عليه الصلاة والسلام :
(( إنما الأعمال بالنيات ))
ثانيا :
من شروط التوبة :
الندم على ما فات
يحصل في قلبه ندم على ما جرى منه من ذنوب
ويتمنى أنها لم تحصل
ولذا النبي عليه الصلاة والسلام قال : (( الندم توبة ))
ثالثا :
أن يستغفر الله بلسانه
رابعا :
أن تكون في الوقت الذي تقبل فيه التوبة
وذلك قبل أن يغرغر العبد :
قال النبي عليه الصلاة والسلام :
(( إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر ))
فإذا وصلت الروح الحلقوم فلا تقبل توبته
قال تعالى : ((وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ وَلاَ الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ ))
خامسا :
العزم على ان لا يعود
لم يقل العلماء : أن لا يعود
قالوا : العزم على أن لا يعود
لأن الإنسان قد يضعف في حالة ما وفي قوت ما فيعاود الذنب مرة أخرى
ولذا قالوا : العزم على أن لا يعود إلى الذنب مرة أخرى
وهنا شرط سادس يتعلق بالمخلوق :
سادسا :
إذا كان هذا الذنب له صلة بالمخلوق فالواجب:
أن يؤديه أو يستسمحه
فإذا كان في مال يؤديه إليه
أو يستسمحه
وإن كان في عرض كأن يغتابه فالأقرب من أقوال العلماء :
أن هذه الغيبة إن علم بها فلابد أن يستسمحه وإن لم يعلم بها من تحدث فيه فيدعو له في الموضع الذي ذمه فيه
هذه هي شروط التوبة النصوح التي أمر الله جل وعلا بها في كتابه :
((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحاً ))
أما من فعل الذنب واستغفر بلسانه:
وهو عازم على ان يعود مرة أخرى فهذا يقول عنه القرطبي : ” هذا استغفاره يحتاج إلى استغفار
وأما حديث النبي عليه الصلاة والسلام :
كما في الحديث القدسي :
(( أذنب عبدي ذنبا فقال : رب اغفر لي فقال الله : قد علم عبدي بأن له ربا يغفر الذنب ويأخذ به قد غفرت لعبدي ثم عاود مرة أخرى ثم أخرى فقال الله جل وعلا : قد غفرت لعبدي فليفعل عبدي ما شاء))
هذا ليس دليلا على الاستمرار في الذنب
وإنما إذا كانت هذه عادة هذا العبد أن يذنب ثم يتوب إلى الله توبة نصوحا فتضعفه نفسه فيقع فإن الله يغفر ذنبه ويتوب عليه
ومثل هذا وقوله عليه الصلاة والسلام عند مسلم :
(( لو لم تذنبوا لذهب الله بكم ولجاء بقوم يذنبون فيستغفرون الله فيغفر لهم ))
هذا من باب إراحة العبد وطمأنته وأنه وإن فعل فإن هناك ربا يغفر الذنوب
وليس معنى ذلك : الحث على فعل الذنب
وإنما من ضعف ووقع في الذنب فإن الله يغفر ذنبه
ولربما يكون الذنب إذا وقع فيه الإنسان ثم يتوب توبة نصوحا
قد يكون هذا الذنب رفعة لدرجاته
قال ابن القيم : ” قد يذنب العبد ذنبا فيتراود هذا الذنب بين عينيه بين فترة وأخرى فيكو ن منكسرا بين يدي الله خائفا من هذا الذنب “
كما فعل آدم : ((وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى ))
ما الذي جرى ؟
{ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى }
فعلى كل حال :
نخلص من هذا إلى أن الإنابة من اعلي مقامات التوبة
وأنها عبادة فلا يجوز أن تصرف لغير الله