الشرح الموسع لثلاثة الأصول ـ الدرس الخامس عشر

الشرح الموسع لثلاثة الأصول ـ الدرس الخامس عشر

مشاهدات: 452

شرح ثلاثة الأصول موسع

الأصل الأول : معرفة العبد ربه

فضيلة الشيخ : زيد بن مسفر البحري

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وقوله :

(( فإذا قيل لك :  ما ثلاثة الأصول  التي يجب على الإنسان معرفتها  ؟ فقل : معرفة العبد ربه ودينه ونبيه ))

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ذكرنا فيما سلف من أن المصنف يتحدث هنا كمحادثة الكبير مع الصغير لأن هذا المتن يتعلق بالعقيدة ، والعقائد يجب أن تكون واضحة بينة

يعني : يفصل فيها العالم تفصيلا جليا بحيث لا يحصل هناك لبس ولا غموض ولا شبه

فسئل سؤالا : ما هي ثلاثة الأصول ؟

وقلنا :

إن مبنى واعتماد المصنف اعتماده على تسمية هذا المتن بأنه ثلاثة الأصول اعتمادا على حديث  البراء الطويل الذي فيه بيان حال العبد حين يتوفاه الله فيسأل في قبره ثلاثة أسئلة فإن أجاب نجح وأفلح ،  وإن لم يجب خاب وخسر

فهو يطرح سؤالا من باب التوضيح والتبيين وهو سؤال واضح :

ما ثلاثة الأصول ؟

فأمرك أن تجيب بأن تقول : معرفة العبد ربه

هذا هو الأصل الأول :

كيف يعرف العبد ربه ؟

كيف يعرف العبد دينه ؟

كيف يعرف العبد نبيه ؟

هذا سؤال إجابته مجملة :

معرفة العبد ربه ودينه ونبيه

ثم بعد ذلك بدأ في تفصيل كل أصل على حده

فالجواب مجمل لكنه واضح فيه إجمال  ، فيه عموم لكنه جواب واضح بين

فأراد أن يقدم هذا الجواب العام من باب تشويق النفوس إلى معرفة هذه ثلاثة الأصول

ما هي ثلاثة الأصول ؟

سؤال فيه تشويق

عرفت الإجابة لكن الإجابة عامة مجملة ، معرفة العبد ربه ، ومعرفة العبد دينه ، ومعرفة العبد نبيه

إذاً :

ما تفصيل وجزئيات هذه ثلاثة الأصول فهذا من باب التشويق

وهذا يدل على روعة أسلوب الشيخ

وهذا هو أسلوب الفصحاء البلغاء :

فتجد أن المتحدث تحدث  عن موضع معين تجده يقدم حديثه بمقدمة فيها تشويق فيها إثارة في النفوس ، فيها استمالة للأذهان حتى تجتمع هذه القلوب على هذا الحديث الذي سيلقى

وهذا هو أسلوب القرآن

مثال ذلك من كتاب الله :

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ }

هنا استفهام : ((هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ )) ؟

ما هي هذه التجارة ؟

ما فائدتها ؟

((تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ } هنا ستشتاق هذه النفوس إلى معرفة هذه التجارة التي تنجي العبد من العذاب الأليم

ما هي هذه التجارة ؟

((تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ …………. الآية ))

فهذا يدل على روعة وحسن أسلوب الشيخ

[ معرفة العبد ربه ] ستتضح تفاصيلها وجزئياتها فيما سيأتي وكذلك :

معرفة العبد دينه

معرفة العبد نبيه

قوله :

 (( فإذا قيل لك : من ربك ؟ قل : ربي الله الذي ربَّاني وربَّى جميع العالمين بنعمه وهو معبودي ليس لي معبود سواه ))

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

شرع الآن في بيان الأصل الأول:

فإن قيل لك من ربك ؟

هذا سؤال

فقل : ربي الله

ما صفات هذا الرب ؟

الذي رباني وربى جميع العالمين بنعمه

لو تدبر الإنسان وتأمل عظم وكثرة نعمه لوجد نفسه عاجزا عن إحصائها ، بل إن كل نعمة تستوجب نعمة أخرى تتطلب الشكر لله

مثال ذلك :

كون الإنسان يوفق إلى حضور  درس علمي

هذا الحضور نعمة من الله ، فإذا علمت بأن الله ألهمك ووفقك وأعانك على حضور  هذا الدرس

هذا التوفيق

وهذه المعرفة

وهذا الإدراك نعمة

وهلم جرا

فالعبد يتقلب في نعم الله :

((وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا  ))

إذا كان هذا هو المنعم تفضل عليك أسدى إليك الخيرات وهبك المنح والعطيات

النفوس:

 أليست مجبولة على حب من أحسن إليها ؟

بلى

إذا أكرمت ومنحت ووهبت من مخلوق نعما وفضائل ولو كانت قليلة كيف يكون مقدار محبتك لهذا الشخص ؟

تحبه وترغب في أن تكافئه

ولذا قال النبي عليه الصلاة والسلام :

(( من صنع إليكم معروفا فكافئوه فإن لم تجدوا ما تكافئونه فادعوا له حتى تروا أنكم قد كافأتموه ))

فالقلوب جبلت على حب من أحسن إليها

فإذا كان هذا في حق  المخلوق إذا أسدى إليك معروفا أحببته وتوددت إليه وتقربت منه وعطاياه قليلة محصورة معدودة

فكيف بالخالق ؟

ولله المثل الأعلى الذي في كل  لحظة من لحظاتك ، وفي كل سكون من سكونك لله عليك فيه نعمة : ((وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا ))

فإذا كان هو المنعم عليك فما الذي يلزمك حينها ؟

أن تقابل هذا المعروف بالإساءة

أن تقابل هذا الخير بالصدود والإعراض

أن تقابل هذه النعمة بالكفر والجحود

أم العكس ؟

لاشك أن العقل مع الفطرة فكيف بالشرع يدعو إلى أن تحسن إلى من أحسن إليك وأن تحب من أحسن إليك

ومحبة الله من علامتها :

أن تطيع أمره وأن تجتنب نهيه :

((قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ ))

ولهذا تسمى هذه الآية بآية الٍمحْنة

يعني :

هي آية امتحان لما زعم من  زعم بأنه  يحب الله :

قال الله تعالى لنبيه عليه الصلاة والسلام قل لهؤلاء المدعين لمحبتي :

(({قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }آل عمران31

فمن أسدى إليك هذه النعم ومنحك هذه العبادة والعطايا

هو الذي يستحق  العبودية

هو الذي يستحق المحبة الكاملة الخالصة التي لا يشاركه فيها أحد

والمحبة الصادقة الخالصة ما هي ؟ :

إدعاء باللسان أم عملا بالأركان ؟

عملا بالأركان

عملا بالجوارح

ولذا أشار المصنف بقوله : (( هو رباني ))

بماذا ؟

بنعمه

وربَّى أيضا من ؟

جميع العالم بنعمه

فإذا كان الأمر كذلك فهو الذي يستحق العبودية والمحبة

دخل أحد العلماء على شخص  يشكو من الفقر ويأنُّ من ظروفه الصعبة فرآه سليما صحيح الأعضاء :

فقال له :

أتحب أن يكو ن لك نظير عينيك مائة ألف درهم  ؟

يعني : أتحب أن تسلب منك عيناك وتعطى مائة ألف درهم ؟

قال :

لا

ولذا بعض السلف يقول : ” إذا أردت أن تعرف قدر نعمة الله عليك فغمض  عينيك قليلا “ثواني تشعر بأن الله أعطاك نعمة كبرى

فقال له :

أتحب أن  يكو ن لك نظير عينيك مائة ألف درهم ؟

قال :

لا

قال :  بيدك ؟

قال :

لا

قال  :برجلك ؟

قال : لا

وجعل يعدد عليه عظم نعمة الله عليه في هذه الأعضاء السليمة

قال : سبحان الله ! عندك مئون من الآلاف وأنت تشكو الفقر

فارتدع هذا الرجل من هذه الشكوى

ويذكر :

أن هناك عالما دخل على أحد الخلفاء

وتروى هذه لخليفة من خلفاء الدولة العباسية وهو

هارون الرشيد

وكان هذا الرجل  هارو ن الرشيد قد ملك في وقته ثلثي العالم

ولذا كان إذا خطب ورأى السحاب تمضي وتسير على رأسه قال لها : أمطري حيث  شئت هنا أو هناك فسيصلني خراجك

فدخل  عليه أحد العلماء وقال له – وكان هناك كوب من الماء – قال : يا أمير المؤمنين لو كنت في صحراء وشارفت على الهلاك من العطش وقدم  لك هذا الكوب من الماء مقابل نصف ملكك أكنت تشتريه ؟

قال : نعم أشتريه بنصف  ملكي

قال  له :  لو شربته ثم احتبس في بطنك

وهذه نعمة :

علي بن أبي طالب رضي الله عنه خرج ذات يوم من الخلاء  فمسح على بطنه فقال : يا لها من  نعمة لو يعلم العباد شكرها

نعمة أن تخلص من هذه الأقذار

فقال :  لو انحبس  في بطنك فقيل لك : لا يستخرج منك إلا  بنصف  ملكك الآخر

قال : نعم

فقال : ما تصنع بمُلْك شربة ماء  خير منه ؟

إذاً :

نعم من الله تطرأ على الإنسان

وإذا رأى الإنسان ما أنعم الله به على عباده من نعمة المال وهو صحيح سليم يشكره عز وجل :

(( نعمتان مغبو ن فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ ))

وأشخاص أثرياء يضرب بهم المثل في الثراء عنده من  الأمراض والآلام ما تمنعه من أن يتلذذ بماله

يرى أفضل وأشهى الأطعمة فيمنع منها

يرى ألذ وأشهى وأطعم المشروبات ولا يشرب منها

بل أحيانا بعضهم تقدم  له مرقة خالية من الملح أمامه ما يستلذه من المطعومات والمشروبات ولا يستطيع

هذا لو قيل له : يؤخذ  مالك كله وترجع إليك وصحتك وتستمتع كما يستمتع الفقير لقدم ماله

بل إن البعض من الأثرياء لا يستطيع أن ينام إلا بحبوب منومة

فأنت في نعم كبرى

ولذا يقول النبي عليه الصلاة واسللام :

( لا تنظروا إلى من هو فوقكم وانظروا إلى من هو أسفل منكم فإنه أحرى أن لا تزدروا نعمة الله عليكم ))

انظر في أمور الدنيا إلى من هو أقل منك ولا تنظر إلى من هو أعلى منك حتى تشكر نعمة الله عليك

لكن إذا كان الإنسان ينظر إلى الآخرين وإلى من هو أعلى منه فعنده نعم لا يقوم بشكرها

لماذا ؟

لأنه يعتقد ويظن أنه لم يعط نعما

ولكن انظر إلى من هو أقل منك مرتبة فستجد أن الله قد وهبك منحا وعطايا ونعما

أما في أمور الآخرة :

فلا ينظر إلى الدنو وإنما ينظر إلى من هم أعلى : ((وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ ))

{وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ }

وكان الصحابة يتنافسون فيما بينهم

الشاهد من هذا :

ـــــــــــــــــــــــــ

أن قول المؤلف في إجابته لهذا السؤال :

ربي الله الذي رباني وربى جميع العالمين بنعمه

يؤكد على أن من أعطاك هذه النعم الكثيرة التي لا تحصى هو الذي يستحق أن يحب

وهل هذه المحبة ادعاء باللسان ؟

لا

عملا بالأركان

وقوله :

 (( وهو معبودي ليس لي معبود سواه )) :

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الشيخ لا يضع كلمة إلا ولها معنى

وهذا  من سعة علمه ومن فقهه

ليست مجرد كلمة تقال يسد بها الفراغ

فإن قيل من ربك ؟

قل : ربي الله الذي رباني وربى جميع العالمين بنعمه

أنعم عليك فيكون هو المعبود :

ولذا قال :

(( وهو معبودي ليس لي  معبود سواه ))

فمن أنعم بهذه النعم هو الذي يستحق  العبودية ولا يعبد معه غيره جل وعلا

وقوله :

(( والدليل )) :

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

مرارا وتكرارا قلنا : بأن الشيخ لا يذكر كلاما من رأسه ، ولا من تلقاء  نفسه

وإنما إذا ذكر حكما عقديا أو تعريفا عقديا أردفه بالدليل

لماذا ؟

لأننا أمة الدليل

وسبق وأن وضحنا من أنه  لو ظهرت فتوى فلا ينظر إليها باعتبار قائلها  ، وإنما  باعتبار الدليل الذي قامت عليه الفتوى

فالدليل هو المقصد وهو الهدف

(( تركت فيكم ما إن اعتصمتم به فلن تضلوا  بعدي  :كتاب الله وسنتي ))

ولذا :

تواتر النقل عن الأئمة الأربعة :

أبي  حنيفة ومالك والشافعي والإمام أحمد : أن من استبانت أي  ظهرت له سنة النبي عليه الصلاة والسلام فلا يجوز أن يعدل عنها إلى قول أحد كائنا من كان

ولذا :

كان بعضهم يقول : إذا كان قولي يخالف قول الرسول عليه الصلاة والسلام فاضربوا بقولي عرض الحائط

كان قائلهم يقول : ”  كل يؤخذ منه ويرد إلا صاحب هذا القبر “

وهو النبي عليه الصلاة والسلام

قوله :

(( الدليل قوله تعالى : ( ( الحمد لله رب العالمين )) :

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

هذا هو الدليل على هذا الأصل الأول

هذا الأصل الأول فيه تعريف للرب

ومن خلال هذا التعريف الذي وضح فيه صفات الرب

هذه الصفات من صفاته : الإنعام ، تستوجب منا أن نعبده

ولذا :

هذه الآية اشتملت على أنواع التوحيد الثلاثة :

توحيد الربوبية

توحيد الألوهية

توحيد الأسماء والصفات

” الحمد “ هو وصف المحمود بالصفات العظيمة مع المحبة والتعظيم

(( الحمد )) هذه الكلمة تدل على توحيد الأسماء  والصفات

لأن الحمد ثناء  على المحمود

نثني عليه بماذا ؟

بما له من الصفات العظيمة مع المحبة والتعظيم

ولذا : الحمد يختلف عن المدح

” الحمد “ لابد أن يكون فيه تعظيم ومحبة

بينما :

” المدح ” لا يلزم

قد يكون فيه محبة وتعظيم وقد يخلو من المحبة والتعظيم

تمدح شخصا :  قد تمدحه لمحبتك ولتعظيمك له ،  وقد تمدحه تخلصا من شره مع بغضك له

” فالحمد “ هذه الكلمة تدل على توحيد الأسماء  والصفات

(( لله )) الله هو المعبود مأخوذ من التأله الذي هو التعبد

التأله إحدى درجات المحبة

(( رب العالمين )) توحيد الربوبية

فإذاً هذه الآية عظيمة جدا اشتملت على أنواع التوحيد الثلاثة