شرح ثلاثة الأصول موسع
شرح الدليل على المسائل الأربع : وهو :
سورة العصر
فضيلة الشيخ : زيد بن مسفر البحري
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله : قال الشافعي:
(( لو ما أنزل الله حجة على خلقه إلا هذه السورة لكفتهم ))
لما فرغ المصنف من ذكر المسائل الأربع التي يجب على كل مسلم وجوبا عينيا أن يتعلمها وأن يدركها وأن يعنى بشأنها وأمرها ذكر الدليل على هذه المسائل الأربع :
وهذا الدليل هو قوله تعالى :
((وَالْعَصْرِ{1} إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ{2} إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ{3} ))
ثم ذكر كلام الشافعي
والشافعي هو أحد الأئمة الأربعة ، وهم :
الإمام أبو حنيفة
الإمام مالك
الإمام الشافعي
الإمام أحمد
فأراد بهذه المقولة أن يؤكد فضل هذه السورة ، ومن ثم كانت مقولة الشافعي مقولة لها قدرها ، ولها اعتبارها في هذه السورة
فقال كلمة تدل على عظم هذه السورة وهو قوله :
((لو ما أنزل الله إلا هذه السورة لكفت الناس ))
لماذا هذه السورة ؟
لأن هذه السورة كما سبق ذكره عن ابن القيم :
” أن العالم لا يكون عالما ربانيا إلا إذا أتى بهذه المسائل الأربع
ما هي هذه المسائل الأربع ؟
( العلم )
والمراد من العلم في النصوص الشرعية إنما هو العلم الشرعي
( العمل )
الدعوة إلى الله
الصبر على تحمل الأذى الذي يحصل من الدعوة
فمن توفرت فيه هذه الخصال الأربع أصبح عالما ربانيا
فلو أن الناس أخذوا بمقتضى ما ذكر في هذه الآية لأصبحت هذه السورة كافية
لماذا ؟
لأنها حوت مقاصد الشريعة
ما هو مقصد الشريعة ؟
ما هي الحكمة من خلق الإنس و الجن ؟
ما هي الحكمة من إنزال هذا القرآن ؟
ما هي الحكمة من إرسال الرسل ؟
أليست الحكمة أن يقبل الناس على الله ؟
بلى
وهذه السورة من أتى بما فيها من خصال لاشك أنه سيصل إلى أعلى درجات العبودية لله
ولذا :
كانت مقولته مقولة واضحة حاصلة حاسمة في هذا الموضوع
وقد سبق وأن ذكرنا أن القرآن كله توحيد
جميع آياته تتحدث عن التوحيد
وهذا يدل على عظم التوحيد
لأن الآيات :
ــ إما ان تكون آمرة بالتوحيد
ـــ أو ناهية عن الشرك
ـــ أو مبينة لمكملات التوحيد
ـــ أو مبينة لما ينافي التوحيد
ـــ أو إخبارا من الله عن النعيم الذي أعده للموحدين
ـــ أو إخبارا منه عن العقوبة والعذاب المعد لمن لم يأت بهذا التوحيد
وقد جاء حديث وهو قول النبي عليه الصلاة والسلام :
(( لو لم ينزل الله إلا سورة لكفت الناس ))
فهذا الحديث :
يفهم منه أن السورة الواحدة من كتاب الله كافية وكفيلة بأن تقدم الخير والنفع للإنسان إذا أخذ بمضمونها
فهذا القرآن:
كله هدى
كله رحمة
كله سعادة
كله خير
فمن أخذ بمقتضى ما جاء في هذا القرآن فقد أفلح كل الفلاح
وقوله :
قال البخاري :
(( باب العلم قبل القول والعمل ))
ثم ثنى بذكر مقولة البخاري :
ـــ محمد بن إسماعيل البخاري
ــ وهو صاحب الصحيح
ــ الجامع الصحيح المسند من قول الرسول
ـــ وهذا الكتاب هو أصح الكتب بعد كتاب الله
ــ فهو يلي كتاب الله في مرتبة الصحة
ـــ فليس هناك من الكتب أصح من هذا الكتاب
لماذا ؟
لأنه ضمن الأحاديث الصحيحة الثابتة عن النبي عليه الصلاة والسلام
كما قال تعالى :
((وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى{3} إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى{4}))
فحرص على أن :
يؤلف هذا الجامع الذي جمع فيه أحاديث النبي عليه الصلاة والسلام واشترط في قبول الحديث شروطا قوية تدل عل حرصه على الاعتناء بسنة الرسول عليه الصلاة والسلام
فبوب في صحيحه
وقد قيل : ” إن فقه البخاري في تبويبه “
فتبويبه في صحيحه يدل على دقة فقهه فهو فقيه بل بلغ في الفقه والفهم مبلغه
ومن استطلع واستقرأ هذا الجامع الصحيح وتعليقات ابن حجر عليه يجد أن هذا الرجل قد أعطي فقه واسعا وفهما صائبا
كان لا يذكر الحديث إلا ويذكره في موضعه المناسب له
ويبوب تبويبات يظن القارئ أن هذا التبويب لا علاقة للحديث به ، وإذا بهذا التبويب يشير إلى مسألة أو قضية غامضة مذكورة في هذا الحديث
والأمثلة كثيرة
ولسنا بصدد الحديث عن هذا الصحيح ولا عن فقه صاحبه
لكن رحمه الله أراد أن يؤكد أن أولى المسائل التي يجب أن يحرص عليها المسلم ” العلم “
ولذا قال :
(( باب العلم قبل القول والعمل ))
لأن مَن عبد الله سواء كانت هذه العبادة عبادة قولية أو فعلية إذا لم تكن هذه العبادة صادرة عن علم وإلا أصبحت هذه العبادة مردودة على صاحبها
ومعلوم الحديث الثابت في الصحيحين قوله عليه الصلاة والسلام :
(( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو مردود ))
في رواية مسلم : (( من عمل عملا …. ))
فلابد أن يُتعلم هذا العلم
والعلم الحقيقي هو الذي يؤخذ من مصدره الحقيقي
والمصدر الحقيقي هو الكتاب والسنة :
قال النبي عليه الصلاة والسلام – كما عند مسلم – :
(( تركت فيكم ما ان اعتصمتم به فلن تضلوا كتاب الله ))
زاد مالك في موطئه : (( وسنتي ))
ــ فنخلص من هذا :
إلى أن الواجب على الإنسان أن يحرص على العلم فيأخذه من أهله المعتبرين
ومن ثم :
كانت مقولة الإمام محمد بن سيرين كما ضمنها الإمام مسلم في مقدمة الصحيح :
قال محمد بن سيرين وهو أحد التابعين قال :
(( إن هذا العلم – يعني العلم الشرعي – إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم ))
فإذا أخذت هذا العلم الشرعي من أهله تعبدت الله بمقتضى هذا العلم
ومن ثم تصبح هذه العبادة مرضية مقبولة عند الله
أما إذا أخذت هذا العلم من غير أهله ممن يستعلم وينصب نفسه للعلم الشرعي وهو ليس أهلا له سوف تتعبد الله بمقتضى هذا العلم الذي لم يُبن لا على كتاب ولا على سنة
ومن ثم :
تصبح هذه العبادة مردودة على صاحبها