الشرح الموسع لدليل الطالب ـ الدرس ( 6 )

الشرح الموسع لدليل الطالب ـ الدرس ( 6 )

مشاهدات: 479

شرح ( دليل الطالب لنيل المطالب )

الدرس السادس

فضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

بسم الله الرحمن الرحيم ، والحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين .

أما بعد :

فقد قال المؤلف رحمه الله :

( ويسن الاستنجاء بالحجر ، ثم بالماء ، فإن عكس كُره ، ويجزئ أحدهما ، والماء أفضل )

الشرح :

ذكر الماتن رحمه الله ما ينبغي للفارغ من قضاء حاجته ما يصنع بعدها ، فذكر أن أولى ما ينبغي له أن يستجمر بالحجر لكي يتنظف المحل ولئلا يكثر من ملامسته للنجاسة ، ثم يثني بعد ذلك بالماء ، وهناك أدلة ، منها ما رواه البزار ( من أن قوله تعالى { فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُواْ}التوبة108 أن هذه نزلت في أهل قباء ، فسألهم النبي صلى الله عليه وسلم عن ثناء الله عليهم ، وكيف كانوا يتطهرون ؟ قالوا : كنا نتبع الماء الحجارة ) ولكنه حديث ضعيف ، وإنما الصواب كما جاء عند أبي داود ( أن ثناء الله سبحانه وتعالى عليهم أنهم كانوا يستنجون بالماء فقط )

إذاً الأفضل أن يستجمر بالحجارة ثم يستنجي بالماء ، و هذا دليله من حيث المعنى ، أن ذلك أبلغ في التنظيف ، وإلا فليس هناك دليل صحيح على ما ذُكر .

الحالة الثانية : أن يقتصر على الماء فقط ، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين من حديث أنس رضي الله عنه ، قال ( كنت أحمل أنا وغلام نحوي إداوة من ماء وعنزة ، فيقضي رسول الله صلى الله عليه وسلم حاجته ويستنجي بالماء )

الحالة الثالثة : أن يقتصر على الحجارة فقط ، لما ورد في مسند الإمام أحمد وسنن أبي داود قوله عليه الصلاة والسلام ( إذا  ذهب أحدكم إلى الغائط فليستطب بثلاثة أحجار فإنها تجزئ عنه )

إذاً / الأفضل أن يستجمر بالحجارة أو ما يشابهها من ورق ومناديل وما شابه ذك ، ثم الماء .

المرتبة الثانية : أن يقتصر على الماء .

المرتبة الثالثة : أن يقتصر على الاستجمار ولو مع وجود الماء ، و لو كان لدى الإنسان ماء وفير ، فلو كان نازلا عند غدير كثير المياه ، فيمكن أن يقتصر على الحجارة في الاستجمار ولا يلزمه الاستنجاء بالماء ، لكن الاستنجاء أفضل لأنه أبلغ في الإنقاء .

ثم ذكر رحمه الله : لو أن الإنسان بدأ بالاستنجاء قبل الاستجمار ، هو جمع بينهما ، قلنا الأفضل أن يبدأ بالحجر ثم بالماء ، لكن لو عكس ، استنجى ثم استجمر ؟ يجوز مثل هذا ، ولكنه يزيد المحل قذارة ، ليس قذارة نجاسة وإنما قذارة تراب وما شابه ذلك ، فهذا مما لا ينبغي .

وقوله ( ويجزئ أحدهما ، والماء أفضل ) فله أن يقتصر على الحجارة ولو مع وجود الآخر ، ولكن الماء أفضل ، لأنه أبلغ في التنظيف .

قال رحمه الله :

( ويكره استقبال القبلة واستدبارها في الاستنجاء )

هذا استحسان منه رحمه الله من باب تكريم القبلة ، ولا شك أن القبلة ينبغي أن تكرم ، ولكن تكريمها يكون بما دل عليه الدليل ، فإن الإنسان لو استنجى أو استجمر وهو مستقبل الكعبة أو مستدبرها ، فلا بأس بذلك ، لأنه لم يقض حاجته ، ففرق بين قضاء الحاجة كما سيأتي وبين الاستنجاء والاستجمار بعد فراغه من قضاء الحاجة ، فبعد قضاء الحاجة لو استقبل القبلة في الاستنجاء أو الاستجمار ، فلا بأس بذلك ولا دليل على الكراهة ، لأن الكراهة حكم شرعي يحتاج إلى دليل .

قال رحمه الله :

( ويحرم بروث ، وعظم ، وطعام ، ولو لبهيمة ، فإن فعل لم يجزئه بعد ذلك إلا الماء ، كما لو تعدى الخارج موضع العادة )

الاستجمار يحرم بما ذكر رحمه الله :

أولا : الروث والعظم ، لأنه جاء في صحيح مسلم ( نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يستنجى بعظم أو روث ، فإنه طعام إخوانكم ) زاد الترمذي ( الجن ) وقد جاء عند مسلم قوله عليه الصلاة والسلام لما دعا وفد الجن ، قال ( لكم كل عظم ذكر اسم الله عليه أوفر ما يكون لحما ، وكل بعرة علف لدوابكم ) إذاً لا يجوز لنا أن نستنجي بالعظام حتى لا ننجسها على إخواننا من الجن ، ولا يجوز أن نستجمر بالروث إما لأنها نجسة في بعض أنواعها ، وقد تكون طاهرة مثل روث ما يؤكل لحمه ، فهذه لا يجوز أن نستجمر بها ، لم ؟ لأنها طعام دواب إخواننا من الجن، فالجن لهم دواب ، ثم قاس العلماء على ذلك طعام الآدميين وطعام بهائمهم ، فمن باب أولى أنه يحرم أن يستجمر بطعام آدمي ، لأن هذا كفر بالنعمة ، وقد قال عليه الصلاة والسلام ( أكرموا الخبز ) وكذلك لا يجوز لنا أن نستجمر بطعام بهائمنا ، لأن حرمة طعام الآدميين أولى من حرمة طعام الجن ، ومن ثم أنه ينبغي لنا أن نتنبه حينما نذهب إلى الصحراء في وقت الربيع ، فلا نتبول أو نتغوط على مكان ترتع فيه بهائمنا ، حتى لا ندنس هذا العشب على بهائمنا ، أما إذا كان لا يستفاد منه ، فهذا خارج عن هذا الحكم .

فإن فعل ذلك ، بمعنى أنه استجمر بعظم أو استجمر بروث طاهر و كان متعمدا ، وهذا ما أشار إليه الماتن ، هو متعمد أن يستجمر بالعظم أو بالروث الطاهر ، هنا يقول رحمه ( لا يجزئه إلا الماء ) لم ؟ لأن الاستجمار رخصة ولا تستباح بالمحرم ، إذاً ماذا يصنع ؟ يقول رحمه الله : لا يجزئه الاستجمار ، فعليه أن يستنجي بالماء فقط ، عقوبة له ، ولكن الصواب جواز الاقتصار على الاستجمار ولو فعل ما فعل ، لكنه آثم ويصح استجماره لو استجمر .

وقوله ( كما لو تعدى الخارج موضع العادة )

لو أن الإنسان تغوط أو تبول فانتقل هذا البول أو هذا الغائط انتقل عن موضع الخارج فتفرق ، هل يجزئه الاستجمار مع أن هذا الغائط قد تعدى موضعه ، أو أن هذا البول قد تعدى موضعه الحقيقي ؟

الماتن رحمه الله يقول : لا يجزئه إلا الماء ، لم ؟ لأن الاستجمار مشروع في المعتاد ، وهذا غير معتاد ، ويرى شيخ الإسلام رحمه الله – وهو الصواب – أنه لو تعدى الخارج موضع العادة يجزئه الاستجمار ، لم ؟ لأن هذا يحصل كثيرا في عصر النبي صلى الله عليه وسلم ومع ذلك لم ينبه الصحابة على هذا الأمر ، اللهم إلا إذا تناثر الغائط والبول على بدن الإنسان ، فهذا شيء آخر ، فهذا يجب غسله بالماء ، لكن لو تعدى الغائط تعدى موضعه إلى ما حوله ، أو أن البول لما خرج من موضعه تعدى إلى ما حوله ، هذا هو محل الحديث ، إما إذا وقعت النجاسة على فخذه أو على ركبته ، فهذا يجب غسلها .

قال رحمه الله :

( ويجب الاستنجاء لكن خارج إلا الطاهر ، والنجس الذي لم يلوث المحل ) .

يجب الاستنجاء لكل خارج ، فما خرج من الإنسان من السبيلين يجب الاستنجاء منه ، سواء خرج بول أو غائط أو حصاة أو دم أو قيح أو صديد ، فيجب الاستنجاء ، واستثنى رحمه الله ( الطاهر ) ما هو الطاهر ؟ مثل الريح على القول الصحيح ، فالريح طاهرة وإن كانت كريهة الرائحة في بعض الأحيان ، لكنها طاهرة ، لأنه لا جرم لها .

ومثل المني ، فإن الإنسان لو أمنى فإنه لا يجب عليه الاستنجاء ، وإن كان يجب عليه الغسل .

والصنف الآخر الذي استثناه رحمه الله ( النجس الذي لم يلوث المحل )

تصور لو أن حصاة خرجت من دبره وهي يابسة ولم تؤثر في المخرج بشيء ، فلم تحدث فيه لزوجة ولا رطوبة ولا غيره ، فلا يجب الاستنجاء هنا ، لم ؟ لأن الاستنجاء من أجل إزالة النجاسة ولا نجاسة هنا ، لكنها نجسة ، فلو أن الإنسان حملها في صلاته تبطل ، لكن هل يجب الاستنجاء منها مع أنها نجسة ، لم ؟ لأنها لم تؤثر في المحل .