الشرح الموسع
لكتاب التوحيد
الدرس ( 1 )
المقدمة
وتفسير : (( بسم الله الرحمن الرحيم ))
فضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين نستعين بالله جل وعلا على شرح هذا السفر العظيم الذي تحدث عن حق الله جل وعلا على عبيده .
مؤلف هذا الكتاب :
هو شيخ الإسلام المجدد محمد بن عبد الوهاب بن سليمان بن علي ، ويرجع نسبه إلى بني تميم فقد جاءت أحاديث في الثناء على هذه القبيلة منها ما جاء في صحيح البخاري عن عائشة رضي الله عنها ( أنهم أشد أمتي على الدجال ) وفي رواية مسلم ( أشد الناس في الملاحم ) والملاحم هي الحروب ، لأن هذه الحروب يحصل فيها التحام اللحم باللحم ولما جاءت صدقات بني تميم قال النبي كما هو في حديث عائشة المذكور أنفا قال ( جاءت صدقة قومي ) فهم يجتمعون مع النبي عليه الصلاة والسلام في نسبه مع إلياس ، وكانت رضي الله عنها قد نذرت أن تعتق رقبة وكانت هذه الرقبة من بني تميم فأمرها النبي صلى الله عليه وسلم أن تعتقها حتى قال أبو هريرة ( ما زلت أحب بني تميم لثلاث سمعتها من النبي ) وذكر هذه الثلاث .
وكان يقول : كما في المسند :
( ما كان أبغض إلي من بني تميم حتى أحببتهم بعد سماعي ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم ) لأنه كانت هناك معارك بين قومه وبين بني تميم .
وليعلم:
أن النسب لا يفيد أحدا شيئا ، وإنما هذا من باب بيان فضائل هذه القبيلة مع انه عليه الصلاة والسلام قد أوذي من بعضهم ولهذا لما وفد إليه بعض من بني تميم قال عليه الصلاة والسلام ( يا بني تميم اقبلوا البشرى فقالوا بشرتنا يا رسول الله فأعطنا ) فوجد النبي صلى الله عليه وسلم في نفسه فهو يريد لهم الخير في الدين وهم أرادوا البشرى التي في الدنيا .
( فلما جاء أهل اليمن قال لهم النبي صلى الله عليه وسلم اقبلوا البشرى فقبلوها )
والنبي صلى الله عليه وسلم كما عند مسلم قال ( من بطأ به عمله لم يسرع به نسبه )
ولذا لما سأل بعض الصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ( من أكرم الناس قال:( أتقاهم )
وهذا مصداق قوله عز وجل {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات: 13] وسبقها ذكر شيء وهو قوله تعالى { يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا } [الحجرات: 13] فذكر العلة وهي التعارف فدل على أن أصل الكل واحد خلقوا من ذكر وأنثى من آدم وحواء ثم قال عز وجل { يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ } [الحجرات: 13]
فقال عليه الصلاة والسلام : ( إن أكرم الناس أتقاهم قالوا : ليس عن هذا نسألك يا رسول الله ، فقال عليه الصلاة والسلام : إن الكريم بن الكريم بن الكريم يوسف بن يعقوب ابن إسحاق
فقالوا : ليس عن هذا نسألك فقال عليه الصلاة والسلام : فعن معادن أهل الجاهلية تسألونني ؟ خيارهم في الإسلام خيارهم في الجاهلية إذا فقهوا ) يعني إذا تعلموا ودخلوا في هذا الدين ، فنسبه رحمه الله يرجع إلى هذه القبيلة .
وقد قال الشاعر:
لقد رفع الإسلام سلمان فارس وقد وضع الشرك الشريف أبا لهب
أبو لهب شريف ، فهو من قبيلة النبي صلى الله عليه وسلم بل هو عمه ، ومع ذلك لما لم يوحد الله عز وجل أصبح في منزلة وضيعة ، بينما سلمان الفارسي رضي الله عنه الذي أخذ واسترق وآل أمره إلى ما آل إليه رفعه الإسلام .
وقد امتاز الشيخ رحمه الله :
بذكائه وسرعة حفظه ، وخدمه في ذلك بعد توفيق الله جل وعلا أن أباه وجده وعمه كانوا علماء فقد نشأ في بيت علم ودين ، وقد حفظ القرآن قبل بلوغ سن العاشرة فتلقى من والده العلم ولم يقتصر على ذلك فرحل في أقطار الدنيا رحل إلى الحجاز وإلى الإحساء وإلى البصرة كل ذلك طلبا للعلم والعلم بين أيدينا وفي متناول أيدينا ومع ذلك نجد فتورا ونكوصا وإعراضا عن طلب العلم مع أن الحاجة في هذا الزمن أكثر من غيره وما قال عليه الصلاة والسلام مقولته: ( يقل العلم ويكثر الجهل ) ليس من باب الإخبار فقط وإنما من باب الإخبار والحث.
ففي هذا حث لمن هم في آخر الزمن أن يحرصوا على طلب العلم وكلما ازداد به العمر كلما ازداد علما وكان كثير المطالعة وقد نفعه الله عز وجل بكتب شيخ الإسلام ابن تيمية فبرع فيها وكانت الجزيرة العربية آنذاك قد تدنست بالشركيات والبدعيات شأنها كشأن سائر بلدان المسلمين في ذلك الزمن فقام رحمه الله رافعا راية التوحيد فبين العقيدة السليمة الصحيحة ودعا ترك الأوثان والتبرك بالأشجار والأحجار فعودي كما هو شان كل داعية إلى الله جل وعلا عودي عداء شديدا حتى إنه رحمه الله قام بهدم بعض الأصنام والأحجار في بعض بلدان الجزيرة لكن هذا الاعتداء وهذا الأذية وهي سنة الله جل وعلا لم تطل لأن العاقبة للمتقين
شيخ الاسلام رحمه الله ، عودي من قبله ومع ذلك أظهره الله عز وجل فأصبح منارا يقتدى به في هذا الزمن مع أن بيننا وبينه أكثر من سبعمائة سنة .
الآن شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله ما زالت كتبه لها الأثر النافع في بلاد المسلمين ولم تنحصر ولله الحمد في هذه الدولة بل تعدت إلى بلدان أخرى والنبي عليه الصلاة والسلام قبل هؤلاء وهو الأسوة عودي وأوذي ونصره الله جل وعلا والله لا يخلف الميعاد :
قال تعالى {وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ} [الروم: 47]
وقال تعالى {إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ} [غافر: 51] فقيض الله جل وعلا له من يناصره ، وهذه منقبة للإمام محمد بن سعود رحمه الله فناصر الشيخ لأن الشيخ طرد من بعض البلدان فأتى إلى الدرعية وكان بها الإمام محمد بن سعود ويستحق أن يكون إماما وان يوصف بأنه إمام وبفضل من الله جل وعلا ثم بفضل هذا الإمام محمد بن سعود وجهوده في نصرة هذا الدين لم تزل ذريته حتى الآن تتفيء ضلال هذه النعم وهذا الرخاء وهذا الاسقرار فناصره وعاضده:
ومن هنا اجتمع سيف العلم وسيف القوة ولذا قال تعالى : {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء: 59] وأولوا الأمر هم العلماء والأمراء ، لأن العلماء أئمة التبيين والتوضيح ، والأمراء أئمة التنفيذ ،فجعل رحمه الله يكتب الرسائل ويؤلف المؤلفات وينشر العلم ومع ذلك تكلم في شخصه وفي عقيدته ولكن سنة الله جل وعلا هي نافذة على الكل وهي نصرته جل وعلا لأوليائه نسبحه والله حسيبه ولذا امتدحه الشوكاني رحمه الله كان في عصره ، وكذا الصنعاني وأنشدوا فيه أبياتا تدل على سلامة معتقد هذا الرجل ، ولما تحدث في وفي عقيدته بدأ يؤلف هذه الرسائل مثل :
1- رسالة ثلاثة الأصول .
2- كشف الشبهات
3- القواعد الأربع
4- مسائل أهل الجاهلية
5- كتاب التوحيد
فهي رسائل مختصرة لكنها تحوي معاني عظيمة وكانت ولادته سنة 1115هـ في بلدة العيينة وتوفي رحمه الله سنة 1206هـ فيكون رحمه الله قد مكث في هذه الدنيا 91 سنة 0
والشاهد من ذكر هذه السيرة المختصرة الموجزة لمثل هذا العالم الحبر:
الشاهد منها:
إبراز لفضائله رحمه الله وكذلك محبته لما قام به من جهد وتفاني وتضحية لهذا الدين وكذلك الاقتداء والتأسي بمثل هذه الشيخ الجليل ولا يحقرن أحد نفسه .
وإذا علم الله عز وجل من عبده صدق النية وفقه جل وعلا ، والذي يلحظ هنا أن كتابات الشيخ أكثرها متعلقة بالتوحيد أي بالعقيدة .
وإذا سبرتم حال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله فكذلك وهذا يدل على أن التوحيد له أهميته العظمى لا في النفع الخاص ولا في النفع العام ففي النفع الخاص أن الله عز وجل رفع من شأن هؤلاء لأنهم اشتغلوا بأعظم ما أمر الله عز وجل به وهو التوحيد ، اشتغلوا به تعلما وتعليما ودعوة ونشراً وكتابة .
ثم فيه نفع لعامة الناس فأفضل وأعظم وأحسن ما يوجه إليه الناس صلاح وسلامة المعتقد لأن التوحيد هو المعتقد والأصل فإذا افتقد هذا الأصل افتقد الدين ولذا كانت دعوة الرسل تبدأ بالتوحيد وذكر نسبه رحمه الله :
لا يعني أن يفاخر به وهذا فيه توجيه للكل ألا يفتخر بنسبه ، قال تعالى { فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ} [المؤمنون: 101] وإن كان الصحابة رضي الله عنهم كأبي بكر رضي الله عنه قد أعطي علما واسعا في الأنساب في أنساب العرب .
وكذا كثير من علماء المسلمين فإنما الغرض من ذلك أن توصل الأرحام لا ليفتخر بها ، ولذا صح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال : ( تعلموا من أنسابكم ما تصلون به أرحامكم )
والنبي عليه الصلاة والسلام لم ينفع اباه ولم ينفع أمه فنهى عن أن يستغفر لأمه:
لما استأذن عليه الصلاة والسلام ربه ولما سأله رجل أين أبي كما في صحيح مسلم قال في النار فكأنه وجد في نفسه فقال عليه الصلاة والسلام : ( إن أبي وأباك في النار )
زوجة نوح ولوط ، قال تعالى : {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ } [التحريم: 10]
والخيانة هنا خيانتهما بالشرك وليس بالزنا لأنه لم يجعل الله جل وعلا تحت نبي قط امرأة بغيا وأيضا نوح لم ينفع ابنه ، وإبراهيم لم ينفع أباه .
سؤال :
هل هناك تعارض بين قوله تعالى {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ } [الطور: 21]
وقوله عليه الصلاة والسلام 🙁 من بطأ به علمه لم يسرع به نسبه ) ؟
الجواب :
لا يوجد تعارض لأن الآية ذكرت بأن الآباء والأبناء إذا دخلوا الجنة فصار الآباء في منزلة الأبناء فإن الله عز وجل يرفع هؤلاء الأبناء إلى منازل آبائهم لتقر بذلك أعينهم .
وقال تعالى : { وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ } أي ما أنقصنا الآباء فجعلناهم في منزلة الأبناء.
فليس هناك تعارض فالنسب يفيد إذا كان هناك إيمان أما النسب المحض من غير إيمان فلا ينفع أحد أحدا :
قال تعالى : {وَلَا يَسْأَلُ حَمِيمٌ حَمِيمًا } [المعارج: 10]
ومع ذلك يتمنى أن يخلص من عذاب الله ولو افتدى بأحب الناس إليه ، فإذا كان الإيمان موجودا في النسب فإنه يحصل الانتفاع في يوم القيامة .
ولذا قال تعالى : {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ } [الطور: 21] .