الدرس ( 2 )
الشرح الموسع لكتاب التوحيد [ شرح البسملة ]
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فضيلة الشيخ : زيد بن مسفر البحري
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قال المؤلف رحمه الله : بسم الله الرحمن الرحيم
ففي بعض النسخ الاقتصار على البسملة
وفي بعض النسخ البسملة والحمد والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم .
فالنسخ اختلفت وليس هذا الاختلاف وليد هذا العصر بل من قديم حتى العلماء السابقون ذكروا أن من بين النسخ من اقتصرت على الحمد والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ، فإذا قلنا إنه اقتصر على البسملة لأنه في النسخة الأخرى قد ذكر مع البسملة الحمد والصلاة فلا تعليق عليها .
لكن على افتراض أن النسخة الأصلية هي التي اقتصر فيها على البسملة فيكون التوجيه هنا من ثلاثة أمور :
1- إما أن يكون رحمه الله قد حمد وصلى بلسانه دون أن يكتب هذا في كتابه ، وهذا ليس بغريب فقد ذكر عن الإمام أحمد رحمه الله أنه إذا مر باسم النبي صلى الله عليه وسلم ولم يكتب اغتناما لوقته حتى يكتب من العلم أكثر .
2- أن ذكر البسملة أشمل وأعم ، فالبسملة فيها من الثناء ما يدخل تحتها الحمد .
3- وأيضا يمكن أن يقال إن في هذا تأسيا بالنبي صلى الله عليه وسلم فقد كتب في بعض رسائله إلى هرقل عظيم الروم ” بسم الله الرحمن الرحيم من محمد بن عبد الله إلى هرقل عظيم الروم “
فيكون أحد هذه الاحتمالات الثلاثة وعلى النسخة الأخرى لا إشكال في هذا
قوله رحمه الله : ( بسم الله الرحمن الرحيم )
لماذا ابتدأ بالبسملة ؟
هو وغيره من العلماء إذا كتبوا ابتدءوا بالبسملة ، إذا ألقوا درسا أو محاضرة أو توجيها بدءوا بالبسملة وذلك لأسباب وهي :
الأول : اقتداء بما في كتاب الله جل وعلا لأن البسملة على الصحيح من الأقوال – وهذا اختيار شيخ الإسلام رحمه الله عليه في الفتاوى – أن البسملة آية مستقلة يبدأ بها مع كل سورة وليست من السورة ، فحينما يقرأ القارئ سورة الفاتحة يبسمل ، فالبسملة آية مستقلة وليست على الصحيح من الفاتحة ) هذا موجود في الصوت .
والدليل : أنها آية مستقلة وليست من الفاتحة – ولا أريد أن أسهب في هذه المسألة لأن لها علاقة بالتفسير وكذا بالفقه – فإن الله عز وجل في الحديث القدسي كما عند مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال ( قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين ) والصلاة هنا الفاتحة ( فإذا قال العبد الحمد لله رب العالمين قال تعالى حمدني عبدي ……..) ولم تذكر البسملة إلا من وضع الوضاعين كما قال شيخ الإسلام ، وهذا دليل من عدة أدلة على أن البسملة ليست من الفاتحة ، فإذا قرأ سورة البقرة هل البسملة آية منها ؟
لا ، وإنما هي أية مستقلة ، ما الدليل ؟
الدليل : أن النبي عليه الصلاة والسلام كما عند مسلم ( أغفى إغفاءة – يعني أتاه الوحي – فلما أفاق فإذا بأسارير وجهه تبرق عليه الصلاة والسلام ، قال لقد انزل علي أنفا سورة فقرأ بسم الله الرحمن الرحيم { إنا أعطيناك الكوثر } ماذا صنع عليه الصلاة والسلام ؟ قرأ البسملة مع أن البسملة ليست من سورة الكوثر
وقال ابن عباس رضي الله عنهما كما في سنن أبي داود قال: ( ما كان يعرف الفصل بين السور حتى نزلت بسم الله الرحمن الرحيم )
وأما كونها ليست من السورة ذاتها : فقد قال عليه الصلاة والسلام ( إن سورة من القرآن ثلاثون آية شفعت لصاحبها وهي تبارك ) سورة الملك ، ماذا قال عليه الصلاة والسلام ؟ ( ثلاثون آية ) فلو حسبتها لوجدتها ثلاثين آية من غير البسملة .
فهذا هو السبب الأول الذي يجعل العلماء يبتدئون كلامهم وتأليفهم بالبسملة
السبب الثاني :
اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم في فعله كما في رسالته إلى هرقل .
السبب الثالث :
امتثالا لقول النبي صلى الله عليه وسلم كما في صحيح ابن حبان : ( كل أمر لا يبدأ فيه ببسم الله فهو أقطع ) روي هذا الحديث من طريقين ، فبعض العلماء يضعفه كالألباني رحمه الله ، وبعض العلماء يحسنه كابن الصلاح رحمه الله وعمل علماء الأمة يدل على أن له أصلا .
قوله : ( بسم الله الرحمن الرحيم )
فالباء هنا حرف ( جر ) كما هو مصطلح البصريين أو حرف ( خفض ) كما هو مصطلح الكوفيين ، ولا مشاحة في هذا الاصطلاح .
فالباء حرف جر .
( اسم ) اسم مجرور بحرف الجر الذي هو ( الباء ) وعلامة جره الكسرة الظاهرة على آخره .
هذا الجار والمجرور له متعلق ، وهو محذوف يقدر بفعل خاص متأخر محذوف يناسب المقام
وقولنا ( بفعل ) لم نقل اسما لأن الأصل في الفعل هو العمل ، الأصل فيما يعمل هو الفعل .
وقولنا ( خاص ) يعني بما يناسب المقام ، فإذا أردت أن تقرأ فالمقدر بسم الله الرحمن الرحيم أقرأ .
عند الأكل : فالمقدر بسم الله الرحمن الرحيم آكل .
عند الشرب : فالمقدر بسم الله الرحمن الرحيم أشرب .
إذن بفعل خاص ( متأخر ) لم يتقدم ، لماذا أخر ؟ حتى يبدأ باسم الله جل وعلا تبركا به .
إذن يقدر بفعل خاص متأخر محذوف .
لماذا حذف ؟ حتى يعم أي حالة يقال فيها هذا الكلام ، لأنه لو كان التعبير ( بسم الله الرحمن الرحيم أقرأ ) وذكر ، ما الذي سيكون ؟ حصر هذا الكلام في القراءة .
لو قال قائل :
أن الفعل ذكر وتقدم على الاسم في قوله تعالى {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} [العلق: 1] فلماذا ذكر وتقدم ؟
ذكر وتقدم لن الضرورة داعية إلى ذكره وإلى تقديمه في هذا المقام ، ما هي الضرورة ؟ أن هذا الأمر موجه إلى من ؟ إلى النبي صلى الله عليه وسلم في أول أمر يؤمر به ، بل في أول شيء يتعلق بالوحي .
فالباء هنا حرف جر ، هذا ما يتعلق بكلام النحويين .
فهذا الكلام يعنى به النحويون ، فيتحدثون عن عمل حرف الجر ، أما البلاغيون فيتحدثون عن معنى حرف الجر ، ومن ثم فهذا الحرف ما معناه ؟
فبعض العلماء يقول : إن معناه المصاحبة يعني المعية ، كما لو قلت : ” بعت الثوب بنقوشه ” فالباء هنا للمصاحبة ، فيكون معنى البسملة ” بسم الله الرحمن الرحيم الله الرحمن الرحيم مصاحبة لهذا العمل ” .
وبعض العلماء يقول : إن معنى الباء الاستعانة ، فيكون المعنى بسم الله الرحمن الرحيم مستعينا بالله جل وعلا على هذا العمل .
وهذا هو الصحيح ، لأن العبد لا حول له ولا قوة إلا بالله جل وعلا ، وقد نصر الزمخشري القول الأول ، لأن الزمخشري كما قال شيخ الإسلام رحمه الله معتزلي قدري وهذا ظاهر في تفسيره معتزلي قدري ، فهو يقول : ” إن الحرف هنا للمصاحبة “
لأن القدرية يقولون – كما سيأتي معنا في أحد أبواب هذا الكتاب أثناء الحديث عن أسماء الله عز وجل وصفاته وكذا في باب ما جاء في منكري القدر – يقولون إن العبد يخلق فعل نفسه ، فهو يتصرف بمحض إرادته ، ولا يخلق الله جل وعلا فعل هذا العبد ، هذا معتقدهم ، فلو قال إن الباء للاستعانة فسيخرق معتقده .
فإذن فإن الصحيح أن الباء هنا للاستعانة .
( اسم )
الاسم بوجه عام دون التحديد بأسماء الله عز وجل ، إنما الاسم في مادته الأصلية مشتق من السمو ، كما قال بعض العلماء يعني من العلو فالإنسان يعلو ويعرف باسمه .
وقال بعضهم : ” مشتق من الوسم وهي العلامة فهذا الاسم علم لهذا الشخص “
ولا تنافي بين هذين القولين :
فهو مشتق من السمو ومن الوسم ، فهو ينوه عليه باسمه واسمه علامة له . والاسم هنا مفرد وأضيف إلى الله لفظ الجلالة ، والمفرد إذا أضيف كما هي القاعدة الأصولية إذا أضيف فيعم ، فالمراد كل أسماء الله جل وعلا ، فحينما يبسمل العبد يستعين بأسماء الله جل وعلا كلها .
ولفظ الجلالة ( الله ) :
مأخوذ من التأله وهو التعبد فكل الخلائق تعبده ، إما عبودية عامة ، والمراد منها التذلل قال تعالى { إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا} [مريم: 93] وقال تعالى : {وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ} [آل عمران: 83] وقال تعالى : {وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا} [الرعد: 15]
وإما عبودية خاصة ، وهي عبودية المؤمن .
وقد قال ابن القيم رحمه الله : ” إن هذا الاسم وهو ( الله ) جامع لجميع أسماء الله جل وعلا الحسنى وصفاته العلا ” .
وقال رحمه الله : ” إن صفات الجمال والجلال أخص بها اسم الله ، فهذا الاسم أخص بها من غيره من الأسماء ، صفات الجمال والجلال أخص بها اسم الله من غيره ، وصفات الفعل والمشيئة والتدبير ونحو ذلك أخص بها اسم ( الرب ) وصفات البر والإحسان والجود واللطف أخص بها اسم ( الرحمن ) ويقول رحمه الله في هذا الاسم وهو ( الله ) ما قيل في حالة همٍّ إلا فرجه ، ولا في كربة إلا نفسها ، ولا تعلق به خائف إلا أمن ، ولا استشفى به مريض إلا شفي ، فبه تفرج الهموم وتنفس الكروب وتطلب الحاجات .
وهذا الاسم لم يعرف أن هناك من تسمى به ولذا قال عز وجل : {هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا} [مريم: 65] على أحد وجوه
و( الله ) مشتق من الإله ، فحذفت الهمزة التي في الإله فالتقى اللامان – التقى لام ولام – فأدغما فأصبحا ( الله ) لو كتبت الإله ثم حذفت الهمزة فيلتقي عندك لامان فإذا ادغما أصبح النطق ( الله ) .
وإنما قيل مشتق لكي يتضمن صفة لله جل وعلا وهي صفة الألوهية ، ومعنى ( الله ) هو المألوه أي المعبود مع المحبة والتعظيم .
( الرحمن )
بعد كلمة الله ( الرحمن ) ثم ( الرحيم ) فيكون ذكر اسمي الرحمن الرحيم من باب ذكر الخاص بعد العام .
في مستهل حديثنا قلنا إن لفظ الجلالة [ الله ] جامع لكل أسمائه جل وعلا الحسنى وصفاته العلا
[ والرحمن الرحيم ] لا شك أنهما داخلان في لفظ الجلالة الله لكن ذكرا من باب ذكر الخاص بعد العام وهذا ما يسمى عند البلاغيين بالإطناب للتنويه بشأن هذين الاسمين .
ولعل- والله أعلم – أن ذكر هذين الاسمين دون غيرهما مع أن أسماءه جل وعلا كلها حسنى بلغت الغاية في الحسن والكمال والجمال ، لأنه عز وجل قضى ، وقضائه نافذ بأن رحمته سبقت غضبه ، وأنه عز وجل يجب أن يرحم عباده ، ولذا كما قال عليه الصلاة والسلام : ( خلق الله مائة رحمه فجعل جزءا واحدا في الأرض فمن هذا الجزء تتراحم الخلائق ، حتى ترفع الدابة حافرها عن ولدها خشية أن تصيبه فإذا كان يوم القيامة كمل جل وعلا الرحمة بهذه الرحمة )
ولذا النبي صلى الله عليه وسلم في إحدى الغزوات ( رأى امرأة ملهوفة – يكاد أن يطير قلبها – فإذا بها تبحث في السبايا فرأت طفلا لها فأخذته وضمته إلى صدرها ، فقال عليه الصلاة والسلام أتظنون أن هذه طارحة ولدها في النار ؟ قال الصحابة : ” لا يا رسول الله – كيف وهي بهذه الحال كاد أن يطير عقلها – ” فقال عليه الصلاة والسلام : لله أرحم بعباده من هذه بولدها )
ولذا في غالب ما يذكر من أسمائه جل وعلا في معرض الحديث عن يوم القيامة يذكر اسم الرحمن
قال تعالى : {رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا الرَّحْمَنِ لَا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطَابًا } [النبأ: 37] وقال تعالى {الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمَنِ} [الفرقان: 26] وقال تعالى { وَخَشَعَتِ الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ } [طه: 108] .
فلعل هذا هو السبب في ذكر هذين الاسمين ، ولا شك أن هناك فوائد ولكن كما قال تعالى : { وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا} [الإسراء: 85] .
( الرحمن الرحيم )
لو قال قائل : لماذا لم يقل بسم الله الرحمن أو بسم الله الرحيم ؟
فيقال إنما ذكر أكثر من اسم لأسباب من بينها :
وهي قاعدة في العقيدة في باب الأسماء والصفات : [ أنه في مقام إثبات أسماء الله جل وعلا وصفاته يكون التفصيل وفي مقام نفي أسماء عن الله جل وعلا يكون الإجمال ]
ففي الإثبات التفصيل ، وفي النفي الإجمال .
لأن هذا هو المدح ، وهو الكمال ولا تخرج عن هذه القاعدة إلا لاعتبارات أخرى ، لا أريد أن أذكرها وأستبق الحديث ، ولكن هذه القاعدة تكون قاعدة لكم إذا وصلنا بابا يتعلق بالأسماء والصفات ، ففي مقام الإثبات يكون التفصيل .
ولذا في آخر سورة الحشر قال تعالى : {هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ (22) هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ} [الحشر: 22، 23] هذا تفصيل للأسماء ، لم ؟ لأن فيه مدحا وكمالا .
فلو أتيت إلى ملك من ملوك الدنيا – ولله المثل الأعلى – فقلت له : ” أنت كريم ، أنت شجاع ، أنت معطاء ، أنت حليم ، أنت صبور ، أليس هذا مدحاً ؟ بلى .
أما في النفي فيكون الإجمال ، ولذا قال تعالى : {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} [الإخلاص: 4] وقال تعالى : {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى: 11]
لأن إجمال النفي مدح ، لكن لو فصلت النفي لا يكون مدحا ، لو أتيت لملك من ملوك الدنيا وقلت له : لست بخباز ولا كناس ولا فراش ولا سباك ، هل هذا مدح ؟ هذا ذم ، على كل حال هذه قاعدة : ” في إثبات الأسماء التفصيل ، وفي نفي الأسماء الإجمال ” ولا تخرج عن هذا إلا لفائدة .
الأمر الثاني :
هل اسم ( الرحمن ) يؤكده اسم ( الرحيم ) هل هذا من باب التكرار ، فيكون من باب التوكيد ، أو أن لكل اسم معنىً يختلف عن المعنى الذي في الاسم الآخر ؟
فهل معنى الرحيم هو نفس معنى الرحمن ، فإن كان نفس المعنى فهو توكيد
، وإن لم يكن فهو تأسيس ، ما معنى تأسيس ؟
أن في هذا الاسم معنىً غير المعنى الذي في الاسم الآخر ، أما إذا قلنا إنه توكيد ، فالمعنى الذي في هذا الاسم هو المعنى الذي في هذا الاسم ، والصحيح أنه ليس توكيدا ، وإنما هو تأسيس ، ما الدليل ؟
أولا :
نقول إن هناك قاعدة أصولية لغوية وهي مهمة جدا وهي [ أن اللفظ إذا دار بين التأسيس والتأكيد فحمله على التأسيس أولى إلا بدليل يدل على التوكيد ] لماذا ؟ لأن التوكيد ليس فيه زيادة معنى ، أما التأسيس ففيه زيادة معنى فلهذا يختلف المعنيان هنا لهذا السبب .
السبب الثاني : أن القاعدة في اللغة العربية تقول [ إن اختلاف المبنى يدل على اختلاف المعنى ]
فـ ” الرحمن “على وزن فعلان .
و ” الرحيم ” على وزن فعيل
هل فعلان بنيته نفس بنية فعيل ؟
الجواب : لا ، ومن ثمَّ يختلف المعنى .
إذن اسم ( الرحيم ) ليس مؤكدا لاسم ( الرحمن ) فللرحمن معنى وللرحيم معنى ، فما هو هذا المعنى الذي يختص به كل اسم .
ولتعلم أن صفات الله عز وجل يكون إثباتها بثلاث طرق وهي :
الأول : أن يصرح في النصوص بها {وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ} [الأنعام: 133] فهذا نص صريح على أن الرحمة صفة من صفات الله جل وعلا .
الثاني : عن طريق الفعل ، فإذا ذكر الله جل وعلا أو ذكر رسوله صلى الله عليه وسلم فعلا لله جل وعلا فنشتق منه صفة ، قوله تعالى: { وَجَاءَ رَبُّكَ} [الفجر: 22] ( جاء ) فعل ، إذن نثبت صفة المجيء
{وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ} [البقرة: 30] نثبت صفة القول ، وهذا على فقس .
هذا في القرآن ، و من السنة : قوله صلى الله عليه وسلم : ( ينزل ربنا إلى السماء الدنيا في الثلث الأخير من الليل ) ( ينزل ) فعل مضارع ، فنثبت صفة النزول لله عز وجل .
الثالث : تشتق الصفة من اسمه جل وعلا .
” الرحمن ” يشتق منه صفة الرحمة .
” الغفور ” يشتق منه صفة المغفرة .
” الغني ” يشتق منه صفة الغنى .
” القوي : يشتق منه صفة القوة .
وعلى هذا فقس .
فعندنا هنا اسمان ” الرحمن والرحيم “
الرحمن يشتق منه صفة ” الرحمة “
الرحيم يشتق منه صفة ” الرحمة “
ومن هنا : فالرحمة التي في الرحمن هي صفة الرحمة العامة لجميع الخلق ، مؤمنهم وكافرهم ، فهو يرحم جل وعلا الكفار يرزقهم ويشفيهم ويعطيهم في هذه الدنيا ، فرحمته جل وعلا للخلق كلهم من الإنس والجن مسلمهم وكافرهم ، والدواب والحشرات ، وهذه هي صفة الرحمة العامة التي تضمنها اسم الرحمن .”
أما الصفة التي في الرحيم فهي الصفة الخاصة بالمؤمنين ، قال تعالى : {وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا} [الأحزاب: 43] ولم يقل : ” وكان رحمن بهم ” أو لم يقل ” رحمن بالمؤمنين “
وبعض العلماء يقول : ” إن اسم الرحمن دل على الصفة من غير أن نقسم لا صفة رحمة عامة ولا صفة رحمة خاصة “
فيقول : ” إن الرحمن يدل على صفة الرحمة ، والرحيم يدل على فعله جل وعلا بالمرحوم “
ولذا يعبر البعض عن القول الأول فيقول : الرحمن تضمن صفة الرحمة الواسعة ، والرحيم تضمن صفة الرحمة الواصلة .
والصحيح :
أنه لا تعارض بين هذين القولين فهو جل وعلا له صفة الرحمة والخاصة ، وهو جل وعلا يرحم جميع خلقه في الدنيا ، ويرحم المؤمنين في الآخرة ، فلا تعارض بين هذين القولين ، ولذا دعاء من عليه دين ( رحمن الدنيات والآخرة )
ويميل بن القيم إلى القول الثاني فيكون متصفا بالرحمة ويرحم ولذا قال كما أسلفنا لم يأت ( رحمن بهم ) وقوله قوي وذلك لأن الله عز وجل قال في حق المؤمنين : {وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا} [الأحزاب: 43]
وقال في عموم الناس : ولم يقل : { إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ} [البقرة: 143] .
واسم الله جل وعلا : ( الرحمن ) هو من الأسماء التي لم يتسم بها أحد من قبل ، ولذا قال بهذا بعض المفسرين في قوله تعالى : {هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا } [مريم: 65] ولم يعرف أن أحداً تسمى به فيما بعد سوى مسيلمة الكذاب ، ولما تسمى به عاقبه الله جل وعلا في الدنيا قبل الآخرة ، فألصق الله جل وعلا به وصفا لا يكاد أن ينفك عنه إذا ذكر ، فإذا قلنا مسيلمة نجد أن اللسان يجري بوصفه بأنه الكذاب ، وليس مسيلمة الكاذب – لا – فالكاذب على وزن فاعل ، وإنما الكذَّاب على وزن فعَّال ، وهذه صيغة مبالغة لكثرة كذبه فقد بلغ ركنا من أركان الكذب
و ( البسملة )
قال بعض العلماء بناء على أثر لا يدرى ما صحته من ضعفه ، قال به بعض المفسرين قال إن البسمة مسلحة من ملائكة النار ، يعني سلاح يقي من ملائكة النار – ولا دليل على ذلك – وهم قالوا قولهم هذا بناء على أن البسملة تتكون من تسعة عشر حرفا ، وعدد خزنة أهل النار كما ذكر عز وجل في سورة المدثر: {عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ} [المدثر: 30] فكل حرف يقابل ملكا .