الشرح الموسع لكتاب التوحيد ـ الدرس الثاني ( شرح البسملة )

الشرح الموسع لكتاب التوحيد ـ الدرس الثاني ( شرح البسملة )

مشاهدات: 485

الدرس ( 2 )

الشرح الموسع لكتاب التوحيد [ شرح البسملة  ]

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فضيلة الشيخ :  زيد بن مسفر البحري

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

قال المؤلف رحمه الله : بسم الله الرحمن الرحيم  

ففي بعض النسخ الاقتصار على البسملة

وفي بعض النسخ البسملة والحمد والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم  .

فالنسخ اختلفت وليس هذا الاختلاف وليد هذا العصر بل من قديم حتى العلماء السابقون ذكروا أن من بين النسخ من اقتصرت على الحمد والصلاة على النبي صلى  الله عليه وسلم ، فإذا قلنا إنه اقتصر على البسملة لأنه في النسخة الأخرى قد ذكر مع البسملة الحمد والصلاة فلا تعليق عليها .

لكن على افتراض أن النسخة الأصلية هي التي اقتصر فيها على البسملة فيكون التوجيه هنا من ثلاثة أمور :

1- إما أن يكون رحمه الله قد حمد وصلى بلسانه دون أن يكتب هذا في كتابه ، وهذا ليس بغريب فقد ذكر عن الإمام أحمد رحمه الله أنه إذا مر باسم النبي صلى الله عليه وسلم ولم يكتب اغتناما لوقته حتى يكتب من العلم أكثر .

2-  أن ذكر البسملة أشمل وأعم ، فالبسملة فيها من الثناء ما يدخل تحتها الحمد .

3-    وأيضا يمكن أن يقال إن في هذا تأسيا بالنبي صلى الله عليه وسلم فقد كتب في بعض رسائله إلى هرقل عظيم الروم  ” بسم الله الرحمن الرحيم من محمد بن عبد الله  إلى هرقل عظيم الروم “

فيكون أحد هذه الاحتمالات الثلاثة وعلى النسخة الأخرى لا إشكال في هذا

قوله رحمه الله : ( بسم الله الرحمن الرحيم )

لماذا ابتدأ بالبسملة ؟

هو وغيره من العلماء إذا كتبوا ابتدءوا  بالبسملة ، إذا ألقوا درسا أو محاضرة أو توجيها بدءوا بالبسملة وذلك لأسباب وهي :

الأول : اقتداء بما في كتاب الله جل وعلا لأن البسملة على الصحيح من الأقوال – وهذا اختيار شيخ الإسلام رحمه الله عليه في الفتاوى – أن البسملة آية مستقلة يبدأ بها مع كل سورة وليست من السورة ، فحينما يقرأ القارئ سورة الفاتحة يبسمل ، فالبسملة آية مستقلة وليست على الصحيح من الفاتحة ) هذا موجود في الصوت .

والدليل : أنها آية مستقلة وليست من الفاتحة – ولا أريد أن أسهب في هذه المسألة لأن لها علاقة بالتفسير وكذا بالفقه – فإن الله عز وجل في الحديث القدسي كما عند مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال ( قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين ) والصلاة هنا الفاتحة ( فإذا قال العبد الحمد لله رب العالمين قال تعالى  حمدني عبدي ……..) ولم تذكر البسملة إلا من وضع الوضاعين كما قال شيخ الإسلام  ، وهذا دليل من عدة أدلة على أن البسملة ليست من الفاتحة ، فإذا قرأ سورة البقرة هل البسملة آية منها ؟

لا ، وإنما هي أية مستقلة ، ما الدليل ؟

الدليل : أن النبي عليه الصلاة والسلام كما عند مسلم ( أغفى إغفاءة – يعني أتاه الوحي – فلما أفاق فإذا بأسارير وجهه تبرق عليه الصلاة والسلام ، قال لقد انزل علي أنفا سورة فقرأ  بسم الله الرحمن الرحيم { إنا أعطيناك الكوثر } ماذا صنع عليه الصلاة والسلام ؟ قرأ البسملة مع أن البسملة ليست من سورة الكوثر

وقال ابن عباس رضي الله عنهما كما في سنن أبي داود قال: ( ما كان يعرف الفصل بين السور حتى نزلت بسم الله الرحمن الرحيم )

وأما كونها ليست من السورة ذاتها : فقد قال عليه الصلاة والسلام ( إن سورة من القرآن ثلاثون آية شفعت لصاحبها وهي تبارك ) سورة الملك ، ماذا قال عليه الصلاة والسلام ؟ ( ثلاثون آية )  فلو حسبتها لوجدتها ثلاثين آية من غير البسملة .

فهذا هو السبب الأول الذي يجعل العلماء يبتدئون كلامهم وتأليفهم بالبسملة

السبب الثاني :

اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم في فعله كما في رسالته إلى هرقل .

السبب الثالث  :

امتثالا لقول النبي صلى الله عليه وسلم كما في صحيح ابن حبان : ( كل أمر لا يبدأ فيه ببسم الله فهو أقطع ) روي هذا الحديث من طريقين ، فبعض العلماء يضعفه كالألباني رحمه الله ، وبعض العلماء يحسنه كابن الصلاح رحمه الله وعمل علماء الأمة يدل على أن له أصلا  .

 

 

 

 

قوله : (  بسم الله الرحمن الرحيم )

فالباء هنا حرف ( جر ) كما هو مصطلح البصريين أو حرف ( خفض ) كما هو مصطلح الكوفيين ، ولا مشاحة في هذا الاصطلاح .

فالباء حرف جر .

( اسم ) اسم مجرور بحرف الجر الذي هو ( الباء ) وعلامة جره الكسرة الظاهرة على آخره .

هذا الجار والمجرور له متعلق ، وهو محذوف يقدر بفعل خاص متأخر محذوف يناسب المقام

وقولنا ( بفعل ) لم نقل اسما لأن الأصل في الفعل هو العمل ، الأصل فيما يعمل هو الفعل .

وقولنا ( خاص ) يعني بما يناسب المقام ، فإذا أردت أن تقرأ فالمقدر بسم الله الرحمن الرحيم أقرأ .

عند الأكل  : فالمقدر بسم الله الرحمن الرحيم آكل .

عند الشرب : فالمقدر بسم الله الرحمن الرحيم أشرب .

إذن بفعل خاص ( متأخر ) لم يتقدم ، لماذا أخر ؟ حتى يبدأ باسم الله جل وعلا تبركا به .

إذن يقدر بفعل خاص متأخر محذوف .

لماذا حذف ؟ حتى يعم أي حالة يقال فيها هذا الكلام ، لأنه لو كان التعبير ( بسم الله الرحمن الرحيم أقرأ ) وذكر ، ما الذي سيكون ؟ حصر هذا الكلام في القراءة .

لو قال قائل :

أن الفعل ذكر وتقدم على الاسم في قوله تعالى {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} [العلق: 1]  فلماذا ذكر وتقدم ؟

ذكر وتقدم لن الضرورة داعية إلى ذكره وإلى تقديمه في هذا المقام ، ما هي الضرورة ؟  أن هذا الأمر موجه إلى من ؟ إلى النبي صلى الله عليه وسلم في أول أمر يؤمر به ، بل في أول شيء يتعلق بالوحي  .

فالباء هنا حرف جر ، هذا ما يتعلق بكلام النحويين .

فهذا الكلام يعنى به النحويون ، فيتحدثون عن عمل حرف الجر ، أما البلاغيون فيتحدثون عن معنى حرف الجر ، ومن ثم فهذا الحرف ما معناه  ؟

فبعض العلماء يقول : إن معناه المصاحبة يعني المعية ، كما لو قلت : ” بعت الثوب بنقوشه ” فالباء هنا للمصاحبة ، فيكون معنى البسملة ” بسم الله الرحمن الرحيم الله الرحمن الرحيم مصاحبة لهذا العمل ” .

وبعض العلماء يقول : إن معنى الباء الاستعانة ، فيكون المعنى بسم الله الرحمن الرحيم مستعينا بالله جل وعلا على هذا العمل .

وهذا هو الصحيح ، لأن العبد لا حول له ولا قوة إلا بالله جل وعلا ، وقد نصر الزمخشري القول الأول ، لأن الزمخشري كما قال شيخ الإسلام رحمه الله معتزلي قدري وهذا ظاهر في تفسيره معتزلي قدري ، فهو يقول : ”  إن الحرف هنا للمصاحبة “

لأن القدرية يقولون – كما سيأتي معنا في أحد أبواب هذا الكتاب أثناء الحديث عن أسماء الله عز وجل وصفاته وكذا في باب ما جاء في منكري القدر – يقولون إن العبد يخلق فعل نفسه ، فهو يتصرف بمحض إرادته ، ولا يخلق الله جل وعلا فعل هذا العبد ، هذا معتقدهم ، فلو قال إن الباء للاستعانة فسيخرق معتقده .

فإذن فإن الصحيح أن الباء هنا للاستعانة .

( اسم )

الاسم بوجه عام دون التحديد بأسماء الله عز وجل ، إنما الاسم في مادته الأصلية مشتق من السمو ، كما قال بعض العلماء يعني من العلو فالإنسان يعلو ويعرف باسمه .

وقال بعضهم : ”  مشتق من الوسم وهي العلامة فهذا الاسم علم لهذا الشخص  “

ولا تنافي بين هذين القولين :

فهو مشتق من السمو ومن الوسم ، فهو ينوه عليه باسمه واسمه علامة له . والاسم هنا مفرد وأضيف إلى الله لفظ الجلالة ، والمفرد إذا أضيف كما هي القاعدة الأصولية إذا أضيف فيعم ، فالمراد كل أسماء الله جل وعلا ، فحينما يبسمل العبد يستعين بأسماء الله جل وعلا كلها .

ولفظ الجلالة ( الله ) :

مأخوذ من التأله وهو التعبد فكل الخلائق تعبده ، إما عبودية عامة ، والمراد منها التذلل قال تعالى { إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا} [مريم: 93] وقال تعالى : {وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ} [آل عمران: 83]  وقال تعالى :  {وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا} [الرعد: 15]

وإما عبودية خاصة ، وهي عبودية المؤمن .

وقد قال ابن القيم رحمه الله : ”  إن هذا الاسم وهو ( الله ) جامع لجميع أسماء الله جل وعلا الحسنى وصفاته العلا  ” .

وقال رحمه الله : ”  إن صفات الجمال والجلال أخص بها اسم الله ، فهذا الاسم أخص بها من غيره من الأسماء ، صفات الجمال والجلال أخص بها اسم الله من غيره ، وصفات الفعل والمشيئة والتدبير ونحو ذلك أخص بها اسم ( الرب ) وصفات البر والإحسان والجود واللطف أخص بها اسم ( الرحمن ) ويقول رحمه الله في هذا الاسم وهو ( الله ) ما قيل في حالة همٍّ إلا فرجه ، ولا في كربة إلا نفسها ، ولا تعلق به خائف إلا أمن ، ولا استشفى به مريض إلا شفي ، فبه تفرج الهموم وتنفس الكروب وتطلب الحاجات .

وهذا الاسم لم يعرف أن هناك من تسمى به ولذا قال عز وجل :  {هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا} [مريم: 65] على أحد وجوه

و( الله ) مشتق من الإله ، فحذفت الهمزة التي في الإله فالتقى اللامان – التقى لام ولام – فأدغما فأصبحا ( الله ) لو كتبت الإله ثم حذفت الهمزة فيلتقي عندك لامان فإذا ادغما أصبح النطق ( الله ) .

وإنما قيل مشتق لكي يتضمن صفة لله جل وعلا وهي صفة الألوهية ، ومعنى ( الله ) هو المألوه أي المعبود مع المحبة والتعظيم .

( الرحمن )

بعد كلمة الله ( الرحمن ) ثم ( الرحيم ) فيكون ذكر اسمي الرحمن الرحيم من باب ذكر الخاص بعد العام .

في مستهل حديثنا قلنا إن لفظ الجلالة [ الله ] جامع لكل أسمائه جل وعلا الحسنى وصفاته العلا

[ والرحمن الرحيم ] لا شك أنهما داخلان في لفظ الجلالة الله لكن ذكرا من باب ذكر الخاص بعد العام وهذا ما يسمى عند البلاغيين بالإطناب للتنويه بشأن هذين الاسمين .

ولعل-  والله أعلم – أن ذكر هذين الاسمين دون غيرهما مع أن أسماءه جل وعلا كلها حسنى بلغت الغاية في الحسن والكمال والجمال ، لأنه عز وجل قضى ، وقضائه نافذ بأن رحمته سبقت غضبه ، وأنه عز وجل يجب أن يرحم عباده ، ولذا كما قال عليه الصلاة والسلام :  ( خلق الله مائة رحمه فجعل جزءا واحدا في الأرض فمن هذا الجزء تتراحم الخلائق ، حتى ترفع الدابة حافرها عن ولدها خشية أن تصيبه فإذا كان يوم القيامة كمل جل وعلا الرحمة بهذه الرحمة )

ولذا النبي صلى الله عليه وسلم في إحدى الغزوات ( رأى امرأة ملهوفة – يكاد أن يطير قلبها – فإذا بها تبحث في السبايا فرأت طفلا لها فأخذته وضمته إلى صدرها ، فقال عليه الصلاة والسلام أتظنون أن هذه طارحة ولدها في النار ؟ قال الصحابة : ” لا يا رسول الله – كيف وهي بهذه الحال كاد أن يطير عقلها –  ” فقال عليه الصلاة والسلام :  لله أرحم بعباده من هذه بولدها  )

ولذا في غالب ما يذكر من أسمائه جل وعلا في معرض الحديث عن يوم القيامة يذكر اسم الرحمن

قال تعالى : {رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا الرَّحْمَنِ لَا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطَابًا } [النبأ: 37] وقال تعالى {الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمَنِ} [الفرقان: 26] وقال تعالى { وَخَشَعَتِ الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ } [طه: 108] .

فلعل هذا هو السبب في ذكر هذين الاسمين ، ولا شك أن هناك فوائد ولكن كما قال تعالى : { وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا} [الإسراء: 85] .

( الرحمن الرحيم )

لو قال قائل : لماذا لم يقل بسم الله الرحمن أو بسم الله الرحيم  ؟

فيقال إنما ذكر أكثر من اسم لأسباب من بينها :

وهي قاعدة في العقيدة في باب الأسماء والصفات : [ أنه في مقام إثبات أسماء الله جل وعلا وصفاته يكون التفصيل وفي مقام نفي أسماء عن الله جل وعلا يكون الإجمال ]

ففي الإثبات  التفصيل ، وفي النفي الإجمال .

لأن هذا هو المدح ، وهو الكمال ولا تخرج عن هذه القاعدة إلا لاعتبارات أخرى ، لا أريد أن أذكرها وأستبق الحديث ، ولكن هذه القاعدة تكون قاعدة لكم إذا وصلنا بابا يتعلق بالأسماء والصفات ، ففي مقام الإثبات يكون التفصيل .

ولذا في آخر سورة الحشر قال تعالى :  {هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ (22) هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ} [الحشر: 22، 23] هذا تفصيل للأسماء ، لم ؟ لأن فيه مدحا وكمالا .

فلو أتيت إلى ملك من ملوك الدنيا – ولله المثل الأعلى – فقلت له  : ” أنت كريم ، أنت شجاع ، أنت معطاء ، أنت حليم ، أنت صبور ، أليس هذا مدحاً ؟ بلى .

أما في النفي فيكون الإجمال  ، ولذا قال تعالى : {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} [الإخلاص: 4] وقال تعالى : {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى: 11]

لأن إجمال النفي مدح ، لكن لو فصلت النفي لا يكون مدحا ، لو أتيت لملك من ملوك الدنيا وقلت له : لست بخباز ولا كناس ولا فراش ولا سباك ،  هل هذا مدح ؟ هذا ذم ، على كل حال هذه قاعدة : ” في إثبات الأسماء التفصيل ، وفي نفي الأسماء الإجمال ” ولا تخرج عن هذا إلا لفائدة .

الأمر الثاني :

هل اسم ( الرحمن ) يؤكده اسم ( الرحيم ) هل هذا من باب التكرار ، فيكون من باب التوكيد ، أو أن لكل اسم معنىً يختلف عن المعنى  الذي في الاسم الآخر ؟

فهل معنى الرحيم هو نفس معنى الرحمن ، فإن كان نفس المعنى فهو توكيد

، وإن لم يكن فهو تأسيس ، ما معنى تأسيس ؟

أن في هذا الاسم معنىً غير المعنى الذي في الاسم الآخر ، أما إذا قلنا إنه توكيد ، فالمعنى الذي في هذا الاسم هو المعنى الذي في هذا الاسم ، والصحيح أنه ليس توكيدا ، وإنما هو تأسيس ، ما الدليل ؟

أولا :  

نقول إن هناك قاعدة أصولية لغوية وهي مهمة جدا وهي [ أن اللفظ إذا دار بين التأسيس والتأكيد فحمله على التأسيس أولى إلا بدليل يدل على التوكيد ] لماذا ؟ لأن التوكيد ليس فيه زيادة معنى ، أما التأسيس ففيه زيادة معنى فلهذا يختلف المعنيان هنا لهذا السبب .

السبب الثاني : أن القاعدة في اللغة العربية تقول [ إن اختلاف المبنى يدل على اختلاف المعنى ]

فـ ” الرحمن “على وزن  فعلان .

و ” الرحيم  ” على وزن فعيل

هل فعلان بنيته نفس بنية فعيل ؟

الجواب : لا ، ومن ثمَّ يختلف المعنى .

إذن اسم ( الرحيم ) ليس مؤكدا لاسم ( الرحمن )  فللرحمن معنى وللرحيم معنى ، فما هو هذا المعنى الذي يختص به كل اسم .

ولتعلم أن صفات الله عز وجل يكون إثباتها بثلاث طرق وهي :

الأول : أن يصرح في النصوص بها {وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ} [الأنعام: 133] فهذا نص صريح على أن الرحمة صفة من صفات الله جل وعلا .

الثاني : عن طريق الفعل ، فإذا ذكر الله جل وعلا أو ذكر رسوله صلى الله عليه وسلم فعلا لله جل وعلا فنشتق منه صفة ، قوله تعالى: { وَجَاءَ رَبُّكَ} [الفجر: 22]  ( جاء ) فعل ، إذن نثبت صفة المجيء

{وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ} [البقرة: 30] نثبت صفة القول ، وهذا على فقس .

هذا في القرآن ، و من السنة :  قوله صلى الله عليه وسلم : ( ينزل ربنا إلى السماء الدنيا في الثلث الأخير من الليل ) ( ينزل ) فعل مضارع ، فنثبت صفة النزول لله عز وجل .

الثالث : تشتق الصفة من اسمه جل وعلا .

” الرحمن ”  يشتق منه صفة الرحمة .

” الغفور ”   يشتق منه  صفة المغفرة .

” الغني  ” يشتق منه صفة الغنى .

” القوي : يشتق منه صفة القوة .

وعلى هذا فقس .

فعندنا هنا اسمان ” الرحمن والرحيم “

الرحمن يشتق منه صفة ” الرحمة “

الرحيم يشتق منه صفة ” الرحمة “

ومن هنا  : فالرحمة التي في الرحمن هي صفة الرحمة العامة لجميع الخلق ، مؤمنهم وكافرهم ، فهو يرحم جل وعلا الكفار يرزقهم ويشفيهم ويعطيهم في هذه الدنيا ، فرحمته جل وعلا للخلق كلهم من الإنس والجن مسلمهم وكافرهم ، والدواب والحشرات ، وهذه هي صفة الرحمة العامة التي تضمنها اسم الرحمن .”

أما الصفة التي في الرحيم فهي الصفة الخاصة بالمؤمنين ، قال تعالى :  {وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا} [الأحزاب: 43] ولم يقل : ” وكان رحمن بهم ” أو لم يقل ” رحمن بالمؤمنين “

وبعض العلماء يقول :  ” إن اسم الرحمن دل على الصفة من غير أن نقسم لا صفة رحمة عامة ولا صفة رحمة خاصة “

فيقول : ”  إن الرحمن يدل على صفة الرحمة ، والرحيم يدل على فعله جل وعلا بالمرحوم “

ولذا يعبر البعض عن القول الأول فيقول : الرحمن تضمن صفة الرحمة الواسعة ، والرحيم تضمن صفة الرحمة الواصلة .

والصحيح  :

أنه لا تعارض بين هذين القولين فهو جل وعلا له صفة الرحمة والخاصة ، وهو جل وعلا يرحم جميع خلقه في الدنيا ، ويرحم المؤمنين في الآخرة ، فلا تعارض بين هذين القولين ، ولذا دعاء من عليه دين ( رحمن الدنيات والآخرة )

 

ويميل بن القيم إلى القول الثاني فيكون متصفا بالرحمة ويرحم ولذا قال كما أسلفنا لم يأت ( رحمن بهم ) وقوله قوي وذلك لأن الله عز وجل قال في حق المؤمنين : {وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا} [الأحزاب: 43]

وقال في عموم الناس :  ولم يقل : { إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ} [البقرة: 143] .

واسم الله جل وعلا : ( الرحمن ) هو من الأسماء التي لم يتسم بها أحد من قبل ، ولذا قال بهذا بعض المفسرين في قوله تعالى : {هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا } [مريم: 65] ولم يعرف أن أحداً تسمى به فيما بعد سوى مسيلمة الكذاب ، ولما تسمى به عاقبه الله جل وعلا في الدنيا قبل الآخرة ، فألصق الله جل وعلا به وصفا لا يكاد أن ينفك عنه إذا ذكر ، فإذا قلنا مسيلمة نجد أن اللسان يجري بوصفه بأنه الكذاب ، وليس مسيلمة الكاذب – لا – فالكاذب على وزن فاعل ، وإنما الكذَّاب على وزن فعَّال ، وهذه صيغة مبالغة لكثرة كذبه فقد بلغ ركنا من أركان الكذب

و ( البسملة )

قال بعض العلماء بناء على أثر لا يدرى ما صحته من ضعفه ، قال به بعض المفسرين قال إن البسمة مسلحة من ملائكة النار ، يعني سلاح يقي من ملائكة النار – ولا دليل على ذلك – وهم قالوا قولهم هذا بناء على أن البسملة تتكون من تسعة عشر حرفا ، وعدد خزنة أهل النار كما ذكر عز وجل في سورة المدثر: {عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ} [المدثر: 30] فكل حرف يقابل ملكا .