الشرح الموسع لكتاب التوحيد
الدرس ( 3 )
شرح قوله : ( الحمد لله وصلى الله على محمد صلى الله عليه وسلم )
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فضيلة الشيخ : زيد بن مسفر البحري
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قال رحمه الله : ” الحمد لله “
( الحمد ) قال بعض العلماء في تعريفه : ” هو الثناء على الله عز وجل بالجميل الاختياري مع المحبة والتعظيم “
وهذا التعريف قال بعض العلماء : عليه مأخذان :
المأخذ الأول : أنه قال الثناء .
المأخذ الثاني : أنه قال الجميل الاختياري .
والمراد بالمأخذ الأول :
أن الثناء لا يصح تعريفا للحمد ، لماذا ؟ لأن الله عز وجل كما جاء في الحديث القدسي من حديث أبي هريرة رضي الله عنه كما عند مسلم قال عز وجل : ( قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين ) والصلاة هنا هي الفاتحة : ( فإذا قال العبد الحمد لله رب العالمين ، قال عز وجل حمدني عبدي ، وإذا قال الرحمن الرحيم قال أثنى علي عبدي ) ففرَّق بين الحمد وبين الثناء .
وأما المراد بالمأخذ الثاني :
فقولهم ” الجميل الاختياري ” يخرج هذا الكلام صفات الله عز وجل التي لا تتعدى ، كيف ؟ صفات الله جل وعلا منها ما هو متعدي ومنها ما هو ليس بمتعدٍ
الرحمة : لأنه يرحم عز وجل فلرحمته أثر
المغفرة : لأنه يغفر عز وجل ، فلغفرانه أثر .
أما الصفات التي لا تتعدى : فمثل العظمة ، فمن صفاته عز وجل ” العظمة ” فقولهم ” الجميل الاختياري ” يخرج هذه الصفات ، ولا يكون هذا حمدا كاملا
إذن ما هو التعريف الصحيح للحمد : قالوا : هو ” وصف المحمود بصفات الكمال مع المحبة والتعظيم “
بالنسبة للمأخذ الثاني لا شك أنه مأخذ
وأما المأخذ الأول فيمكن أن يوجه بتوجيه ، فقد يصح بأن تقول إن الحمد ثناء ، فيكون من الثناء الرحمن الرحيم .
لأنه إذا قيل إن الحمد هو الثناء على المحمود بصفات الكمال مع المحبة والتعظيم ” فيكون ذكر الرحمن الرحيم بعد الحمد لله رب العالمين يكون من باب ذكر الخاص بعد العام ، لأن ” مالك يوم الدين ” كذلك من الصفات التي يثنى بها على الله عز وجل لكن الأقعد والأحسن أن يقال : ” هو وصف المحمود بصفات الكمال مع المحبة والتعظيم “
ولو قيل بالثناء فتوجيهه كما سبق .
والحمد يختلف عن المدح مع أن الحروف واحدة فالحمد حروفه هي :
” ح- م- د “
والمدح حروفه هي :
” م- د- ح “
فهي نفس الحروف لكن بعضها تقدم على بعض فاختلف المعنى ، وهذا له باب في البلاغة .
فيكون الحمد فيه محبة وتعظيم ، أما المدح فلا يلزم أن يكون فيه محبة وتعظيم.
فتحمد الشخص لأنك تحبه وتعظمه وتقدره ، وقد تمدح الشخص مع محبتك وتعظيمك له ، وقد تمدحه وقلبك مبغض له ، فيكون مدحك له إما لحصول منفعة من الممدوح أو لدفع مضرة منه .
فلو قال قائل : ما الفرق بين الحمد والشكر ؟
فيقال الشكر متعلق بثلاثة أشياء ولا يكون الإنسان شاكرا إلا بها وتسمى هذه الأشياء بأركان الشكر.
أولا : الشكر بالقلب ، وذلك أن تشكر الله جل وعلا بقلبك ، وتعتقد أن هذه النعمة من الله لا من حولك ولا من قوتك ولا من ذكائك ، وسيأتي حديث مفصل عن الشكر في باب قوله تعالى : {يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللَّهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَهَا } [النحل: 83]
ثانيا : الشكر باللسان .
ثالثا : الشكر بالجوارح .
وأما التفصيل لكل ركن فسيأتي في الدروس القادمة تفصيلا لهذه الأركان بإذن الله جل وعلا .
وأما الحمد فيكون باللسان فقط ، كأن تقول حمدته لكرمه ، حمدته لشجاعته ، وهذا هو الفرق الأول بين الحمد والشكر.
الفرق الثاني بين الحمد والشكر :
أن الشكر يكون عند النعمة ، وأما الحمد فيكون عاماً عند حصول النعمة أو عدم حصولها
قول المؤلف ( لله) :
سبق معنا تعريف لفظا الجلالة الله في الدرس الماضي واشتقاقه ، وفائدة هذا الاسم ، وهذا التعبير هو الجاري على اللسان الحمد لله ، الحمد لله رب العالمين ، فيشعر العبد بضرورة وأهمية الإخلاص ، فلا يكون الحمد المطلق الكامل المستغرق الشامل إلا لله عز وجل .
فهل يجوز أن يشكر المخلوق ؟
الجواب :
يجوز ، لكنه شكر نسبي أي أنه ليس عاما ، ولذا قال تعالى : {أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ} [لقمان: 14]
فدلت هذه الآية على الشكر لله وللوالدين وحديث النبي صلى الله عليه وسلم : ( من لا يشكر الناس لا يشكر الله )
وقد قال شيخ الإسلام رحمه الله : ” عند إسداء المخلوق لك معروفا وخيرا فعليك أن تنظر إلى المعطي الأول وهو الله عز وجل ، لأنه هو الذي أعطى هذا المخلوق وهو الذي جعله عز وجل سببا في إعطائك هذا المعروف .
ولذا قال عليه الصلاة والسلام لابن عباس رضي الله عنهما – وتأمل هذه العبارة- ( واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك ) لو لم يكتب الله عز وجل أن تصل إليك هذه النعمة عن طريق هذا المخلوق لم تصل ، ولذا قال الفضيل بن عياض : ” من عرف الناس استراح ” يعني من عرف أنهم لا ينفعون ولا يضرون إلا بإذنه عز وجل استراح ، فلم يتعلق قلبه بهؤلاء المخلوق وإنما التعلق يكون بربهم عز وجل ، فإذن يجوز أن يشكر المخلوق . “
ولو قيل هل يجوز أن يحمد المخلوق ؟
الجواب :
نعم ، كالقول في الشكر ، ويدل لذلك ما جاء في الصحيحين في قصة الإفك لما نزل القرآن ببراءة عائشة رضي الله عنها مما نسب إليها ، بشرها النبي عليه الصلاة والسلام ، وكان أبواها أبو بكر وأمها جالسين فقالت ( بحمد الله لا بحمدك ، فقال لها أبواها قومي فاحمديه قالت : ” والله لا أحمده ولا أحمدكما إنما أحمد الله الذي أنزل براءتي ”
ووجه الاستشهاد من هذا واضح : فأبويها أمراها بان تحمد النبي صلى الله عليه وسلم ولم ينكر عليه الصلاة والسلام ، وهي أيضا قالت ( بحمد الله لا بحمدك )
والحمد للمخلوق لابد أن يكون مخصصا مثال ذلك : أحمدك لكرمك ، أحمدك لفضلك ، أحمدك لشجاعتك ، وليس معنى بيان الجواز أنه يستحب أن يتلفظ بهذا ولذا النبي عليه الصلاة السلام قال : (من أسدى إليكم معروفا فكافئوه فإن لم ما تكافئونه به فادعوا له حتى تَروا أو تُروا أنكم قد كافأتموه )
وقال عليه الصلاة والسلام: ( من صنع إليه معروف فقال لفاعله جزاك الله خيرا فقد أبلغ في الثناء )
ولا نريد أن نتشعب في مسائل الحمد فإن لها بابا سيأتي بإذن الله تعالى .
قال المؤلف رحمه الله : [ وصلى الله على محمد ]
الصلاة في اللغة : بمعنى الدعاء ، {وَصَلِّ عَلَيْهِمْ } [التوبة: 103] أي ادع لهم
وهذه الصلاة يختلف معناها باختلاف المصلي وهنا الصلاة من الله عز وجل .
والصلاة من الله جل وعلا :
قال بعض العلماء : ” إنها الرحمة “
والصحيح كما ذكر البخاري رحمه الله عن أبي العالية أنه قال : ” هي ثناء الله عز وجل على عبده في الملأ الأعلى “ فيكون قوله تعالى : {هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ } [الأحزاب: 43] أي : يثني عليكم في الملأ الأعلى ، أو يرحكم على القول الأول .
ولكن الصحيح هو القول الثاني ، لأن الله عز وجل قال فيمن أصيب بمصيبة فصبر واسترجع قال : { أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ} [البقرة: 157] فلا يكون المعنى ” أولئك عليهم رحمات من ربهم ورحمة ” فهذا من العيب في الكلام ، وكتاب الله عز وجل منزه عن هذا ، ولأن القاعدة اللغوية هنا [ أن العطف في أصله يقتضي المغايرة ولا يخرج عن هذا الأصل إلا حسب القرائن ]
فلو قلت مثلا : جاء زيد وعمرو ، فهل زيد هو عمر ؟ لا ، إذن العطف يقتضي المغايرة ، فتكون الصلاة غير الرحمة .
أما صلاة من الملائكة : { هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ} [الأحزاب: 43] فهي الاستغفار ، قال تعالى {الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا} [غافر: 7] وفي الآية الأخرى {وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ} [الشورى: 5]
وأما صلاة العبد على العبد : فهي الدعاء قال تعالى : {وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ} [التوبة: 103] أي : ادع لهم .
ولفظ الجلالة مضى الحديث عنه
قال المؤلف : [ وصلى الله على محمد ]
محمد : هو النبي عليه الصلاة السلام ، وهذا اسم من أسمائه ، ومن أسمائه عليه الصلاة والسلام ( أحمد ) قال عيسى عليه الصلاة والسلام {وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ} [الصف: 6]
وله أسماء أخرى :
الحاشر : الذي يحشر الناس عند عقبه .
العاقب : الذي لا نبي بعده .
الماحي : الذي محا الله به الكفر .
ونبي التوبة .
أما اسمه ( أحمد ):
فقد صان الله عز وجل هذا الاسم من أن يتسمى به أحد في الجاهلية ، فلو تسمى به أحد لربما حصل هناك خلط ولبس .
وأما اسمه ( محمد ) :
فلم يتسم به أحد في الجاهلية الأولى ، ولكن لما فشا قبيل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم أن هناك نبياً سيبعث من العرب واسمه ” محمد ” سمى بعض الكفار أبناءهم بهذا الاسم ، لكن متى ؟ قبيل البعثة ، سموهم بهذا الاسم رجاء أن يكونوا أنبياء ، وهم ستة لا سابع لهم ، وهناك كتاب للسخاوي رحمه الله وهو تلميذ لابن حجر رحمه الله اسم الكتاب ” القول البديع في فضل الصلاة على الحبيب الشفيع “
تحدث فيه عن كل مسألة قد تخطر في ذهنك فيما يخص الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم .
ولتعلم أن أسماء النبي صلى الله عليه وسلم تتضمن صفة لهذا الاسم ، فأسماؤه ليست أسماءً مجردة ، وإنما هي أسماء ذات معنى ، بعض الناس قد يكون اسمه عبد الله وهو من أفجر خلق الله ، وبعض الناس اسمه محمد لكنه مذموم عند الناس لكن أسماء النبي صلى الله عليه وسلم ليست أسماء محضة وإنما لها معنى .
فنأت إلى اسم ( أحمد )
على وزن أفعل التفضيل ، فيكون المعنى هو أكثر الناس حمدا لله عز وجل
ولنأت إلى ( محمد )
على وزن اسم المفعول لأنه عليه الصلاة والسلام كثيرا ما يُحمد ، ولذا في الدعاء بعد الأذان ماذا نقول ؟ ( وابعثه مقاما محمودا ) والمقام المحمود هو المقام الذي تحمده فيه الخلائق يوم القيامة ، ومن أعظم هذه المقامات الشفاعة .
حتى الكفار حتى الفجار يحمدونه عليه الصلاة والسلام وإن لم يظهروا ذلك بألسنتهم فهو في قلوبهم ، لكن الله عز وجل صرفهم عن الهدى وله الحكمة البالغة .
ولذا كان أبو جهل يحلف ويقول : ” والله إن محمدا لصادق – هذا ثناء – وما جربنا عليه كذبا ، ولذا كانوا يسمونه بالأمين ، ولكن منعت أبا جهل العصبية القبلية قال : ” إن بني هاشم نافسونا في سقاية الحجيج فنافسناهم وفي خدمة الحجيج فنافسناهم ، أتوا بنبي فمن أين نأتي بنبي ، والله لا نؤمن به “
لأنه من قبيلة بني مخزوم ، وأذكر أن هناك كلاما لابن القيم رحمه الله استفاض في هذا المعنى .