الشرح الموسع لكتاب التوحيد
الدرس ( 4 )
قول المصنف [ وعلى آله وصحبه وسلَّم]
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فضيلة الشيخ : زيد بن مسفر البحري
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قال المؤلف رحمه الله : [ وعلى آله ]
( الآل )
قال بعض العلماء : هم الأقارب ، أقاربه عليه الصلاة والسلام ، كما يقال آل البيت ، أقرباؤه عليه الصلاة والسلام .
وقال بعض العلماء : هم الأتباع .
والصحيح أن يقال بالتفصيل :
فالآل في الأصل :
هم أتباع النبي صلى الله عليه وسلم إلا إذا قرن الآل بالأتباع أو بالأصحاب ، فهنا لو قيل ” وعلى آله وصحبه أو على آله وأتباعه “ فالآل هنا هم أقرباؤه المتتبعون لسنته عليه الصلاة والسلام ، حتى نخرج من ؟ أبا لهم عمه ، فليس من الآل ، أما إذا قيل ” وصلى الله على آله “ فهنا آله هم الأتباع .
فيكون الأصل في الآل هم الأتباع إلا إذا قرن الآل بالأتباع فينصرف معنى الآل إلى الأقارب ، وأدلة هذا القول قوله تعالى {وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ} [غافر: 46] فآل فرعون هم أتباعه ، وإلا لو كان الآل هم أقرباؤه لدخلت آسيا زوجته ، لأن الزوجات لا شك أنهن من آل البيت ، فزوجات الإنسان من آل بيته ، فالآل في الصلاة الإبراهيمية في التشهد ( اللهم صل على محمد وعلى آل محمد ) فالآل هم الأتباع ، ولا شك أن أقرباءه المتبعين له يدخلون في هذا ، وقد تطلق الآل على الشخص نفسه ، كقوله صلى الله عليه وسلم لأبي موسى الأشعري ( لقد أوتيت مزمارا من مزامير آل داود ) والمراد داود نفسه عليه الصلاة والسلام {وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلًا يَاجِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ } [سبأ: 10] {وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ (17) إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْرَاقِ} [ص: 17، 18] فيطلق الآل على الشخص نفسه .
قال المؤلف رحمه الله : [ وصحبه ]
الصحب : أي الصحابة رضي الله عنهم .
وتعريف الصحابي : ” هو من لقي النبي صلى الله عليه وسلم مؤمنا به ومات على ذلك “
وهذا هو تعريف المحققين من أهل العلم كما نقل ذلك ابن حجر ارحمه الله ، ومن هؤلاء الإمام أحمد والبخاري وغيرهما ، فكل من لقي النبي صلى الله عليه وسلم على غرار ما جاء في هذا التعريف يكون صحابياً ، سواء طالت الصحبة أم لم تطل ، وسواء كانت الرؤية محسوسة أو عارضة حتى يدخل في ذلك الأعمى كابن أم مكتوم فهو من الصحابة ، ويدل في ذلك – كما قال ابن حجر رحمه الله – الإنس والجن ، ويدخل في ذلك من رأى النبي صلى الله عليه وسلم ولو لحظة واحدة .
ويخرج من هذا أي يخرج من الصحب :
أولا : الملائكة
ثانيا : من رآه وهو كافر به .
ثالثا : من رآه مؤمنا به ثم أرتد ومات على ردته
رابعا : من رآه وكفر به ثم أمن به بعد وفاته صلى الله عليه وسلم
وأما من رآه مؤمنا به ثم ارتد بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم ثم رجع إلى الإسلام كالأشعث ابن قيس رضي الله عنه ، فإنه لما مات النبي صلى الله عليه وسلم ارتد ثم عاد ، فهذا يدخل في جملة الصحابة .
هذه مدخلات ومحترزات ومخرجات هذا التعريف .
هنا الصلاة على من ؟
على النبي صلى الله عليه وسلم والآل والصحابة .
فقد يقول قائل : إذن يجوز الصلاة على غير الأنبياء ؟
فالجواب :
نعم يجوز أن يصلى على غير الأنبياء :
وهي نوعان :-
النوع الأول :
الصلاة على غير الأنبياء على وجه العموم بأن تعم الصلاة الصحابة والأتباع والآل مع الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم كما هنا ، فهذا جائز، كأن تقول ” اللهم صل على محمد وعلى آله وأتباعه وصحابته ” فهنا الصلاة على وجه العموم ، فدخل أفراد وآحاد الناس ضمنا .
النوع الثاني :
أن يصلى على الشخص على وجه الانفراد كأن تقول ” اللهم صل على أبي بكر ، اللهم صل على عمر ، اللهم صل على شيخ الإسلام ابن تيمية ” فهذا يجوز ، لكن شريطة ألا يتخذ أمرا راتبا ، وإنما يكون في بعض الأحيان ، وألا يفرد هذا الشخص دون غيره ، كصنيع الرافضة أو من دلس عليه من أهل السنة إذ اتخذ الصلاة والسلام على علي رضي الله عنه شعارا ، فإذا ذكروا علياً أشعروه بهذا الوصف ، بينما لو ذكر أبو بكر أو عمر مع أنهما أفضل منه لم يُصل عليهما .
فإذن هذه الصورة تجوز ولكن بشرطين :
أولا : ألا يتخذ أمرا راتبا
ثانيا : ألا يكون شعارا للشخص إذا ذكر صلي عليه دون غيره.
والأدلة على ذلك :
قوله تعالى للنبي صلى الله عليه وسلم {وَصَلِّ عَلَيْهِمْ} [التوبة: 103] وكان عليه الصلاة والسلام إذا أتته صدقة قوم صلى عليهم فيقول: ( اللهم صل على آل فلان )
وقد ورد هذا عن بعض الصحابة في حالات نادرة ” كان يصلي بعضهم على بعض ” وقد تحدث عن هذا شيخ الإسلام رحمه الله عليه في الفتاوى وتلميذه ابن القيم في جلاء الأفهام ، وهو كتاب تحدث فيه رحمه الله عن كل مسائل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم .
كذلك الشأن في إشعار علي رضي الله عنه ببعض الأوصاف كأن يقال ” علي كرَّم الله وجهه ” أو يقال ” الإمام علي ” ولم يأت كلمة الإمام لأنهم يدينون لله بالإمامة ، ولذا قد يسمون عند أهل السنة والجماعة – أي الروافض – يسمون بالإمامية فهم يرون أن أئمتهم الاثني عشر – عندهم اثنا عشر إماماً – يرون أن هؤلاء معصومون من الخطأ ، بل قد يرفع هؤلاء إلى أعلى من منازل الأنبياء ، وفي هذا في الحقيقة تصغير وتقليل لشأن علي رضي الله عنه بقولهم كرَّم الله وجهه أو الإمام لأنهم يخرجونه من نطاق وإطار الصحبة ، وأيضا تشريف الله جل وعلا لهؤلاء الصحابة بالرضى قد رضي الله عنهم .
وليس معنى الجواز : أي جواز الصلاة على الآحاد والأفراد من الناس أن يندب الشخص وأن يحث عليه – لا – فلا يقل للناس افعلوا هذا ، ولاسيما في هذا العصر الذي يكثر فيه الغرور بالنفس ، وقد يخشى على من يقال له ذلك ، وأيضا حتى لا يلبس على عامة الناس .
أما الصلاة على سائر الأنبياء :
فقد ورد حديث صححه الألباني رحمه الله في صحيح الجامع ، قال عليه الصلاة والسلام : ( صلوا على الأنبياء فإنهم بعثوا كما بعثت )
قال المؤلف رحمه الله : [ وسلم ]
معنى التسليم : هو طلب السلامة من الله للمسلَّم عليه ، فنحن تطلب ونسأل الله جل وعلا أن يسلَّم النبي صلى الله عليه وسلم
لو قال قائل :
هذا قد يتصور في حياته صلى الله عليه وسلم أن تطلب له السلامة ، فهل هذا متصور بعد وفاته ؟
الجواب : نعم .
أولا : السلامة لسنته من أن تدنس وأن يعتدى عليها ولذا قال عز وجل : {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} [النساء: 59] أي إن كان حياً ، فإن كان ميتاً فإلى سنته صلى الله عليه وسلم
ثانيا :
تطلب السلامة مما يواجهه الخلق من الأهوال بعد وفاة الإنسان ، ولذا حتى الرسل عليهم الصلاة والسلام في يوم القيامة دعاؤهم ( رب سلِّم سلِّم )
وتقرن الصلاة بالسلام كما ذكر المؤلف هنا وغيره من العلماء يجمعون بين الصلاة والسلام وذلك تأسياً بكتاب الله جل وعلا قال تعالى : { يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب: 56]
وأصل هذه الجملة ” وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلَّم ” أصلها دعاء أو إخبار ؟
فحينما نقول ” صلى الله وسلَّم على نبينا محمد “ أصلها دعاء لكنها جاءت بصيغة الإخبار ، فكأننا نخبر أن الصلاة والسلام حصلا ، وهذا يسمى عن البلاغيين ” بمجيء الإنشاء في صورة الخبر “
وله فوائد ، فلماذا لم يقل ” اللهم صل على محمد ” فهذا دعاء ، لكن لما قال ” وصلى الله وسلم على نبينا محمد ” فهذا إخبار ، من فوائده :
التحرز من إصدار الأمر إلى الله جل وعلا ، ففيه تحرز من أن يأتي الدعاء على صورة الأمر مع أنه لا حرج في ذلك .
وكذلك من فوائده : قوة الأسباب بإجابة هذا الدعاء ، فهو دعاء يدعا به للرسول عليه الصلاة والسلام .
سؤال :
من أسلم في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ثم ارتد في عهده ثم بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم رجع للإسلام فهل يعد صحابيا ؟
الجواب : لا يعد صحابيا .