الشرح الموسع لكتاب التوحيد ـ الدرس (100)حديث (نذر رجل أن ينحر إبلا ببوانة) الجزء الثاني

الشرح الموسع لكتاب التوحيد ـ الدرس (100)حديث (نذر رجل أن ينحر إبلا ببوانة) الجزء الثاني

مشاهدات: 466

الشرح الموسع لكتاب التوحيد ـ درس (100)

حديث (نذر رجل أن ينحر إبلا ببوانة) الجزء الثاني

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فضيلة الشيخ :  زيد بن مسفر البحري

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ولم ينته السؤال من النبي عليه الصلاة والسلام :

قال : (( فهل كان فيها عيدا من أعيادهم ؟ ))

ــــــــ لمَ لَمْ يقتصر على الجملة الأولى ؟

كونه لم يقتصر على الجملة الأولى في سؤاله وسأل عن أمر آخر يستفاد منه فائدة : لاسيما وانه عليه الصلاة والسلام من أفصح الناس وأحبهم لاختصار الكلام

ولذا قالت عائشة رضي الله عنها : ” لو شاء العاد أن يعد كلامه لعده “

وكما جاء عن بعض الصحابة قال : (( كان إذا تحدث كان في حديثه ترتيل وترسيل ” ))

ليس عجلان في كلامه

فلماذا جاء هذا التفصيل ؟

جاء هذا التفصيل لنأخذ منه فوائد :

الفائدة الأولى :

ــــــــــــــــــــــ

1 ــ أن في هذا دليلا على القاعدة الأصولية وهي ” ترك الاستفصال ينزل منزلة العموم في الأقوال “

فلو أنه عليه الصلاة والسلام لم يفصل لكان الحكم عاما

لكنه لما فصل دل على أن للتفصيل أثرا في العموم وفي الخصوص

فحتى لا يأخذ كلامه على وجه العموم من أن النهي منحصر بوجود الوثن استفصل عليه الصلاة والسلام

الفائدة الثانية :

ـــــــــــــــــــــــــ

2 ـــ أنه لما أتى بهذه الجملة جمع بين الشرك ووسائله

ما الشرك ؟

(( هل كان فيها وثن من أوثان الجاهلية ؟ ))

ما الوسائل لشرك ؟

(( هل كان فيها عيد من أعيادهم ))

حتى لو هنَّؤنا بأعيادنا لأننا على حق وهم على باطل

ولذا قال ابن القيم رحمه الله : ” قد تصل تهنئة الكفار بأعيادهم إلى الشرك ” لأنه رضي بأعيادهم ، وأعيادهم وسيلة من وسائل الشرك

الفائدة الثالثة :

ـــــــــــــــــ

3 ــــ أن العيد : هو اسم لما يعود ويتكرر على وجه معتاد سواء كان يتكرر في أسبوع أو في شهر

ـــ ” والعيد ” تأتي ألفاظه ويراد منها أمور :

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ـــ إما أن يراد المكان

ودليله : قوله عليه الصلاة والسلام : (( لا تتخذوا قبري عيدا ))

ـــ وإما أن يطلق ويراد به الزمن

ولهذا سمى النبي عليه الصلاة والسلام الجمعة عيدا

ــــ وقد يراد من إطلاق العيد :” العمل ” ليس المكان والزمان

لقول ابن عباس :  ” شهدت العيد مع النبي عليه الصلاة والسلام “

ــــ وقد يطلق ويراد به الزمان والعمل معا

ودليله قول النبي عليه الصلاة والسلام : (( إن الله أبدلكما خير منهما : عيد الفطر ، وعيد الضحى ))

وعيد الضحى وعيد الفطر زمن

وفي هذا الزمن تقع أعمال وعبادات لله عز وجل

وقوله : (( من أعيادهم )) :

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

يستفاد من هذا أن أعياد الكفار كثيرة

ويدل على أن ما يُصنع في هذا الزمن من أعياد إنما هي وسائل من وسائل الشرك

وأيضا فيها تشبه بالكفار لأنه لا أعياد للمسلمين إلا عيدان : ” عيد الفطر ، وعيد الأضحى “

وهذا في السنة

وعيد الأسبوع ، وهو ” يوم الجمعة “

وما عداها من أعياد فإنها أعياد باطلة .

 

 

 

قال : (( هل كان فيها عيد من أعيادهم ؟))

فقالوا : لا

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ـــ أتى الرواي بصيغة الجمع لأن من في المجلس أجابوا النبي عليه الصلاة والسلام مع أن المسئول واحد ،  وهو هذا الرجل

كما أجابوا في السؤال الأول :

هل كان فيها وثن من أوثان الجاهلية ؟

فكأنهم بجوابهم عن هذا السؤال اشتاقت أنفسهم إلى معرفة هذا الحكم

وهذا إن دل يدل على حرص الصحابة على تلقي العلم ، وعلى الرغبة في الخير فإن السائل واحد وأجاب من في المجلس

فلما قالوا : لا

قال علي الصلاة والسلام ” أوف بنذرك ” :

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

أوف : صيغة أمر

وصيغة الأمر في أصلها تقتضي الوجوب

فهذا الأمر هل هذا الأمر على أصله أمر وجوب أم أنه أمر إباحة ؟

بمعنى :

ـــــــــــــ

هل أمر النبي عليه الصلاة والسلام بالوفاء لهذا النذر على سبيل الوجوب لأنه طاعة ؟

أو أن أمره بالوفاء لهذا النذر على سبيل الإباحة لأنه نذر في هذا المكان

ـــ يحتمل هذا

ويحتمل هذا

يحتمل أن النبي عليه الصلاة والسلام قال : (( أوف بنذرك ” ))

لأن نذر الطاعة يجب الوفاء به

ويحتمل أن يكون هذا الأمر أمر إباحة بمعنى : أنه يجوز أن توفي بنذرك في هذا المكان

ومن ثم : فإنه يجوز للمسلم أن ينذر لله عز وجل في مكان خلا فيه من الشرك أو من وسائله

سواء كان قبل ذلك لو فيما يستقبل فلو أن إنسانا نذر أن يذبح شاة لله عز وجل عند جبل لجاز له

شريطة :  أن لا يكون هذا الجبل كان فيه وثن من أوثان الجاهلية أو كان فيه عيد من أعيادهم وهذا على سبيل الجواز

ولا يُندب الإنسان إلى ذلك ، بل إذا نذر لله طاعة فلينذرها مطلقة دون أن يقيدها بمكان

وذلك لأن الإنسان ولاسيما المقتدى به إذا نذر في مكان ظن القوم أن لهذا المكان مزية على غيره

فلربما فُتح على الناس باب شر .

ولو نذر أن يذبح عند جبل وقد خلا من الشرك ووسائله .

لكن لو ذبح لكان في مجتمع سيقتدى به ، ويرى أن لهذا المكان قدرا فإنه لا يجوز أن يفي بهذا النذر وذلك لسد باب الشرك

ولو قال قائل :

ـــــــــــــــــــ

جاء في صحيح البخاري : أن ابن عباس رضي الله عنهما كان يصلي في ” البيع ” _ (وهي متعبد النصارى ) إلا أن تكون بيع فيها تصاوير

فكيف نوفق بين هذا وهذا ؟

فالجواب عن هذا :

أن ابن عباس رضي الله عنهما صلى في هذا المكان لأن النبي عليه الصلاة والسلام قال : (( جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا )) وهذا شامل
ولأن عبادة الصلاة وهي الصلاة الشرعية صلاة المسلمين لا تشابه صلاة النصارى أو اليهود

ومن ثم : فإنه لو صلى في هذه الكنيسة أو هذه البيعة فإن عبادته مفترقة عن عبادتهم

بينما النحر أو الذبح هو واحد في الهيئة والصفة

ــــ ولذا : استدل بعض العلماء بقصة مرور النبي عليه الصلاة والسلام بتبوك :

وفيها أن الصحابة دخلوا ديار ثمود ، فغضب النبي عليه الصلاة والسلام

والقصة مشهورة

قال : (( أتدخلون على هؤلاء المعذبين ؟ إن الله لا يعبأ بعذابكم )) ثم قال : (( لا تدخلوا على هؤلاء المعذبين إلا أن تكونوا باكين ))

فقال بعض العلماء : إن الصلاة سبب من أسباب الخشوع الذي يحصل به البكاء

فلو صلى في هذا المكان لجاز المكث للصلاة فيه لأنه قال : (( لا تدخلوا على هؤلاء المعذبين إلا أن تكونوا باكين ))

والصلاة تدعو إلى البكاء والخشوع

ومعلوم أن ديار ثمود ديار عُصي الله فيها وعُبد فيها من دون الله

ــــ وعلى كل حال : ” لا يدخل علينا داخل يقول : لماذا صلى بعض الصحابة في الكنائس ؟

فالجواب كما أسلفت : أن العبادة مفترقة عن عبادتهم بينما عبادة النحر والذبح هي في الهيئة والصفة واحدة

فقال : (( أوف بنذرك )) :

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وزاد النبي عليه الصلاة والسلام مع أن البلاغة أن يكون الجواب مطابق للسؤال فلا إخلال ولا زيادة

وكون النبي عليه الصلاة والسلام يزيد هنا : هذا من باب الإطناب الذي يُحتاج إليه

فإن النبي عليه الصلاة والسلام علم بأن السائل بحاجة إلى مزيد علم بهذا الأمر ، وهو ” النذر ” ، فقال : (( أوف بنذرك فإنه لا وفاء لنذر في معصية الله ، ولا فيما لا يملك ابن آدم ))

ولذا في السنن ومسند الإمام أحمد لما قال رجل : (( يا رسول الله إنا نركب البحر ، ومعنا الماء القليل أفنتوضأ بماء البحر ؟

فقال : (( هو الطهور ماؤه ))

ولم يسكت مع أن قوله : (( هو الطهور ماؤه )) كاف لكن زاد لحاجة هؤلاء الذين يركبون البحر إلى معرفة حكم آخر يتعلق بهذا البحر الذي يحتاجون إليه ، فقال : (( هو الطهور ماؤه الحل ميتته ))

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وقوله : (( فإنه ……. )) :

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الفاء هنا كما سبق فاء سببية تفيد التعليل أي : ” لأنه لا وفاء لنذر في معصية الله عز وجل ولا فيما لا يملك ابن آدم “

وقوله : (( لا وفاء لنذر في معصية الله )) :

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

أطلق المعصية :

وهذا يدل على أن النذر في معصية صغرت أم كبرت لا يجوز الوفاء به

ويكون في هذا الحديث ذكر لنذرين :

1 ـــ نذر طاعة :

ــــــــــــــــــــــ

لما قال : (( إني نذرت أن أنحر إبلا ببوانه ))

2 ـــ نذر المعصية :

ــــــــــــــــــــــــــــ

لقوله : (( لا وفاء لنذر في معصية الله ))

ــــ وسبق معنا إيضاح أنواع النذر ، وان نذر المعصية إذا نُذر فلا يجوز الوفاء به

ولكن هل يلزم الناذر كفارة أم لا ؟

قولان لأهل العلم :

ــــــــــــــــــــــــ

والصحيح انه تلزمه الكفارة لقوله عليه الصلاة والسلام : (( لا وفاء لنذر في معصية الله )) كما في هذا الحديث

ولكن في الحديث الآخر قال : ((  لا وفاء لنذر في معصية الله وكفارته كفارة يمين ))

ومن ثم تأتينا مسألة ، وهي مسألة ” المكروه “

ـــــ هل المكروه الذي يثاب تاركه ، ولا يعاقب فاعله هل هو من معصية الله أم لا ؟

إنسان ارتكب مكروها هل يُعد عاصيا أم لا ؟

الجواب :

ـــــــــــــــ

ــــ اطلعت على فتوى الشيخ ” ابن باز ” على أن فعل المكروه معصية ، ولعل الدليل في هذا أن فيه مخالفة للنهي

فإن المكروه منهي عنه لكن ليس على وجه الإلزام فحينما تنهى – ولله المثل الأعلى –  تنهى عبدك عن شيء، ولم تلزمه بهذا الترك : إن ترك هذا الشيء فهو محمود ، إن فعل يعد لك عاصيا في ظاهر الأمر لأنه خالف نهيك

ولا شك أن المكروه منهي عنه لكن ليس منهيا عنه على وجه الإلزام

لكن قوله عليه الصلاة والسلام :(( لا وفاء لنذر في معصية الله ))

إن كان المكروه كما قال الشيخ من المعاصي فإن هذا الحديث في ظاهره يخالف ما ذكر ــــــــــــ كيف ؟

لأن من نذر مكروها فإن هل أن يفعل هذا المكروه ، مع أن الأولى تركه .

والمسألة تحتاج إلى تأمل

ومقصودنا بالمكروه هو المكروه الذي هو على مصطلح الفقهاء لأن المكروه عند السلف يطلقونه ويريدون التحريم كقول إبراهيم النخعي : ” كانوا يكرهون التمائم كلها …… ))

ومنها قوله تعالى لما ذكر المحرمات قال :{كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيٍّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهاً }

ومنها قول النبي عليه الصلاة والسلام : (( إن الله كره لكم قيل وقال وكثرة السؤال وإضاعة المال ))

وقوله : (( ولا فيما لا يملك ابن آدم )) :

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

لا يجوز للإنسان أن يتصرف في ملك غيره

قال عز وجل : ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ ))

وقال النبي عليه الصلاة والسلام : (( إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام ))

وقل كما عند أبي داود قال : (( لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس منه ))

والأحاديث في هذا كثيرة

فلا يجوز أن يعتدى على أحد في حقه سواء كان مباشرة او تسببا

ولذا :

ــــــــــــ

لو تسبب في إتلاف مال الغير ضمن ، وذلك كما لو كان هناك سقاء فيه سمن

فحل وكاءه ، فترتب على حل هذا الوكاء أن ينسكب ما في هذا السقاء فإنه يضمن

فهو لم يسكب ما فيه وإنما كان سببا ( فالمتسبب كالمباشر )

ومن ثم :

ــــــــــــــــــ

فإن الإنسان لو نذر أن يتصدق بسيارة فلان أو بيت فلان فإن هذا النذر لا ينعقد ــــــــــــ لم ؟

لقوله عليه الصلاة والسلام : (( فإنه لا نذر فيما لا يملك ابن آدم ))

رواه أبو داود :

ــــــــــــــــــــــــــــــ

أبو داود :

ـــــــــــــــــــــــــ

ـــ هو سليمان بن الأشعث السجستاني صاحب الإمام احمد

ـــ وله كتابه ” السنن ” الذي عُني به من قبل العلماء عناية تامة

ــــ وعامة الفقهاء على كتابه السنن ، فإن سنن أبي داود قد ضمن فيها أحاديث الأحكام

ولذا فغالب أحاديث الأحكام موجودة في سنن أبي داود

ـــ وقد شرحه كثير من العلماء وعلقوا عليه حتى إن ابن القيم له كتابه تهذيب السنن ومراده سنن أبي داود

ـــ  والخطابي له عليه تعليقات ، وغيرهما من العلماء

ـــ وله المراسيل

ـــ فهذا الإمام قد نفع الله به الأمة في هذا الفن الذي هو أشرف الفنون ، وهو ” علم الحديث “

قال : ((إسناده على شرطهما )) :

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

على شرط من ؟

على شرط البخاري ومسلم

وسبق معنا أن البخاري يلتزم في الرواة بأمرين :

ــــ المعاصرة

ــــ وثبوت اللقيا

أي أن يكون الرواي عاصر الراوي والتقى به

أما الإمام مسلم فإنه يشترط ” المعاصرة ” ويقول : مع إمكانية اللقيا

ولذا : ” كان كتاب البخاري أصح من كتاب الإمام مسلم “

ــ وهذا الحديث على شرطي البخاري ومسلم

بمعنى :

ــــــــــــ

أن هؤلاء الرواة إما أن يكونوا على شرط البخاري بتوفر الشرطين أو على شرط الإمام مسلم ، وذلك بوجود المعاصرة ، وإمكانية ثبوت اللقيا .

والإمام البخاري ومسلم لم يخرجا كل حديث صحيح فلم يذكرا في كتابيهما كل حديث صحيح على هذه الشروط

ولذا :

ـــــــــــــ

أتى الحاكم واستدرك ، فقال : إن هناك أحاديث على شرطهما ، ولمك يخرجاه

والصحيح أن يقال : ” بأن هذين الإمامين لم يخرجا كل حديث على شرطهما حتى لا يطولا “

والأمر الثاني : أن ما ذكره الحاكم لم يوافقه عليه كثير من العلماء

ولذا فإنه استدرك عليهما ، وقد استدرك عليه العلماء في استدراكه .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ