الشرح الموسع لكتاب التوحيد ـ الدرس (103) قوله تعالى ( يوفون بالنذر )

الشرح الموسع لكتاب التوحيد ـ الدرس (103) قوله تعالى ( يوفون بالنذر )

مشاهدات: 464

الشرح الموسع لكتاب التوحيد ـ الدرس (103)

 قوله تعالى (  يوفون بالنذر )

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فضيلة الشيخ :  زيد بن مسفر البحري

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قال المصنف :

وقال الله تعالى : (( يوفون بالنذر )) :

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الشرح :

ـــــــــــــــ

هذه الآية وردت في ضمن صفات أثني بها على عباد الله الصالحين ، وذلك في سورة الإنسان :

قال تعالى : ((إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِن كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُوراً{5} عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيراً{6} يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْماً كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً{7} ))

فأثنى بها عز وجل : أي بهذا الخصلة على هؤلاء العبَّاد ، فما كان الوفاء بالنذر محل ثناء من الله عز وجل على عباده الصالحين صارت عبادة ، إذا صرفت لغير الله صار صارفها مشركا بالله شركا أكبر

وقد سبق معنا تعريف شيخ الإسلام للعبادة ، وهي : ” اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأفعال الظاهرة والباطنة “

فإذا أثنى عز وجل على الموفي للنذر دل على أن هذا الثناء إنما هو عن محبة ورضا منه عز وجل

وهذا هو محل الشاهد من ذكر المصنف لهذه الآية تحت هذا الباب

ــ وقد ذكر عز وجل بعض ا؟لآيات التي يأمر فيها بالوفاء بالنذور :

قال تعالى : ((ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ ))

فهنا ثناء على من وفّى بنذره

وفي الآية التي ذكرتها أمر بالوفاء بالنذر

فدل على أن أمره عز وجل بالوفاء بالنذر يدل على أنه عبادة متى ما صرفت لغيره يكون صارفها مشركا بالله شركا أكبر

فقوله تعالى : (( يوفون )) :

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

يوفون : فعل مضارع ، من الأفعال الخمسة التي ترفع بثبوت النون

والإتيان بالفعل المضارع الدال على الاستمرار يدل على أن هؤلاء من صفتهم الوفاء بالنذر

وكلما نذروا وفوا بنذورهم

وهذه الصفة وهي صفة الوفاء بالنذر هي صفة أهل القرون المفضلة

ولذا سيأتي معنا في باب ما جاء في كثرة الحلف ” :

أن النبي عليه الصلاة والسلام قال – من حديث ابن مسعود وغيره- قال : (( خير القرون قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ثم يأتي بعدهم قوم يشهدون ولا يُستشهدون ويخونون ولا يُؤتمنون ، وينذرون ولا يوفون ويكثر فيهم السمة ))

فدل على أن خصلة عدم الوفاء بالنذر  خصلة ذميمة ، وأن الوفاء بها تشبه بأهل القرون المفضلة .

وقوله : (( بالنذر )) :

ـــــــــــــــــــــــــــــــــ

بالنذر كلمة عامة تشمل جميع النذور

ولكن المراد من الوفاء بالنذر ما لم يكن محرما  ، فإن المحرم لا يُثنى على الموفي به

ـــ ولو طرأ إشكال :

فقيل : كيف يثني في هذه الآية على الموفين بالنذور مع ان النبي عليه الصلاة والسلام قال : _(( إن النذر لا يأتي بخير ))

وقلتم على هذا : إن عقد النذر مكروه أو محرم ، فما هو الجواب عن هذا الإشكال ؟

الجواب عن هذا الإشكال :

أن قوله عليه الصلاة والسلام : (( إن النذر لا يأتي بخير )) إنما هو في ابتداء النذر

وذلك لأن ابتداء النذر يكون الدافع له : إما عدم الرغبة في العبادة إلا بحصول هذا الشيء الذي علق النذر عليه

كأن يقول : إن شفى الله مريضي فلأصلين ركعتين

فكأن هاتين الركعتين شاقة عليه ، وان نفسه تضعف عن أدائها

فلذا من هذا الوجه لا يأتي النذر بخير

وجه آخر : من كون أن النذر لا يأتي بخير :

أن الناذر في ظاهر أمره انه لم يحسن الظن بالله عز وجل

إذ لو أحسن الظن بالله عز وجل لما علق هذه العبادة في فعلها على هذا النذر

الوجه الثالث من كون أن النذر لا يأتي بخير :

أن في ظاهرها أن الله محتاج للعبادة ، وهذا غير صحيح : (( إن تكفروا فإن الله غني عنكم ))

فلا تضره معصية العاصي ولا تنفعه طاعة المطيع

الوجه الرابع من كون أن النذر لا يأتي بخير :

أن من وقع فيه وألزم نفسه بعبادة ، هذه العبادة قد تشق عليه ، وقد يبحث عن السبل التي بها يتخلص من فعل هذا المنذور

وهذا مشاهد في حق من نذر :

قد ينذر البعض إن حصل له شيء محبوب أو زال عنه شيء مكروه أن يصوم كل خميس حياته كلها فيجد من المشقة والعناء ما الله به عليم

أو ما شابه ذلك من هذه النذور التي تثقل على المسلم :

فمن هذه الأوجه دل على أن النذر لا يأتي بخير

هذا في ابتداء عقده

إن دخل فيه فيكون محل ثناء ومدح من الله عن وفى به

وإن لم يوف به كان محل ذم كما  قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( وينذرون ولا يوفون ))

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ