الشرح الموسع لكتاب التوحيد ـ درس (110 )
( باب من الشرك أن يستغيث بغير الله )
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فضيلة الشيخ : زيد بن مسفر البحري
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
” باب من الشرك :
[ أن يستغيث بغير الله أو يدعو غيره ]
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ــ ذكر المصنف في الأبواب المتقدمة التوحيد وفضله
ـــ والخوف من الشرك وما شابه ذلك من هذه الأبواب التي تبين عظمة التوحيد
ـــ فناسب ان يذكر أبواب على عبادات هي من التوحيد لو صرفت لغير الله لكان صاحبها مشركا بالله
ـــ مر معنا :
ـــ الاستعاذة
ـــ والذبح
ــــ والنذر
والآن عبادة أخرى ، وهي :
ـــ عبادة الدعاء
ـــ وعبادة الاستعانة
و ” الاستغاثة ” هي طلب الغوث
كما ان ” الاستعانة ” هي طلب العون
كما ان ” الاستعاذة ” طلب الاعتصام
وهذا يدل على أن ” السين والتاء ” فيها طلب
ولكن هذا في غالب أحوالها
وإلا فقد تأتي السين والتاء في كلمة ولا يراد منها طلب كقولك ” استكبر ” فهو لم يطلب الكبر لكن هو استكبر بذاته
” فالسين والتاء “ تدلان على الطلب في غالب أحوالها
وقوله تعالى : (( من الشرك )) :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
” من “ هنا إما بيانية أو تبعيضية :
فإن قلنا: إنها بيانية فكل استغاثة بغير الله وكل دعاء لغير الله هو شرك
وإن قلنا : إنها تبعيضية : فإن هناك صورة يستغاث فيها بغير الله تكون جائزة وليست شرك
والذي يظهر : إنها للتبعيض
ومن ثم فإنه يجوز أن يستغاث بالمخلوق بشروط :
أولا : أن يكون قادرا على ان يغيث
ثانيا : ان يكون موجودا
ثالثا : أن يكون حيا
رابعا : أن يعتقد بأنه سبب
فإذا وجدت هذه الشروط الأربعة فتجوز الاستغاثة بالمخلوق
1 ـــ أن يكون قادرا :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فلو استغاث بمخلوق على إنزال المطر فهو شرك بالله شركا أكبر
الشرط الثاني : أن يكون موجودا :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فلو أن شخصا غرق فاستغاث بوالده الماهر في السباحة ، وهو بعيد عنه مئات الكيلوات فهذا شرك بالله
الشرط الثالث : أن يكون حيا :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فلو استغاث غريق بميت فإن هذا شرك بالله عز وجل
الشرط الرابع : أن يعتقد بأنه سبب :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـ فلو توفرت تلك الشروط واعتقد أنه هو المنقذ فإنه مشرك بالله عز وجل
ويدل على جواز الاستغاثة بالمخلوق بهذه الشروط الأربعة ما ذكر عز وجل عن موسى عليه الصلاة والسلام :
قال تعالى : ((فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِن شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ ))
ولو قال قائل :
ما الذي يدعو هؤلاء الأئمة إلى ان يطلقوا الحكم بأن الاستغاثة شرك ؟
الذي دعاهم : أن الأصل في الاستغاثة أن تكون بالله عز وجل ، وأما الاستغاثة بالمخلوق ففرع
الأمر الثاني : أن في ذلك سد لجميع الأبواب المفضية إلى الشرك
فلربما استغاث بهذا المخلوق فيما يقدر عليه ثم بعد حين يستغيث به فيما لا يقدر عليه
ولذا إذا قيل : ما حكم الاستغاثة بغير الله ؟
نقول :
ـــــــــــ
إنها شرك
ولا نأتي إلى هذا التفصيل إلا في مقام التعليم
وذلك متى تنسد الأبواب
ويدل لذلك ما جاء في الحديث الذي ذكره المصنف رحمه الله تحت هذا الباب :
وهو الحديث الذي رواه الطبراني ، قال : (( قوموا نستغيث برسول الله صلى الله عليه وسلم من هذا المنافق ، فقال عليه الصلاة والسلام : إنه لا يستغاث بي ))
مع أنه قادر عليه الصلاة والسلام أن يكف شر هذا المنافق
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وقوله : (( أو يدعو غيره )) :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هل يجوز أن يُدعى غير الله ؟
نقول :
ــــــــــــــ
إن الدعاء نوعان :
ـــ دعاء عبادة
ـــ ودعاء مسألة
فدعاء العبادة :
ـــــــــــــــــــــــ
مثل : الصلاة
مثل الحج
مثل الزكاة
فهذه عبادات لكنها دعوات :
(( الدعاء عبادة ، والعبادة دعاء )) : وذلك لأنه إذا صام وصلى وحج فإنه بلسان حاله يدعو الله عز وجل أن ينجيه من النار، وأن يدخله الجنة
فهذه لا يجوز أن تُصرف لغير الله
ولا يجوز ان يدعى بها غير الله
النوع الثاني : دعاء المسألة :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ومن ثم فإننا في هذا الدعاء كما قلنا في الاستغاثة
لو قيل ما حكم الاستغاثة بغير الله ؟
نقول : شرك
لو قيل : ما حكم دعاء غير الله ؟
نقول : إنه شرك
لو قال قائل : ما الفرق بين الاستغاثة والدعاء ؟
قال : ” باب من الشرك أن يستغيث بغير الله أو يدعو غيره “
” أو “ حرف عطف ، والمعطوف يقتضي أن يغاير المعطوف عليه
فهل هناك توافق بين الاستغاثة بين الاستغاثة والدعاء أم هناك فرقا ؟
نقول :
ــــــــــــ
إن هناك توافقا بين الاستغاثة والدعاء من وجه ، وهناك افتراق من وجه آخر :
وذلك أن كل استغاثة دعاء ، وليس كل دعاء استغاثة
يتضح هذا بما يأتي :
نقول : إن الاستغاثة تكون في إزالة المكروه
وأما الدعاء يكون في إزالة المكروه وغيره
ومن ثم : م
َن يستغيث بالله يستغيث بالله من أجل أن يدفع عنه الضر
وأما إذا دعا الله عز وجل فإنه قد يدعوه لكشف ضر أو لجلب نفع
ومن ثم :
فإن كل استغاثة دعاء ، وليس كل دعاء استغاثة فيكون الدعاء أعم
ومن ثم :
فإن ذكر الدعاء بعد الاستغاثة هو ذكر للعام بعد الخاص
فيكون في هذا التبويب عطف العام على الخاص
وعطف العام على الخاص موجود في كتاب الله عز وجل
وهذا أسلوب من أساليب اللغة العربية
كما أنه يعطف الخاص على العام ، وذلك لأن الدعاء عام فعطف على الاستغاثة
وإذا عطف العام على الخاص فالمراد : التأكيد على العام مع الحرص الشديد على الخاص
ففيه تأكيد على العام ، وهو الدعاء
وفيه تأكيد أشد على الاستغاثة .