الشرح الموسع لكتاب التوحيد ـ الدرس (113) قوله تعالى ( ومن أضل ممن يدعو من دون الله )

الشرح الموسع لكتاب التوحيد ـ الدرس (113) قوله تعالى ( ومن أضل ممن يدعو من دون الله )

مشاهدات: 441

الشرح الموسع لكتاب التوحيد ـ الدرس ( 113 )

قوله تعالى ( ومن أضل ممن يدعو من دون الله )

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فضيلة الشيخ :  زيد بن مسفر البحري

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قال المصنف :

وقوله تعالى : ((وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّن يَدْعُو مِن دُونِ اللَّهِ مَن لَّا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَومِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَن دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ{5} وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاء وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ{6} ))

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الشرح :

ــــــــــ

قوله : ((وَمَنْ أَضَلُّ )) :

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

” من “ هنا ـــــــــــ استفهامية

والاستفهام في عرف البلاغيين وفي مصطلحهم : ” هو طلب العلم بشيء مجهول لدى السائل بإحدى أدوات الاستفهام “

ـــ فحينما تسأل عن شيء أنت تسأل عن شيء تجهله

هذا هو حقيقة الاستفهام عند البلاغيين

لكن هذا الاستفهام قد يخرج عن هذا المقتضى لاعتبارات أخرى :

من بين هذه الاعتبارات : (( التحدي ))

وذلك أن يكون المستفهم عالما بحال هذا الشيء لكنه يستفهم لغرض آخر

وهنا المستفهم هو الله العالم ببواطن الأمور العليم بكل شيء الخبير

فلماذا استفهم هنا ؟

استفهم من باب التحدي :

ولذا يكون الجواب في قوله : ((وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّن يَدْعُو مِن دُونِ اللَّهِ مَن لَّا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَومِ الْقِيَامَةِ ))

الجواب :ـ

ــــــــــــــــــــــــــــ

لا أحد أضل ممن يدعو من دون الله

فهذا الاستفهام مُشرب بالنفي ، فجوابه : ” أي لا أحد ”

ويراد من ذلك التحدي

وقوله : ((مِمَّن يَدْعُو مِن دُونِ اللَّهِ )) :

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ممن : ” من ” هنا اسم موصل يفيد العموم

وقوله : ((يَدْعُو )) :

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الدعاء : هنا كما سبق يشمل دعاء العبادة ، ودعاء المسألة

وقوله : ((مَن لَّا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَومِ الْقِيَامَةِ )) :

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وهذا بيان لحال هذه الأصنام ، وأن هؤلاء الذين يدعونها لو ظلوا يدعونها لما استجابت لهم إلى يوم القيامة

ولذا قال تعالى :{إِن تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ }

وقال تعالى:((أَيُشْرِكُونَ مَا لاَ يَخْلُقُ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ{191} وَلاَ يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْراً وَلاَ أَنفُسَهُمْ يَنصُرُونَ{192} وَإِن تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى لاَ يَتَّبِعُوكُمْ سَوَاء عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنتُمْ صَامِتُونَ{193} إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ{194}))

بل بيَّن أن هؤلاء الداعين أفضل من هؤلاء المدعوين من الأصنام : قال :

{أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا قُلِ ادْعُواْ شُرَكَاءكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ فَلاَ تُنظِرُونِ }

ثم قال بعدها :

{وَإِن تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى لاَ يَسْمَعُواْ وَتَرَاهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ }

هذه هي حقيقة الأصنام

ولذا قال تعالى : ((مَن لَّا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَومِ الْقِيَامَةِ ))

وقد بيَّن الله عز وجل صورا من ضعف هؤلاء المدعوين من دونه عز وجل :

قال تعالى :{وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُواْ كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لاَ يَسْمَعُ إِلاَّ دُعَاء وَنِدَاء صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ }

مثل هؤلاء الذين يدعون هؤلاء المعبودين مثلهم كمثل الراعي الذي يرفع صوته لبهائمه وغنمه ، فإن هذه الأغنام وهذه البهائم لا تسمع إلا دعاء ونداء

وقال تعالى مبينا صورة أخرى من صور ضعفهم – قال : ((لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ – أي دعوة التوحيد – وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ لاَ يَسْتَجِيبُونَ لَهُم بِشَيْءٍ إِلاَّ كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاء لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ وَمَا دُعَاء الْكَافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلاَلٍ ))

بيَّن أن من يدعو غير الله مثله كمثل العطشان يأتي إلى البئر ويضع يده على حافة البئر لكي يأتي إليه الماء فيشرب منه

فمن كانت هذه حالته فغنه يعد مجنونا ، يُعد أحمقا

فكذلك من يدعو هؤلاء المعبودين شأنه كشأن من وضع يده عند حافة البئر لكي يصل إليه الماء ، ولذلك ختم الآية بقوله : ((وَمَا دُعَاء الْكَافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلاَلٍ ))

 

وهنا عندنا قال : ((وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّن يَدْعُو مِن دُونِ اللَّهِ ))

فهم ضالون

وكذلك دعاؤهم كما في الآية يكون في ضلال وذهاب وخسران

وقد ذكر عز وجل صورة أخرى في بيان ضياع هؤلاء الداعين ، وهؤلاء العابدين حينما يعبدون غير الله عز وجل :

قال تعالى : ((قُلْ أَنَدْعُو مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَنفَعُنَا وَلاَ يَضُرُّنَا وَنُرَدُّ عَلَى أَعْقَابِنَا بَعْدَ إِذْ هَدَانَا اللّهُ كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّيَاطِينُ فِي الأَرْضِ حَيْرَانَ لَهُ أَصْحَابٌ يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى ائْتِنَا ))

مثل من يدعو هؤلاء المعبودين مثله كمثل رجل في برية مع رفقة له ، وإذا به يُدعى من قبل رفقته : هلم إلينا الطريق هاهنا وهو يتبع الغيلان التي هي الشياطين التي تضل الناس في الصحاري

فهو لا يدري : أيذهب مع هؤلاء أم يذهب مع هذا الغول ؟

فيكون أمره في ضلال وفي خسارة

والمتأمل لكتاب الله يجد بيانا كافيا شافيا كاملا عن خسارة هؤلاء العابدين الذين عبدوا غير الله عز وجل

ولذا النبي عليه اصللاة والسلام مع مقامه الرفيع أمره عز وجل أن يقول : {قُلْ إِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرّاً وَلَا رَشَداً }

بل قال عز وجل عنه : ((وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَاْ إِلاَّ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ))

فذكر عز وجل ضلال هؤلاء ، وأن هؤلاء العابدين لو دعوا أصنامهم إلى يوم القيامة ما استجابوا لهم

ثم قال تعالى مقبحا ومنفرا عن هذا الفعل الذي لا يليق بالعقلاء ، قال : ((وَهُمْ عَن دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ)) :

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

يعني :/ أن هؤلاء المعبودين عن دعوة هؤلاء العابدين غافلون ، لأنهم إما أن يكونوا أصناما وأحجارا وأشجارا ، وإما أن يكونوا غير ذلك لكنهم لا يملكون نفعا ولا يدفعون ضرا .

وقوله : ((وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاء )) :

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

والمراد من الحشر هنا : هو الحشر الأعظم الذي يكون يوم القيامة

وذلك لأن الحشر أنواع :

هناك حشران في الدنيا :

حشر أول

حشر ثاني

الحشر الأول : هو المذكور في قوله تعالى : ((هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِن دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ ))

ـــ والحشر الثاني : هو الذي يكون قبيل قيام الساعة ،كما أخبر النبي عليه الصلاة والسلام ، قال : (( تخرج نار من حضرموت فتحشر الناس ، قال : (( اثنان على بعير ، وثلاثة على بعير ، وعشرة على بعير ، وتحشر بقيتهم النار تقيل معهم حيث قالوا ، وتبيت معهم حيث باتوا وتصبح معهم حيث أصبحوا ))

وهذا الحشر ليس في الآخرة ، وإنما هو قبيل الآخرة ، وذلك لن الحشر في يوم القيامة لا يكون هناك ركوب على جمال ولا بعير

ــــ فالمراد من الحشر هنا هو ” الحشر الأعظم ” الذي يكون يوم القيامة

قوله : ((وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاء )) :

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

سبحان الله :

ـــــــــــــــــــــــــــــ

هنا فيه معاملة بنقيض القصد :

هم أرادوا بدعوة هؤلاء أن يظفروا بشفاعتهم وان يظفروا بخير منهم ــــــــــــــــــــــــــــ كان ما الذي جرى ؟

يكونون أعداء لهم يوم القيامة

وبيان تبرؤ هؤلاء المدعوين من هؤلاء الداعين كثير في كتاب الله عز وجل :

قال تعالى – فيما ذكر عن الملائكة – :((وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلَائِكَةِ أَهَؤُلَاء إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ{40} قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنتَ وَلِيُّنَا مِن دُونِهِم ))

فهذا فيه تبرؤ من الملائكة لمن دعاهم

قال تعالى عن التبرؤ الذي يحصل من الإنس والجن :

((وَيَوْمَ يِحْشُرُهُمْ جَمِيعاً يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُم مِّنَ الإِنسِ وَقَالَ أَوْلِيَآؤُهُم مِّنَ الإِنسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِيَ أَجَّلْتَ لَنَا قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلاَّ مَا شَاء اللّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَليمٌ{128} وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ{129} ))

والنصوص في هذا كثيرة جدا لا تحصر

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وقوله : ((وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ )) :

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فيتبرءون حتى من عبادتهم :

قال تعالى :

((وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُواْ مَكَانَكُمْ أَنتُمْ وَشُرَكَآؤُكُمْ فَزَيَّلْنَا بَيْنَهُمْ وَقَالَ شُرَكَآؤُهُم مَّا كُنتُمْ إِيَّانَا تَعْبُدُونَ{28} فَكَفَى بِاللّهِ شَهِيداً بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ إِن كُنَّا عَنْ عِبَادَتِكُمْ لَغَافِلِينَ{29} ))

وقال تعالى :

((وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُواْ أَيْنَ شُرَكَآؤُكُمُ الَّذِينَ كُنتُمْ تَزْعُمُونَ{22} ثُمَّ لَمْ تَكُن فِتْنَتُهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ وَاللّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ{23} انظُرْ كَيْفَ كَذَبُواْ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ{24} ))

بل أن التبرؤ يكون عند الموت :

قال تعالى :

{فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ أُوْلَـئِكَ يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُم مِّنَ الْكِتَابِ حَتَّى إِذَا جَاءتْهُمْ رُسُلُنَا يَتَوَفَّوْنَهُمْ قَالُواْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ قَالُواْ ضَلُّواْ عَنَّا وَشَهِدُواْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُواْ كَافِرِينَ }

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ