الشرح الموسع لكتاب التوحيد ـ درس ( 117 )
قوله تعالى (أيشركون ما لا يخلق شيئا ) الجزء الأول
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فضيلة الشيخ : زيد بن مسفر البحري
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــ قال المصنف رحمه الله :
باب قول الله تعالى : (( أَيُشْرِكُونَ مَا لاَ يَخْلُقُ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ{191} وَلاَ يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْراً وَلاَ أَنفُسَهُمْ يَنصُرُونَ{192} ))
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصنف لم يذكر كلاما يبوب به على ما يريده في هذا الباب وإنما ذكر آية
وطريقته أنه : أحيانا يذكر تبويبا
وأحيانا يكتفي بالنص
وقد سبق معنا انه رحمه الله ذكر عناوين للأبواب السابقة
ثم لما أتى إلى هذا الباب عنون له بالآية اكتفاء بها
فيا ترى ماذا يراد من هذا التبويب ؟
قد يريد رحمه الله أن المقصود من هذا الباب واضح جلي فلا يحتاج إلى أن يعنون له بعنوان
وذلك لأن سياق الآية واضح
ما سياق الاية ؟
سياق الآية أن هذه الآلهة عاجزة فكيف تعبد ؟!
أو أنه يريد رحمه الله أن يعطي طالب العلم فسحة من التفكير حتى يستخرج عنوانا مناسبا ليدرب ذهنه وعقله على استنباط الأحكام من أدلتها .
لأنه إذا استنبط عنوانا مناسبا من الآية كان هذا الاستنباط بمثابة الحكم المبني على هذه الآية .
أو يمكن آن يقال :
ــــــــــــــــــ
بأنه لا يعنون طلبا لاغتنام الوقت
ولذا كان الإمام احمد رحمه الله إذا مر بكلمة النبي عليه الصلاة والسلام صلى عليه ولم يكتبها حتى يغتنم الوقت
وهذا بعيد لأنه رحمه الله عنون أكثر الأبواب
ــــ وذكره رحمه الله لهذا الباب كما سبق من أبواب يدل على حسن ترتيبه وعلى ذكائه وفطنته وسعة إدراكه وعلمه
لأنه لما ذكر في أول باب : ذكر التوحيد
ووجوب العبادة
وذكر فضائل التوحيد وفضائل من حقق التوحيد
ثم ذكر الخوف من الشرك
ثم ذكر أنواعا من الشرك :
النذر لغير الله
الذبح لغير الله
الدعاء لغير الله
الاستغاثة بغير الله
ناسب أن يذكر هذا الباب
ما علاقة هذا الباب بما قبله ؟
ـــ أنه لما ذكر صورا من العبادات التي تصرف لغير الله فيكون صاحبها مشركا بالله شركا أكبر ناسب أن يذكر هذا الباب وهي بمثابة أدلة وبراهين ساطعة على ضعف وعجز وضلال المعبودين والعابدين
ـــ فقوله عز وجل : (( أَيُشْرِكُونَ مَا لاَ يَخْلُقُ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ{191} وَلاَ يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْراً وَلاَ أَنفُسَهُمْ يَنصُرُونَ{192} ))
ـــ هنا أربعة براهين واضحة جلية على ضعف وعجز هؤلاء المعبودين من دون الله عز وجل فكيف بعبدون ؟
نأتي إلى هذه البراهين مجملة :
البرهان الأول :
قال : (( ما لا يخلق شيئا ))
هذا برهان ودليل على ضعف هذه الآلهة
البرهان الثاني :
أنهم يخلقون
البرهان الثالث :
أنهم لا ينصرون عابديهم
البرهان الرابع :
أنهم لا ينصرون أنفسهم فكيف ينصرون غيرهم ؟
فهذه براهين أربعة في هذه الآية تدل على ضعف وعجز هذه المعبودات التي تعبد من دون الله .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــ فقوله عز و جل : ((: (( أَيُشْرِكُونَ ))
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الهمزة هنا همزة استفهام يراد منها الإنكار والتوبيخ :
أين عقولكم ؟
أين أفهامهم ؟
ولذا قال تعالى : ((أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلَامُهُم بِهَذَا ))
يعني : عقولهم أتأمرهم بهذا ؟
الجواب:
” لا “
لو حكَّموا عقولهم لما أمرتهم عقولهم بهذا :((أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلَامُهُم بِهَذَا ))
ما السبب ؟
((أَمْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ ))
ولذا قال تعالى : ((كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِن قَبْلِهِم مِّن رَّسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ{52} أَتَوَاصَوْا بِهِ ))
يعني :
أوصى المتقدم من بعده بهذه الوصية ؟
لا
((بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ{53} ))
ما السبب ؟
هو الطغيان
ولذا تعرفون قصة أبي جهل أنه لما أتاه ” الأخنس بن شريك ” :
فقال : ما رأيك في محمد ؟
قال : والله إن محمدا لصادق ، ولكن بنو هاشم نافسونا في سقاية الحج فنافسناهم،ونافسونا في خدمة الحجيج فنافسناهم ،أتوا بنبي، من أين نأتي بنبي ؟ والله لا نؤمن به ؟
فهذا هو الطغيان الذي جعلهم ينصرفون عن الحق
فقوله : ((أَيُشْرِكُونَ )) :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الهمزة استفهامية يراد منها الإنكار والتوبيخ
والاستفهام في عرف البلاغيين : هو طلب العلم عن شيء مجهول بإحدى أدوات الاستفهام
فحينما تسأل تسأل في الأصل عن شيء تجهله بإحدى أدوات الاستفهام
فإذا كنت عالمات فيكون لهذا الاستفهام مقصود آخر
فالغرض من هذا الاستفهام هو ” التوبيخ “
ولذا قال تعالى : ((وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ{25} فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ{26} ))
فيوبخهم جل و علا على ما صنعوه وفعلوه
ماذا صنعوا ؟
أنهم اتخذوا هذه الآلهة معبودات من دون الله عز وجل
ولذا قال تعالى : {أَمِ اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ شُفَعَاء قُلْ أَوَلَوْ كَانُوا لَا يَمْلِكُونَ شَيْئاً وَلَا يَعْقِلُونَ }
يعني : كيف تتخذونهم شفعاء وشركاؤهم لا يملكون شيئا ولا يعقلون ؟
وقال تعالى : {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا أَوَلَوْ كَانَ الشَّيْطَانُ يَدْعُوهُمْ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ }
ولذا ذكر عز وجل : أن سبب اتخاذهم لهذه المعبودات هو أن تشفع لهم هذه المعبودات كما ذكر في أول سورة الزمر : ((أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ))
ثم ختم الآية فقال : ((إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ ))
فدل على أن هذا المعتقد الذي اعتقدوه جعلهم كفارا مع أن معتقدهم أنهم جعلوا هذه المعبودات تشفع لهم عند الله عز وجل
وقوله عز وجل : ((مَا لاَ يَخْلُقُ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ )) :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
” ما “ هنا موصولة ، وإذا كانت موصولة تفيد العموم
لو قال قائل :
ما الدليل على أن الأسماء الموصولة تفيد العموم ؟
نقول :
هناك أدلة كثيرة :
قال تعالى : ((مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَاراً فَلَمَّا أَضَاءتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللّهُ بِنُورِهِمْ ))
ولم يقل : ذهب الله بنوره ، فدل على اسم الموصول يفيد العموم
أما اسم الشرط :
فقال تعالى : ((وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحاً يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ))
ولم يقل خالدا
ــــ فتكون ” ما “ هنا موصولة ، وإذا كانت موصولة فإنها تفيد العموم
فكل ما يعبد من دون الله لا يستطيع أن يخلق شيئا :
ولذا قال تعالى : ((يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ ))
وضرب الأمثال في القرآن :
يقول بعض السلف : ” إذا مرّ بي مثل من القرآن ولم أفهمه عزيت نفسي لأن الله قال : {وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ }
فعزيت نفسي لأني جاهل
قال تعالى : ((يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَن يَخْلُقُوا ذُبَاباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ ))
حتى لو اجتمعوا
والذباب من أصغر وأحقر الحشرات
بل قال عز وجل مبينا ضعف هذه الآلهة : ((وَإِن يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئاً لَّا يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ ))
قال بعض المفسرين :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الطالب : هو العابد
والمطلوب : هو المعبود
فكلاهما ضعيف
ولذا النبي عليه الصلاة والسلام مع أنه في أعلى المقامات أمره الله أن يقول : ((قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلاَ ضَرّاً إِلاَّ مَا شَاء اللّهُ ))
فهذا هو النبي عليه الصلاة والسلام : فكيف بغيره ؟
فكيف بمن هو دونه ؟
بل الملائكة : ((حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَن قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ ))
فحتى الملائكة تفزع وتخشى ممن الله عز وجل ، وتخشى أن يحكم الله عليها بعذاب من عنده فتفزع
ولذا قال تعالى :((وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلَائِكَةِ أَهَؤُلَاء إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ{40} قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنتَ وَلِيُّنَا مِن دُونِهِم ))
ولذا :
يقول بعض السلف : ” من عرف الناس استراح “
من عرف أن الناس لا ينفعون ولا يضرون استراح واطمأن قلبه ، وذلك لأن المخلوق لا يرد عنك شرا ولا يجلب خيرا
ويكفي حديث النبي عليه الصلاة والسلام لابن عباس : (( واعلم لو أن الأمة )) جميع الأمة :
أمة الدعوة وأمة الإجابة : (( لو أن الأمة اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك ، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك ))
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وقوله : ((مَا لاَ يَخْلُقُ شَيْئاً )) :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
” لا “ هنا نافية وليست ناهية ، ولو كانت ناهية لجزم الفعل المضارع
قال : (( لاَ يَخْلُقُ )) :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ولما قال : ” لا يخلق ” دل على أن ” لا ” نافية
فنفى أن تكون هذه المعبودات خالقة شيئا ، ونفى الخلق عن هذه المعبودات
فدل على أن الخلق قد تفرد به عز وجل
وذكر الخلق هنا من باب إلزامهم ـــــــــــ كيف ؟
قال تعالى : ((وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَهُمْ ))
ما جوابهم ؟
جوابهم : الآلهة ؟
” لا “ : (( لَيَقُولُنَّ اللَّهُ ))
((وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ ))
فهم يقرون ويعتقدون بهذا فوجب عليهم أن يصرفوا العبادة لله ولا يصرفوها لهذه الآلة العاجزة
ـــ قوله : (( ((مَا لاَ يَخْلُقُ )) :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
جملة فعلية لكنها بصيغة المضارع ، والمضارع يفيد الاستمرار والتجدد ، فدل على أن هذه الآلهة لا يمكن بأي حال من الأحوال ولا في أي زمن من الأزمان أن تخلق شيئا
وقوله : ((شَيْئاً )) :
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
نكرة في سياق النفي فتعم
ودليل هذه القاعدة : ” أن النكرة في سياق النفي تعم قوله تعالى : (( فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ ))
لا نافية ” نفس ” نكرة في سياق النفي فتعم
ما الدليل ؟
((مَّا أُخْفِيَ لَهُم )) ولم يقل : ما أخفي لها
{فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاء بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ }
ــ فهذا برهان ساطع على أن هذه الآلهة لا يمكن أن تخلق شيئا
وأوضحت الأدلة أنهم لن يستطيعوا أن يخلقوا حتى الذباب
ثم قال مبينا ضعفهم بذكر البرهان الثاني :
ـــــــــــــــــــــــ ((وَهُمْ يُخْلَقُونَ )) :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فكيف يكون المخلوق معبودا من دون الله ؟
ولذا قال تعالى :((أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ{35} أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَل لَّا يُوقِنُونَ{36} ))
فالقسمة ثلاثية لا يمكن أن تكون رباعية :
ـــ إما أن يكونوا خلقوا من عدم من غير شيء من غير أن يخلقهم خالق ـــــــــــــــــــ وهذا مستحيل ، لأن ما من مخلوق إلا وله خالق
ـــــ أو أنهم خلقوا أنفسهم : ((أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ )) وهذا مستحيل
ــــ فإذا انتفى أن يكونوا خلقوا من غير خالق أو أنهم خلقوا أنفسهم ألزموا بأن يقروا وهم يقرون بهذا أن الذي خلقهم هو الله ألزموا بعبادته
((أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ{35} أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ ))
ثم ماذا قال ؟
((بَل لَّا يُوقِنُونَ ))
هم يقرون ويعترفون لكنهم لا يوقنون ولا يستجيبون
وقد بيَّن عز وجل أن هؤلاء المخلوقين العابدين قد تشبثوا بالسراب ، وقد تمسكوا بأضعف الأشياء
ما هي ؟
قال تعالى : ((مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاء كَمَثَلِ الْعَنكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتاً وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ{41} ))
ثم قال : ((إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ{42} وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ{43} ))
ثم ذكر البراهين : ((خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِّلْمُؤْمِنِينَ{44} ))
ولذا قال : ((وَهُمْ يُخْلَقُونَ ))
بل قال :{مَا أَشْهَدتُّهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَا خَلْقَ أَنفُسِهِمْ وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً }
فهم لم يحضروا خلق السموات والأرض ، ولم يحضروا خلقه لهم ، ولم يكن معه شريك في خلقهم
وقوله تعالى : ((وَلاَ يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْراً )) :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هذا هو البرهان الثالث :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الذي بيَّن عجز هذه المعبودات :
قال : ((وَلاَ يَسْتَطِيعُونَ )) :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ولم يقل : (( ولا ينصرونهم )) نفى هنا الاستطاعة حتى يجتث هذا الاعتقاد من أصله
فإنه لو قال : ” ولا ينصرونهم ” فلربما يستطيعون
فلما نفى الاستطاعة دل على شدة ضعفهم
قال : ((وَلاَ يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْراً )):/
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
و ” نصرا “ نكرة في سياق النفي فتعم
فلا يستطيعون أن ينصروهم بأي نوع وبأي صورة من صور النصر
ولذا :
إذا كانوا في حالة الضر والشدائد كما ذكرنا وبيَّن ذلك عز وجل : ((فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ))
وقال عز وجل : ((وَإِذَا مَسَّكُمُ الْضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَن تَدْعُونَ إِلاَّ إِيَّاهُ ))
ولذا ذكر بعض المفسرين :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تحت هذه الآية آية الإسراء أنهم إذا مسهم الضر في تلك الحال يأخذون أصنامهم ويقذفونها في البحر ويلتجئون إلى الله عز وجل فدل على ضعف هذه المعبودات
ولذا بعض الصحابة ممن هداه الله للإسلام هداه إلى معرفة الصواب من أن هذه الأصنام لا تنفع ولا تضر
ولذا كان أحدهم لما رأى صنمه قد فُعل به ما فُعل في إلقائه في القاذورات أخذه وطهره
في نهاية الأمر جعل سيفا وقال : ” إن كنت إلها فدافع عن نفسك “
فجاء في اليوم الذي يليه وإذا به قد بال عليه ثُعلبان فقال :
أربٌ يبول الثعلبان برأسه
لقد ضل من بالت عليه الثعالبُ
ولذا قال تعالى : {أَمِ اتَّخَذُوا آلِهَةً مِّنَ الْأَرْضِ هُمْ يُنشِرُونَ }
من أين تؤخذ ؟
الجواب :
من الأحجار
من الأشجار
من الأرض
((أَمِ اتَّخَذُوا )) :
ــــــــــــــــــــــــ
هذا فيه بيان لبعد أفهام هؤلاء عن منطق العقل والتفكير والتذكر
ولذا قلنا في الآية التي مرت معنا في الباب السابق :{أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاء الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ }
فأين التذكر ؟
((أَمِ اتَّخَذُوا آلِهَةً مِّنَ الْأَرْضِ هُمْ يُنشِرُونَ{21} لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ{22} ))
وقال تعالى : ((مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِن وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذاً لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ ))
وهذا الدليل يسميه العلماء دليل ” التمانع “
يعني : يمتنع أن يكون هناك إلهان خالقان لهذا الكون ، إذ لو كان كذلك لحصل تمانع ولحصل نزاع وعدم استقرار
{مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِن وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذاً لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ }
وقال تعالى : {قُل لَّوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذاً لاَّبْتَغَوْاْ إِلَى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلاً }
قيل في هذه الآية ((إِذاً لاَّبْتَغَوْاْ إِلَى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلاً )) أن الآلهة تنازع الله عز وجل في هذا المُلك
وقيل – وهو الأرجح : ((إِذاً لاَّبْتَغَوْاْ إِلَى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلاً )) أي لتقربت تلك الآلهة إلى الله واتخذوا سبيلا وقربة إليه
كما قال تعالى : ((أُولَـئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ ))
كما قال : ((قُل لَّوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذاً لاَّبْتَغَوْاْ إِلَى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلاً{42} سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوّاً كَبِيراً{43} ))
ولذا :
ــــــــــــ
هذه الآلهة تتبرأ منهم وتقول يوم القيامة : ((إِن كُنَّا عَنْ عِبَادَتِكُمْ لَغَافِلِينَ{29} هُنَالِكَ تَبْلُو كُلُّ نَفْسٍ مَّا أَسْلَفَتْ وَرُدُّواْ إِلَى اللّهِ مَوْلاَهُمُ الْحَقِّ وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ{30} ))
ذهب عنهم ما كانوا يفترونه في الدنيا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فلا يمكن بأي حال من الأحوال أن يكون هناك إلهان لهذا الكون ، وإلا لحصل التناقض والصراع وعدم الاستقرار :
قال تعالى : ((لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا ))
وقال تعالى : ((وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ ))
بل لو كانت هذه الآلهة موجودة لتقربت إلى الله : {قُل لَّوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذاً لاَّبْتَغَوْاْ إِلَى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلاً }
ونظير هذا قوله : {قُلْ إِن كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ }