الشرح الموسع لكتاب التوحيد ـ الدرس ( 119 )
قوله تعالى (والذين تدعون من دونه ما يملكون من قطمير )
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فضيلة الشيخ : زيد بن مسفر البحري
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قال المصنف :
ــــــــــ وقوله تعالى :
((وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِن قِطْمِيرٍ{13} إِن تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ{14} )) :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الشرح :
ــــــــــــــــــ
ذكر المصنف هذه الآية مبينا فيها برهانا على عجز هذه المعبودات :
فكيف تعبد من دون الله ؟
ما هو هذا البرهان ؟
قال : ((وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِن قِطْمِيرٍ )) :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
البرهان :
ــــــــــــــــــ
هو أن هذه الآلهة لا تملك شيئا ، حتى الشيء الحقير الذي هو القطمير لا تملكه
فكيف تعبد من دون الله ؟
فإنه لا يُعبد إلا الكامل الملك المالك
ثم قال المصنف رحمه الله : الآية
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أي أكمل الآية
قال : ((إِن تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ ))
هذا برهان آخر على أنهم لا يستمعون ولا يسمعون ـ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فقوله : ((وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِن قِطْمِيرٍ )) :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قبل هذه الآية قوله تعالى : ((ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ )) :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أثبت الملك لله عز وجل ، وقدم الجار والمجرور على : ” ( الملك ) من باب الحصر
وهو أن هذا الملك إنما هو لله
قال تعالى : }تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }
ثم لما أثبت الملك له عز وجل
وهذا دليل على أنه هو الذي يستحق العبادة نفى أن يكون هناك ملك لمن عُبد من دونه
فقال : ((وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ )) :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
” الذين “ فيشمل كل من دعا غير الله
و ” تدعون “ دعاء المسألة ، ودعاء العبادة
وقوله : ((مَا يَمْلِكُونَ مِن قِطْمِيرٍ )) :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
” ما “ هنا نافية
ولذا جاء الفعل المضارع بعدها مثبتا فيه النون لأن(( يملكون )) فعل من الأفعال الخمسة
فقال : ((مَا يَمْلِكُونَ مِن قِطْمِيرٍ ))
” والقطمير “ هو القشرة البيضاء التي تحيط بنواة التمر
وقد ذكر عز وجل هذه النواة ، وما يتعلق بها في مواضع متعددة من كتابه :
ـــ ذكر (( الفتيل ))
ــــ وذكر (( النقير ))
ــــ وذكر (( القطمير ))
فالقطمير : / هو القشرة البيضاء التي تحيط بالنواة
الفتيل : هو الخط الذي يكون في وسط النواة
والنقير : هي النقرة التي تكون في ظهر النواة
ــــــــــــــــــــــــــ
فقوله : ((مَا يَمْلِكُونَ مِن قِطْمِيرٍ )) :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فهم لا يملكون حتى النواة
وكذلك لا يملكون القشرة التي فوق هذه النواة
و ((قِطْمِيرٍ )) :
ـــــــــــــــــــــــــــ
هنا نكرة في سياق النفي فتعم أي قطمير ، لأن القطمير يختلف باختلاف النوى :
منه ما هو صغير
ومنه ما هو كبير
ـ وأكد هذا العموم بـ ” من ” الزائدة
الأصل : (( ما يملكون قطميرا ))
فـ” من ” هنا زائدة
وقلنا مرارا أن الزيادة إنما هي في الإعراب : إما من حيث المعنى فليس هناك حرف زائد في كتاب الله
فكل ما جاء كتاب الله فله معنى
وهذا المعنى :
ــــــــــــــــــــــــ
هو توكيد نفي ملك هؤلاء هؤلاء لهذا القطمير
ولذا بعض العلماء يقول :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(( النكرة إذا كانت في سياق النفي وزيد قبلها ” مِن ” فهذا من باب التنصيص ، والتأكيد على هذا العموم )
ولو قال قائل :
ـــــــــــــــــ
كيف لا يملكون قطميرا ،وهناك من عُبد من دون الله ، وهو يملك أعظم من هذا القطمير ؟
والجواب عن هذا :
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
أن هذا الملك الذي أثبت للخلق إنما هو ملك قاصر فإنه لا يملكه من جميع الوجوه
وذلك لأن الله هو الذي منحه إياه
إن شاء سلبه منه كما سلب ملوك كبراء وعظماء :
قال فرعون : ((وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِن تَحْتِي ))
فأجراها الله من فوقه
ثم إن هذا الملك ليس ملكا كاملا ــــــــــــ لم ؟
لأنه لا يستطيع أن يتصرف فيه إلا بما يوافق الشرع
ولذا قال تعالى : ((وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ ))
فهم في الحقيقة لا يملكوكن ولو ملكوا فيما يُرى حسا فغنه ليس بملك حقيقي .
ــــــــــــــــــــــــــ
وقوله تعالى : ((إِن تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءكُمْ )) :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أي إن تدعو هؤلاء لا يسمعوا دعاءكم
وكما قال عن إبراهيم عليه الصلاة والسلام :((قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ{72} أَوْ يَنفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ{73} ))
فهي لا تسمع ولا تبصر
ولذا قال إبراهيم لأبيه : ((وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقاً نَّبِيّاً{41} إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنكَ شَيْئاً{42} ))
أي أين عقلك حينما تعبد ما لا يسمع ولا يبصر ؟
هذا في شأن الأصنام
وإن كان في غير الأصنام فإنه لا يستطيع الميت أن يجيب من دعاه ، ولذا : تأتينا مسألة سماع الموتى ؟
هل الموتى يسمعون أم أنهم لا يسمعون ؟.
مسألة قديمة ومتنازع فيها ، ومعرفة ذلك لا يفيد المكلف بشيء
لكن من باب المعرفة نذكر طرفا مما جرى بين العلماء في هذه المسألة :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قال بعض العلماء : ” إنهم لا يسمعون “
والدليل : قوله تعالى : ((وَمَا أَنتَ بِمُسْمِعٍ مَّن فِي الْقُبُورِ ))
وقال تعالى : ((إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى ))
ولأن هؤلاء لما خرجت أرواحهم من أبدانهم تعطلت حواسهم فيما ندركه كأحياء
أما كالأموات فهناك حياة للشهداء أو الأنبياء ، الله أعلم بكونها وحقيقتها
لكنهم عندنا هم أموات ، ولذا تبلى أجسادهم إلا الأنبياء كما صح بذلك الخبر عن النبي عليه الصلاة والسلام
وقال بعض العلماء : ” إنهم يسمعون “
ويستدلون على ذلك بأدلة منها :
ـــ الدعاء الذي يُندب لزائر المقبرة أن يقول : (( السلام عليكم دار قوم مؤمنين …….. إلخ ))
فيقولون :
ـــــــــــــــــ
إن هذا السلام لم يحصل إلا لأن هناك من يسمع وإلا فما الفائدة أن يقول : (( السلام عليكم ))
ومنها :
ـــــــــــ
ما جاء في حديث يصححه ابن عبد البر وبعض العلماء يضعفه كالألباني ، وهو :
(( ما من مسلم يمر على قبر رجل يعرفه فيسلم عليه إلا رد الله عليه روحه حتى يسلم عليه ))
وهذا فيه دليل على انه يسمع
ومنها :
ــــــــــــــ
أن النبي عليه الصلاة والسلام قال : (( إن هناك ملائكة يسيحون في الأرض يبلغونني عن أمتي السلام ))
ومنها :
ــــــــــــ
ما جاء عند البخاري:
أن النبي عليه الصلاة والسلام أخبر عن المشيعين إذا فرغوا من دفن الميت قال : (( وإنه ليسمع قرع نعالهم ))
ومنها :
ـــــــــــ
ما جاء في الصحيح أن النبي عليه الصلاة والسلام لما رمى صناديد قريش في البئر ” في بئر بدر” فناداهم : نادى كل رجل باسمه
فقالوا : يا رسول الله : كيف تكلم أناس قد جيفوا منذ ثلاث ؟!
فقال : (( ما انتم بأسمع منهم لما أقول ))
ومنها :
ــــــــــــــــ
أن النبي عليه الصلاة والسلام سمَّى آتي المقبرة زائرا ، وإذا كان زائرا فلابد أن يعلم به المزور
وهذا هو اختيار شيخ الإسلام وتلمذيه : ابن القيم ، وابن كثير
ــــــــــ :
قال : القول الأول في قصة بدر هذه قصة عين خص بها النبي عليه الصلاة والسلام
ويجاب عن هذا :
ــــــــــــــــــــــــــــ
بأن الخصوصية تحتاج إلى دليل
فأين الخصوصية ، وأين الدليل عليها ؟
دليل الخصوصية هو قول بعض التابعين لهذا الحديث ؟، ولكنه ليس دليل
ويقولون :
ـــــــــــــــــــــ
في حديث : (( وإنه ليسمع قرع نعالهم )) أن هذا في حالة واحدة : في حالة انصراف المشيعين ولا يلزم أن يكون عاما
والجواب عن هذا :
ــــــــــــــــــــــــــــــ
أننا بصدد إثبات مسألة سماع الموتى : هل يسمعون أم لا ؟
فهذا الدليل يدل على أنهم يسمعون
هل يسمعون في هذه الحالة أو غيرها ؟
لسنا بصدد الحديث عن هذا
فهم يسمعون عند انصراف المشيعين استدلالا بهذا الحديث
أما ما عدا ذلك فهناك أدلة أخرى جاءت بسماعهم ، وهذا الذي تدل عليه الأدلة
ولكن كما قلت : ليس هناك فائدة في هذا : هل يسمعون أو لا ؟
ــــ فمن يرى القول الأول : عنده وجهة جيدة وحسنة :
وهي : أنه لو قيل أنهم يسمعون لكان هذا متعلقا للصوفية ولأصحاب القبور :
فيقولون : هم يسمعون إذاً ندعوهم ونستشفع بهم
ونحن نقول : فرق بين إثبات السماع وبين سد كل باب يفضي إلى الشرك
فنحن نقف على هذا
وهذه المسألة لا تدار ولا تثار عند عموم الناس ، وغنما هي تذكر عند طلاب العلم
ــــــ وأما قوله تعالى : ((وَمَا أَنتَ بِمُسْمِعٍ مَّن فِي الْقُبُورِ ))
وقال تعالى : ((إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى ))
فهذا النفي : نفي السماع في القرآن : هو نفي الفائدة والاستجابة
ولذا يقول شيخ الإسلام : (( إن هذا النفي نفي للاستجابة والفائدة ، فإنهم لو سمعوا ما أفادوا هذا المتحدث ))
وبعض العلماء له قول آخر في مثل هذه الآيات : هل هي في موتى القبور أم أنها في موتى القلوب ؟
فإن قيل : بأنها في موتى القلوب فلا تكون دليلا على نفي سماع الموتى
وإن كانت في موتى القبور فهي كما قال شيخ الإسلام
ويقول رحمه الله : (( إن إثبات سماعهم لا يدل على أنهم يسمعون في كل حين ، فقد يسمعون في وقت دون آخر ، وهذا مثل الحي قد يسمع في وقت ولا يسمع في آخر ))
وقد يُعرض له من الصوارف والشواغل ما لا يسمع ، وهذا مثل الحي قد يعرض للحي ما يمنعه عن السماع .
وأقول مجددا : ليست هذه المسألة تفيد المكلف في إيمانه وفي عمله
وليكن طالب العلم حكيما فيما يطرحه من مسائل ، فهذه المسألة لو مرت : أيستحسن ذكرها في هذا المجلس أم لا ؟
ينظر إلى المصالح والمفاسد
ومرت معنا النصوص : أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يمنع أشياء هي جائزة من أجل أن لا يجرح التوحيد
فقوله:((إِن تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا ))
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يعني على افتراض أنهم سمعوا ما استجابوا لكم
وهذا بُيِّن فما قاله شيخ الإسلام من أن الموتى لو سمعوا ما استجابوا
ــــــــــــــــــ ( (وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ )) :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وهذا ذكر في الدروس الماضية :
ماذا يكون بين هؤلاء وبين مَن عبدوهم من التبرؤ ؟
كما قال تعالى :{وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاء وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ }
وقال تعالى عنهم : ((إِن كُنَّا عَنْ عِبَادَتِكُمْ لَغَافِلِينَ ))
ـــــــــــــــــــ وقوله : ((وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ )) :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المراد بالخبير هنا ” هو الله عز وجل ”
فإن كنت ذا عقل وذا فهم وذا إدراك فقد ذكر الله لك هذه البراهين القطعية التي تبين عجز هذه المعبودات
وأن هذه المعبودات تنقلب عدوا لعابديها يوم القيامة : ((وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ ))
وهو الله ـــــــــــــ لم ؟
لأنه مطلع على كل شيء
قد يخبرك شخص ولو كان ثقة لكنه قد لا يكون خبره على غرار الواقع قد يعتريه نسيان أو عار ضمن العوارض
لكن قوله تعالى : ((وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ ))
نبأك من ؟
الله عز وجل الخبير العالم بكل شيء
ـــ وفي هذا إثبات أن لله عز وجل اسما وهو ” الخبير”
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ