الشرح الموسع لكتاب التوحيد ـ الدرس (12) قوله تعالى { وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا } (1 )

الشرح الموسع لكتاب التوحيد ـ الدرس (12) قوله تعالى { وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا } (1 )

مشاهدات: 494

التوحيد الموسع لكتاب التوحيد

الدرس ( 12 )

قوله تعالى :

{ وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا } [النساء: 36]

الجزء الأول

فضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قوله تعالى : {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا} [النساء: 36] الآية .

قوله رحمه الله : ( الآية )

يعني : أكمل الآيةَ

أو : ( الآيةِ ) : يعني : إلى آخر الآية .

لنكمل هذه الآية  وهي في سورة النساء :

قال عز وجل : {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا} [النساء: 36]

لو عددت ما ذكر هنا لوجدت أن عدد المذكورات عشرة ، ولذا تسمى هذه الآية عند العلماء : بـ ” آية الحقوق العشرة “

الحق الأول : {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا }

الحق الثاني : { وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا }

الحق الثالث : { وَبِذِي الْقُرْبَى }

الحق الرابع : { وَالْيَتَامَى }

الحق الخامس : { وَالْمَسَاكِينِ }

الحق السادس : { وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى }

الحق السابع :  { وَالْجَارِ الْجُنُب }

الحق الثامن : { وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ }

الحق التاسع : { وَابْنِ السَّبِيلِ }

الحق العاشر : { وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ }

قوله تعالى : { وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً }

وجه إيراد هذه الآية ومناسبة إيرادها : لكي يبين رحمه الله ما ذكره في ثلاثة الأصول  من أن عظم المأمورات توحيد لله عز وجل ، وأعظم المنهيات  الشرك بالله عز وجل .

وذلك لأنه عز وجل قدم حقه فقال : { وَاعْبُدُواْ اللّهَ } دلالة على الأمر بالتوحيد ، وقوله { وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً } دلالة على النهي عن الشرك .

قوله تعالى : { وَاعْبُدُواْ اللّهَ }

أمر ، وقلنا : [ إن الأمر بالشهي نهي عن ضده ]

والذي بعدها : { وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً } نهي ، ومن ثم فلا تتم عبادة للإنسان إلا إذا اجتنب الشرك .

فقوله عز وجل : { وَاعْبُدُواْ اللّهَ } جملة { وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً } جملة ، وكلتا الجملتان متلازمتان .

قوله : { وَاعْبُدُواْ اللّهَ }

والعبادة : ” هي اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأفعال الظاهرة والباطنة “

قوله : { وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً }

الشرك : بيَّنه بعض العلماء فقال : ” هو مساواة غير الله بالله فيما هو من خصائص الله “

وقال بعض العلماء : – وهو لا يتعارض مع التعريف السابق – فالمعنى هو هو ، ولكن هذا التعريف الثاني أيسر ، وهو : ” صرف شيء من العبادة لغير الله “

وأقول في هذا المقام لتربط بين تعريف العبادة وتعريف الشرك حتى يصدق حكمك على هذا الشيء أهو شرك أم غير شرك ؟

فما يحبه الله ويرضاه ، مثل : ” الصلاة – الزكاة – الحج – وغيرها “

لو أن هذه العبادة التي يحبها الله صُرفت لمخلوق : ملك – نبي – رسول – ولي ، فماذا نقول ؟ شرك ، لمَ شرك ؟

لأنه صرف هذه العبادة إلى غير الله عز وجل .

والشرك بيّن الله عز وجل عقوبته في الدنيا وفي الآخرة :

فقال عز وجل : {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ } [الأنعام: 82]

فيفهم من هذا : أن من أشرك لا أمان له ولا أمن ولا هداية لا في دنياه ولا في أخراه ، وقال تعالى : {وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } [الأنعام: 88]  وقال تعالى : {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ } [الزمر: 65]

وقال عز وجل : { إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان: 13] وقال عز وجل : {إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ }

ثم قال : { وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ} [المائدة: 72] لأن الشرك ظلم .

والشرك أنواع سيأتي بيانها بإذن الله عز وجل في الأبواب التي عقدها المصنف رحمه الله .

فقوله : { وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً }  

{ شَيْئاً }  ” نكرة “

{ وَلاَ تُشْرِكُواْ } نهي .

والنكرة في ” سياق النهي ” كما هو مقرر في الأصول تفيد ” العموم ”  أي لا تشركوا بالله عز وجل أي شيء ، لا ملَك ، لا نبي ، لا وزير ، لا ولي ، لا فاسق ، لا حجر ، لا شجر ، فهي تفيد العموم ، ولذا ماذا ذكر المصنف رحمه الله في ثلاثة الأصول  ؟

[ أن الله لا يرضى أن يشرك معه أحد في عبادته، لا ملك مقرب، ولا نبي مرسل ]  فمن دونهما من باب أولى ، ولذا قال عز وجل : {لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ وَلَا الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَمَنْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعًا } [النساء: 172]

فقوله تعالى : { وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً }

فيه بيان وتفسير للتوحيد ، وأن التوحيد هو : ” عبادة الله عز وجل “

لأنه جل وعلا أمر بعبادته : { وَاعْبُدُواْ اللّهَ }

ثم نهى عن الشرك { وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً }

وضد الشرك هو التوحيد ، فدل على أن التوحيد هو عبادة الله عز وجل .

ولذا قال ابن عباس رضي الله عنهما ” كلمة العبادة في كتاب الله هي التوحيد “

ولذا فسر قوله تعالى : {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56] أي ليوحدون .

فقوله تعالى : { وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً }

هذا هو الحق الأول من الحقوق العشرة المذكورة في هذه الآية .

الحق الثاني : { وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً }

أي وأحسنوا بالوالدين إحساناً .

وهذا كرم منه عز وجل وفضل ، فإذا ذكر حقه يذكر حق الوالدين ، وقد مضى الحديث مستوفى عن الإحسان إلى الوالدين في الآية السابقة ، فلا معنى لإعادته .

الحق الثالث : { وَبِذِي الْقُرْبَى }

أي قرابة الإنسان ، وقد جاء الأمر مصرحاً بالإحسان إلى الأقارب في قوله تعالى في سورة الإسراء { وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ } [الإسراء: 26]وقال عز وجل مبينا أن إعطاء القريب حقه فلاح { فَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ ذَلِكَ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الروم: 38]

فيحصل له بإيفاء هذه الحقوق يحصل له المطلوب ، وينجو من المكروه ؛ لأن هذا هو حقيقة الفلاح .

بل إن الله عز وجل في القرآن أمر في النفقة  أن يُعطى القريب ، فأحق من تُصدق عليه وأُنفق عليه هو القريب ، قال تعالى : {يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ } [البقرة: 215]

بل إن الله عز وجل أوجب للأقارب الذين لا يرثون أوجب لهم الوصية من القريب على أحد قولي العلماء .