الشرح الموسع لكتاب التوحيد ـ الدرس (120)
حديث ( كيف يفلح قوم شجوا نبيهم )
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فضيلة الشيخ : زيد بن مسفر البحري
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قال المصنف :
وفي الصحيح :
عن أنس رضي الله عنه قال :
(( شُجَّ النبي عليه الصلاة والسلام يوم أحد وكُسرت رباعيته فقال : (( كيف يفلح قوم شجوا نبيهم )) فنزلت : {لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذَّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ }
ــــــــــــــــ
الشرح :
ـــــــــــــــــــ
سبق معنا أن قول المصنف : وفي الصحيح يحتمل أن هذا الصحيح في هذا المصطلح : إما أن يكون صحيحي البخاري ومسلم
وإما أن يكون عند مسلم
وإما أن يكون عند البخاري
بينما القاعدة عند العلماء : أنه إذا أطلق الصحيح فالمراد منه ” صحيح البخاري “
وهنا هو في صحيح البخاري ومسلم
قوله : (( عن أنس )) :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أنس مر معنا ترجمة له
قال :(( شج النبي عليه الصلاة والسلام يوم احد )) :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الشجة : لا تكون إلا في الوجه والرأس خاصة
فلو جرحت في يدك نقول : هذا جرح
في رجلك : هذا جرح
لكن إن كان هذا في الوجه نقول : هذه شجة
إذا كان هذا في الرأس نقول : هذه شجة
الشجة : هي الجرح في الوجه والرأس خاصة
وأما ما عدا هذين الموضعين فإنه لا يسمى شجة ، وإنما يسمى جرحا
والذي شج النبي عليه الصلاة والسلام هو : ” عبد الله بن شهاب الزهري ” كما ذكرت ذلك كتب السير
والذي كسر رباعيته هو : ” عتبة بن أبي وقاص “
والذي أصابه في وجنتيه – والوجنة هي ما كان أعلى الخد – فالذي أصابه في وجنتيه هو ” ابن قَمئة “
فهذا ما ذكرته بعض كتب السير
وقوله : (( بيوم أحد )) :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أي غزوة أحد
وهي الغزوة التي وقعت بين النبي عليه الصلاة والسلام وبين كفار قريش في السنة الثالثة من الهجرة ” 3 هـ “
وهذه الغزوة ذكرت في كتاب الله في سورة ” آل عمران ” وقد استفاضت السورة بذكر تفاصيل هذه الغزوة :
ومن بين هذه الآيات ما ذكر هنا من نزول قوله تعلى :{لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذَّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ }
ـــ وتحدثت سورة النساء عن هذه الغزوة في بعض الآيات كما في قوله تعالى : ((وَلاَ تَهِنُواْ فِي ابْتِغَاء الْقَوْمِ إِن تَكُونُواْ تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللّهِ مَا لاَ يَرْجُونَ ))
ــ وقد سبق هذه الغزوة ” غزوة بدر ” :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وقد وقعت في السنة الثانية من الهجرة ” 2 هـ ”
وتحدثت عنها سورة الأنفال :
قال تعالى : {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلْفٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُرْدِفِينَ }
وما قبلها من آيات ، وما بعدها من آيات
ـــ وبعد غزوة أحد وقعت غزوة الخندق :
في السنة الخامسة من الهجرة على الصحيح من قولي المفسرين ، وعلى الصحيح من قولي أهل التاريخ ” 5 هـ “
وقد تحدثت عنها سورة الأحزاب :
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَّمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيراً }
الآيات
وبعد هذه الغزوة قال النبي عليه الصلاة والسلام لما فرّ القوم يجرون أذيال الهزيمة قال : كما عند البخاري : (( الآن نغزوهم ولا يغزوننا ))
وبالفعل فإنهم لم يغزو النبي عليه الصلاة والسلام ، وغنما غزاهم في عقر دارهم
ــــ وأما غزوة ” بني النضير ” :
فقد ذكرت هذه الغزوة في سورة ” الحشر ” :
((هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِن دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ ….. الآيات ))
ــــــ وأما غزوة ” خيبر ” :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فقد ذكرت في سورة الفتح :
((وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا فَعَجَّلَ لَكُمْ هَذِهِ ……… الآيات ))
ــــ وأما غزوة ” بني قريظة ” :
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
فذكرت في سورة الأحزاب :
{وَأَنزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُم مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِن صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقاً تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقاً }
وأما غزوة ” الفتح ” :
ــــــــــــــــــــــــــ
فقد ذكرتها سورة الفتح
ــــ وأما غزوة ” تبوك ” :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فقد ذكرت في سورة التوبة ، وبيَّن جل وعلا حال المنافقين وفضحهم
ــــ وأما غزوة ” حنين ” :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فذكرت في سورة التوبة أيضا :
((وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئاً …. الآية ))
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وقوله : (( وكسرت رباعيته )) :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـ ” الرباعية ” هي السن التي تلي الثنية
والذي يلي الرباعية ” الناب ”
فبعد السن الذي في المقدمة هذه هي الثنية ثم الرباعية ثم الناب
فقال : (( كيف يفلح قوم )) :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
” كيف ” : ـــــــــ اسم استفهام
ولتعلم :
ـــــــــــــ
أن أدوات الاستفهام كلها أسماء ما عدا ” الهمزة / وهل “ فإنهما حرفان
فما عدا هذين الحرفين فهي أسماء استفهام
وقلت هذا لأن أسماء الاستفهام تفيد العموم ، حتى نعرف أن هذا يفيد العموم ، وهذا لا يفيد
فلتعرف : أن جميع أدوات الاستفهام أسماء ما عدا الهمزة وهل
و(( كيف )) هنا :
ــــــــــــــــــ
خرج على خلاف ما جاءت به اللغة :
لأن تعريف اسم الاستفهام في اللغة : طلب العلم عن شيء مجهول بإحدى أدوات الاستفهام
فيكون هذا الاستفهام من باب الاستبعاد : فاستبعد النبي عليه الصلاة والسلام أن يفلح هؤلاء القوم
وقوله : (( يفلح )) :
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
الفلاح : هو الفوز بالمطلوب والنجاة من المرهوب
ولذا :
ــــــــــ
النبي عليه الصلاة والسلام قال لمن وضع في يده حلقة من صفر قال : (( لو مت وهي عليك ما أفلحت أبدا ))
وقال تعالى عن المتقين : ((أُوْلَـئِكَ عَلَى هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ))
فمن أفلح فقد سعد : إذ إنه حصل على المطلوب ، ونجا من المرهوب
وقوله : (( قوم )) :
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوم : معروف هؤلاء القوم فهم قومه
(( كيف يفلح قوم شجوا نبيهم )) :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هنا فيه حذف مضاف :
يعني : شجوا وجه نبيهم ، لأن الشجة كما قلنا لا تكون غلا في الرأس والوجه خاصة
فيكون هنا حذف مضاف
وحذف المضاف أسلوب من أساليب اللغة العربية ، كما قال تعالى : (( واسأل القرية ))
القرية لا تسأل ، وإنما واسأل أهل القرية
فهذا من باب حذف المضاف ، وإقامة المضاف إليه مقامه
فلما قال النبي هذا القول أنزل الله هذه الآية :
_(( لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ )) :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
” ليس “ من أخوات ” كان ” ترفع الاسم وتنصب الخبر ، وهي تفيد ” النفي ”
وجاء في هذه الآية ذكر كلمة ” شيء ”
وهي نكرة في سياق النفي فتعم ، فالنبي عليه الصلاة والسلام لا يملك شيئا.
فإذا كان النبي عليه الصلاة والسلام مع أنه أفضل الرسل ، ومع أنه أعظم الخلق ، وهو خاتم النبيين
وهو الذي يظفر بالوسيلة التي لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله
وهو الذي يشفع للناس في ذلك المقام الرهيب
إذا كان لا يملك شيئا فكيف بهذه الآلهة التي تعبد من دون الله ، وليس لها من القدر عند الله أي شيء ؟!
ـــ فهذا برهان ساطع على بطلان عبادة هذه المعبودات ، فإنه لا قدر لها ، ولا مكانة ، ولا قيمة
فكيف والنبي عليه الصلاة والسلام مع انه أعطي هذه المكانة والقدر ليس له من الأمر شيء
وقوله : ((أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذَّبَهُمْ )) :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ففي هذا إشارة إلى أن الأمر كله بيد الله
فالأمر بيده :
إن شاء عذبهم ، وإن شاء تاب عليهم لكنك يا محمد ليس لك من هذا الأمر شيء
بمعنى : أن فلاحهم ليس راجعا إليك ، وإنما هو إلى الله