الشرح الموسع لكتاب التوحيد ـ الدرس ( 124 )
فوائد تحت باب (حتى إذا فزع عن قلوبهم )
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فضيلة الشيخ : زيد بن مسفر البحري
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
باب قول الله تعالى :
}حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَن قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ{
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إيراد المصنف لهذا الباب بعد الباب السابق فيه دليل ساطع وبرهان واضح على حسن ترتيبه :
ـــ وذلك لأن ما سبق فيه بيان لأدلة تدل على بطلان عبادة ما سوى الله عز وجل ، في مثل قوله تعالى : ((أَيُشْرِكُونَ مَا لاَ يَخْلُقُ شَيْئاً ))
ـــ ثم ثنى بذكر موقف النبي عليه الصلاة والسلام في غزوة أحد ، وبما دعا به على هؤلاء الثلاثة
ــــ ثم بتحذيره للأقربين والأبعدين بأنه لا يغني عنهم من الله شيئا
ـــ كل هذا فيه دليل على اجتثاث أصول التعلق بغير الله ، وأن الأمر كله بيد الله
ـــ فإذا كان هذا المخلوق مهما عظمت درجته ومنزلته عند الله لا يغني شيئا فغيره من باب أولى
ـــ قد يظن شخص : أن هذا في حق المخلوقين ، وذلك لأن المخلوق قد يقع منه ما يقع
فلربما تبادر إلى ذهنه عظم درجة الملائكة ، وأنهم عباد مكرمون :
((لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ))
{يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ }
((لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ ))
فيرى جواز ذلك فيهم
فذكر هذا الباب وضمنه هذه الآية من أجل أن يوضح حال الملائكة عندما يوحي الله بأمر جبريل
ماذا يكون حال هؤلاء الملائكة ؟
يصابون بالفزع
ـــ فإذا كان هؤلاء الملائكة المقربون عند الله ، وأن عبادتهم ليس فيها فتور ولا قصور ، مع هذا كله إذا كان هذا حالهم : فكيف يكون هناك قدر لمن هو دونهم ؟
ففيه برهان آخر على بطلان عبادة ما سوى الله عز وجل
ويظهر هذا بالنظر إلى ما قبلها من آيات :
قال تعالى : ((قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُم مِّن دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِن شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُم مِّن ظَهِيرٍ{22} وَلَا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ عِندَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَن قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ{23} ))
فقوله : ((حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَن قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ{23} )) :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هذه الآية فسرها النبي عليه الصلاة والسلام كما أورد المصنف بعد هذه الآية
وإذا فسر النبي آية فلا تفسير يقبل من غيره ،
وذلك لأن درجات وطرق تفسير القرآن كالتالي :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــ أعظم ما يفسر به القرآن القرآن :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كما قال تعالى : ((وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ ))
فسرها قال : ((نَارٌ حَامِيَةٌ ))
وقوله : ((وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ{17} ثُمَّ مَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ{18} ))
فسرها : ((يَوْمَ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِّنَفْسٍ شَيْئاً وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ{19} ))
وقوله : ((اهدِنَــــا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ ))
فسرها : ((صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ ))
ـــ والتفسير الذي يقال عنه : تفسير الكلمة بما يقابلها كقوله : {وَوَجَدَكَ عَائِلاً فَأَغْنَى }
العائل ما هو ؟
الفقير
لأنه قال : فأغنى
ــــ ومثل هذا التفسير كثير في كتاب الله إذ يمكن أن تعرف تفسير الكلمة بالكلمة التي بعدها أو بالكلمة التي قبلها كقوله تعالى : ((أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِن ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ ))
إذاً أدنى ما تفسيرها ؟
أقل
وعلى هذا فقس
فأعظم ما يفسر به القرآن القرآن
وهذه هي الطريقة الأولى
ثانيا :
ــــــــــــــــــــ
تفسير القرآن بسنة النبي عليه الصلاة والسلام :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كما في هذه الآية ، وقد فسر النبي عليه الصلاة والسلام هذه الآية
ثالثا :
ــــــــــــــــــــــــــ
تفسير الصحابة :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وتفسير الصحابة قد أخذ به كثير من العلماء ، وذلك لأنهم قريبون من عهد النبوة ، ولم يقلّ العلم
ولأنهم تلقوا القرآن من النبي عليه الصلاة والسلام أو من بعضهم البعض
ثم بعد ذلك يأتي تفسير التابعين :
رابعا :
ــــــــــــــــــ
تفسير التابعين :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وغالب ما يذكر من اختلاف بين المفسرين غالبه – كما قال شيخ الإسلام اختلاف تنوع :
لأن الاختلاف نوعان :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــ اختلاف تنوع
ـــ واختلاف تضاد
اختلاف التضاد :
ــــــــــــــــــــــــــــ
هو أن يأتي أحد من الصحابة أو من التابعين بقول يأتي آخر بقول
ولا يمكن أن يجمع بينهما
بمعنى : أن هذه الآية لا يمكن أن تحتمل هذين المعنيين ، وإنما تحتمل معنى واحدا
فلابد من الترجيح
هذا هو التضاد
وهذا التضاد إما أن يكون في لفظ مشترك في اللغة العربية مثل ” القرء “
((وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوَءٍ ))
ما هو القرء ؟
هل هو الحيض أم الطهر ؟
بمعنى : هل المطلقة تعتد بالحيض أم بالطهر ؟
هل يمكن أن يجمع بينهما ؟
لا يمكن
لابد من الترجيح
ـــ إما أن يكون هذا القرء هو الطهر
ـــ وإما أن يكون هو الحيض
حتى تعتد به المرأة
ــــ وأما اختلاف التنوع :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فهو الاختلاف الذي يمكن ان تحتمله الآية :
كقوله تعالى : ((إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ ))
إلى معاد : هل ردوده إلى مكة أم إلى الله بموته أم القيامة ؟
محتمل هذا
ومحتمل هذا
وهذا
فتحمل الآية على هذا كله
مثل : ((اهدِنَــــا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ ))
ما هو هذا الصراط المستقيم ؟
هل هو القرآن ؟
هل هو السنة ؟
هل هو طريق الصحابة ؟
كل هذا
فهذا هو اختلاف التنوع
فمن أخذ بأحد هذه الأقوال فإن قوله صواب
ولكن كلما كان طالب العلم ملما بهذه الأقوال ، فإن تفسيره للآية يكون أكمل ، وإحاطته بالمعنى يكون أكثر كما قال شيخ الإسلام
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ