الشرح الموسع لكتاب التوحيد ـ الدرس (126)حديث ( إذا قضى الله الأمر في السماء)(2)

الشرح الموسع لكتاب التوحيد ـ الدرس (126)حديث ( إذا قضى الله الأمر في السماء)(2)

مشاهدات: 465

الشرح الموسع لكتاب التوحيد ـ الدرس ( 126 )

حديث ( إذا قضى الله الأمر في السماء) الجزء الثاني

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فضيلة الشيخ :  زيد بن مسفر البحري

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وقوله:((ضربت الملائكة بأجنحتها خضعانا لقوله …))

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

خضعانا : ضبطت بهذا الضبط

وتضبط بفتحتين : (( خَضَعانا )) بفتح الخاء والضاد

وهذا يدل على ضعف الملائكة ، وضعفهم يظهر إذا سمعوا قول الله :

ولذا : بيَّن السبب فقال : (( خضعانا لقوله ))

اللام هنا حرف جر معناها التعليل

أي لأجل قوله

ـــ و((قوله )) :

ــــــــــــــــــــــــــــ

يستفاد منها إثبات صفة القول لله عز وجل

ومعتقد أهل السنة والجماعة أن الكلام صفة لله منصفاته الذاتية والفعلية في آن واحد

وذلك لأنه من الأزل يتكلم

وليس معنى هذا كما يقول بعض أصحاب الفرق – تعالى الله عما يقولون – أن الكلام حدث له بعد أن لم يكن

وهذا فيه تنقص لله فيلزم على هذا أن الله أخرس

ــ وأما كونه متكلم في الأزل لا يعني أن ينفى عنه صفة الكلام ، وذلك لله المثل الأعلى :

الشخص الذي يتكلم في سكوته لا يُعد أخرسا ، وفي طبيعة الحال هو متكلم

بمعنى : انه يوصف بصفة الكلام

فهذا هو المعتقد انه جل وعلا يتكلم متى شاء

وهذه من الصفات الفعلية

وذلك لأن الصفات : إما أن تكون :

ــــ ذاتية

ــــ وإما أن تكون فعلية

وقد تكون الصفة باعتبار ذاتية ، وباعتبار فعلية وذلك كــ ” الكلام ”

فهو من الصفات الذاتية لله ويتكلم متى شاء إذا شاء

ولذا قال عز وجل : ((وَلَمَّا جَاء مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ ))

فقد اختلف الناس في صفة كلام الله تعالى على تسعة أقوال : لكن القول الذي تدل عليه الأدلة هو ” معتقد أهل السنة والجماعة : وأنه يتكلم بحروف وصوت ومعنى 

وقوله :((كأنه سلسلة على صفوان ينفذهم ذلك ..)) :

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

السلسة : معروفة وهي القطع من الحديد مجتمع بعضها ببعض

والصفوان : هو الحجر الأملس

وإذا ضُربت الحديدة على الحجر الأملس صار لها صوت شديد مفزع فيحصل للملائكة فزع شديد إذا سمعوا قول الله عز وجل

هذا الفزع ينفذهم يعني : هذا الفزع يسري إلى نفوسهم

ولذا ” عبَّر بالنفوذ

والنفوذ أبلغ من غيره من الكلمات

وقوله : (( حتى إذا فُزع  …. )) :

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

من التفزيع :

والتفزيع : هو الكشف

ويزيد هذا المعنى وضوحا انه أتى بحرف “عن ” الذي يفيد المجاوزة

بمعنى : إذا تجاوز الفزع قلوبهم قالوا : ماذا قال ربكم ؟ ))

وكلمة : ” حتى ” :

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

لابد أن تربط بما سبقها من آيات :

قال تعالى :

((قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُم مِّن دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِن شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُم مِّن ظَهِيرٍ{22} وَلَا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ عِندَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَن قُلُوبِهِمْ ))

فهذا كما قال العلماء قطع لعروق الشرك

وذلك لأنه جل وعلا ذكر في الآيات السابقات تلك المعبودات ، وزعموا أنها تشفع لهم من دون الله ، فجاء قوله تعالى : ((حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَن قُلُوبِهِمْ ))

لقطع حبال الشرك وعروقه

فإذا  كانت هؤلاء الملائكة مع أنهم عباد مقربون يحصل لهم فزع وخوف من كلام الله عز وجل ، ولا يملكون من الأمر شيئا ، يخشون أن تصيبهم قارعة أو تحل بهم بلية من الله ، فهذه الأصنام التي لا قدر لها ولا وزن من باب أولى

فكيف تستشفعون بهم ؟!

ولذا إذا زال الفزع عن قلوبهم قالوا : ماذا قال ربكم ؟

وقوله : (( قلوبهم )) :

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فيه إثبات أن للملائكة قلوبا ، ويلزم من هذا أن يكون لهم عقول

فإذا زال هذا الفزع عن قلوبهم :

(( قالوا )) :

ــــــــــــــــــــــــــــــ

يعني : قال بعضهم :

وليس هذا الفعل على عمومه بصيغة الجمع ، وذلك لأن هناك قائلا ومقولا له

لماذا قلنا قالب عضهم ؟

يعني : قال بعضهم لبعض ؟

لأن هناك سؤالا ، وهناك قائلا ، ومقولا له

(( قالوا : ماذا قال ربكم ؟ قالوا : الحق وهو العلي الكبير …. )) :

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قالوا : الحق : أي قالوا : قال الله القول الحق

فتكون كلمة ” الحق ” صفة لموصوف محذوف تقديره : قال القول الحق

كما قال تعالى : (( والحق أقول ))

فقوله جل وعلا حق ، وهو جل وعلا يقضي بالحق :

كما قال تعالى :

((وَاللَّهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ لَا يَقْضُونَ بِشَيْءٍ ))

وهو عز وجل حق :

كما قال تعالى :

((ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ ))

ولا يُفهم من قوله : (( قالوا الحق )) لا يفهم من ذلك لأن الله يقول الباطل ، فإن هذا مفهوم فاسد لأنه لا يقول إلا الحق مطلقا

وقولهم : (( الحق )) :

ـــــــــــــــــــــــــــــــ

هذا من باب بيان الواقع

والواقع : أنه جل و علا لا يقول إلا الحق

وهناك مانع يمنع من اعتبار المفهوم : ” إذا كان النص في بيان الواقع فلا مفهوم له ”

أي لا يكون لهذا السياق مفهوم كما هنا

فيكون قولهم (( قالوا : الحق ))  هذا من باب الثناء على الله عز وجل لأنه يحب أن يُثنى عليه

وقوله : (( وهو العلي الكبير )) :

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

العلي : اسم من أسماء الله عز وجل

ويؤخذ من هذا الاسم صفة ، وهي صفة العلو

وصفة العلو : هي من الصفات الذاتية لله

وخذ هذه معك : (( إن العلو من صفات الله الذاتية ، فمن صفاته التي لا تنفك عنه العلو ))

ومن ثم :

ـــــــــــــــــــ

فإن العلو يختلف عن الاستواء على العرش ، وذلك لأن الاستواء على العرش من صفاته الفعلية ، فيفعله متى شاء جل  وعلا : {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى }

ولذا ذكر جل وعلا لأنه لما خلق السموات والأرض قال : ((ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ ))

فاستواؤه على العرش إنما هو بعد خلقه للسموات والأرض

فدل على أنه من الصفات الفعلية

((و [ العلو ] ))

ـــــــــــــــــــــــــ

يثبت عن طريق السمع : يعني عن طريق الشرع والعقل

بينما الاستواء إنما ثبوته عن طريق السمع

وإذا كان العلو لله صفة ذاتية – وهذا ما دلت عليه النصوص – فإنه قد زل من زل في هذه الصفة

والذي يبتعد عن النصوص تزل به الأقدام وتضله الشياطين

وذلك لأنه اعتمد على عقله ،وإذا اعتمد على عقله ضل ، بل إن عقله هذا يقوده إلى سفه وجهل ــــــــ كيف ؟

قال من ضل في هذا الباب :

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قال : ” إن الله ليس متصفا بصفة العلو

إذاً متصف بماذا ؟

قالوا : لا فوق ولا تحت ، ولا يمين ولا شمال

فنقول :

ــــــــــــــــ

هذه الصفات هي صفة المعدوم

ولذا يقولون بالجهة :

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فهذا المصطلح ، وهي كلمة ” الجهة ” لم تأت في النصوص الشرعية

ولذا يقولون : ” هل لله جهة أو هل الله في جهة أم لا ؟

فنحن نقول :

ــــــــــــــــــــــــــــ

إن هذا الاسم لم تأت به النصوص الشرعية فلا نثبته

لكن بما أنه مصطلح لديكم

ماذا تريدون من معناه ؟

نحن نفصل في معناه ، أما لفظه فننسفه نسفا

ـــ لكن ماذا تريدون ؟

أتريدون أنه في جهة سفل ؟

فهذا مرفوض

ــــ تريدون أنه في جهة علو وتحيط به بعض مخلوقاته كالسموات ؟

نقول : هذا مرفوض

ــــ تقولون : إنه في جهة علو ولا يحيط به شيء

نقول : هذا المعنى معنى مقبول

ولذا ” الجهمية “ يقول شيخ الإسلام عنهم – كما في الفتاوى : يقول : (( إن عبَّادهم يقولون : ” إن الله قد حل في كل مكان “

فيلزم على هذا أنه جل وعلا وتعالى الله عن قولهم أنه حتى في أماكن القاذورات

انظروا إلى العقل إذا جُرد عن الشرع كيف يتيه بصاحبه ؟

ولكن لتعلم :

ـــــــــــــــــــــــ

أن العقل السليم الصحيح لا يناقض الشرع أبدا

ولذا أثبت القرآن بأن العقل موافق للسمع ، لكن إذا تجرد هذا العقل من الشبهات والأهواء والآراء الفاسدة

قال تعالى عن أهل النار : {وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ }

ولذا  :

يكون السمع هو المقدم ثم يأتي العقل بعده تبعا

فالعقل بمثابة العامي يتبع العالم

فالعقل السليم لا يعارض أبدا الشرع

ولذا :

ألف شيخ الإسلام كتابا هو : (( درء تعار ض العقل والنقل ))

فقال شيخ الإسلام :

قال : ” إن عُبَّاد الجهمية قالوا : إن الله قد حلّ في كل مكان ، فجاء نظراؤهم ومفكروهم فقالوا بزعم أعظم ،  وهو زعم الاتحاد :

فيقولون : إن الله اتحد في كل شيء ، فما تراه هو عين الله

فعلى قولهم : أن هذا العمود هو الله

على قولهم أنه لا يدرى الزوجة هي الآلة أم الزوج “

ولذا قال ابن القيم : ” قبَّح الله طائفة إلههم يُنكح “

لأنهم إذا قالوا : ” أن الله هو كل ما تراه ” فيلزم من ذلك مفاسد كبرى

ــــ ثم جاءت الطائفة التي هي أعلى منهم في الغلو الذين قالوا : ” إن الله لا فوق ولا تحت ولا يمين ولا شمال ” فأغلق عليهم الباب

فقيل : هذه صفة المعدوم

فقالوا : إذاً لا معدوم ولا موجود

نقول : إذاً جعلتموه كالممتنع :

لأنه يمتنع أن يكون هناك شيء لا موجود ولا معدوم

وشبهتهم في ذلك قوله تعالى :

{وَهُوَ اللّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهرَكُمْ وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ }

فيقال لهم :

ــــــــــــــــــــ

هذه الآية يفسرها قوله تعالى :

{وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاء إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ }

فكما أنه معبود عند أهل السموات

فهو معبود عند أهل  الأرض

وليس معنى ذلك ان الله في الأرض

ولذا :

ــــــــــــ

لو نظرتم إلى آخر الآيتين لوجدتم فيهما ذكر العلم :

{وَهُوَ اللّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهرَكُمْ وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ }

وقال في هذه الآية :

{وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاء إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ }

ــــ ومما يستدلون به :

الأدلة التي جاءت بذكر المعية :

كقوله : ((وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ ))

{إِنَّ اللّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ }

وقال لهارون وموسى :

((إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى ))

فيقال لهم :

ــــــــــــــــــ

إن هذه المعية التي في قوله تعالى : ((وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ ))

معية عامة يراد منها الإحاطة والعلم بكل شيء

وليس معنى ذلك أنه مختلط بذاته مع الخلق تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا

ولذا يقول الإمام أحمد : ” انظر إلى أول الآية وإلى آخرها فابتدأت بالعلم واختتمت بالعلم “

ولذا يفسر بعض علماء السلف :

المعية ــــــــــــ بالعلم

لأن هذا  من لوازم المعية

قوله : ((وَهُوَ مَعَكُمْ )) :

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ

لو قرأتم في بعض كتب تفسير أهل السنة قالوا : بعلمه

فيقول الإمام أحمد : ” ابتدأها بالعلم واختتمها بالعلم ” :

{أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِن ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ }

ــــ وأما معيته عز وجل للصابرين والمحسنين فإنها معية خاصة تقتضي التأييد والنصرة مع الإحاطة والعلم

وكذلك معية خاصة لموسى وهارون :

((إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى ))

أي ناصركما ومؤيدكما

ولا تنافي إذاً بين العلو وبين المعية :

يقول شيخ الإسلام في الواسطية ، يقول :  (( هو قريب في علوه عليٌّ في دنوه ))

فقد جمع جل وعلا بين الأمرين : (( العلو والمعية ))

أفهناك أحد أصدق كلاما من الله ؟

لا

أفهناك احد أفصح كلاما من الله ؟

لا

أهناك احد أعلم بالله من الله ؟ أهناك أحد أعلم بالله من نفسه عز وجل ؟

لا

ولذا جمع بينهما في قوله تعالى :{هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ }

فسرها النبي عليه الصلاة والسلام – كما عند مسلم – : (( الأول الذي ليس قبله شيء ، والآخر الذي ليس بعده شيء ، والظاهر الذي ليس فوقه شيء ، والباطن الذي ليس دونه شيء ))

وانظر إلى ختام الآية :

((هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ ))

لما ذكر الباطن قد يتوهم وهمٌ فاسد أنه تحت ، قال : ((وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ))

اقرأ ما بعدها : ((هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ ))

وهذا يدل على العلو

((  ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ ))

فمع استوائه على العرش ، ومع علوه : ((يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ السَّمَاء وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ ))

فجمع بين العلو بذكر الاستواء على العرش وبين المعية ثم قال : ((وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ))

فلو جعل الإنسان هذا المعتقد ، وهو معتقد : ” أن صفة العلو صفة ذاتية لله عز وجل لما دخلت عليه هذه الأفكار الفاسدة “

وقد دلّ على صفة العلو لله عز وجل :

ـــ السمع

ـــ والعقل

ـــ والفطرة

ـــ واللغة

ـــ والإجماع

أما دليل السمع :

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فقد قال بعض العلماء – كما قال شيخ الإسلام في الفتاوى قال : ” إن أدلة علو الله تزيد على ألف دليل :

ــــ إما من حيث النوعية :

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وهذا النوع يدخل تحته أدلة تصل إلى ما يقارب من عشرين نوعا كما قال ذلك ” ابن أبي العز الحنفي “ في شرحه على الطحاوية ، قال : ” من الأدلة على العلو :

من أنواعه :

ــــــــــــــــــــــ

ــ ** التصريح بالفوقية لله عز وجل :

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

((يَخَافُونَ رَبَّهُم مِّن فَوْقِهِمْ ))

التصريح بالفوقية بـ ” من ” قبلها كما هنا

ـــ ** التصريح بالفوقية دون من :

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

((وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ ))

ـــ ** التصريح بان هناك مخلوقات عنده :

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

((وَمَنْ عِندَهُ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ ))

ـــ * * التصريح بالعروج إليه :

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

((تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ ))

ـــ * * التصريح بالصعود ورفع الشيء إليه :

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

((إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ ))

ـــ * 8 التصريح بالعلو المطلق كما هنا :

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(( وهو العلي ))

وكما في قوله تعالى : {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى }

فسرها النبي عليه الصلاة والسلام فكان إذا قرأها قال : ” سبحان ربي الأعلى “

ـــ 8 *  التصريح بإنزال شيء :

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

((إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً ))

ـــ * * التصريح بالسؤال عن الله :

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

كقول النبي عليه الصلاة والسلام – كما عند مسلم – للجارية : أين الله

قالت : في السماء

ـــ * *  التصريح بأنه في السماء :

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

((أَأَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاء ))

وهذه الآية أوقعت من أوقعت في هذا الرأي الفاسد

فيقولون :  هو في السماء

يعني : هو في جهة العلو لكن تحيط به السموات

فيجاب عن هذا :

ـــــــــــــــــــــــــــــــــ

ـــ * بأنه إن كان المقصود من السماء هي السماء المبنية فتكون ” في ” بمعنى ” على ” : ((أَأَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاء ))  أي : ” أأمنتم من على السماء “

كما في قوله تعالى : ((وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ ))

يعني : على جذوع النخل

ــــ * وإن كان المقصود ان السماء مطلق العلو ، لأن كل ما علاك يقال هو سماء :

ولذا قال تعالى عن المطر : ((وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُوراً ))

وليس هو من السماء إنما هو من ” المزن ”

((أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاء الَّذِي تَشْرَبُونَ{68} أَأَنتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنزِلُونَ{69} ))

فإن كان المراد من السماء هو ” العلو المطلق “ فلا إشكال في ذلك ، لأنه جل وعلا في علو ، ولكن لا يمكن عقلا فضلا عن الشرع أن يكون الله الخالق أن يحيط به شيء من مخلوقاته ، أو أنه محتاج إلى السماء أو أن السماء تظله أو تحيط به

كيف وقد قال :

((وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ ))

فإذا كان الكرسي ،  وهو أحد مخلوقاته أكبر من السموات ، فتكون السموات بمثابة ” خردلة “ في أرض فلاة عند الكرسي

والعرش أكبر من هذا الكرسي ككبر الكرسي على السموات

فكيف يكون الخالق قد أحاط به شيء من مخلوقاته ؟!

ثم كيف ، وقد قال تعالى:((إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَن تَزُولَا وَلَئِن زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِّن بَعْدِهِ ))

وقال تعالى : ((وَيُمْسِكُ السَّمَاء أَن تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ ))

وقال تعالى :

((وَلاَ يَؤُودُهُ )) يعني : لا يثقله

((وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ ))

إذاً هو في العلو ، ولا تحيط به هذه السموات ، وكيف تحيط به وهو العظيم ؟!

ولذا :

ــــــــــــــ

من أعظم ما يزيد إيمان العبد تأمل أسماء الله وصفاته ، وما الذي دعا النبي عليه الصلاة والسلام أن يقول – كما في الصحيحين –  :(( إن لله تسعة وتسعين اسما من أحصاها دخل الجنة ))

بل إن أعظم ما يُتدبر في كتاب الله هي أسماؤه وصفاته :

{كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ }

ولذا :

ـــــــــــ

لو عقلنا هذه الأسماء ، وفهمنا معناها وعملنا بمقتضاها لفزنا فوزا عظيما

فقوله تعالى : ((أَأَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاء ))  دليل على علو الله عز وجل

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ