الشرح الموسع لكتاب التوحيد ـ الدرس (129)
حديث (إذا أراد الله تعالى أن يوحي بالأمر تكلم بالوحي)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فضيلة الشيخ : زيد بن مسفر البحري
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قال المصنف :
ــــــــــــــــــــــــــــــ
وعن [ النواس بن سمعان ] :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
(( إذا أراد الله تعالى أن يوحي بالأمر تكلم بالوحي أخذت السموات رجفة – أو قال : رعدة شديدة خوفا من الله عز وجل ، فإذا سمع ذلك أهل السماء صُعقوا وخروا لله سجدا فيكون أول من يرفع رأسه جبريل فيكلمه الله من وحيه بما أراد ثم يمر جبريل على الملائكة ، كلما مرّ بسماء سأله ملائكتها : ماذا قال ربنا يا جبريل ؟
فيقول : قال : الحق وهو العلي الكبير
فيقولون كلهم مثل ما قال جبريل ، فينتهي جبريل بالوحي إلى حيث أمره الله عز وجل ))
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الشرح :
ــــــــــــــ
هذا الحديث قد تكلم فيه بعض العلماء ، وهو وإن تُكلم فيه إلا أن ما في صحيح مسلم يؤيده ، فهو من حيث المعنى مقبول
ولذا ذكره المصنف من باب التأكيد على معنى الأحاديث الأخرى
ــــ *** [ والنواس بن سمعان ] :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــ أحد الصحابة الأجلاء
ـــ يقال : إن أباه كان صحابيا
ـــ وسمعان ممنوع من الصرف ، وذلك لعلمية وزيادة ” الألف والنون “
قوله : (( إذا أراد الله تعالى أن يوحي بالأمر )) :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
” إذا أراد الله ” إثبات صفة الإرادة لله
والإرادة نوعان :
ـــــــــــــــــــــــ
1ـــ إرادة كونية :
ــــــــــــــــــــــــــــــ
وتكون فيما يحبه الله وما لا يحبه
2 ــ إرادة شرعية :
ــــــــــــــــــــــــــــــ
وتكون فيما يحبه الله ولا يلزم وقوعها
وقد تجتمع الإرادتان في حق المؤمن المطيع :
فإن الله قد أمره ففعل بعون من الله ، فلو لم يعنه الله ما تحققت فيه هذه الإرادة
وقوله : (( تعالى )) :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فيه إثبات صفة العلو
وسبق الحديث مفصلا عن العلو ، وأن من أنكر صفة العلو تخبط تخبطا كبيرا
وقوله : (( أن يوحي بالأمر)) :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قلنا إن الأمر يُفسر بأنه هو الوحي
وهو يختلف عن الخلق
ولذا بُينت هذه الكلمة أكثر بيانا بما بعدها قال : (( تكلم بالوحي ))
ومما يدل على ذلك قوله تعالى :
((وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِّنْ أَمْرِنَا ))
وقوله تعالى :
((أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ ))
ومن ثم :
ــــــــــــــــــ
فإن هذا دليل على أن القرآن كلام الله منزل غير مخلوق :
ومما يؤكد هذا أن الله قال :
((الرَّحْمَنُ{1} عَلَّمَ الْقُرْآنَ{2} خَلَقَ الْإِنسَانَ{3} ))
فلو كان القرآن مخلوقا لقال : ” الرحمن خلق القرآن والإنسان ” فلما قال : ((عَلَّمَ الْقُرْآنَ )) وذكر خلق الإنسان دل على أن هناك فرقا بينهما
وإنما قلنا هذا لأن بعض أهل الفرق يقولون : ” إن كلام الله ليس القرآن وحده بل قالوا : “إن كلام الله معنى قائم بنفسه ، فيخلق خلقا يعبر عن هذا الكلام القائم في نفسه “
وهذا ضلال مبين :
لأن الكلام لا يعد كلاما إلا إذا تضمن لفظا ومعنى
ولذا : لا يصلح أن يقال ما في النفس كلام إلا إذا قيد
ولتعلم :
ـــــــــــــــــ
أن القول والكلام إذا أُطلق فإنما المراد منه المعنى واللفظ ، ولا يمكن ان يكون المعنى
إذ لو كان الكلام هو المعنى القائم في النفس لعُد الآخر متكلما لأن هناك معنى قائما في نفسه
ولا يقول بهذا عاقل
أما إذا قيدت فعلى ما قيدت به :
كما قال النبي عليه الصلاة والسلام – كما في الصحيحين : (( إن الله تجاوز عن أمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تعمل أو تتكلم ))
ـــ فهم يقولون : ” إن هناك معنى قائما في نفسه ، وإن ما سمعه موسى هو مخلوق خلقه الله فعبر عنه “
ونقول :
ـــــــــــــــ
لقد أعمى الله بصائرهم فإن الله قال : ((وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ اللّهِ ))
ولم يقل : حكاية عن كلام الله أو عبارة عن كلام الله
ـــ حتى أودى ببعضهم أن يقولوا : بأن ما سمعه موسى هو كلام خلقه الله في الشجرة ، فالشجرة هي المتكلمة
نقول :
ـــــــــــ
سبحان الله هل يمكن أن تقول الشجرة : (( يا موسى إني أنا الله رب العالمين )) ؟!
لا يمكن
ولذا :
ــــ
أنكر عز وجل على من زعم ان هذا القرآن هو كلام البشر وتوعد عليه بسقر ، فكيف يكون كلام الله مخلوقا ؟!
ولا يرد إشكالا وهو أن الله تعالى قال : {إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ }
فيقال :
ـــــــــــ
إن هذه الآية جاءت في شأن النبي عليه الصلاة والسلام ، وفي شأن جبريل إذاً يلزم على هذا ان هذا القرآن من النبي ، ومن جبريل
فدل على أن المراد في إضافة هذا القول للرسول إضافة تبليغ
كما لو سمعت قائلا يقول :
ألا كل شيء ما خلا الله باطل
هذا للبيد بن ربيعة
هل يمكن أن يقول قائل : إن هذا البيت من هذا القائل ؟
لا
من حين ما يسمعه يقول : هو قول لبيد بن ربيعة
ولا يقول هو قول لفلان
ولذا قال تعالى :
{إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ }
{نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ }
ــــــــ أما قوله تعالى :
((إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً )) :
نقول :
ــــــــــــ
إن مثل هذه الآية وما يشابها في مسائل متعددة هي من المتشابه
وكما أسلفت أن من أعمى الله بصيرته ، وأزاغ قلبه أخذ بهذا المتشابه الذي هو قليل ، وأعمى بصره عن المحكم
لكن ردّ هذا المتشابه إلى المحكم كما هو طريقة الراسخين في العلم صار الكل محكما وصدق عليه قوله تعالى : (( كتاب أحكمت آياته ))
فيكون قوله تعالى : ((إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً )) :
يعني : إنا سميناه قرآنا عربيا أو صيرناه
وذلك لأن ” جعل “ إذا نصبت مفعولين فلا تكون بمعنى الخلق
أما إذا نصبت مفعولا واحدا فتكون بمعنى الخلق :
قال تعالى : ((وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ))
نصبت مفعولا واحدا فيكون معنى ( جعل ) في هذه الآية خلق الظلمات والنور
أما إذا نصبت مفعولين فالمراد ” صيَّر أو سمَّى ” كما قال تعالى : ((وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثاً ))
هل يمكن أن تكون ” جعلوا ” خلقوا ؟
لا يمكن
{فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَّأْكُولٍ }
هل يمكن ان يكون خلقهم كعصف مأكول أو أن مصيرهم إلى عصف مأكول بعد أن خلقهم الله عز وجل ؟
بعد أن خلقهم وأنزل بهم عذابه
ولو قال قائل :
ــــــــــــــــــــــــــ
إن هذا الإنزال يدل على الخلق لا يدل على أنه من عند الله بدليل أن الله قال : ((وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُوراً ))
وقال :
((وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ ))
((وَأَنزَلَ لَكُم مِّنْ الْأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ ))
فيقال :
ـــــــــــ
إن الإنزال في شأن المطر إنزال من المزن :
{أَأَنتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنزِلُونَ }
فيكون بهذا الاعتبار مخلوقا
ـــ وأما قوله تعالى :
((وَأَنزَلَ لَكُم مِّنْ الْأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ ))
نقول :
ــــــــــ
يفسرها قوله تعالى :
((وَمِنَ الأَنْعَامِ حَمُولَةً وَفَرْشاً كُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ ))
إلى أن قال :
((ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ ))
فيكون النزول هو أن الذكر يعلو الأنثى فينزل ماؤه في رحمها فينتج عن هذا الجنين ينزل من هذا العلو من رحمها إلى الأرض
ـــ لو قيل سلمنا بهذا فماذا تقولون في الحديد :
((وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ ))
فيقال :
ــــــــــــــــــ
إن إنزال الحديد هو إنزاله من أعالي الجبال لأن أنفع إنزال الحديد هو ما نزل من الجبال
فهو بهذا الاعتبار في علو
فيكون هذا القرآن نزل من الله عز وجل كما قال تعالى : (( بل هو الحق من ربك ))
فأضافه إلى الله ، فدل على انه من الله ، وهو جل وعلا هو الخالق وصفاته من ذاته
فإذا كانت ذاته ليست مخلوقة ، وهذا يقرون به فكذلك صفاته ، لأنه لا يمكن أن تنفك الصفات عن الذات
لا يمكن أن تقول :
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
إن هناك ذاتا مجردة عن الصفات
أتحدى أن يأتي يشخص ويقول : إن هناك ذاتا ليس لها صفات
كل شيء له صفات :
هذه المروحة لها صفة
هذا المكبر له صفة
هذا الجهاز له صفة
ولذا ذكر شيخ الإسلام ( قاعدة ) في العقيدة الواسطية في من ينكر الصفات :
يقول :
ــــــــــــــــ
( القول في الصفات كالقول في الذات )
ــ أنتم تقولون : إن الذات موجودة فكذلك أثبتوا الصفات وإلا وقعتم في التناقض
والقول في [ كلام الله ] اختلف فيه أهل الفرق إلى تسعة أقوال أوصلها ابن أبي العز الحنفي في شرحه على العقيدة الطحاوية
والحديث عنها يطول
لكن عندنا مذهب ، وهو مذهب الأشاعرة ، يقولون : )) إن كلام الله في ذاته ولا إرادة له في الكلام ))
فنقول :
ــــــــــــــــ
هذا الحديث يرد عليكم ، وذلك لأنه جعل الإرادة سابقة على الكلام ، قال :
(( إذا أراد الله تعالى أن يوحي بالأمر تكلم بالوحي ))
ففي هذا رد صريح على أنه عز وجل يتكلم إذا شاء متى شاء
فيكون كلامه عز وجل من الصفات الذاتية
أما من حيث آحاد الكلام أو تنوع الكلام فإنه من الصفات الفعلية
ولو قالوا : ” ماذا تقولون في قوله تعالى : {مَا يَأْتِيهِم مِّن ذِكْرٍ مَّن رَّبِّهِم مُّحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ }
قال : محدث يعني مخلوق
فنقول :
ــــــــــــ
إن كلمة الإحداث لا يدل على أنه مخلوق ، وذلك لأنه محدث نزوله حسب الوقائع فكونه محدثا باعتبار الوقت الذي ينزل فيه
فهذا الإحداث إنما هو متعلق بوقت نزوله
أما من حيث إن الله تكلم به فليس بمحدث
وقوله عليه الصلاة والسلام : (( أخذت السموات منه رجفة أو قال رعدة شديدة خوفا من الله عز وجل )) :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ففي هذا دليل على عظم الله ، وأن هذه السموات العظيمة لترتجف وترتعد خوفا من الله إذا تكلم بالوحي
فإذا كانت هذه السموات التي هي أعظم من الأوثان بل لا مقارنة
كما قال تعالى :
((لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ ))
فإذا كانت هذه السموات لا تستطيع أن تمنع عن نفسها الضر إذا نزل بها من الله عز وجل فما ظنكم بهذه الأصنام التي لا تنفع ولا تضر إنما هي أحجار أو أشجار ؟
ففي هذا برهان قطعي على بطلان عبادة ما سوى الله عز وجل
وهذا مستفاد من أن هذه السموات لتأخذها رجفة أو رعدة شديدة خوفا من الله عز وجل
وقوله : (( عز )) :
ـــــــــــــــــــــــــــــ
تؤخذ منها صفة العزة
والعزيز كما قال ابن القيم رحمه الله يأتي على ثلاثة معان :
1ــ القوي
2ــ الغالب
3 ــ الممتنع الذي لا ينال بسوء
فهو جل وعلا قوي غالب ممتنع لا يصل إليه السوء
أما قوته كما قال تعالى :
{إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ }
أما غلبته قال تعالى :
((وَاللّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ ))
وأما امتناعه بحيث لا ينال بسوء كما قال تعالى :
((فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُم بِذَنبِهِمْ فَسَوَّاهَا{14} وَلَا يَخَافُ عُقْبَاهَا{15} ))
فأنزل عقوبته بمن عقر الناقة :
((وَلَا يَخَافُ عُقْبَاهَا{15} ))
بمعنى أنه لا يخاف تبعة ذلك
وهذا يدل على عزته جل وعلا
وقوله : (( جل )) :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
يعني : عظم
وقوله : (( فإذا سمع ذلك أهل السموات صعقوا وخروا لله سجدا )) :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لو قال قائل :
ـــــــــــــــــــــ
كيف يأتي الخرور سجدا لله بعد الصعق ؟
فالجواب عن هذا :
ـــــــــــــــــــــــــــ
أنهم يصعقون فإذا فاقوا فإنهم يخرون لله سجدا
وهذا أيضا يدل على بطلان عبادة ما سوى الله عز وجل
فإذا كانت هذه الملائكة تصعق ومن ثم تخر ساجدة لله ، وهم ملائكة مقربون فمن باب أولى أن لا يكون لهذه المعبودات من الأصنام والأحجار أن لا يكون لها قدر ومكانة عند الله عز وجل
ولذا قال :
ـــــــــــــ
{إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنتُمْ لَهَا وَارِدُونَ }
((وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ ))
وقوله : (( فيكون أول من يرفع رأسه جبريل )) :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يستفاد من هذا :
ـــــــــــــــــــــــ
مكانة جبريل أو جبرائيل فإن اسمه جبريل أو جبرائيل
وقد جاءت النصوص بهذا :
فيستفاد من هذا أن جبرائيل عليه الصلاة والسلام هو أفضل الملائكة
ويستفاد من ذلك :
ـــــــــــــــــــــــــ
أن لجبريل رأسا
وذلك لأنه قال : فأول من يرفع رأسه جبريل
ففيه إثبات الرأس لجبريل عليه الصلاة والسلام
وقوله : (( فيكلمه الله من وحيه بما أراد )) :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قال تعالى : {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِن وَرَاء حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ }
ومعظم فوائد هذا الحديث مرت معنا في الحديث السابق
وقوله : (( ثم يمر جبريل على الملائكة كلما مرّ بسماء سأله ملائكته )) :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ففيه فائدة :
ــــــــــــــــــــــ
وهي أن في كل سماء ملائكة
سـ / كلمة جبريل أعجمية وذكرت في القرآن مع أن الله تعالى قال : (( إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً ))
فكيف يمكن الجمع ؟
جـ / في جميع اللغات أن الأعلام تذكر بهيئتها وصفتها وجبريل علما
ومن ثم :
فإن هذا لا يخرج القرآن عن كونه عربيا
أما بعض الكلمات التي قيل إنها أعجمية كـ ” سندس ـ وإستبرق ” وما شابه ذلك
قالوا : إنها أعجمية
وهذا هو موضع النزاع الشديد
هل يخرج القرآن عن كونه عربيا لوجود هذه الكلمات التي هي أعجمية ؟
قال بعض العلماء :
ــــــــــــــــــــــ
إن هذه الكلمات كانت أعجمية في الأصل لكن تحدثت بها قريش فأصبحت بمثابة الكلام العربي
ولذا (( عثمان رضي الله عنه )) أوصى أولئك النفر الذين جمعوا القرآن أنهم إذا اختلفوا مع زيد بن ثابت لأنه أنصاري والثلاثة الآخرون قريشيون
قال : إذا اختلفتم معه فاكتبوه بلغة قريش فإنه نزل بلغتهم
وقال بعض العلماء :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وهو الأوجه ، وإن كان للقول الأول وجه حسن :
أن يقال :
ـــــــــــــــــ
إن عندنا أصلا ثابتا ، وهو أن القرآن نزل بلغة العرب ، وهو عربي
فإذا كان كذلك فنحن نرد عليكم فنقول:
” وما يدريكم لعلها تكون عربية في الأصل ثم استخدمها العجم “
ومن ثم :
ـــــــــــــــــــــ
فأين الدليل القاطع على أن هذه الألفاظ أو هذه الكلمات أعجمية ؟
ومن ثم فلا وجه للإيراد هذه المسألة
ولا يخرج القرآن عن عربيته
والله أعلم
وقوله : (( ثم يمر جبريلُ )) :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لم يقل : ثم يمر جبريلٌ
لأن هذا ممنوع من الصرف
” جبريل ” فاعل مرفوع وعلامة رفعه الضمة الظاهرة على آخره ، لكنه لا ينون لأنه ممنوع من الصرف (( للعلمية والعجمى ))
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وقوله : ((ثم يمر جبريل على الملائكة ، كلما مرّ بسماء سأله ملائكتها : ماذا قال ربنا يا جبريل ؟
فيقول : قال : الحق وهو العلي الكبير
فيقولون كلهم مثل ما قال جبريل ، فينتهي جبريل بالوحي إلى حيث أمره الله عز وجل )) :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وكما قلت لكم :
ـــــــــــــــــــــــــــ
أن هذا الحديث بمثابة المقوي لمدلول الحديث السابق
فمعظم ما ذكر هنا ذكر في الحديث السابق وتم التعليق عليه