الشرح الموسع لكتاب التوحيد ـ الدرس ( 133 )
قوله تعالى ( قل لله الشفاعة جميعا ) أنواع الشفاعة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فضيلة الشيخ : زيد بن مسفر البحري
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قال المصنف /
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وقول الله تعالى :
((قُل لِّلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعاً ))
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الشرح :
ـــــــــــــ
[ قل ] : ــــــــ الخطاب للنبي عليه الصلاة والسلام
قل لهؤلاء الكفار الذين اتخذوا من دون الله شفعاء يؤملون شفاعتهم
ويدل لهذا ما قبلها من آية :
وهي قوله تعالى :
((أَمِ اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ شُفَعَاء قُلْ )) يا محمد لهؤلاء : ((قُلْ أَوَلَوْ كَانُوا لَا يَمْلِكُونَ شَيْئاً وَلَا يَعْقِلُونَ ))
((قُلْ أَوَلَوْ كَانُوا )) :
يعني : ولو كان هؤلاء الذين اتخذتموهم شفعاء لا يملكون شيئا ولا يعقلون أتتخذونهم مع عدم ملكهم ، وعدم إدراكهم
فإن قالوا : نعم
فهذا هو محض الخبل والجنون
كيف تطلب الشفاعة من هؤلاء الذين لا يملكون مثقال ذرة ؟
ومع عدم ملكهم ليس لهم إدراك ولا عقل
فيكون جواب ” لو ” محذوف ، تقديره : أتتخذونهم مع ما فيهم من هذه الصفات
ثم قال عز وجل :
((قُل لِّلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعاً ))
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وذلك بأنهم رغبوا في شفاعة هؤلاء المعبودات من الأصنام ليتخذوها وسيلة تقربهم إلى الله
وهذه الآية : ((قُل لِّلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعاً ))
هي في سورة [ الزمر ] :
وفي مطلع السورة بيان سبب اتخاذ هؤلاء الكفار لهذه المعبودات قالوا : ((مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ))
ثم ختم الآية بقوله :
((إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ ))
فدل على أن مَن كان سبيله كسبيل هؤلاء المشركين من كفار قريش يكون حكمه كافرا لأن الآية في خاتمتها دلت على ذلك
فقال عز وجل في ثنايا هذه السورة :
((قُل لِّلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعاً )) :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كلمة الشفاعة تدل على الجمع :
وذلك لأن [ ال ] كما هو مقرر في الأصول : (( إذا دخلت على الكلمة تجعلها في حكم العام ))
ثم جاءت كلمة : ((جَمِيعاً )) مؤكدة لهذا العموم
ـــ * ـــ ثم قال تعالى : ((لَّهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ))
فالشفاعة له جل وعلا ـــــــــ لم ؟
لأن له ملك السموات والأرض ، ثم يكون مصير الجميع إلى الله فيحاسبهم إن كان خيرا فخير ، وإن كان شرا فشر
ـــــ والتنصيص في الآية على أن الشفاعة جميعها لله يدل على أن لها أنواعا وأقساما :
وهي كذلك بالفعل لها أنواع ، وجميع هذه الأنواع ملك لله
وإذا كانت هذه الشفاعة ملك له ففي ذلك نفي بدلالة الآية التي قبلها فيها نفي للشفاعة الشركية :
لأن الشفاعة نوعان :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
ــــ شفاعة منفية : وهي التي فيها شرك
ـــ وشفاعة مثبتة : وهي التي خلت من الشرك
ولكن مع خلوها من الشرك يجب أن يكون فيها شرطان ، وسيأتي بيانهما بإذن الله تعالى
فالنوع الأول من أنواع الشفاعة :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـــ الشفاعة الكبرى :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وهي الشفاعة العظمى كما جاءت بذلك الأحاديث عن النبي عليه الصلاة والسلام مما ثبت في الصحيحين أو في احدهما
من مجموع ما ورد :
[ أن النبي عليه الصلاة والسلام أُتي بلحم فرفع الذراع ، وكان أحب إليه من اللحم الذراع فنهس منه نهسة فقال : آنا سيد الأولين والآخرين يوم القيامة ، ثم قال : أتدرون لماذا ؟
فقالوا : لا ، يا رسول الله
قال : يجمع الله الأولين والآخرين في صعيد واحد ، فتدنو الشمس : فمنهم من يصل العرق إلى كعبيه ، ومنهم من يصل إلى ساقيه ، ومنهم إلى ركبتيه ، ومنهم إلى حقويه ، ومنهم من يلجمه العرق إلجاما
فيقول الناس: ( بعضهم لبعض ) : ألا تنظرون إلى ما حل بكم ، وما نزل بكم ؟
ألا تجدون من يشفع لكم عند ربكم ؟
فيأتون إلى آدم ويقولون له : أنت أبو البشر ، خلقك الله بيده ، وأسجد لك ملائكته اشفع لنا عند ربنا
فيقول : نفسي نفسي
ويذكر خطيئته حين أكل من الشجرة ، ثم يقول : اذهبوا إلى نوح
فيذهبون إلى نوح ويقولون له : أنت أول رسل الله إلى أهل الأرض
فيقول : نفسي نفسي
ويقول : إني سألت الله مسألة اذهبوا إلى إبراهيم
فيذهبون إلى إبراهيم ، فيقول : نفسي نفسي
ويذكر كذباته الثلاث ، ثم يقول : اذهبوا إلى موسى
فيذهبون إلى موسى فيقولون له : لقد اصطفاك الله بكلماته ورسالاته اشفع لنا عند ربنا
فيقول : نفسي نفسي
ويذكر أنه قتل نفسا بغير حق اذهبوا إلى عيسى
فيذهبون إلى عيسى ويقولون له : أنت كلمة الله وروحه اشفع لنا عند ربنا
فيقول : نفسي نفسي ، اذهبوا إلى محمد فإنه عبد قد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر
فيأتون إلى النبي عليه الصلاة والسلام فيقولون له : اشفع لنا عند ربنا فإنك عبد قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر
فيقول : أنا لها
فيأتي فيسجد عند العرش ( في بعض الروايات في غير الصحيحين ) : مكان يقال له [ الفحص في مقدمة العرش ] لكنها رواية ضعيفة
فيأتي فيسجد لله ، ويقول : ( فأحمده بمحامد يفتحها الله عليّ لا تحضرني الآن ) ثم يتركه الله ما شاء
ثم يقول : يا محمد ، ارفع رأسك ، وقل تُسمع ، وسل تُعط ، واشفع تشفع
فيقول : يا رب أمتي امتي
فيقول الله : أدخل أمتك ممن لا حساب عليه من الباب الأيمن من الجنة ، وهم شركاء الناس فيما سوى ذلك من الأبواب
فيحد له الله حدا
فيخرج من النار ما شاء الله أن يخرجه
ثم يعود ويسجد ويحمد الله بمحامد
فيقول الله : يا محمد ارفع رأسك ، وقل تُسمع ، وسل تُعط ، واشفع تشفع
فيقول : أمتي أمتي
فيحد له حدا
فيخرج الله من شاء من النار من أمة محمد صلى الله عليه وسلم
ثم يأتي مرة ثالثة :
ويسجد ويثني على الله بمحامد ،
فيضع له جل وعلا حدا
فيخرج الله من شاء من النار من أمة محمد
ثم يعود في الرابعة :
فيقول النبي عليه الصلاة والسلام : إني أسألك أن أخرج من في النار من قال [ لا إله إلا الله ]
فيقول الله : ليست لك يا محمد إنما هي لي
فيخرج الله من قال : [ لا إله إلا الله ]
” وفي رواية ” :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
(( فيأخذ الجبار من النار قوما لم يعملوا خيرا قط ، وقد امتُحشوا ( يعني تغيروا ) ))
وفي رواية أخرى :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
(( يقول عز وجل : شفعت الملائكة والنبيون والمؤمنون ولم يبق إلا أرحم الراحمين فيخرج قوما قد امتحشوا فيصب عليهم من ماء نهر الجنة فينبتون كما تنبت الحبة في السيل ))
وفي رواية أخرى :
ــــــــــــــــــــــــــــ
(( يقول المؤمنون في شفاعتهم : يا ربنا إخواننا كانوا يصلون معنا ويصومون معنا ، ويحجون معنا
فيقول الله : أخرجوا من كان في قلبه مثقال دينار من إيمان
فيخرجونهم
فيقولون : يا ربنا إخواننا كانوا يصلون معنا ويصومون معنا ، ويحجون معنا
فيقول الله عز وجل: أخرجوا من كان في قلبه نصف مثقال من إيمان
فيخرجونهم
ثم يقولون : يا ربنا إخواننا
فيقول عز وجل : أخرجوا من كان في قلبه ذرة من إيمان ))
وفي رواية أخرى :
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
(( يأمر الله الملائكة أن تخرج قوما فلا يعرفون إلا بأثر السجود ، فلا تأكل النار من ابن آدم أثر السجود ، منهم من بلغته النار إلى كعبيه ، ومنهم إلى أنصاف الساقين ))
ــــ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــ *** فهذه جملة مختصرة من هذه الشفاعة التي تكون في يوم القيامة
من مجموع ما جاء في صحيحي البخاري ومسلم أو في أحدهما
والشفاعة العظمى هي ” المقام المحمود ” :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قال عز وجل :
{وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَّحْمُوداً }
جاء في مسند الإمام أحمد قوله : (( المقام المحمود هي الشفاعة العظمى ))
ـــ وقد قال بعض العلماء : إن المقام المحمود هو كل موقف يُحمد فيه النبي عليه الصلاة والسلام يوم القيامة ومن ذلك [ الشفاعة العظمى ]
وله وجه سيأتي بيانه بإذن الله تعالى
وهذه الشفاعة وهي [ الشفاعة العظمى ] من خصوصيات النبي عليه الصلاة والسلام ، ولا يشاركه في ذلك أحد من الرسل
حتى إن ” المعتزلة “ لا ينكرونها مع أنهم ينكرون شفاعة العقاب
كما أنهم أيضا لا ينكرون شفاعة النبي عليه الصلاة والسلام للمؤمنين في فتح أبواب الجنة
فتكون هذه الشفاعة من خصوصياته عليه الصلاة والسلام
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــ النوع الثاني من أنواع الشفاعة :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
شفاعة النبي عليه الصلاة والسلام للمؤمنين أن يدخلوا الجنة :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وذلك كما جاء عند البخاري :
ــــــــــــــــــــــــــــ
(( أنهم يحبسون على قنطرة بين الجنة والنار فيُقتص من بعضهم من بعض ، مظالم كانت بينهم في الدنيا حتى إذا هُذبوا ونقوا أُذن لهم بدخول الجنة ))
فيكون بعد حبسهم على القنطرة تكون الشفاعة من النبي عليه الصلاة والسلام
ولذا جاء عند مسلم قوله عليه الصلاة والسلام : (( أنا أول شفيع في الجنة ))
وليس هذا الحديث ظاهرا في هذه الشفاعة
لكن ما يؤيدها ما جاء عند مسلم :
(( أن النبي عليه الصلاة والسلام يأتي باب الجنة فيقول له خازنها : من أنت ؟
فيقول : أنا محمد
فيقول : بك أمرت أن لا أفتح لأحد قبلك ))
ويؤكدها ما جاء عند مسلم :
(( إذا كان يوم القيامة أتى المؤمنون آدم ويقولون له : اشفع لنا عند ربك ليدخلنا الجنة
فيقول آدم : نفسي نفسي
وهل أخرجكم من الجنة إلا خطيئة أبيكم
ثم يأتون إلى ” نوح ” فيعتذر
ـــ ثم يأتون إلى ” إبراهيم ” فيعتذر
ــ ثم يأتون إلى ” موسى ” فيعتذر
ــ ثم يأتون إلى ” عيسى ” فيعتذر
ـــ * ثم يأتون إلى ” النبي ” عليه الصلاة والسلام فيقول : (( أنا لها ))
وهذا واضح صريح
وهذه الشفاعة من خصوصياته عليه الصلاة والسلام لا يشاركه في هذا النوع من أنواع الشفاعة
وذلك كالشفاعة الأولى
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
النوع الثالث من أنواع الشفاعة :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
شفاعة النبي في عمه أبي طالب :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وشفاعته لعمه أبي طالب ليست شفاعة إخراج من النار ، وإنما هي شفاعة تخفيف من النار
قال ” العباس ” : يا رسول الله إن أبا طالب كان يحوطك ، ويذب عنك أفلا تنفعه بشيء ؟
فقال : (( هو في ضحضاح من نار ، ولولا أنا لكان في الدرك الأسفل من النار ))
ومن ثم فإن هذه الشفاعة قد يتعرض ما جاء فيها مع ظاهر قوله : {فَمَا تَنفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ }
فيكون الجواب عنها :
ــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــ 1 ـــ إما أن هذا العموم قد خصص منه النبي عليه الصلاة والسلام مع أبي طالب
ــ2 ــ أو ، وهذا الوجه ذكره ” القرطبي ” أن الشفاعة المنفية في قوله : {فَمَا تَنفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ }
هي باقية على عمومها ، و ليست فيها تخصيص ، وذلك لأن المراد من : {فَمَا تَنفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ }
الشفاعة التي تخرجهم من النار
وأما هذه الشفاعة فهي شفاعة تخفيف لا شفاعة إخراج من النار
ـــ وهذه الشفاعة خاصة بالنبي عليه الصلاة والسلام ولا يشاركه في ذلك أحد
بل هو لا يشفع لوالديه أمه وأبيه على القول بأنهما من أهل النار
وقد مضى الحديث مستوفى عن أهل الفترة
وما ذكر من أدلة في شأن والديّ النبي عليه الصلاة والسلام
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
النوع الرابع من أنواع الشفاعة :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
شفاعة النبي عليه الصلاة والسلام لأهل الجنة :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أن ترفع درجاتهم مما قصرت بذلك أعمالهم
ودليلها ما جاء عند مسلم قوله عليه الصلاة والسلام :
(( أنا أول شفيع في الجنة ))
فهذه الشفاعة إنما هي في الجنة
وكونه أو لشفيع يدل على أن هناك شفعاء
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
النوع الخامس من أنواع الشفاعة :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
شفاعة النبي عليه الصلاة والسلام لأهل الكبائر :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الذين دخلوا النار أن يخرجوا منها
وهذا واضح في الأدلة التي سقتها
فيشفع النبي عليه الصلاة والسلام في هؤلاء
وكذلك يشفع الملائكة والنبيون والمؤمنون
وقد جاء رواية عند البخاري :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(( أن هذه الشفاعة هي شفاعة المقام المحمود ))
فدل على أن من قال : بأن المقام المحمود هو كل مقام يحمد فيه النبي عليه الصلاة والسلام يدل على أن قوله قول صحيح
ولكن العلماء لم يعدوا هذه الشفاعة من خصائصه ، وذلك لأن هناك من يشاركه فيها
ـــ وهذه الشفاعة وهي شفاعة النبي عليه الصلاة والسلام والملائكة وسائر الأنبياء والمؤمنين هي شفاعة اتفقت عليها الأمة من أهل السنة والجماعة
ولم يخالف في ذلك إلا :
ــــ الخوارج
ـــ والمعتزلة
مع العلم بأن المعتزلة لا ينفون شفاعة النبي عليه الصلاة والسلام في دخول المؤمنين الجنة
فهؤلاء الخوارج والمعتزلة ينفون هذه الشفاعة ، وهي شفاعة العقاب
أما شفاعة الثواب فإنهم يثبتونها ولا ينفونها
وحجة هاتين الطائفتين بعض النصوص التي جاءت : بأن بعض العصاة لا يدخلون الجنة :
كقوله عليه الصلاة والسلام : (( لا يدخل الجنة قاطع ))
وكقوله : (( لا يدخل الجنة نمام ))
إلى غير ذلك من هذه النصوص التي جاءت بصيغة وأسلوب الزجر والتهديد
فأخذوا بهذه النصوص ، وهي نصوص الوعيد
وغفلوا عن نصوص الوعد والثواب ، وبذلك ضلت وزلت أقدامهم
لكن أهل السنة والجماعة أخذوا بنصوص الوعد ، ونصوص الوعيد
وهذا في الحقيقة هو محض التوسط
((وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً ))
يعني : عدولا خيارا
ومن لوازم العدل الخير أن يكون متوسطا جامعا لما جاءت به النصوص الشرعية
(( ويرد على هؤلاء ))
ــــــــــــــــــــــ
أنكم عطلتم النصوص التي جاءت بالوعد :
كقوله عز وجل :
((إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ ))
ويرد عليهم :
ـــــــــــــــــــــــــــ
بقوله عز وجل :
((أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ{35} مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ{36} )
وبقوله تعالى :
((أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ ))
فإذا قلتم بهذا من أن صاحب الكبيرة إذا مات وهو قائم عليها يكون مخلدا في نار جهنم
نقول :
ــــــــــــــــــــ
أي فرق بين هؤلاء العصاة من المؤمنين وبين الكفار
فهذا يرده ما جاء في هاتين الآيتين
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
النوع السادس من أنواع الشفاعة :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
شفاعة النبي عليه الصلاة والسلام لمن يدخل الجنة بغير حساب ولا عذاب :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قد مر معنا في معرض ما ذكرنا من جملة أحاديث في الشفاعة : (( أنه إذا قيل للنبي : ارفع رأسك وقل تسمع وسل تعط ، واشفع تشفع
فيقول : يارب أمتي أمتي
فيقول الله : أدخل من أمتك ممن لا حساب عليه من الباب الأيمن من أبواب الجنة ، وهم شركاء الناس فيما سوى ذلك من الأبواب ))
ويدل لها أيضا : أن النبي عليه الصلاة والسلام كما سبق معنا عند حديث السبعين الألف قال :
(( استزدت ربي فزادني مع كل ألف سبعين ألف ، وثلاث حثيات من حثيات ربي ))
ففي هذا دليل على هذا النوع من أنواع الشفاعة
النوع السابع من أنواع الشفاعة :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
شفاعة النبي عليه الصلاة والسلام لأهل الكبائر ممن استحق أن يدخل النار أن لا يدخلها
ــــــــــــــــــــــــــــ
قد ظن البعض أنه لا دليل على هذه الشفاعة ، أنه ليس هناك دليل صريح على وجود هذه الشفاعة
ولكن الدليل :
أن النبي عليه الصلاة والسلام : (( إذا نصب الصراط ، قال : اللهم سلم سلم ، وحينها يؤذن له ( يعني في الشفاعة ) فيمر الناس على قدر أعمالهم ))
فالإذن للنبي عليه الصلاة والسلام حينما يمر الناس دليل على أن هناك من استحق أن يسقط في النار
فبشفاعته ظفر بهذه النجاة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
النوع الثامن من أنواع الشفاعة :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
شفاعة النبي عليه الصلاة والسلام في قوم استوت حسناتهم وسيئاتهم ، وهم [ أصحاب الأعراف ] :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أصحاب الأعراف أصح ما قيل فيهم أنهم قوم استوت حسناتهم وسيئاتهم
قال ابن حجر كما في الفتح : ” وهذا هو المعتمد “
ودليلها ما جاء في معجم الطبراني أن ابن عباس قال : ( السابق بالخيرات يدخل الجنة بغير حساب ، والظالم لنفسه وأصحاب الأعراف يُشفع لهم )
ففي هذا الأثر دليل على وجود هذه الشفاعة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[[ والشفاعة ]] :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أحاديثها من أحاديث المتواتر .
وذلك لأن المتواتر نوعان – وسبق بيان ذلك – :
ـــ منه ما هو متواتر لفظي
ـــ ومنه ما هو متواتر معنوي
والشفاعة من قبيل المتواتر المعنوي
وقد مر معنا بيت فيما تواتر :
مما تواتر حديث من كذب
وممن بنى الله بيتا واحتسب
ورؤية شفاعة والحوض
ومسح خفين وهذه بعض
ـــ فذكر في هذا النظم ذكر فيه الشفاعة
ــ و[[ الشفاعة العظمى ]] مما مُيز بها النبي عليه الصلاة والسلام
ولذا قال – كما في الصحيحين – : (( أعطيت خمسا لم يعطهن أحد قبلي- وذكر منها : الشفاعة ))
وهو حريص على أمته :
فقد تلا ذات يوم ما ذكره عز وجل عن إبراهيم : {رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِّنَ النَّاسِ فَمَن تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }
وتلا ما ذكره جل وعلا عن ” عيسى ” :
{إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ }
فجعل يبكي ، فأرسل الله جبريل ، وقال : (( انظر ما يبكي محمدا 0 وهو أعلم ))
فلما أتاه جبريل قال : أمتي أمتي
فرجع جبريل والله عز وجل أعلم بخبره فقال : (( ارجع إليه وقل له : إنا سنرضيك في أمتك ولا نسوؤك ))
وقد صح عنه أنه قال عيه الصلاة والسلام :
(( لكل نبي دعوة مستجابة قد تعجل بها ، وإني خبأت دعوتي لأمتي يوم القيامة ))
ـــ وصح عنه – كما عند الترمذي قال :
(( إني خُيرت بين الشفاعة ، وبين أن يدخل نصف أمتي الجنة ، فاخترت الشفاعة ، فهي نائلة إن شاء الله من لا يشرك بالله شيئا ))
ــــ وقد جاء في الحديث المشهور:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(( أن جبريل قال للنبي عليه الصلاة والسلام : اقرأ القرآن على حرف
فقال : يا رب خفف على أمتي
فقال : اقرأ على حرفين
فقال : يا رب خفف على أمتي
فقال : اقرأ على ثلاثة أحرف
فقال : يا رب خفف على أمتي
فقال : اقرأ على سبعة أحرف ، ولك بكل ردة رددتها عليك مسألة
فقال : اللهم أمتي اللهم أمتي ، وادخرت الثالثة ليوم ترغب إليّ فيه الخلائق حتى إبراهيم ))
ولذا يبعثه عز وجل مقاما محمودا ، وذلك لأنه أفضل الخلق
وهذا المقام المحمود جاءت أحاديث في بيانه :
من بينها :
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وهناك خلاف بين العلماء يصل إلى ثمانية أقوال أو إلى سبعة أقوال في المقام المحمود لكن مما جاء في الأحاديث :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ــ أن هذا المقام المحمود يكون :
(( حينما يشفع الشفاعة الكبرى ))
(( وحينما يشفع لمته في دخول الجنة ))
(( وحينما يشفع بخروج العصاة من هذه الأمة ))
وقولنا : ” من هذه الأمة “ لا ينفي أن أهل الكبائر من غير هذه الأمة أن لا يدخل في هذا
فليس هناك دليل على تخصيص أمة محمد عليه الصلاة والسلام بالشفاعة في أهل الكبائر دون المم السابقة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ