الشرح الموسع لكتاب التوحيد ـ الدرس (142) حديث (لما حضرت أبا طالب الوفاة )(3)

الشرح الموسع لكتاب التوحيد ـ الدرس (142) حديث (لما حضرت أبا طالب الوفاة )(3)

مشاهدات: 407

الشرح الموسع لكتاب التوحيد ـ درس ( 142 )

حديث (لما حضرت أبا طالب الوفاة ) الجزء الثالث

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فضيلة الشيخ :  زيد بن مسفر البحري

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وقد سبق معنا في الأصول الثلاثة بيان أنواع الكفر ، ولعل يأتي ما يدل على هذه الأنواع في موضع آخر

وقوله : (( فقال النبي عليه الصلاة والسلام : لأستغفرنّ لك  ما لم أُنه عنك )) :

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

” لأستغفرنَّ “ ـــــــ اللام تدل على قسم مقدر ، فأكد

 النبي عليه الصلاة والسلام هذا الاستغفار باللام ، وبالقسم المقدر ، وبنون التوكيد الثقيلة ، فهنا ثلاث مؤكدات أكد بها النبي عليه الصلاة والسلام انه سيستغفر لأبي طالب

وقد جاء في رواية أخرى التصريح بالقسم قال : (( والله لأستغفرن لك ))

والنبي عليه الصلاة والسلام لم يقل : (( لأستغفرن لك )) وسكت ، وإنما قال : (( ما لم أنه عنك ))

فدل على أن النبي عليه الصلاة والسلام في قلبه نوع من القلق في هذا الاستغفار فكان في قلبه قلق من أنه سيأتي نهي ، لكنه ليس بمتأكد عليه الصلاة والسلام في هذا ولذا قال : (( لأستغفرن لك ما لم أنه عنك ))

و [ لأستغفرن ] : ـــــــ فعل مضارع مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الثقيلة

و [ السين ] علامة على أنه فعل مضارع ، والسين للاستقبال

فالنبي عليه الصلاة والسلام حلف بالله فيما يستقبل من أمره أن يستغفر لأبي طالب :

[ من الفوائد ] :

ـــــــــــــــــــــــــ

ـــ أن النبي عليه الصلاة والسلام لم يؤمر بأن يحلف ، فأقسم بالله عز وجل ، ولم يؤمر حلف ولم يُستحلف ، وهذا يعينا إلى ما مضى من فوائد من أنه يجوز أن تقسم من غير أن تستحلف إذا كان الأمر على شيء مهم

ولا شك أن هذا الأمر مهم بالنسبة للنبي عليه الصلاة والسلام ، ومما يدل على أهميته أنه شفع له

[ من الفوائد ]  تحت هذه الجملة :

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

أن كلمة ( النهي ) هنا فيها دلالة على القاعدة التي طالما تذكر وهو أن [ الأصل في النهي التحريم ]

ولذا قال : (( ما لم أنه ))

فدل على أنه إذا جاء النهي  سيكف عن الاستغفار

فيفيدنا بأن الأصل في النهي التحريم من خلال هذه الجملة

[ من الفوائد ] تحت هذه الجملة :

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

أن النبي عليه الصلاة والسلام كما جاء عند الطبراني بيَّن علة استغفاره لعمه أبي طالب ، وذلك في اقتدائه بأبيه إبراهيم فأخبر النبي عليه الصلاة والسلام – كما جاء عند الطبراني : (( أنه استغفر لعمه أبي طالب اقتداء بأبيه إبراهيم ))

قوله : (( فأنزل الله …….. )) :

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الفاء : هنا تفيد الترتيب ، فكأن الآية نزلت عقيب وفاة أبي طالب

وهذه الآية لا شك أنها مدنية ، وهي في سورة التوبة :

{مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُواْ أُوْلِي قُرْبَى مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ }

ــ فإذا كانت هذه الفاء للترتيب فتكون هذه الآية قد نزلت في شأن أبي طالب

وإذا كانت نزلت في شأن أبي طالب على هذا القول فعندنا ” إشكال كبير “

ما هو هذا الإشكال ؟

الإشكال : هو أن النبي عليه الصلاة والسلام في غزوة أحد كما جاء عند البخاري وغيره :

قال : لما شُج قال : (( اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلون ))

فيكون قد خالف الآية  ؟

لأن الآية إذا قلنا إنها نزلت في أبي طالب ، تكون مكية وليست مدنية لأن قصة أبي طالب في مكة وليست في المدينة

وكانت وفاة أبي طالب قبل الهجرة بثلاث سنوات ، ومعلوم أن [ غزوة أحد ] في السنة الثالثة من الهجرة يعني بينهما ست سنين ؟

وهذا إشكال ؟

ــ ويزيد إشكالا أن النبي عليه الصلاة والسلام كما جاء عند مسلم لما أراد أن يعتمر ، ومر على قبر أمه قال : (( استأذنت ربي أن أزور قبر أمي فأذن لي ، واستأذنته ان أستغفر لها فلم يؤذن لي ))

فبكى وأبكى من حوله .

فكيف يدعو ربه وقد جاءه النهي قبل هذا في شأن أبي طالب على وجه العموم ؟

{مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُواْ أُوْلِي قُرْبَى مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ }

ـ ويزيده أيضا تأكيدا ان الله قال في شأن المنافقين : ((اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ اللّهُ لَهُمْ ))

ولذا جاء عند البخاري قوله عليه الصلاة والسلام : (( لو علمت أنه سيغفر لهم لو زدت على السبعين لاستغفرت لهم ))

ـــ ويزيده تأكيدا أيضا : أن النبي عليه الصلاة والسلام قام على قبر ” عبد الله بن أبي بن سلول ” وقد نهاه عمر ، وقال له: أتصلي عليه وقد نهاك الله عن ذلك ؟

قال : (( إنما خُيِّرت ))

فصلى عليه فأنزل الله عز وجل : ((وَلاَ تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَداً وَلاَ تَقُمْ عَلَىَ قَبْرِهِ ))

ومن ثم : فإن ” عمر ” قال : (( أتصلي عليه وقد نهاك الله عن ذلك ؟ ))

وهو لم يأت نهي

لكن قال العلماء : أن عمر عنده موافقات للقرآن فكأنه استشف من قوله تعالى : ((اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً ))

استشف منها أنه نهي ، ولذلك نزلت هذه الآية موافقة لرأي عمر .

فماذا نصنع ؟

فإذا قلنا : إن الفاء للترتيب والتعقيب فيرد علينا هذا الإشكال ، وهذا الإشكال واضح لا شك في وضوحه

ومن ثم :

ـــــــــــــ

فإنه يجاب عنه بجوابين :

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الجواب الأول :

ـــــــــــــــــــــــــــ

ــ* أن الآية نزلت مرتين :

ـ مرة في أبي طالب

ــ ومرة فيمن سواه

فيكون نزول الآية في أول الأمر يكون نزولها خاصا بأبي طالب

ولا شك أن هذا الجواب  فيه ” شيء من الضعف ” لأمرين :

الأمر الأول :

ــــــــــــــــــــ

أن الآية عامة فكيف يُخصص بها أبو طالب ؟

لأن النبي عليه الصلاة والسلام أقدم على ما يخالف ظاهر هذه الآية بعد أن نزلت في أبي طالب

الأمر الثاني :

ــــــــــــــــــــ

أن الأصل عدم نزول الآية مرتين

قد قال بعض العلماء :

ـــــــــــــــــــــــــــــــ

إن الآية قد تنزل مرتين كما أن السورة قد تنزل مرتين :

مثل الفاتحة : قيل : إنها نزلت مرتين : مرة في مكة

ومرة في المدينة .

وهذا الجواب فيه ضعف كما سبق

الجواب الثاني :

ــــــــــــــــــــــ

ـــ أن هذه الآية لم تنزل في شأن أبي طالب

فتكون هذه ” الفاء ” للترتيب والتعقيب

ولكن كل شيء بحسبه

فيكون أبو طالب داخلا في هذه الآية ضمن أسباب وقعت للنبي عليه الصلاة والسلام

ما هي هذه الأسباب ؟

قال في غزوة أحد :

(( اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون ))

(( استأذن أن يستغفر لأمه فنهي عن ذلك ))

قال : (( لو علمت أنه سيغفر لهم لو زدت على السبعين لاستغفرت لهم ))

تكون هذه الآية ، وهي قوله تعالى :

(( مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُواْ أُوْلِي قُرْبَى ))

تأخر نزولها لأسباب متعددة

فتكون هذه الآية نازلة في شأن أبي طالب ، ليس لوحده وإنما في شأن أبي طالب ، وفي شأن قوم النبي عليه الصلاة والسلام ، وفي شان أمه ، وفي شأن المنافقين

ولا يمنع أن تنزل الآية مرة واحدة ، وقد سبق قبل نزولها أسباب تتعلق بها

وذلك مثل آية [ اللعان ] على أحد القولين :

هل نزلت في (( عويمر ))أم نزلت في (( هلال بن أمية )) ؟

قيل : إنها نزلت مرتين

وقيل : إنها نزلت مرة واحدة

فتكون هذه الآية قد نزلت في سببين متقدمين فيكون ” هلال ” أتى وأخبر النبي عليه الصلاة والسلام ، ثم أتى ” عويمر ” قبل نزوله  الآية

أو أتى عويمر ثم أتى هلال فتكون نازلة مرة واحدة

بعض العلماء : جنح بجواب عن نص واحد ، وهو : (( ابن حبان ))

لكن لو أجاب عن هذا فإن هذا الجواب عن هذا النص لو سلمنا به مع أننا لا نسلم به لو سلمنا به فهناك أسباب أخرى

ما هو هذا النص ؟

قول النبي عليه الصلاة والسلام : (( اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون ))

قال :

ــــــــ

إن مراد النبي عليه الصلاة والسلام بدعاء المغفرة لهم أن يغفر لهم ما يتعلق بحقه هو ، وهو (( شج النبي عليه الصلاة والسلام )) وكسر رباعيته ، ولم يرد المغفرة العامة

فكأنه تنازل عن حقه (( ولا شك أن هذا تخصيص للعموم ))

ولو قلنا به : فماذا نقول في قصته مع أمه ، وفي شان المنافقين

ــ يأتي [ القرطبي ] ويقول : إن قوله :(( اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون ))

يقول : إن القائل ليس النبي عليه الصلاة والسلام ، وإنما حكاية من النبي عليه الصلاة والسلام عن نبي سبقه ، لقول ابن مسعود : (( كأني أنظر إلى النبي عليه الصلاة والسلام يحكي نبيا قد شجه قومه ، وهو يمسح الدم عن وجهه ويقول : اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون ))

ورد عليه ” النووي ”

ثم وافق ” ابن حجر ” قول النووي في الرد عليه من أنه حاصل للنبي عليه الصلاة والسلام وحاصل لنبي سبق النبي

فيكون ذكر النبي عليه الصلاة والسلام تسلية للنبي فيما جرى له

ــ فيكون الصواب أنها زلت مرة واحدة في أسباب متعددة

والدليل على هذه الوقائع : دليل آخر :

أن قوله في تتمة هذا الأثر:

قال : وانزل في أبي طالب :

((إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ ))

فدل على أن هذه الآية لم يرد فيها أبو طالب في تلك الحال

وذلك لأنه خصص في نهاية الأثر فقال مخصصا ان هذه الآية نزلت في أبي طالب :

قال : وأنزل في أبي طالب :

((إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ ))

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ