الشرح الموسع لكتاب التوحيد ـ الدرس( 146)
قوله تعالى ( يا أهل الكتاب لا تغلو في دينكم ) الجزء الأول
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فضيلة الشيخ : زيد بن مسفر البحري
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وقال المصنف رحمه الله :
وقول الله عز وجل :
((يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ )) :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الشرح :
ـــــــــــــ
وقول الله عز وجل :
ـــــــــــــ
سبق معنا الحديث عن قول الله عز وجل ، وعن عزته وعن جلاله
فلا معنى لإعادتها مرة أخرى
وقوله تعالى : ((يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ )) :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هذه الآية في سورة النساء ولم يكملها المصنف رحمه الله
فقوله :
{يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ وَلاَ تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ إِلاَّ الْحَقِّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرُسُلِهِ وَلاَ تَقُولُواْ ثَلاَثَةٌ انتَهُواْ خَيْراً لَّكُمْ إِنَّمَا اللّهُ إِلَـهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَن يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَات وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَفَى بِاللّهِ وَكِيلاً }
النساء171
ـــــــــــــــــــــــ
فقوله عز وجل : ((يَا أَهْلَ الْكِتَابِ )) :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
جاءت آية أخرى فيها الأمر من الله عز وجل للنبي عليه الصلاة والسلام إلى أهل الكتاب وهي في سورة المائدة :
قال تعالى :
{قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلاَ تَتَّبِعُواْ أَهْوَاء قَوْمٍ قَدْ ضَلُّواْ مِن قَبْلُ وَأَضَلُّواْ كَثِيراً وَضَلُّواْ عَن سَوَاء السَّبِيلِ }المائدة77
فقول الله عز وجل في سورة المائدة : ((قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ ))
هنا الصدارة في هذه الآية تختلف عن الصدارة في الآية التي معنا
فالتي معنا : ((يَا أَهْلَ الْكِتَابِ )) نداء من الله عز وجل
وأما التي في المائدة فهي أمر منه جل وعلا للنبي أن يقول لهم :
((قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ ))
و ” يا ” حرف نداء
والمنادى : أهل الكتاب
وكذلك نادى النبي في سورة المائدة كما أمره جل وعلا نادى بهذه الصيغة : (( يا أهل الكتاب ))
وأهل الكتاب هم اليهود والنصارى وإنما خصوا مع أن أمما قد نزلت عليها كتب مثل الزبور مثل صحف إبراهيم
فالزبور :
نزل على داود : (( وآتينا داود زبورا ))
وصحف إبراهيم نزلت على إبراهيم عليه الصلاة والسلام
وإنما خصوا بهذا – والله أعلم – لأمور :
الأمر الأول :
ـــــــــــــــــ
أن كتبهم من أشرف الكتب
ولذا :
و كتبهم :
ــــ التوراة أنزلت على موسى عليه الصلاة والسلام الذي أرسل إلى اليهود
ـــ والإنجيل أنزل على عيسى عليه الصلاة والسلام الذي أرسل إلى النصارى
وكذلك أرسل إلى بني إسرائيل
ولذا قال الله عز وجل مبينا شرف هذه الكتب الثلاثة : القرآن
والتوراة والإنجيل :
قال تعالى :
((إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ ))
ولما ذكر عز وجل القرآن والتوراة قال تعالى :
{قُلْ فَأْتُوا بِكِتَابٍ مِّنْ عِندِ اللَّهِ هُوَ أَهْدَى مِنْهُمَا أَتَّبِعْهُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ }
النبي عليه الصلاة والسلام – كما عند مسلم- في دعاء النوم : يقول :
(( منزل التوراة والإنجيل والقرآن فالق الحب والنوى………… الحديث ))
ولتعلم :
أن التوراة والإنجيل وصفا في كتاب الله عز وجل بأوصاف شريفة :
قال عز وجل :
((إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ ))
وقال تعالى :
((وَآتَيْنَاهُ الإِنجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ ))
وقال تعالى :
((وَآتَيْنَاهُ الإِنجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ ))
وقال تعالى عن التوراة :
{وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ مِن بَعْدِ مَا أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الْأُولَى بَصَائِرَ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لَّعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ }القصص43
ومن ثم فإن هذه الآيات التي جاءت بوصف هذين الكتابين بهذه الأوصاف الشريفة
قد يدخل داخل على بعض المسلمين ويقول : لم ؟
ولاسيما في هذا العصر الذي يدعى فيه إلى توحيد الأديان أو إلى تقريبها ؟
قد يقول :
لم لا يكون ما في التوراة والإنجيل حق وقد شهد القرآن بفضلهما ؟
ومن ثم فإنا نقول :
ــــــــــــــــــ
أولا :
ــــــــــــــــ
أن هذه الكتب الموجود محرفة
ثم على افتراض وجود كتب استيقن أنها لم تصل إليها أيدي المحرفين فإن القرآن نسخها
لما ذكر في سورة المائدة :
((إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ ))
((وَآتَيْنَاهُ الإِنجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ ))
قال بعدها :
((وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ ))
وقال أيضا في سياق الآيات :
((وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ ))
فتكون نورا وهداية في الزمن الذي أنزله عز وجل فيهما أما بعد مجيء الإسلام : فلا ــــ لقوله تعالى :
(({وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ ))
ومن ثم :
شيخ الإسلام رحمه الله قال :
” إن الإسلام نوعان : نوع عام ، ونوع خاص :
فالنوع العام : هو ما كانت عليه الأمم السابقة ممن تمسك بالتوراة والإنجيل وغيرها من الكتب
وهذا الإسلام العام قد نسخ بالإسلام الخاص الذي أتى به النبي عليه الصلاة والسلام
ولذا قال تعالى :
{أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاء إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي قَالُواْ نَعْبُدُ إِلَـهَكَ وَإِلَـهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَـهاً وَاحِداً وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ }
لو قال – هم مسلمون – وقال تعالى : ((وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ )) فلماذا هذا التفريق ؟
فنقول :
ـــــــــــــــــــ
إن الإسلام في قوله تعالى : ((أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاء إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ ))
هو الإسلام العام
أما في هذه الآية : ((وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ ))
فهو الإسلام الخاص الذي أتى به النبي عليه الصلاة والسلام
وهذا الإسلام الخاص قد قضى على الإسلام العام ونسخه
ولذا :
النبي عليه الصلاة والسلام لما رأى مع عمر قطعة من التوراة قال : (( أمتهوكون انتم والله لقد جئتكم بها بيضاء نقية والله لو كان أخي موسى حيا ما وسعه إلا اتباعي ))
ولذا عيسى عليه الصلاة والسلام إذا نزل في آخر الدنيا ينزل حكما ويحكم بالإسلام ولا يقبل إلا الإسلام
فتخصيص هؤلاء بأنهم أهل الكتاب
الأمر الأول :
لأن الكتب التي أنزلت عليهم كتب شرفها عز وجل
الثاني :
ــــــــ
أنهم موجودون في عصر النبي أكثر من غيرهم وهي الأديان الباقية
بقيت بقية من دين إبراهيم لكن اليهود والنصارى موجودون في عصره :
في المدينة : وجد اليهود
وفي نجران واليمن وما حولها : وجد نصارى ويهود
الأمر الثالث :
ــــــــــــــــــــ
أن إضافة هؤلاء إلى الكتب من باب التقبيح لهم :
كيف تعرضون عن الحق وأنتم تعلمونه
ففي هذا تقبيح لهم
ولذا قال تعال عنهم في سورة البقرة :
{أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ }
كان من الجدر بكم أن يكون هذا الكتاب هاديا لكم إلى ا لدخول في دين النبي لأن كتبكم تأمر بها
كما قال تعالى :
((وَإِذْ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّيْنَ لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي – يعني : عهدي – قَالُواْ أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُواْ وَأَنَاْ مَعَكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ{81} فَمَن تَوَلَّى بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ{82} أَفَغَيْرَ دِينِ اللّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ{83} ))
ولذا لما تنازعت اليهود والنصارى ماذا قال عز وجل مقبحا صنيعهم ؟
قال تعالى :
((وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَىَ شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ ))
قال :
((وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ ))
كان من الواجب أن يجعلوا هذا الكتاب نورا يستضاء به
الأمر الرابع :
ـــــــــــــــــ
أن الغلو وحديثه فيما سبق ليس محصورا في الغلو
وذلك لأن الآيات القرآنية بذكر هؤلاء بإضافتهم إلى الكتب في غير الغلو فيكون الحديث عاما
الأمر الخامس :
ـــــــــــــــــــ
أن الغلو في هؤلاء أكثر من غيرهم
ولذا النصارى غلت مدحا في عيسى
واليهود غلت قدحا في عيسى إذ قالوا : إنه ابن زنى وسعوا إلى قتله
إنما النصارى غلت فيه مدحا حتى رفعوه إلى منزلة الإله
الأمر السادس :
ــــــــــــــــــــــ
أن هؤلاء إذا هداهم الله عز وجل هدى بسببهم أناسا كثر
ولذا قال تعالى عن اليهود في سورة البقرة :
((وَآمِنُواْ بِمَا أَنزَلْتُ مُصَدِّقاً لِّمَا مَعَكُمْ وَلاَ تَكُونُواْ أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ ))
مع أنهم ليسوا أول من كفر به في الواقع لأن قبلهم قريش
لكن لماذا قال : ((وَلاَ تَكُونُواْ أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ )) ؟
لأن في كفرهم بالنبي عليه الصلاة والسلام مع وجود العلم عندهم يعدونه هم الأوائل في الكفر
ولذا جاء في صححي البخاري :
قوله عليه الصلاة والسلام : (( لو أسلم عشرة من اليهود لأسلمت يهود كلها ))
وهؤلاء العشرة هم العلماء منهم