الشرح الموسع لكتاب التوحيد ـ الدرس (147) قوله تعالى { يا أهل الكتاب لا تغلو في دينكم } (2)

الشرح الموسع لكتاب التوحيد ـ الدرس (147) قوله تعالى { يا أهل الكتاب لا تغلو في دينكم } (2)

مشاهدات: 456

الشرح الموسع لكتاب التوحيد ـ الدرس( 147)

قوله تعالى ( يا أهل الكتاب لا تغلو في دينكم ) الجزء الثاني

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فضيلة الشيخ :  زيد بن مسفر البحري

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

مازلنا في تفسير الاية التي ذكرها المصنف وضممنا إليها الاية التي في سورة المائدة :

{قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلاَ تَتَّبِعُواْ أَهْوَاء قَوْمٍ قَدْ ضَلُّواْ مِن قَبْلُ وَأَضَلُّواْ كَثِيراً وَضَلُّواْ عَن سَوَاء السَّبِيلِ }

فقوله تعالى : ((يَا أَهْلَ الْكِتَابِ )) :

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

هذا نداء نودي فيه أهل الكتاب الذين هم اليهود والنصارى ولا يلزم كفائدة لغوية تفيدنا في التفسير لا يلزم في” يا “: التي للنداء أن تكون للنداء  ، لكن الأصل  فيها أن تكون للنداء

وقد تأتي للتنبيه على أحد أقوال أهل اللغة

وذلك في مثل قوله تعالى :

(( يا ليت قومي يعلمون ))

فتكون ” يا “ هنا للتنبيه ، وذلك لأنها ما دخلت على ” اسم “

وإنما دخلت على حرف

ومعلوم أن النداء من علامات الاسم لا من علامات الحرف ولا من علامات الفعل

فتكون ” يا ” للتنبيه وليست للنداء

وهذا أصوب من قول من يقول : إن المنادى محذوف وذلك لأن الأصل عدم الحذف

وقوله تعالى : ((لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ )) :

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

” لا تغلو ”

لا : هنا ناهية

وتغلو : فعل مضارع مجزوم بلا الناهية وعلامة جزمه حذف النون لأنه من الأفعال الخمسة والواو في محل رفع فاعل

وقلنا إن العلامة بين ” لا ” التي للنفي والتي للنهي:

أن لا النافية لا تعمل في الفعل

فلو كانت نافية لكان التعبير ” لا تغلون ”

أما ” لا ” الناهية فإنها تؤثر في الفعل

ومن ثم لو اعترض معترض بأن ” لا ” الناهية لم تعمل عملها كقوله تعالى – وهي موضع كلام لأهل اللغة والمفسرين – :

((وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لاَ تَعْبُدُونَ إِلاَّ اللّهَ ))

قال : ((لاَ تَعْبُدُونَ إِلاَّ اللّهَ ))

فلا هنا ناهية : فلا تعبدوا إلا الله

فلماذا لم تحذف النون هنا ؟

الجواب عن هذا :

ـــــــــــــــــــــــ

أن التأثير ليس بلا وإنما التأثير بأن

لأن أصل الكلام ألا تعبدوا

كقوله تعالى وسبق معنا : ((وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ ))

فكان التأثير بـ ” أن “

فأصل الكلام : أن لا تعبدوا

فحذفت أن المصدرية ورجعت النون إلى وضعها ” لا تعبدون إلا الله ”

والنهي هنا : ــــــــــ نهي تحريم كما سبق معنا من أن النهي يقتضي التحريم

وكذلك القاعدة في الأصول أن النهي يقتضي التكرار

فيكون الغلو منهيا عنه في جميع الأحوال وفي جميع الأوقات وفي شتى صور الغلو سواء قل هذا الغلو أم كثر

وسواء كان هذا الغلو في : العبادات أم في العقائد أم في المعاملات

فيكون النهي عاما ولا ينظر إلى حال هؤلاء الذين غلو بصورة معينة ، وهو غلوهم في عيسى عليه الصلاة والسلام

فجاء النهي شاملا

ولذا قال  : ((لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ ))

فجعل النهي عن الغلو في محل

ما هو هذا المحل ؟

الدين

قال : ((لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ ))

الآية الأخرى التي في المائدة :

((لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ ))

هذا لبيان الواقع وذلك لأن الغلو كله ليس حقا ، وإنما ما صنعه هؤلاء هو الباطل بما يقتضيه حالهم

ويراد من هذا التبكيت والتحقير والتهكم لهم :

شأنه كشأن قوله تعالى :

((وَمَن يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ ))

أيفهم من هذا أن هناك برهانا يجوز للإنسان أن يدعو معه غير الله عز وجل ؟

الجواب : لا

ولذا جاء التعميم في سورة النساء فقال :

(( لا تغلو في دينكم ))

ثم قال عز وجل في سورة النساء التي معنا :

((لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ))

” الدين “ هنا يطلق ويراد منه :

إما الجزاء وإما العمل

وهو هنا بمعنى : العلم

يعني : لا تغلو في عملكم وقد يطلق الدين ويراد منه الجزاء

كما في قوله تعالى : (( مالك يوم الدين ))

أي : مالك يوم الجزاء والحساب

كما قال تعالى  :

((يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ ))

فالدين هنا : هو العمل

وقوله : ((وَلاَ تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ إِلاَّ الْحَقِّ )) :

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فيه نهي من أن يقال على الله عز وجل إلا الحق

ما هو الحق ؟

الحق هو الذي جاء به جل وعلا في كتابه أو جاء به النبي

وما عدا ذلك فليس من الحق في شيء

وهذه الآية وإن  كانت في اليهود والنصارى :

إذ قالت اليهود  : بأنه ولد زنى

وقالت النصارى : بأنه إله أو لد الله

إلا إنها شاملة

ومن ثم :

ـــــــــــــ

فلا يجوز لأحد أن يقول قولا في شرع الله لم يأت عليه دليل ولا يجوز له أن يتقول على الله ما لا علم له به

ولذا قال تعالى :

{قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ }

وقال تعالى :

((وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَـذَا حَلاَلٌ وَهَـذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُواْ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ{116} مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ{117} ))

والنهي هنا نهي عن القول ، ولا يعني أن العمل يخرج من هذا فإنه لا يجوز لأحد أن يخالف عمله قوله فإذا قلت الحق فيجب عليك أن تعمل بهذا الحق

وإلا فما الفائدة من هذا القول

فإن القول لا اعتداد به دون أن يكون هناك عمل مبني على هذا الحق

وقد يقول قائل : إن ما جاء به النبي عليه الصلاة والسلام حق ولكنه لا يعمل به ؟

فهذا ضال  ولا ينفعه اعتقاده

وقوله : ((وَلاَ تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ إِلاَّ الْحَقِّ )) :

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وهنا حصر : بأن لا يقال على الله إلا الحق وذلك لأنه جل وعلا هو الحق :

((فَذَلِكُمُ اللّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلاَلُ ))

ولأن قوله الحق :

((قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ ))

وفي سورة المائدة قال :

((وَلاَ تَتَّبِعُواْ أَهْوَاء قَوْمٍ قَدْ ضَلُّواْ مِن قَبْلُ ))

فالقول على الله بلا حق أو بغير حق ما سببه ؟

سببه أن هؤلاء ” اليهود والنصارى “ سببه أنهم اتبعوا أسلافهم ومن سبقهم

وفي هذا بيان وتذكير في نفي الوقت من قول الشيخ رحمه الله من بيان خطر تعظيم الأسلاف والكبراء

فأوضحت آية المائدة أن سبب ما وقع فيه هؤلاء من الغلو والقول على الله بغير حق سببه أنهم اقتدوا بأسلافهم

ولذا قال تعالى مبينا هذا سبيلا واضحا في سورة التوبة :

{وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللّهِ وَقَالَتْ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُم بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِؤُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ }

وقوله : ((وَلاَ تَتَّبِعُواْ أَهْوَاء قَوْمٍ )) :

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فيه تقديم للهوى على القول

وهذا يدل على أن سبب ضلال ابن آدم الهوى

وقد مر معنا ما نقله شيخ الإسلام عن الإمام أحمد أنه قال  سبب ضلال ابن آدم الآراء الفاسدة واتباع الهوى

ولذا قال تعالى :

((إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنفُسُ وَلَقَدْ جَاءهُم مِّن رَّبِّهِمُ الْهُدَى ))

ولذا اليهود والنصارى وقعوا في هاتين المعضلتين : الآراء الفاسدة واتباع الهوى

فاتباع الظن ــــــــــــ النصارى

واتباع الهوى ــــــــــ اليهود

الآراء الفاسدة : ــــــ النصارى

واتباع الهوى : ــــــــ اليهود
لذا أمرنا أن ندعو الله في كل ركعة أن يهدينا الصراط المستقيم غير صراط المغضوب عليهم ولا الضالين :

فالمغضوب عليهم هم اليهود الذين اتبعوا الهوى

والضالين هم النصارى الذين اتبعوا الآراء الفاسدة

((اهدِنَــــا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ{6} صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ{7} ))

فقوله عز وجل :((وَلاَ تَتَّبِعُواْ أَهْوَاء قَوْمٍ قَدْ ضَلُّواْ )) :

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

والهوى : خطره عظيم

ولتتأمل كتاب الله عز وجل تجد خطره وفداحة أمره :

قال عز وجل في شان موسى :

{فَلاَ يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَنْ لاَ يُؤْمِنُ بِهَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَتَرْدَى }

وقال تعالى للنبي عليه الصلاةو السلام :

{وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً }

قوله : ((وَلاَ تَتَّبِعُواْ أَهْوَاء قَوْمٍ )) :

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فيه بيان لخطر التقليد الأعمى الذي لا حجة فيه ولا دليل فيه

وبين عز وجل صفة هؤلاء القوم :

قال : (( قد ضلوا من قبل )) :

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ضلوا في أنفسهم

ثم قال : (( وأضلوا كثيرا )) :

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

يعني : أوقعوا غيرهم في هذا الضلال

(( وضلوا عن سواء السبيل )) :

ـــــــــــــــــــــــــــــــــ

وقد هنا – كما سبق معنا – هي حرف ، وذلك لدخولها على الفعل وهي من علامات الأفعال كما سبق في الأجرومية

وهذا الغالب فيها

ولكن قد تكون ” قد ” اسما

وذلك إذا كانت بمعنى : حسب

تقول : قد زيدٍ درهمٌ

يعني : حسب زيد درهم ، فتكون اسما إذا كانت بمعنى : حسب

وتكون فعلا : إذا كانت بمعنى : يكفي :

كما لو قلت : قد زيدا درهم

يعني : يكفي زيدا درهم

قد : اسم مبني في محل رفع مبتدأ إذا كانت بمعنى : حسب في مثال : قد زيدٍ درهمٌ

درهم : خبر