التوحيد الموسع لكتاب التوحيد
الدرس ( 17 )
قوله تعالى :
{ قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا} [الأنعام: 151]
الجزء الثالث
فضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله تعالى : {قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (151) } [الأنعام: 151]
ثم قال تعالى : {وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ } [الأنعام: 152]
هذه هي الوصية الساسة :
والقول في معنى { وَلَا تَقْرَبُوا } قد تقدَّم في قوله { وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ } [الأنعام: 151]
وقد تقدم أيضا ذكر اليتيم وما يتعلق به من مسائل ونصوص .
فنهى جل وعلا هنا عن قرب مال اليتيم إلا في حالة واحدة { إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ } .
وقد جاء في سنن أبي داود :
أن ابن عباس رضي الله عنهما قال في هذه الآية وما يشابهها مما نزل في تعظيم شأن مال اليتيم ، قال : ( لما نزلت طفق كل ولي يعزل طعامه عن طعام يتيمه ، فربما بقي من هذا الطعام فضلة فيفسد ، وشق على الأولياء عزل طعامهم عن طعام أيتامهم ، فأنزل الله عز وجل التخفيف ، فقال في سورة البقرة : {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَعْنَتَكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } [البقرة: 220] أي لأوقعكم في الحرج والمشقة .
فقوله تعالى : {وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ } [الأنعام: 152]
فيه وعيد شديد ، جاء في آيات أخر في شأن من اعتدى على مال اليتيم ، قال عز وجل في سورة النساء : {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا } [النساء: 10] .
وقال عز وجل محذرا من أن يأخذ ولي اليتيم الشيء النفيس ويضع البديل عنه شيئا حقيرا ، قال عز وجل في سورة النساء : {وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا } [النساء: 2] يعني إثماً كبيراً .
وإنما أجاز الشرع أن يأخذ الولي إن كان فقيراً من مال اليتيم بشرطين ،
أولاً : أن يكون هذا الولي فقيراً
ثانيا : أن يأخذ بالمعروف .
وأما إن كان هذا الولي غني فلا يجوز ، قال عز وجل : {وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ } [النساء: 6]
وقال النبي صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين : ( اجتنبوا السبع الموبقات ) وذكر منها ( أكل مال اليتيم )
وقال أيضا عليه الصلاة والسلام : ( إني أحرِّج حق الضعيفين المرأة واليتيم )
بل نهى الشرع – على أحد أقوال المفسرين – نهى الشرع ولي اليتيمة إذا كان يريد نكاحها ممن يجوز له نكاحها نهاه أن يبخسها حقها من المهر ، قال عز وجل : { وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى} [النساء: 3] يعني في إعطائهن المهور كأمثالهن ، قال : { فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ} [النساء: 3] .
وقال عز وجل : {وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ} [النساء: 127] .
وقال عز وجل في عموم حق اليتيم ، قال في نهاية الآية : { وَأَنْ تَقُومُوا لِلْيَتَامَى بِالْقِسْطِ} [النساء: 127]
ونهى عز وجل في هذه الآية أن يُقرب مال اليتيم إلا في حالة واحدة ،وهي حالة الحسنى ، وذلك كأن يتاجر في ماله ، ولذا جاء حديث : ( اتجروا بمال اليتيم لا تأكله الصدقة )
واختلف في هذا الحديث ، وأقل أحواله أن يكون موقوفاً على عمر رضي الله عنه .
ومن قرب مال اليتيم بالحسنى :
إدخال السرور على قلبه ، فلو كان مثلاً صغيراً ، واحتاج إلى لعب يتلهى بها كسائر أقرانه ، فيشتري له .
قال شيخ الإسلام رحمه الله : ” هذا من قرب ماله بالحسنى”
وقوله تعالى : { إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ } [الأنعام: 152]
أفعل التفضيل : فلا يقرب ماله بالحسن بل بالأحسن ، ولذا لو أن ولي اليتيم لاح له تصرفان أحدهما أربح من الآخر فيقدم على ما هو أكثر ربحاً .
وهذه الحسنى شاملة للحسن الديني والدنيوي ، فقد يلوح للولي تصرفان أحدهما أكثر ربحا من الآخر ، لكن الأكثر جارٍ على معاملة غير شرعية ، فيقدم ما هو أقل .
ثم قال عز وجل : { حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ} [الأنعام: 152]
فإذا بلغ أشده فيجب على الولي أو على الحاكم على – قول بعض العلماء – يجب عليه أن يسلم له ماله ، ولكن متى ؟ { حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ}
ومتى يبلغ أشده ؟
إذا بلغ البلوغ الذي به يجري عليه القلم إضافة إلى الرشد .
والرشد : هو حسن التصرف ، فلا يكفي بلوغه ، وإنما لابد أن يكون رشيدا يحسن التصرف ، بحيث لا ينفق ماله في محرم أو فيما لا فائدة منه ، ويُعرف ذلك بأن يختبر قبيل بلوغه ، يُعطى مالا – كلٌ بحسبه – ولد المزارع يعطى مالاً ليصرفه في شأن المزارعة ، ولد النجار كذلك يعطى فيما يتناسب مع بيئة أسرته ، فإذا أحسن التصرف فيُعطى ماله ، قال عز وجل : {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} [النساء: 6]
وأمر عز وجل بالإشهاد على إعطائهم المال ، قال عز وجل : {فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ } [النساء: 6] .
فيكون معنى ” الأشد ” هنا : هو ” بلوغ النكاح والرشد “
وقد يأتي معنى الأشد في كتاب الله عز وجل محددا بالسن ، قال عز وجل : {حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً} [الأحقاف: 15]
وبلوغ الأربعين سنة هي نهاية الرشد ، وأما بدايته : فقيل : ” من ثلاثين سنة” وقيل : ” من ثلاث وثلاثين “
الوصية السابعة : { وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا } [الأنعام: 152]
فهذا أمر منه عز وجل بأن يوفى الكيل والميزان بالقسط ، يعني : بالعدل .
وقد وضَّح عز وجل أن القيام بهذا الأمر خير عاقبة ، وأحسن مآلا ، قال عز وجل في سورة الإسراء : {وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذَا كِلْتُمْ وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا } [الإسراء: 35] أي أحسن عاقبة .
وأوضح عز وجل في آية أخرى الوعيد الشديد في حق من ترك هذا الأمر ، فقال عز وجل : {وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ (1) الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ (2) وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ} [المطففين: 1 – 3] فتوعدهم بويل .
وقد أوضح عز وجل بأنه أنزل عقوبته الدنيوية بمن بخس الميزان والمكيال ، وهم أهل ” مدين ” الذين أُرسل إليهم شعيب عليه السلام :
قال : {وَلَا تَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ} [هود: 84] ثم وضح على أحد القولين بأن إيفاء الكيل والميزان خير ، فقال : {بَقِيَّتُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [هود: 86] .
وكذا أنزل عقوبته على أصحاب الأيكة ، والأيكة هي : “الشجرة الغليظة الملتفة ” .
وشعيب أرسل إلى مدين وإلى أصحاب الأيكة ، قال شعب عليه السلام : { أَوْفُوا الْكَيْلَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُخْسِرِينَ (181) وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ} [الشعراء: 181، 182] .
قوله تعالى : { لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا } [الأنعام: 152]
ثم لما كان إيفاء الكيل والميزان يتعذر معه الدقة المتناهية خفف عز وجل فقال : { لاَ نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا }
فقوله تعالى : : { لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا } [الأنعام: 152]
فيه إشارة إلى وجوب الاجتهاد في إيفاء الكيل ، والوزن حسب الوسع ، وما كان خارجاً عن وسعه فلا جناح عليه.
وقد جاء مثل هذه الآية في مواضع متعددة وبأساليب متنوعة :
قال عز وجل بعد الرضاع : { لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة: 233] وقال تعالى بعد ذكر الأعمال الصالحة : {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [الأعراف: 42] .
وقال تعالى عما يختلج في الصدر من الوساوس : { لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة: 286] .
وقال عز وجل بعد قضية النفقة : { لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا} [الطلاق: 7] .
الوصية الثامنة : {وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى } [الأنعام: 152]
فأمر عز وجل بالعدل في القول ، ومن باب أولى العدل في الفعل .
وقوله تعالى : { وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى }
يعني يجب أن تقول الحق ولو على قريبك ، حتى لو كان أحد والديك ، بل حتى ولو كان على نفسك ، قال عز وجل مبينا أن العدل من صفات المؤمنين وموضحاً ما ذكرته ، قال في سورة النساء : {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ } [النساء: 135] .
بل يقام العدل دون النظر إلى رحمة الفقير ، لأن في العدل رحمة لسائر الناس ، ولذا قال عز وجل : { إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا} [النساء: 135] فلستَ بأرحم من الله عز وجل على هذا الفقير.
بل أوضح عز وجل أنه يجب أن يُعدل حتى مع العدو ، قال عز وجل : {وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ } يعني لا يحملنكم { شَنَآنُ قَوْمٍ } يعني بغض قوم { عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا } ثم بين الثمرة من هذا العدل { اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى } [المائدة: 8]
وقد أخبر النبي عليه الصلاة والسلام أن هناك ثلاثاً منجيات :
قال عليه الصلاة والسلام : ( القصد في الفقر والغنى ، وخشية الله في السر والعلانية ، والعدل في الغضب والرضا )
موضع الشاهد : ( العدل في الغضب والرضا )
فإذا أردت النجاة فعليك أن تقيم العدل في حال رضاك وفي حال غضبك .
الوصية التاسعة : {وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا } [الأنعام: 152]
فأوجب جل وعلا الإيفاء بعهده ، وقد أمر بذلك في آيات ، من بينها :
قال عز وجل{وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا} [الإسراء: 34] وقال عز وجل : {وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ } [النحل: 91] وقال عز وجل آمرا بني إسرائيل في سورة البقرة : {وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ} [البقرة: 40] وأخبر عز وجل أن من لم يقم بعهده أنه من الخاسرين :
قال عز وجل : {الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} [البقرة: 27] وأخبر عز وجل أن الجنة والعاقبة الحميدة لمن أوفى بعهده :
فقال عز وجل : {الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلَا يَنْقُضُونَ الْمِيثَاقَ} [الرعد: 20] إلى أن قال : { أُولَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ} [الرعد: 22] .
وأوضح عز وجل ما هية هذا العهد :
فقال في سورة المائدة : {وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا وَقَالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلَاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا } [المائدة: 12]
فبيّن عهده جل وعلا ، وبيّن عهد المخلوق الذي أوجبه على نفسه تفضلا وإنعاما وإحسانا ، فقال : {لَأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَلَأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ فَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ} [المائدة: 12] ثم قال عز وجل : {فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ} [المائدة: 13] الآية
ولم يقل عز وجل : ” وأوفوا بعهد الله ” :
وإنما قال : {وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا } مع أن الفعل من حقه التقديم ، فلما أُخر وقُدم متعلقه ، وهو {وَبِعَهْدِ اللَّهِ } دلَّ على الاهتمام بهذا العهد ، فلاهتمامه قُدم مع أنه في الأصل حقه التأخير .
ثم قال عز وجل : { ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}
سبق ما يتعلق بمعنى هذه الاية في الآية السابقة ، فيكون معنى : { ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}
أي ” لتتذكروا ” .