الشرح الموسع لكتاب التوحيد ـ الدرس (171) ( كان يلت لهم السويق فمات فعكفوا على قبره)

الشرح الموسع لكتاب التوحيد ـ الدرس (171) ( كان يلت لهم السويق فمات فعكفوا على قبره)

مشاهدات: 489

الشرح الموسع لكتاب التوحيد ـ الدرس(171)

( كان يلت لهم السويق فمات فعكفوا على قبره)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فضيلة الشيخ :  زيد بن مسفر البحري

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ـــــــــــــــــ قال المصنف  :

ولابن جرير بسنده ، عن سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد :

(({أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى }

 قال : كان يلت لهم السويق فمات فعكفوا على قبره

وكذا قال أبو الجوزاء عن ابن عباس : كان يلت السويق للحاج “

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الشرح :

ـــــــــــ

قوله : (( ابن جرير )) :

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ـــ هو : محمد بن جرير الطبري

ـــ يقول ابن خزيمة عن ابن جرير يقول : ” لا أعلم أحدا أعلم منه  ، وله تفسير جميل ، وجماله يكمن في أن جميع المفسرين لتفسير القرآن بالأثر عيال عليه “

ـــ ولذا لو نظر إلى تفسير ابن كثير لوجد أنه عبارة عن مختصر أو شبه مختصر لتفسير ابن جرير

ـــ وقد أثنى على هذا التفسير شيخ الإسلام أثنى عليه ثناء كبيرا

ـــ ولذا ذكر المصنف أنه فسر قوله تعالى :

{أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى }

فقال المصنف : (( ولابن جرير بسنده )) :

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وهذا يدل على أن ابن جرير كان يعني بالسند :

فإذا أراد أن يفسر آية فإنه يذكر قول من فسر هذه الآية بالسند :

ــ حدثنا فلان عن فلان عن فلان عن ابن عباس  “هذا كمثال “

ـــ فقد جمع في تفسيره آثار كثيرة ،

ــ ولكن المشكلة في هذه الآثار أن بعضها ضعيف

ــ فجمعه لهذه الآثار بهذا العدد جمع حسن من حيث أنه يريح طالب العلم في معرفة أقوال السلف ، والاطلاع عليها من كتاب واحد

ــ ولكنه مشكل باعتبار أنه لم يبين رحمه الله الضعيف من هذه الأسانيد

وهذه هي اللمحة الغالبة في تفسيره

وهو التفسير بالأثر ويستشهد عليها بالشواهد اللغوية ، ففيه شيء من اللغة

ـــ وابن جرير رحمه الله ينقل إجماع الأمة ، لكن الذي يعكر على نقله للإجماع أو على نظره في الإجماع أنه لا يعتد بمخالفة واحد أو اثنين من العلماء ، فإن خالف واحد أو اثنان طرح قولهما ونقل الإجماع

وهذه مسألة خلافية عند علماء الأصول :

والصواب : أنه لابد من إجماع الأمة أن يعتد به في الإجماع معتقدا وعلما في الشريعة

وذلك لأن الإجماع لا يكون إجماعا في صورته الحقيقية إلا باتفاق الكل على حكم واحد

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وقوله : (( عن سفيان )) :

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ــ  سفيان هو سفيان الثورري

ــ وهو من الفقهاء وله أتباع وطلاب

ــ لكنه لم يشتهر كشهرة الأئمة الأربعة

ــ ولذا يقول الإمام أحمد رحمه الله : ” عجبت لقوم عرفوا الإسناد وصحته كيف يذهبون إلى رأى سفيان ؟

ـــ يريد من ذلك كيف يقدم الإنسان قول عالم فقيه قد يخطئ على ما صحت به السنة ، فإن السنة مقدمة

وقوله : (( عن منصور )) :

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ــ هو منصور بن معتمر السلمي

وقوله : (( عن مجاهد )) :

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ـــ هو مجاهد بن جبر

ــ وهو من طلاب ابن عباس

ولذا  قيل :“إذا جاءك التفسير عن مجاهد فحسبك به “

وقال : ” لقد عرضت القرآن ثلاث مرات على ابن عباس أعرضه آية آية أقف عند كل آية وأسأله عنها “

ـــ وهو مولى

ـــ والعجيب :  أن معظم علماء التفسير من السلف أنهم موالي : إما أن يكونوا أرقاء أو آباءهم

وهذا يدل على أن العلم ليس منحصرا في الأحرار

بل إن هؤلاء قد وصلوا إلى مرحلة ما وصلها الأحرار :

مثل : زيد بن أسلم

مثل : عكرمة مولى بن عباس

مثل : عطاء

ـــ إذا قرأت في تفسير الطبري أو تفسير ابن كثير تر أسماء هؤلاء

هؤلاء هم أرقاء أو آباءهم أرقاء

ـــ وجملة من علماء الحديث ليسوا من العرب :

انظروا معتمد الأمة على القرآن والسنة :

(( تركت فيكم ما إن اعتصمتم به فلن تضلوا بعدي كتاب الله وسنتي ))

ومع ذلك تجد أن كثيرا من أئمة هذا العلم علم التفسير وكثيرا من علماء الحديث الكبار جملة منهم ليسوا عربا

وهذا يدل على أن هذا الدين مفتوح للجميع ولا تختص به طائفة دون أخرى

ـــ ولذا أول من أسلم من الأرقاء : (( بلال  ))

ــ وكما جاء عند ابن ماجة أن ” عمر “ لما كان في طريق ، والتقى به الأمير الذي وضعه على مكة ، قال : أتركت أهل مكة

قال : وليت عليهم : ” ابن أبزى “

قال عمر : ومن هو ابن أبزى ؟

قال : مولى من موالينا

قال : أتولي على الناس مولى

قال : إنه حافظ للقرآن عالم بالفرائض

فقال عمر : سمعت النبي عليه الصلاة والسلام يقول : (( عن الله يرفع بهذا الكتاب أقواما ويضع به آخرين ))

فانظروا كيف رفع القرآن هذا الرجل

ــ ولذا ما ينظر به الإنسان العاقل إلى نفسه يرى أن عنده تفريطا في طلبه للعلم

ولا يُتعلل بكثرة الأشغال

فإن الرقيق أكثر شغلا من الحر

بل إن بعض العلماء أسقط عنه فرائض لن منافعه مملوكة لسيده

ثم إنه لو أعتق ليسس عنده من المال ما يسد به جوعته ، وجوعة أهله حتى يتفرغ للعلم ؟، فترى انه يطلب العلم ويعمل ، ومع ذلك بلغوا مراتب عليا

فالعاقل منا ينظر إلى حاله وأوضاعه :

كيف بلغ هؤلاء هذا المبلغ الكبير وهو مازال ضعيفا في طلبه للعلم أو معرضا عن طلبه للعلم

والله عز و جل قد حكم في كتابه بأن الرفعة لأهل العلم :

((وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا ))

((يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ ))

وقال عن طالوت :

((وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ ))

فهذا يدل على فضل العلم ، ويكفي في فضله أن أول كلمة في طريق الوحي : (( اقرأ ))

و (( مجاهد )) :

ـــــــــــــــــــــــــــــ

ــ توفي وهو ساجد

ــ علم وعبادة

نسأل الله من فضله

ونحن لا علم ولا عبادة مع أنهما شيئان متلازمان

ولذا قال تعالى :

{وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ }

يعني : حتى يأتيك الموت

ــ وإذا نظرت إلى السلف : فهم يتعلمون العلم إلى أن تخرج أرواحهم

فهذا دليل على أن العلم والعبادة قرينان

ولذا من تعلم ولم يعبد الله ففيه شبه باليهود

ومن عبد الله من غير علم ففيه شبه بالنصارى

((غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ )) وهم اليهود

((وَلاَ الضَّالِّينَ )) وهم النصارى

إذاً مفهوم هذا : أن من عبد الله على علم فإنه ممن أنعم الله عليه ولذا جاءت الآية التي قبلها :

((اهدِنَــــا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ{6} صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ ))

والله الموفق

وقوله : (( عن مجاهد في قوله :

{أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى } :

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

أفرأيتم : الهمزة للاستفهام

والاستفهام في عرف البلاغيين : هو طلب العلم بشيء لم يكن معلوما بإحدى أدوات الاستفهام ،

لكن قد يخرج عن هذا الأصل لعدة اعتبارات:

كما هنا : لأنهم يعرفون اللات والعزى

فأتي بالاستفهام هنا : للتحقير والتوبيخ  ، تحقير هذه الأصنام ، ولتوبيخهم هم على عبادة هذه الأصنام 

مرّ معنا التعليق على هذه الآية في باب :

(( من تبرك بشجرة أو حجر أو نحوهما ))

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وقوله :

(( كان يلتُّ لهم السويق فمات فعكفوا على قبره )) :

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

هذا هو الوجه الأول الذي ذكر فيما سبق

الوجه الأول :

ـــــــــــــــــــــــــــــــ

في سمية اللات بهذا  الاسم

ما السبب ؟

أنه كان يلت السويق

و ( السويق ) هو عبارة عن الشعير يحمص ويوضع معه شيء من التمر أو نحوه

فكان هذا الرجل يقدم للحجاج هذا السويق تكريما لهم ، أو من باب المفاخرة والثناء

وللشيخ ابن عثيمين كلمة طيبة في هذا المقام في كتابه القول المفيد ،

يقول : (( يا للعجب كيف صنع هذا الرجل هذا العمل من غير أن يقصد غرضا ماديا يفعله للحجاج بخلاف ما عليه الكثير من الناس في هذا العصر إذ استغلوا الحجاج

فما كانت قيمته بريال قد يكون بريالين أو أكثر وشتان ما بين الحالتين

وقد ذُكر أن هذا الرجل كان له غنم ، وكان يقدم لبنها للوافدين

بل كان يضع الزبيب الطيب الذي يُجلب من الطائف كان يضعه مع الماء ليحليه

وبهذا الصنيع وجدوا أن لهذا الرجل مكانة ، فلما مات ماذا صنعت الأجيال من بعده ؟

عكفوا على قبره  ))

وإذا عكف على القبر لا شك أنه وسيلة من وسائل عبادته من دون الله

ــ وأظن أن ما ذكر من أوجه تسمية اللات بهذا الاسم

والوجه الآخر :

ــــــــــــــــــــــــــــ

ــ أنه مشتق عندهم من اسم الله [ الإله ] أنهم لما عكفوا على قبره فعبدوه من دون الله اشتقوا له هذا الاسم

تأكيدا على ما سبق من أنه وصل إلى مرتبة الإله

و [ العكوف ] : هو اللزوم

ولذا قال تعالى في شأن موسى مع قومه لما تجاوزوا البحر قال :

((يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَّهُمْ ))

يعني : أنهم لازموها

ويسمى الاعتكاف في اللغة : اللزوم

وأراد المصنف بذكر هذه الآية وتحتها هذا الكلام أراد أن يبين أن الغلو في قبور الصالحين تؤدي إلى أن يُعبد من دون الله كما هو حاصل في قصة هذا اللات .

ــــــــــــــــــــ

وقوله : (( وكذا قال أبو الجوزاء )) :

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

القول الأول : لمجاهد الذي هو أحد طلاب ابن عباس

قال : (( وكذا قال أبو الجوزاء ))

عن من ؟

عن ابن عباس

ففهم من هذا أن ما قاله مجاهد ليس قولا له فحسب ، وإنما هو قول تلقاه من شيخه وهو ابن عباس

وهذا يؤكد ما  ذكره هو من انه أوقف ابن عباس عند كل آية يسأله عن معناها

والناقل هنا من ؟

أبو الجوزاء

الذي هو أحد طلاب ابن عباس

و [ أبو الجوزاء ] :

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ــ هذه كنيته

ــ والكنية ما صدرت بأم أو أب

ــ أبو عبد الله

ــ أبو عبد الرحمن

ــ أبو سعد

ـــ أم سعد

ــ أم عبد الله

ـــ أم عبد الرحمن

وهلم جرا

هذه هي الكنية

أما  اللقب :

ــــــــــــــــــــــــــ

فهو الوصف المشعر إما بذم  ، وإما بمدح

[ الصديق ــ الفاروق ] ــــــــــ هذا مثال اللقب

ـــ بينما كنية الصديق : أبو بكر

وكنية الفاروق : أبو حفص

ـــ *** فعندنا :

ـــ العلم

ـــ واللقب

ـــ والكنية

فأبو بكر ــــــــــ هذا  ما يسمى بالكنية

الاسم : ـــــــــــ عبد الله بن عثمان

اللقب :ــــــــــــــ  الصديق

عمر : هذا هو العلم

الفاروق : هو اللقب

أبو حفص : هذه هي الكنية

(( فأبو الجوزاء )) اسمه : أوس الربعي الأزدي

ــ وهو أحد التتابعين

ـــ وقد تلقى العلم عن ابن عباس

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قال : (( كان يلت السويق للحاج )) :

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

هنا فيه فائدة :

ــــــــــــــــــــــــــ

وهي فائدة ذكر هذا الأثر ، مع أنه في سياق الأثر السابق من حيث المعنى

لكن من الفوائد التي جعلت المصنف فيما أظن – لما ذكر قول أبو الجوزاء عن ابن عباس :

1ـــ بيان أن هذا القول ليس قولا لمجاهد فحسب بل هو قول لشيخه

2 ــ بيان عظم تفسير مجاهد ، وكذا سائر التابعين لأنهم تلقوا هذا التفسير من الصحابة

3ــ  بيان أن هذا الأثر هو أثر موقوف

والأثر الموقوف في التفسير اختلف العلماء فيه :

هل هو من قبيل المرفوع أم من قبيل الموقوف ؟

4 ــ أن كثرة الأدلة تقوي المدلول

فإذا أثبت حكم بدليل ليس كحكم أثبت بدليلين أو بثلاثة أو بأربعة أو بخمسة

ولذا : إذا كثرت الأدلة لا يصبح هذا الدليل من قبيل الآحاد ، يصبح من قبيل المتواتر

والمتواتر نوعان :

ـــــــــــــــــــــــــــ

1 ــ متواتر لفظي

2 ــ متواتر معنوي

فكثرة الأدلة تقوي المدلول ، بل إن كثرة الأدلة مع ضعفها يقوي بعضها بعضا ، فيرتقي هذا الحديث من الضعيف إلى مرتبة الحسن لغيره

وهذه الطريقة جنح لها المصنف في بعض الأبواب

خامسا :

ـــــــــــ

أن ما أُبهم في أثر مجاهد وضح في أثر ابن عباس

وما أُبهم في أثر ابن عباس وضح في أثر في مجاهد

ــ في أثر مجاهد : (( يلت السويق )) ـــــــ لمن ؟

ليس فيه شيء

لكن جاء أثر ابن عباس فبين أن هذا  للحاج

ـــ في أثر ابن عباس أثبهم مآل ما ذكر في أثر مجاهد ، فإن في أثر مجاهد بيان حاله ، وهو أنه لما مات عكفوا على قبره

وكلا الأثرين يدلان على أن المصنف أراد بهما التحذير من الغلو في قبور الصالحين

وان هذا الغلو يجر الإنسان إلى أن يعبدها من دون الله

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ