الشرح الموسع لكتاب التوحيد ـ الدرس (173) حديث (لعن رسول الله زائرات القبور) (2)

الشرح الموسع لكتاب التوحيد ـ الدرس (173) حديث (لعن رسول الله زائرات القبور) (2)

مشاهدات: 462

الشرح الموسع لكتاب التوحيد ـ درس(173)

حديث (لعن رسول الله زائرات القبور)(2)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فضيلة الشيخ :  زيد بن مسفر البحري

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وقوله : (( والمتخذين عليها المساجد )) :

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

أصل العطف :

(( ولعن المتخذين عليها المساجد والسرج ))

واتخاذ المساجد على القبور مر معنا

وقوله : (( والسرج )) :

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ

السرج : مفرد سراج

وهذا على ما كان معهودا في عصر النبي عليه الصلاة والسلام من وجود السرج

ومن باب أولى ما يكون في هذا العصر من هذه الأنوار المتطورة

ــ ونهى الشرع عن وضع السرج على القبور ؛ لأن هذه السرج لو وضعت على القبور ظُن ان لهؤلاء المقبورين منزلة ومكانة

وبالتالي تكون وسيلة من وسائل الشرك بالله

ـــ الصحابة كانوا في قضية القبور كانوا حذرين أشد الحذر :

ــ هناك أمثلة واقعية في عصر الصحابة :

ــــــ في عهد عمر لما علم أن أناسا يتقصدون الصلاة عند شجرة بيعة الرضوان قام بقطعها

فهذا أصل أصيل متأصل في نفوسهم من التحذير من وسائل الشرك مع أنهم لم يشركوا ، لكن يُخشى أن يحصل مثل هذا

ــــــ كذلك في عهده صلى الفجر في مكان فرأى أن الناس يذهبون إلى موضع من هذا المكان فاستغرب فسأل عن ذلك ؟

فأُخبر ان النبي عليه الصلاة والسلام أتى إلى هذا المكان ومكث فيه ، فقال : (( إنما أهلك من كان قبلكم باتباع آثار أنبيائهم ))

وهذا القول والفعل منه يرد ردا صريحا فعل ابنه ” عبد الله “ كان يأتي إلى أماكن النبي عليه الصلاة والسلام التي توضأ فيها أو صلى فيها ويفعل مثل ما فعل

لكن شيخ الإسلام في كتابه [ اقتضاء الصراط المستقيم ] يقول : (( إن عبد الله ما كان يتقصد  هذا بشد الرحل ، وإنما إذا مر بهذا الطريق فصادف وقت صلاة فعل ))

ومما يؤكد حذر الصحابة :

ــــــــــــــــــــــــــــــــــ

أنه حدث في فتح تستر :

أنهم في عهد عمر وجدوا رجلا وعند رأسه مصحفا ولم يتغير منه شيء إلا شعيرات في قفاه

وأُخبر عمر بشأن هذا الرجل ودعا [ كعب الأحبار ] ان يقرأ هذا المصحف بلغته فوجد أن فيه من الأخبار ما كان و ما سيكون

وكان هذا الرجل [ دانيال ]  وهو أحد أنبياء بني إسرائيل ، ولذا لم تأكل الأرض لحمه ،

وأما هذه الشعيرات التي ذهبت فهذا يؤكد قول الفقهاء من أن الشعر في حكم المنفصل

لأن النبي عليه الصلاة والسلام قال :

(( إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء ))

وعُلم أن هذا الرجل  الذي وجد أنهم كانوا إذا قُحطوا أخرجوه فيمطرون أهل تستر كانوا يفعلون هذا

ومثل هذا المطر لا يدل على رضا الله بما يصنعه هؤلاء ، وإنما هو ابتلاء وامتحان من الله

فماذا فعل عمر ؟

أمر أن يُحفر ثلاثة عشر قبرا ، فلما جاء الليل دفنوه ودفنوا سائر القبور حتى اخفي

كل ذلك من أجل أن لا يعبد من دون الله

ولذا يقول ابن القيم في عصره يقول : (( لو شهده من جاء بعدهم لجالدوا عليه بالسيوف ))

يعني : لو علموا هذا القبر لجالدوا عليه بالسيوف

ويقول شيخ الإسلام :

(( هذا يؤكد أن الصحابة يحذرون من الشرك ووسائله ))

ولذا:

ــــــــــ

الإمام مالك كان لا يحب أن يقال : زرت قبر النبي عليه الصلاة والسلام

حتى ولو كان الزائر في المدينة لأن من خارج المدينة لا يجوز له أن يشد الرحال إلى قبر النبي عليه الصلاة والسلام

كان لا يحب وينهى عن قول القائل : [ زرت قبر النبي ] عليه الصلاة والسلام

ويستدل على حكمه هذا بقول النبي عليه الصلاة والسلام :

(( اللهم لا تجعل قبري وثنا يعبد ))

فماذا فهم ؟

قال شيخ الإسلام :

(( فهم أن لفظة الزيارة للقبر إذا كانت لنبي أو لمعظم في الدين أنهم لا يقصدون منها الزيارة الشرعية ، وإنما يُقصد منها التوسل بهذا المقبور ))

ولذا :

ـــــــ

يقول شيخ الإسلام :

(( ففرق بين قوله زرت قبر فلان وهو رجل عادي ، وبين قوله زرت قبر فلان وهو عالم أنه نبي أو صالح  ، ففرق بين اللفظين ))

لأن الزيارة على قول الإمام مالك يقصد منها الزيارة البدعية

فيقول :

(( فهذا الإمام مالك قد أدرك من هم في القرون المفضلة مما يدل على ان النهي عن الغلو كان موجودا في القرون المفضلة ))

ولذا يقول الصنعاني :

[ إن هذه القبور المزخرفة والمجصصة غالب ما يضعها هم الرؤساء والزعماء ، يضعونها إما على رئيس أو على صالح أو عالم ظنا منهم أن هذا من باب التكريم له ، فيأتيه من يأتيه في ذلك العصر وهم يعرفون أنه رجل لا ينفع ولا يضر ، فإذا انقرض هذا العصر وجاء عصر آخر ورأوا أن هذا القبر قد زُخرف وزُين وسُتر ما لم يحصل لغيره ، ظُن أن لهذا القبر مزية لاسيما أن ” السدنة ” يملحون هذا القبر بقولهم : (( إن هذا قد رفع الضر عن فلان أو أوقع النفع بفلان )) من أجل أن يخدموا مصالحهم ]

فانظروا إلى تتابع كلام العلماء من السلف في هذا الموضوع

[[ فائدة ]] :

ـــــــــــــــــــــ

ما ذكر هنا يرد على من نقل عن الإمام مالك أنه يجوز الصلاة في المقبرة

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ـــ فكلمة [ السرج ] تدل  على أن إضاءة وإنارة المقابر بأي وجه من الوجوه وبأي صفة من الصفات وفي أي عصر من العصور لا يجوز

لم ؟

لأنه وسيلة من وسائل الشرك

لكن لو قال قائل :

ـــــــــــــــــــــــــ

قد يُحتاج إلى إنارة المقبرة حينما يدفن شخص بليل ؟

فيجاب عن هذا :

ــــــــــــــــــــــــــــــــــ

بأن الدفن بالليل قد نهى النبي عليه الصلاة والسلام عنه – كما عند مسلم – قال : (( إلا ان تضطروا إليه ))

فزجر عن الدفن بالليل وعلل بالضرورة

ولو قيل :

ــــــــــــ

إن النبي عليه الصلاة والسلام قد دفن بعض أصحابه بالليل ، وكذلك بعض الصحابة دفن من مات بالليل ؟

فيقال :

ــــــــ

إن الزجر عن الدفن بالليل إذا ترتب على ذلك أن يخلّ بواجب من الواجبات التي تجب علينا تجاه هذا الميت ، وذلك كأن يستعجل في تغسيله أو في تكفينه أو في دفنه جمعا بين الأدلة

لكن  لو احتيج على القول بجوازه بالليل ، لو احتيج إلى إنارة أيجوز ؟

نقول :

ـــــــــــ

نعم يجوز

لأنه جاء عند الترمذي وابن ماجة :

(( أن النبي عليه الصلاة والسلام دفن أحد أصحابه وأسرج قبره ))

فإذا وجدت الحاجة فلا بأس بذلك ، لكن بمقدار الحاجة

ولذلك لم يضع النبي عليه الصلاة والسلام هذا السراج على قبر هذا الميت مستمرا

[[ فائدة ]] :

ـــــــــــــــــــــــ

مرت بنا قاعدة وهي :

[[ أن الحكم قد يكون له سببان ، وأن السبب قد يكون له حكمان ]]

وذلك أن الفجر سبب في ثبوته حكمين :

1 ــ تحريم الأكل على الصائم

2ــ وجوب صلاة الفجر

هنا العكس

هنا وجد حكم واحد وله ثلاثة أسباب

ما الحكم الواحد ؟

اللعن

ما سبب  هذا الحكم ؟

1 ــ زيارة النساء للقبور

2ــ المتخذين عليها المساجد

3ـــ واتخاذ السرج على القبور

وقوله : (( رواه أهل السنن )) :

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

أهل السنن هم :

ــ أبو داود

ــ الترمذي

ـــ لنسائي

ـــ ابن ماجة

هذا إذا أطلق أهل السنن ، وإلا فهناك سنن لبعض العلماء :

ــ كسنن سعيد بن منصور

ــ وسن البيهقي

لكن إذا أطلق فقيل : ” أهل  السنن ” فالمراد منهم الأربعة

قال : (( رواه أهل السنن )) :

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

لكن في الحقيقة لم يروه كل أصحاب السنن

رواه ثلاثة دون واحد

فالنسائي غير داخل هنا

فيكون رواه : أبو داود ــ والترمذي ــ وابن ماجة

ولذا بعض العلماء قد يقول في حديث :  هو في السنن

بمعنى  : أن السامع يعرف أن هذا الحديث في السنن :

ــــ  إما في كلها

ــــــ وإما في بعضها

وهذا يتخذ من قبل بعض العلماء وذلك :

ــ إما اختصارا

ــ وإما ان يكون اشتباها

فهو يعرف أن هذا الحديث في السنن لكن اشتبه عليه : 

هل هو في سنن أبي داود أو في سنن الترمذي ؟

فهنا يقول : هو في السنن

ولو أن المصنف قال : (( وهو في السنن )) لكان أحسن

لكن لما قال : رواه أهل السنن فهو تحديد وتنصيص على ان أهل السنن قد رووه جميعا وهذا غير حاصل .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

 

حديث :

(( لعن الله زائرات القبور ))

قال المصنف :

(( رواه أهل السنن ))

وقلنا إن النسائي لم يرويه

وهذا اتباعا للشيخ عبد الرحمن بن حسن في كتابه “فتح المجيد “

فإنه قال :  لم يرويه النسائي “

وكذلك تبعه ” ابن قاسم ” في حاشيته

وتبعناهما في هذا الأمر

ولكن بعد البحث وجد أن هذا الحديث عند النسائي

فالقول ما قاله المصنف

وبالتالي فإن في هذا فائدة لنا ولكم جميعا :

بأن لا يستعجل طالب العلم في الحكم على شيء ، وإن كان مسبوقا به

وذلك لأن من سبقكم قد لا يسلم من الزلل ، ومن الخطأ

فأمثال هؤلاء ذكروا أن النسائي لم يخرجه

وهم علماء محققون متقنون لكن فاتهم مثل هذا

ومن ثم :

ـــــــــــــ

فإن مثل هذا حاصل ولا عجب أن يكون مثل هذا

ولذا شيخ الإسلام في كتابه (( الكلم الطيب )) ذكر أحاديث ضعيفة ، وانتقد على شيخ الإسلام فيها

مع أن [ الذهبي ] يقول :

” كل حديث لا يعرفه شيخ الإسلام فليس بحديث “

هذا من حيث الجملة

 لكن لما علق الألباني على الكلم الطيب ، وذكر أن هناك أحاديث ضعيفة

قال : إن مثل هذا لا يعجب منه

لأنه لا يمكن لأي عالم من الوقوف على الحديث بتتبع طرقه حديثا حديثا فهو بحاجة إلى أن يأخذ بقول من سبقه

فيكون شيخ الإسلام قد أخذ بقول من سبقه دون أن ينظر إلى سند الحديث وإلى طرقه

ولذا يقول ” ابن القيم ” :

( ما من عالم مجتهد إلا وهو مضطر في بعض الأحيان إلى التقليد حتى ولو كان إماما مجتهدا )

 ــــــــــ لم ؟

لأنه يعجز الإنسان من أن يأتي على كل مسألة ويدققها ويبحث فيها

ولذا :

ــــــــــ

قد يوهم الشخص ، وليس مع من وهمه حجة

ومن قرأ كتب العلماء في الفقه أو في الحديث يجد أمثال هذه الأشياء يجد أن أئمة كبارا قد وُهموا وليس هناك وهم

وصدق الله إذ قال :

(( وما أوتيتم من العلم إلا قليلا ))

وهذا يسوقنا إلى أمر :

 وهو أن الأمة بحاجة إلى ان يأخذ كل فرد منها العلم الذي عند صاحبه وليس عنده

ــ فلا يمكن مهما قيل في فلان بأنه عالم نحرير ، وأنه عالم مجتهد بأنه متقن ، بأنه محيط بكل الفنون بأنه هو العالم الأوحد

ــ لا يمكن أن يكون عالما بكل شيء فهو محتاج إلى علم غيره

ومن ثم :

ــــــــــــــ

فإن من رأى نفسه أنه قد بلغ مرتبة منم العلم فقد جهل حقيقته .

لأن العالم كلما ازداد علما كلما شعر بجهل نفسه ، وبالتالي يزداد علما ، وكلما شعر بجهل نفسه زاده ذلك تواضعا وخضوعا لله

ولذا :

ــــــــ

لا تجد عالما أو طالب علم يفخر برأيه أو بعلمه إلا وهو مصاب بشيء من الجهل قلّ أو كثر

لأنه يرى أن نفسه قد وصل ، وأن الرأي هو رأيه ، وأن القول هو قوله

وهذا ليس بصحيح

الصحابة ” أمثال :

 ” عمر ” :

وهو الصحابي الذي قال فيه النبي عليه الصلاة والسلام في الحديث الذي حسنه الألباني :

(( لو كان بعدي نبي لكان عمر ))

وقال عنه :

(( إن يكن منكم محدثون – أي ملهمون – فهو عمر ))

وموافقاته للقرآن كثيرة

ــ وهو الرجل الذي يهرب منه الشيطان

ومع ذلك كله جهل حديث الاستئذان ثلاث :

(( فإن أُذن لك وإلا فارجع ))

فلما أخبر به وشهد شاهد آخر أنه ثابت عن النبي عليه الصلاة والسلام قال مؤنبا نفسه :

(( ألهاني عنه الصفق بالأسواق ))

وهذا من العجب

لو قسنا ما عليه أولئك ومن في هذا العصر نجد أن الواحد قد علم ببعض الأحاديث أو ببعض تفسير الآيات ويرى نفسه أنه هو هو

ولذا :

ـــــــــ

مثل هذا يزيد طالب العلم إذا قرأ مثل هذه الأشياء أو سمعها تزيده سعيا في طلب العلم  ،  وإقرارا في نفسه بأنه جاهل

ولذا من لا يرعى بسمعه إلى أدلة الآخرين أو إلى أقوال الآخرين هذا لا يستفيد لأنه حجر نفسه وضيق على ذهنه