الشرح الموسع لكتاب التوحيد ـ الدرس ( 175)
قوله تعالى( لقد جاءكم رسول من أنفسكم ) الجزء الأول
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فضيلة الشيخ : زيد بن مسفر البحري
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
باب :
[[ ما جاء في حماية المصطفى صلى الله عليه وسلم جناب التوحيد وسده كل طريق يوصل إلى الشرك ]] :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ــــــــ
الباب : مر معنا
[ ما جاء ] تدل على أمر
يعني : يكنى بها عن شيء
[ باب ما جاء من نصوص ]
[ في حماية ] الحمى هو الساتر والحاجز
ولذا قال النبي عليه الصلاة والسلام – كما في حديث النعمان بن بشير – كما في الصحيحين – :
(( ألا وإن لكل ملك حمى ، وإن حمى الله محارمه ))
فهناك حاجز ومانع جعله النبي عليه الصلاة والسلام للتوحيد
ومن ثم :
ــــــــــــــ
فإن هذا الباب نص صريح مؤكد للأبواب السابقة
فالأبواب السابقة ، وهو الأبواب الثلاثة المتقدمة
بيَّن النبي عليه الصلاة والسلام خطر الغلو في الصالحين ، وبيَّن عظم خطورة وسائل الشرك
وهنا أراد أن يؤكد المؤلف حرص النبي عليه الصلاة والسلام على هذا الأمر
ليس فيما يتعلق بالغلو فحسب بل في كل أمر يناقض التوحيد أو يضعفه أو يفسده
وقوله : (( المصطفى )) :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الاصطفاء ــــــــ هو الاختبار والاجتباء
ولم يقل : (( باب ما جاء في حماية النبي عليه الصلاة والسلام ))
وإنما قال : (( المصطفى ))
ولعل مراده – إن كان له مراد والله أعلم – أن الله عظم التوحيد فقد اختار جل وعلا النبي المعظم عليه الصلاة والسلام بالاصطفاء والاجتباء لتعظيم هذا التوحيد وحمايته
ـــ وقوله : (( جناب التوحيد )):
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[ جناب ] يعني : جانب
و التعبير بجناب الذي هو الجانب يمكن أن يوصلنا إلى أمر ، وهو : ( أن النبي عليه الصلاة والسلام لم يحمِ التوحيد فقط ، لم يحمه من الشرك ، وإنما حمى جوانبه ، فإذا حمى جوانبه فمن باب أولى أن يحميه هو )
وهذا – كما في قوله تعالى – :
((وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى))
لم يقل : (( ولا تزنوا ))
قال :
((وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى ))
ففيه نهي عن اللمس والنظرة ، فيكون من باب أولى أن يكون النهي عن الفعل الذي هو الزنى
وقوله : (( جناب التوحيد )) :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إذاُ النبي عليه الصلاة والسلام حمى جانب التوحيد
ومع ذلك لما جاء لم يدع الأبواب مفتوحة
ولذا قال المصنف : (( وسده كل )) :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[ كل ] أعظم صيغ العموم
مأخوذ من الإكليل ، وهو ما أحاط بالعنق
(( وسده كل طريق يوصل إلى الشرك )) :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وبالتالي فإن في الجملة الأولى تعظيما للتوحيد
وفي الجملة الثانية نهي عن الشرك
وهذا قد يدل من خلال كلام المصنف ، لأن كلام المصنف ليس دليلا ، ولكن المعول على الأدلة الواردة في ذلك
وما صرح به في كتابه الأصول الثلاثة : ” أن أعظم ما أمر الله به التوحيد “
وأيضا يدل على قاعدة شرعية كبرى وهي : [ أن الشرع جاء بجلب المصالح ودرء المفاسد ]
فجلب المصالح هنا : هو بقاء التوحيد وتعظيم التوحيد
درء المفاسد : سد طرق الشرك
ــ هذا الكلام الذي ذكره المؤلف يحتاج إلى أدلة ، فهو ما ذكر هذا الكلام مجردا وإنما ذكر تحته أدلة
فالدليل الأول :
ـــــــــــــــــــ
قال المصنف :
وقول الله تعالى :
{لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ }
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أول نص ذكره هذه الآية
(( لقد جاءكم )) :
ـــــــــــــــــــــــــــ
عندنا هنا ثلاثة مؤكدات :
ــ اللام
ــ والقسم المقدر
ــ وقد
والخبر عند أهل البلاغة ثلاثة أنواع :
1 ـــ ابتدائي
2ــ طلبي
3ــ إنكاري
وهنا خبر فمن أي أنواع الخبر ؟
إنكاري ، لأنه يجب أن يأتي بأكثر من مؤكدين
وذلك إذا كان المخبر منكرا
ــ وقد مر معنا هذا
وقوله : (( جاءكم )) :
ــــــــــــــــــــــــ
كلمة قد لها فائدة :
ــــــــــــــــــــــ
وفائدتها ظاهرة في هذه الآية
فإذا نظرنا إلى ما بعدها نجد أن ما بعدها فعل ماض
وقلنا : إذا دخلت على الفعل الماضي فإنها تقرب الفعل الماضي
مثاله : كان تقول : جاء زيد
فلا يعلم متى مجيئه
لكن إذا قلت : قد جاء زيد
يدل على ان مجيئه قريب من زمن التكلم
وهنا : (( لقد جاءكم ))
فهنا مجيء النبي قريب من هؤلاء
فهذا تقريب لمجيء النبي عليه الصلاة والسلام من زمن هؤلاء
فإنه ليست هناك مسافة طويلة في الزمن بينكم وبينه ، إنما مجيئه قريب من زمنكم
يعيش بينكم وتعرفون أصله وتعرفون نسبه وتعرفون أخلاقه ، وتعرفون ما هو عليه في طفولته ، وفي صباه ، وفي شبابه ، وفي كهولته .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ قوله تعالى : ((لَقَدْ جَاءكُمْ )) :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كلمة قد لها فائدة :
ــــــــــــــــــــــ
وفائدتها ظاهرة في هذه الآية
فإذا نظرنا إلى ما بعدها نجد أن ما بعدها فعل ماض
وقلنا : إذا دخلت على الفعل الماضي فإنها تقرب الفعل الماضي
مثاله : كان تقول : جاء زيد
فلا يعلم متى مجيئه
لكن إذا قلت : قد جاء زيد
يدل على أن مجيئه قريب من زمن التكلم
وهنا : (( لقد جاءكم ))
فهنا مجيء النبي قريب من هؤلاء
فهذا تقريب لمجيء النبي عليه الصلاة واسللام من زمن هؤلاء
فإنه ليست هناك مسافة طويلة في الزمن بينكم وبينه ، إنما مجيئه قريب من زمنكم
يعيش بينكم وتعرفون أصله وتعرفون نسبه وتعرفون أخلاقه ، وتعرفون ما هو عليه في طفولته ، وفي صباه ، وفي شبابه ، وفي كهولته .
وإذا قلنا بهذا فلابد أن يكون الخطاب موجها للعرب لأنه لو كان خطابا موجها للجميع فإن الزمن طويل
وحتى لو قيل : بأن هذا الخطاب هو لجميع البشرية فإن الزمن ليس بطويل ــــــــــ لم ؟
لأن النبي عليه الصلاة والسلام قال :
(( بعثت أنا والساعة كهاتين ))
فالأمر قريب جدا
فيكون حالنا مثلا مع زمن النبي قريب ليس بعيدا
إذاً قوله : (( جاءكم )) الخطاب هنا اختلف فيه ؟
قال بعض العلماء : هو خطاب للعرب
وهذا مثل قوله :
((هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ ))
وهنا إشكال على هذا القول :
وهذا الإشكال هو :
[ أن النبي لم يُبعث للعرب فقط ، وإنما بعث للناس عامة :
قال تعالى :
((قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً ))
وقد يتذرع بهذا القول أهل الكتاب الذين قالوا بأن محمدا هو رسول الأميين ليس رسولا للجميع ]
والجواب عن هذا :
ـــــــــــــــــــــــــــــ
أن توجيه الخطاب للعرب هنا من باب تأكيد النعمة عليهم ، فهو تقرير من الله بمنته وكرمه على العرب
والفائدة الثانية :
ـــــــــــــــــــــــــــ
أن الآيات الأخرى أثبتت انه رسول للبشرية جمعاء
ولا منافاة
الفائدة الثالثة :
ــــــــــــــــــــــ
أن في هذا تكريما للنبي عليه الصلاة والسلام وبيانا لرفعة قدره لأنه من العرب
والعرب من حيث الجملة أفضل من العجم
ولذا يقول الألباني :
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
مع أني لست بعربي إلا أن العرب أفضل من غيرهم ، وهذا ليس لكون النبي عليه الصلاة والسلام منهم ، لا ، هم اُختصوا بهذه الفضيلة لكونهم عربا ، فلما كان النبي عليه الصلاة والسلام منهم زادهم شرفا على شرف
هذا متى ؟
إذا استوى الجميع في تقوى الله :
((إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ))
فإذا كان العجمي هو المؤمن ، والآخر هو الكافر فإنه لا فضل ولا شرف لهذا العربي
ولذا قرر النبي عليه الصلاة والسلام في حجة الوداع :
(( لا فضل لعربي على عجمي ولا لأبيض على أسود إلا بالتقوى ))
ولذا :
أبو لهب من العرب
أبو جهل من العرب
وهما في الدرك الأسفل من النار
لو قال قائل :
ـــــــــــــــــــ
ما الدليل على أن العرب في ذواتهم أفضل من العجم ؟
الدليل :
ــــــــــ
ما جاء في الصحيحين :
ـــــــــــــــــــــــــــــ
أن النبي عليه الصلاة والسلام قال :
(( إن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل ، واصطفى من كنانة قريش ، واصطفى من قريش بني هاشم ، واصطفاني من بني هاشم ))
وكما قلت : لو فاق الأعجمي على العربي بالتقوى فالأفضل هنا الأعجمي
فيكون في هذا تفضيل للنبي عليه الصلاة والسلام وتشريف له ـــــــ لم ؟
لأنه من العرب
وهذه منقبة للنبي عليه الصلاة والسلام إضافة إلى المناقب التي وهبها ومنحها الله له
القول الآخر :
ــــــــــــــــــــــــ
أن هذا الخطاب موجه للبشرية كلها : (( لقد جاءكم )) هذا موجه للبشرية كلها
ويدل لهذا القول ما يأتي :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أولا :
ـــــــــــ
أن النبي عليه الصلاة والسلام بعث للبشرية جمعاء
فإذا قلنا إنه للبشرية كلها دخل العرب ضمن البشرية
ثانيا :
ـــــــــــــ
أنه قال : (( من أنفسكم )) وهذا فيه إشارة إلى أنه من جنسكم ، كما قال : (( خلقكم من نفس واحدة ))
ثالثا :
ـــــــــــــ
لما أراد العرب قال :
((هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ ))
وهنا قال :
(( من أنفسكم ))
وعلى كل حال لا اختلا ف بين القولين سواء قيل بهذا أم قيل بهذا
قوله : (( رسول )) :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
رسول ــــــــــ على وزن فعول
بمعنى : مُفعل أي مرسل
ــ وكلمة الرسول تطلق على غير الأنبياء :
ولذا أرسل النبي عليه الصلاة والسلام رسلا
وقال النبي عليه الصلاة والسلام لرسولي كسرى :
(( لولا أن الرسل لا تقتل لقتلتكما ))
فيكون هذا الرسول هو النبي محمد صلى الله عليه وسلم
ما الدليل ؟
أولا :
ـــــــــ
ما بعد هذه الكلمة من ذكر صفاته
ثانيا :
ــــــــــــ
أنه أوضح أنه من الله قال :
{رَسُولٌ مِّنَ اللَّهِ يَتْلُو صُحُفاً مُّطَهَّرَةً }
وهنا قال :
(( من أنفسكم ))
وفيه قراءة لكنها شاذة :
(( من أَنْفَسِكم ))
من النفاسة
يعني : هو الأفضل والأشرف
ــ ** : والمؤكدات الثلاثة الماضية تؤكد ماذا ؟
تؤكد ما جاء من صفات النبي عليه الصلاة والسلام في الآية
ما هي هذه الصفات ؟
ـــ [ رسول ]
ـــ [ عزيز عليه ما عنتم ]
ـــ [ حريص عليكم ]
ـــ [ بالمؤمنين رءوف رحيم ]
هذه المؤكدات تؤكد هذه الصفات
(( عزيز عليه ما عنتم )) :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هذه هي الصفة الثانية
[ عزيز ] ــــــــــ هذه الكلمة تدل على القوة والشدة
(( العين والزاي )) يدلان على الشدة والمشقة
فمعنى عزيز : يشق عليه
ما الذي يشق عليه ؟
ما عنتم
أي : يشق عليه عنتكم
و[ ما ] هنا مصدرية ليست موصولية
ومما يدل على أن العنت هو المشقة قوله تعالى – لما أباح لمن لم يجد مهرا للحرة أو ثمنا للأمة أباح له أن يتزوج بالأمة المسلمة بهذين الشرطين :
قال تعالى :
(( ذلك لمن خشي العنت منكم ))
(( حريص عليكم )) :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[ الحرص ] ــــــــــ هو بذل الجهد والطاقة في تحصيل أمر
ـــ إنسان حريص على شيء :
يعني : هو باذل جهده لتوفير هذا الشيء أو في المحافظة عليه
لو رأينا إلى هاتين الصفتين لو وجدنا أن النبي عليه الصلاة والسلام جمع الله له بين أمرين بما بتعلق بالأمة :
(( عزيز عليه ما عنتم ـــــ حريص عليكم ))
ففي الأولى : دفع للمكروه
وفي الثانية : حصول للمطلوب
فهو لا يريد فقط أن يدفع الضر عنكم بل هو يريد مع ذلك حصول الخير لكم
ولهذا قال :
(( ما من نبي بعثه الله إلا كان حقا عليه أن يبين لأمته ما هو خير لهم وأن يحذرهم مما هو شر لهم ))
لو قيل :
ـــــــــــــ
ما مناسبة هذه الآية في هذا الباب ؟
المناسبة تؤخذ هنا :
وهو أن النبي عليه الصلاة والسلام يشق عليه أن نقع في الشرك
وحريص على أن نحافظ على التوحيد
وهذا يؤكد ما ذكرناه في الباب :
[ باب ما جاء في حماية المصطفى جناب التوحيد ]
هذا يدل على جلب المصالح :
[ وسده كل طريق يوصل إلى الشرك ]
درء المفاسد
وهنا :
ـــــــ
[ عزيز عليه ما عنتم ] يريد أن يدرأ عنكم المفسدة
[ حريص عليكم ] يريد أن تحصل لكم المصلحة
ومن أعظم المصالح التي تكون للأمة هي المحافظة على التوحيد
ومن أعظم المفاسد التي تنزل بالأمة : الوقوع في الشرك
الصفة الرابعة :
ــــــــــــــــــــــ
(( بالمؤمنين رءوف رحيم )) :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ماذا يفهم من هذه ؟
الذي يفهم منه أنه شديد على الكفار :
ولذا قال تعالى :
((يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ ))
قد يقول قائل :
ـــــــــــــــــــــــــ
إذا كان غليظا على الكفار ، ومن الغلظة أن يقتل النبي عليه الصلاة والسلام من يقاتل المسلمين
فقد يقول قائل :
ـــــــــــــــــ
إذا كان غليظا على الكفار : فأين قول بعض العلماء عند قوله تعالى : (( وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين ))
إذ قال : إنه رحمة حتى على الكافر
فأين تكون الرحمة مع إزهاق النفس ؟
الجواب :
ـــــــــــ
أن من رحمة النبي عليه الصلاة والسلام بالكافر أن لا يطول عمره حتى لا يزيد شره على شر فيشتد عليه العذاب
بينما المؤمن – كما قال النبي عليه الصلاة والسلام :
(( المؤمن لا يزيده عمره إلا خيرا ))
وكما عند الترمذي :
(( خيركم من طال عمره وحسن عمله ، وشركم من طال عمره وساء عمله ))
وهذا يفيدنا بفائدة وهي :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أن المسلم ولاسيما طالب العلم إذا قرأ النص الشرعي من كتاب أو سنة لا يقتصر على الظاهر كما هو شان الظاهرية
ولذا خالفوا كثيرا من النصوص فيما ذهبوا إليه
فأنت مأمور بين النظر في النص في الظاهر والباطن ،
أن تنظر إلى المنطوق وإلى المفهوم
فنحن هنا :
أمامنا منطوق :
(( بالمؤمنين رءوف رحيم ))
المنطوق :
أن النبي عليه الصلاة والسلام ذو رحمة ورأفة بالمؤمنين
هذا حكم وفائدة
أنقتصر على هذا فقط ؟
لا
لابد أن نمعن النظر
نأتي بفائدة أخرى :
ــــــــــــــــــــــــــــ
ما هو المفهوم ؟
أنه غليظ على الكفار
ولذا المفهوم من المعتبرات التي يستدل بها
ولذلك الظاهرية حتى تعلموا أن الأخذ بالظاهر دون المفهوم يوقع العالم في حرج من أمره
النبي عليه الصلاة والسلام لما نهى عن البول في الماء الراكد
قالوا : يجوز أن يبول في إناء ثم يسكبه في الماء الراكد هذا جائز
لكن لو بال مباشرة هذا لا يجوز
والأمثلة على ذلك كثيرة
قال : (( بالمؤمنين رءوف رحيم )) :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هنا وصف النبي عليه الصلاة والسلام بأنه رءوف رحيم
ورحمته بالمؤمنين من الله :
قال تعالى :
((فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ …… الآية ))
ورءوف ورحيم هذان اسمان من أسماء الله عز وجل
((إِنَّ اللّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ))
أيجوز أن يتسمى الإنسان باسم من أسماء الله عز وجل ؟
يولد لك مولود أيجوز أن تسميه باسم من أسماء الله ؟
هذا سيأتي له باب خاص في هذا الكتاب
لو قال قائل :
ــــــــــــــــــــ
هو جل وعلا سمى النبي عليه الصلاة والسلام رءوفا رحيما
ولذا قال تعالى :
(( وكان بالمؤمنين رحيما ))
قاعدة في معتقد أهل السنة والجماعة :
[ اتفاق الأسماء لا يلزم منه اتفاق المسميات ]
فلا يعني من كون النبي عليه الصلاة والسلام رءوفا رحيما أن يكون اسماه هذان كاسمي الله : الرءوف الرحيم
لأن الله سمى الإنسان سميعا بصيرا ، وسمى نفسه سميعا بصيرا :
ومع ذلك قال :
(( فجعلناه سمعيا بصيرا ))
وقال عن نفسه :
(( ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ))
وهذا ثابت من حيث الشرع ،
ومن حيث الحس
ومن حيث العقل
ومن حيث اللغة
أما من حيث الشرع :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فكما قال تعالى :
(( ليس كمثله شيء ))
أما من حيث الحس :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فإن القوة التي موجودة في الفيل ، وهذا كمثال :
الفيل له قوة ، والبعوضة لها قوة
اتفاقهما هنا في القوة يلزم من اتفاقهما في الموصوف ؟
لا
فقوة الفيل حسا ليست كقوة البعوضة مع أنهما يتفقان في وصف القوة
أما من حيث العقل :
ــــــــــــــــــــــــــــ
فإن الإنسان المدرك الواعي الذي أحضر عقله وذهنه لا يمكن أن يسوقه عقله إلى أن يقول : إن رحمة الخالق كرحمة المخلوق
أو أن قوة الخالق كقوة المخلوق
أو أن علم الخالق معلم المخلوق
أما من حيث اللغة :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فإن من بين الكلمات اللغوية [ الليونة ]
فيقال :
ــــــــــــــــ
أليونة الإسفنج كليونة العصا ؟
هما اتفقا في الليونة ، لكن أليونتهما سواء ؟
يفترقان
فإذا كان هذا الأمر يفترق فيه المخلوق عن المخلوق
فالافتراق بين الخالق والمخلوق من باب أولى
وهذا هو القياس الأولوي الذي يقوله العلماء :
[ قياس أولوي يستعمل في حق الله ]
كما قال تعالى :
(( ولله المثل الأعلى ))