الشرح الموسع لكتاب التوحيد ـ الدرس (178)حديث ( لا تجعلوا بيوتكم قبورا )(2)

الشرح الموسع لكتاب التوحيد ـ الدرس (178)حديث ( لا تجعلوا بيوتكم قبورا )(2)

مشاهدات: 438

الشرح الموسع لكتاب التوحيد ـ الدرس ( 178)

حديث ( لا تجعلوا بيوتكم قبورا )  الجزء الثاني

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فضيلة الشيخ :  زيد بن مسفر البحري

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وقوله : (( ولا تجعلوا قبري عيدا )) :

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

انظروا إلى حسن التوافق بين الجملتين ، فقد أعطى البيان الكامل :

الجملة الأولى : تدل على العموم

وأما الجملة الثانية : تدل على الخصوص

خصوصية قبره :

ولذا قال : (( ولا تجعلوا قبري عيدا ))

لكن الحكم اختلف هنا :

ـــــــــــــــــــــــــــــــــ

الأولى: (( لا تتخذوا بيوتكم قبورا ))

هنا الحكم المتعلق والمختص بقبر النبي عليه الصلاة والسلام هو : (( أن يتخذ عيدا ))

لم اختلف الحكمان ؟

فيقال :

ـــــــــــ

اختلف الحكم : لأن النبي عليه الصلاة والسلام خرج على المعنى الأول من الجملة الأولى إذ إنه دفن

فجاءت الجملة الأخرى تجديدا لحكم يخص قبره

ما هو هذا الحكم ؟

أنه لا يتخذ عيدا

وهذه الجملة : (( لا تتخذوا قبري عيدا ))

يدخل قبر غيره من باب أولى

فإذا كان قبره عليه الصلاة والسلام نُهي أن يتخذ عيدا فقبر غيره من باب أولى

ما هو العيد ؟

ــــــــــــــــ

العيد :

ـــــــــــــــ

اسم لما يُعتاد على وجه مخصوص يتكرر بعوده ، سواء كان زمنا : كسنة أو شهر أو يوم

أو مكانا أو عملا أو زمنا وعملا

فأما [ العيد الزمني ] :

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فهو كما جاء به الحديث الصحيح : (( أن الله جعل يوم الجمعة عيدا ))

هذا زمن

وكما هو الشأن في عيد الفطر والأضحى

أما [ العيد المكاني ] :

ــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فهو المذكور هنا

أما [ العمل ] :

ــــــــــــــــــــــ

فهو قول ابن عباس :

(( شهدت العيد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ))

وأما [ الزمن والعمل معا ] :

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فقوله عليه الصلاة والسلام أبي بكر :

(( دعهما يا أبا بكر فإن لكل قوم عيدا وهذا عيدنا ))

لو قال قائل :

ــــــــــــــــ

أهناك أعياد زمانية وأعياد مكانية غير شرعية ؟

فالجواب : نعم

فمثال العيد الزمني المخالف للشرع :

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

مثل : عيد الأم

ــ عيد المولد

وما شابه ذلك

ومثال العيد المكاني المخالف للشرع :

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

مثل : زيارة النجف كربلاء التي يُزار فيها قبور أهل البيت

ومثال العيد المراد به العمل المخالف للشرع :

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

مثل : صلاة الرغائب التي تكون في أول رجب

لو قال قائل :

ــــــــــــــــــــ

أهناك أعياد مكانية للمسلمين يعتادون الذهاب إليها ؟

الجواب :

نعم

المسجد الحرام

المزدلفة

منى

عرفة

أعياد مكانية

ولذا يقول ابن القيم :

(( فإن الله قد أبدل هذه الأمة بأعياد زمانية ، وهي : عيد الفطر ،  وعيد الأضحى ، وأيام منى ، ويوم الجمعة

وأبدلها بأعياد مكانية مثل : المسجد الحرام

ومزدلفة

ومنى

وعرفة ))

ومن هذه الجملة : (( لا تجعلوا قبري عيدا )) :

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

يستفاد منها :

ـــــــــــــــــــ

أنه لا يجوز أن تشد الرحال إلى بقعة يراد منها التقرب إلى الله

فلا يجوز لأحد أن يشد رحله لزيارة قبر النبي عليه الصلاة والسلام أو قبر أصحابه أو لزيارة الطور الذي كلم الله عنده موسى

إلا ثلاث بقع ، وهو ما جاء في الصحيحين :

قول النبي عليه الصلاة والسلام :

(( لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد : المسجد الحرام ، ومسجدي هذا ، والمسجد الأقصى ))

لو قال قائل :

ـــــــــــــــ

حديث : (( لا تشد ))

لا ــــــ هنا نافية ، فهذا نفي

النفي لا يلزم منه النهي ؟

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فالجواب :

ــــــــــــــ

وردت ألفاظ هذا الحديث بالنهي ، وورد فيها بالنفي ولا إشكال

فيكون النفي وهذا أسلوب من أساليب البلاغيين ، وهو أن يؤتى بالنهي في صيغة النفي لأغراض :

 من بين هذه الأغراض :

ــــــــــــــــــــــــــــــــــ

تأكيد النهي على أنه واقع محتم لا خيار للمسلمين فيه

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

 

وقوله: (( ولا تجعلوا قبري عيدا )) :

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فيستفاد من هذه الجملة :

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

أن النهي عن اتخاذ قبر النبي عليه الصلاة والسلام عيدا يلزم من ذلك أن يكون النهي أعظم في شد الرحل إلى قبره

ولذا جاء في الصحيحين :

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(( لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد : المسجد الحرام ، ومسجدي هذا ، والمسجد الأقصى ))

و [ لا ] هنا :

ــــــــــــــــــــ

ــ محتلمة أن  تكون للنهي

ـــ وأن تكون للنفي

فإذا كانت للنفي فإن هناك رواية جاءت بالنهي

فتكون رواية النهي مقدمة

وعلى اعتبار أنها نافية  :

فإنه هذا من باب التأكيد على النهي

وذلك لأن من بين الأغراض التي يذكرها البلاغيون في مجيء النهي في صورة النفي : [ هو تقرير هذا الحكم ]

وكأنه واقع لا محال ، ولا اختيار للإنسان في فعله

ولذا أنكر : ”  بصرة الغفاري ”  على أبي هريرة لما علم أنه قد أتى إلى الطور .

ومعلوم أن ” الطور ” هو الجبل الذي كلم الله عنده موسى

فقال :

(( لو علمت لما جعلتك تذهب إليه ، وذكر الحديث ))

و [ ابن عمر ] :

ــــــــــــــــــــــــ

لما سأله رجل أن يأتي الطور نهاه

وكل هذا يفيد ان هذه السنة تلقاها الصحابة

وأما ما جاء من أحاديث في الحث على زيارة قبر النبي عليه الصلاة والسلام بعد الحج فإنها أحاديث موضوعة ، وبعضها ضعيف جدا

ومن بين متونها مما يدل على نكارتها حتى من حيث المتن فإنها من حيث السند كما علمتم –

وقد ذكر ذلك شيخ الإسلام قال :

(( وأما نكارتها من حيث المتن :

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

منها ما جاء :

(( من حج فزارني فكأنما زارني في حياتي ))

فيقول :

[ لو كان كذلك لما كانت هناك مزية للصحبة ، وبالتالي فإن الصحبة على مقتضى هذا الحديث قد لا تكون بل لا تكون مزية لأصحاب النبي عليه الصلاة والسلام ]

ويؤكد ذلك أي يؤكد بطلان هذه الأحاديث ما جاء في صحيح مسلم قوله :

(( وددت لو قد رأيت إخواني ))

قالوا : يا رسول الله ألسنا إخوانك ؟

قال : لا ، أنتم أصحابي ….. )) الحديث

ولذا أنكر الإمام مالك على أهل المدينة أنكر أن يدخل الرجل المسجد ويزور قبر النبي عليه الصلاة والسلام كلما دخل

وقال بعض العلماء :

ـــــــــــــــــــــــــــ

إنما كان الصحابة يدخلون المسجد فإذا فرغوا من الصلاة جلسوا أو خرجوا

وما كان أحدهم يتكرر مجيئه إلى قبر النبي عليه الصلاة والسلام بل ما كانوا يفعلون زيارته إلا لسبب

كأن يأتي أحدهم من سفر كما نقل عن ابن عمر

ومع هذا كله فما كان يفعل غيره فكان يأتي إذا رجع من سفر كان يأتي إلى النبي عليه الصلاة والسلام ويسلم عليه ثم يسلم على أبي بكر ثم يسلم على عمر ثم ينصرف ولا يدعو

ومن هنا :

استحب بعض العلماء ان من زار قبر النبي عليه الصلاة والسلام لسبب أن يدعو الله عز وجل بعد أن يسلم عليه وعلى صاحبيه

مع أن التحقيق فيما لو قيل بهذه  السنية أنه لا يستقبل القبر حال الدعاء

وإنما يستقبل القبلة

والذي يظهرأن الدعاء ليس ثابتا ولا منقولا ولا مسنونا بعد زيارة قبر النبي عليه الصلاة والسلام وقبر صاحبيه

إنما يسلم عليه ” عليه الصلاة والسلام ” وعلى صاحبيه وليس هناك دليل يثبت الدعاء بعد زيارة قبره عليه الصلاة والسلام

ومن ثم :

فإن بعض العلماء قال : استحباب زيارة قبر النبي عليه الصلاة والسلام كما هو صنيع النووي في الأذكار :

وأنكر عليه وتُعقب بأن الاستحباب إنما يكون لزيارة مسجده

ومن ثم :

ـــــــــ

فإن المسلم يستحب له أن يزور المسجد النبوي وأن يشد الرحل إليه

بمقتضى الحديث السابق :

(( لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد ))

ويدخل ضمنها إذا أتى إلى المسجد زيارة قبره عليه الصلاة والسلام للاعتبار والسلام عليه

ولا يجوز أن يشد الرحل إلى أي بقعة

ولذا :

بصرة الغفاري وابن عمر قد عرفا رأيهما فيمن زار أو أراد أن يزور  الطور

أما شد الرحل لزيارة شخص في الله فهذا قد جاء به الحديث

إنما النهي عن شد الرحل للمكان

والصحابة رضي الله عنهم مع أن باب الحجرة مفتوح ويمكنهم الوصول إليه مع  ذلك كله ما كانوا يأتون إلى قبره عليه الصلاة والسلام ويقفون عنده ما كانوا يفعلون ذلك

لا للسلام عليه

ولا لا للدعاء عنده

ولا لفعل عبادة عنده

ولذا لم يكن للشيطان فيهم مطمع كما هو شأن البعض في هذا الزمن فإن الشيطان تلبس لهم عند قبره وعند قبر غيره 

من أنه يتمثل لهم وأنه يتحدث معهم

إذاً ما هو المستقر عند السلف ؟

النهي عن اتخاذ قبره عيدا