الشرح الموسع لكتاب التوحيد ـ الدرس( 185)
قوله تعالى ( قل هل أنبئكم بشر من ذلك ) الجزء (1)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فضيلة الشيخ : زيد بن مسفر البحري
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قال المصنف رحمه الله :
وقوله تعالى :
((قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُم بِشَرٍّ مِّن ذَلِكَ مَثُوبَةً عِندَ اللّهِ مَن لَّعَنَهُ اللّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ ))
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الشرح :
ــــــــــــــ
من اللائق والمناسب إذا ذكر الله عز وجل أن تذكر معه كلمة ينزه به أو يعظم بها ، ولذا نرى أن العلماء في كتبهم وفي أحاديثهم إذا ذكروا الله عز وجل أعقبوا ذكره بكلمة تعظيم أو تنزيه .
ولذا المصنف رحمه الله قال :
وقوله تعالى ، فذكر هنا كلمة : تعالى و العلو مر معنا .
وقوله عز وجل { قل} :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الخطاب هنا موجه إلى النبي صلى الله عليه وسلم ،
وقوله عز وجل { هل } :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هل : أداة استفهام ، وهي حرف , لأن أدوات الاستفهام كلها أسماء إلا [ الهمزة وهل ]
وذلك لأن أسماء الاستفهام تفيد العموم فتفيدنا هذه القاعدة أن [ الهمزة وهل ] ليستا من الأسماء .
والاستفهام :
ـــــــــــــــــــــــــ
هو طلب العلم عن الشيء المجهول لدى السائل بإحدى صيغ الاستفهام .
لكن قد يخرج هذا الاستفهام عن مدلوله اللغوي إلى أغراض أخرى كما هنا فإنه خرج عن أصله إلى غرض وهو [غرض الإنكار] وفي نفس الوقت [ التشويق ]
وقد قال شيخ الإسلام رحمه الله كما في مجموع الفتاوى قال :
” كثير من استفهامات القرآن تدل على الإنكار ، فإن كان إنكار وجود ووقوع فإنه يفيد النفي “
قال تعالى :
{ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْماً لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ }
الجواب :
ـــــــــــــــــــ
لا أحسن ، إذاً هنا إنكار لوجود ووقوع شيء ما هو هذا الشيء ؟
أن يكون هناك حكم أحسن من حكم الله عز وجل
فإذا جاء الاستفهام لإنكار وجود ووقوع فإنه يفيد النفي ،
وقد قال رحمه الله :
” إن الإنكار لا يكون إلا فيما ظهر بيانه أو ادعي أنه ظهر بيانه ، وإلا لا يكون استفهاما إنكارياً، فما كان واضحا أو ادعي أنه واقع يجري فيه الاستفهام الإنكاري “
وهل :
ــــــــــــ
كما قلنا من حروف الاستفهام .
وهي قسمان / :
ــــــــــــــــــــــــــ
القسم الأول :
ـــــــــــــــــــــ
تسمى بسيطة .
والثاني :
ــــــــــــــــ
مركبة .
البسيطة / :
ــــــــــــــــــــــــــ
يسأل بها عن وجود الشيء أو عدمه ، كما لو قلت : هل الأرض موجودة ؟
هذا استفهام بـ هل البسيطة ،
المركبة / :
ـــــــــــــــــــــــ
يستفهم بها عن وجود شيء لشيء أو عدمه ، كما لو قلت :
هل الأرض كروية ؟
نحن أثبتنا وجود الأرض ، لكن نريد أن نثبت شيئا لهذا الموجود .
وما هو هذا الشيء ؟
كروية الأرض .
وهل :
ـــــــــــــ
تفيد التصديق.
لأن أدوات الاستفهام :
ــــ إما أن تفيد التصديق
ــــ وإما أن تفيد التصور
ــــ وإما أن تفيد الأمرين .
فالهمزة تفيد الأمرين :
[ التصديق والتصور] .
ما هو التصديق ؟
التصديق هو / :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تردد الذهن في ثبوت شيء أو نفيه .
كما لو قلت :
أسافر زيد ؟
هنا تريد أن تثبت شيئا أو تنفيه ، فتكون الإجابة بنعم أو لا .
هذا هو التصديق .
لكن التصور / :
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
هو تردد الذهن في تعين الشيء .
كما لو قلت :
أسافر زيد أم عمرو ؟
فالسفر ثابت عنده لكن تردد في تعيين أحدهما .
ولذا إذا كان الجواب لا يكون إلا بذكر المسؤول عنه .
أسافر زيد أم عمرو ؟
تقول : سافر زيد .
وهل :
ـــــــــــــــــــــــ
تفيد التصديق لا تفيد التصور .
ولذا في الغالب لا تدخل إلا على الأفعال ، ولكن قد تدخل على الأسماء من باب إبراز ما هو مطلوب أن يحصل في صورة حاصلة ، كقوله تعالى :
{ فهل أنتم منتهون }
{ فهل أنتم شاكرون }
فهو يطلب الانتهاء ويطلب الشكر ، لكنه أتي به قبل الاسم من أجل أنه حاصل وواقع فما على المأمورين إلا أن يطبقوا .
وهل :
ـــــــــــــ
كالسين مع الفعل المضارع ، كذلك تجعله للاستقبال
ولذا لا يصح أن تقول :
هل توبخ زيدا وهو مجتهد ؟
لأن / :
وهو مجتهد ، جملة حالية فلا يصلح أن تأتي بـ هل في سياق الحال ، إنما في سياق المستقبل .
وهل :
ـــــــــــــــ
مثل قد ، فلا تدخل على منفي ، فلا يصلح أن تقول :
قد لم يقم زيد .
فكذلك لا يصلح أن تقول : هل لم يقم زيد .
ولها كلام طويل ، لكن بقية الأسماء تفيد التصور ولا تفيد التصديق .
قال تعالى : { أنبئكم } :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[ أنبئكم ] :
ــــــــــــــــــــــــــــ
فعل مضارع ، دخلت عليه هل فتحوله للمستقبل .
وذلك لأن هذه الآية لها متعلق بما قبلها في سبب النزول .
ما الذي قبلها ؟
{قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ هَلْ تَنقِمُونَ مِنَّا إِلاَّ أَنْ آمَنَّا بِاللّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلُ وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فَاسِقُونَ }
فإن طائفة من اليهود سألت النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا : بمن تؤمن ؟
فقال : أؤمن بإبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط ، فلما ذكر عيسى ،
قالوا : ما رأينا قوما أشر من دينكم ولا أقل حظا في الدنيا والآخرة منكم ، فأنزل الله عز وجل هذه الآية
ولو رأينا إلى الآية السابقة نجد في جملتها أنها تكون مع آيات تبين عداوة الكفارة إنما هي بسبب واحد وهو ان المسلمين على شرع واحد :
كما هو :
{ هَلْ تَنقِمُونَ مِنَّا إِلاَّ أَنْ آمَنَّا بِاللّهِ }
وقال تعالى :
{ وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَن يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ }
وقال تعالى :
{ وَمَا تَنقِمُ مِنَّا إِلاَّ أَنْ آمَنَّا بِآيَاتِ رَبِّنَا لَمَّا جَاءتْنَا }
وقال تعالى :
{ وَمَا نَقَمُواْ إِلاَّ أَنْ أَغْنَاهُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ مِن فَضْلِهِ }
وقال تعالى :
{ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ }
وقال تعالى :
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاء تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءكُم مِّنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَن تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ }
فقال عز وجل للنبي صلى الله عليه وسلم قل لهؤلاء بدل أن تحاورهم فيما ذكروا :
{ قل هل أنبئكم }
لماذا انتقل الحوار من أسلوب إلى آخر ؟
من أجل أن ما يذكره النبي صلى الله عليه وسلم لليهود في هذه الآية لا يمكن أن ينكروه لأنه حاصل وواقع .
ألم يعذبهم الله عز وجل بما ذكر هنا ؟
بلى .
قال تعالى { بشر من ذلك } :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المشار إليه هنا ما ذكروه وهو أنهم ما رأوا أشر دينا من دين النبي صلى الله عليه وسلم ولا أقل حظا في الدنيا من النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه .
وقوله تعالى { بشر } :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هنا أفعل تفضيل أصله أشر ، وحذفت الهمزة تخفيفاً ، فأصبحت شر .
وأفعل التفضيل له ثلاثة أنواع مهمة جدا لأننا إن لم نفهم هذه الأقسام فإن أفعل التفضيل في أصله :
[ أن الصفة يشترك فيها المفضل والمفضل عليه ]
تقول :
زيد خير من عمر .
فتجد أن في عمر خيرا لكن في زيد ما هو أكثر منه خيرية ،
فلو أخذنا باعتبار أصل أفعل التفضيل لكان في منهج النبي عليه الصلاة والسلام وحاشاه أن يكون فيه نسبة من الشر لكنه أقل من شر اليهود .
لكن نقول :
ــــــــــــــــ
إن أفضل التفضيل له ثلاثة أنواع :
مرت معنا ذكرت عند قوله الله عز وجل :
{ من أول يوم أحق أن تقوم فيه }
فتكون هذه الآية ضمن القسم الثاني وهو :
[ خلو المفضل عليه من الصفة مع بقاء الصفة في المفضل ]
فهنا الشر حاصل لليهود منصب عليهم فقط وليس في النبي عليه الصلاة والسلام وأصحابه ومنهجه أي شر .
وهنا قاعدة لغوية :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[ إذا جاء بعد أفضل التفضيل نكرة منصوبة فأعربه تميزا ]
لأن التمييز يبين المبهم .
قال تعالى :
{ قل هل أنبئكم بشر من ذلك }
تجد أن شر مبهمة ففسر :
{ مثوبة عند الله }
فـ { مثوبة } هنا منصوبة على التمييز لأنها بينت أفعل التفضيل .
أين جواب الاستفهام ؟
{ من لعنه الله }
قال تعالى { مثوبة عند الله } :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أي أشر ثواب عند الله في علمه وجزائه .
ونستفيد هنا فائدة وهي / :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أن الثواب كما يطلق على الخير يطلق على الشر .
قال تعالى :
{ هل ثوب الكفار ما كانوا يفعلون }
قال تعالى : { من لعنه الله } :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[من ]: هنا اسم موصول ، خبر لمبتدأ محذوف تقديره : هو من لعنه الله .
[من ]: اسم موصول يفيد العموم .
لو قال قائل أين الدليل على أنه يفيد العموم ؟
الجواب / :
قوله تعالى :
{ مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَاراً فَلَمَّا أَضَاءتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللّهُ بِنُورِهِمْ } .
فـ { الذي } : مفرد
ثم قال :
{ ذهب الله بنورهم } على صورة الجمع .
وأيضا مما يدل على أن الاسم الموصول يفيد العموم :
ما عندنا هنا قال تعالى :
{ مَن لَّعَنَهُ اللّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ }
فالدليل :{ منهم }
قال تعالى { من لعنه الله } :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
اللعن / سبق تعريفه .
قال تعالى :{ من لعنه } .
ولم يقل : من لعنهم .
قال { من لعنه } بصيغة الإفراد وهذا باعتبار النظر إلى لفظ { من } فإن اللفظة مفردة فأفرد هنا ،
قال تعالى :{ وغضب عليه }
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ولم يقل : وغضب عليهم ، كذلك باعتبار لفظ من ،
قال تعالى { وجعل منهم }
جمع هنا باعتبار معنى { مَن } ،
فهنا فيه إفراد قال :{ من لعنه اله وغضب عليه } ثم جمع { منهم }
فالإفراد باعتبار النظر إلى لفظة { من } ،
و { منهم } باعتبار النظر إلى معنى { من }
لو قال قائل : ما الفرق بين مِن ومَن ؟
الجواب / :
ـــــــــــــــــــــــ
أن مِن حرف ، ومَن اسم ،
ولذا قال ابن مالك رحمه الله لما ذكر الأسماء الموصولة المفردة والمثناة والجمع قال :
ومن وما وال تساوي ما ذكر
قال تعالى { وغضب عليه } :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[الغضب ]:
ــــــــــــــــــــــــــ
باعتبار المخلوق :
هو فوران دم القلب لإرادة الانتقام .
أما باعتبار الله عز وجل :
هي صفة تليق بجلاله وعظمته لا تكيف ولا تمثل ، لكن لتعلموا أن لصفات الله عز وجل كيفية لكنه مجهولة بالنسبة لدينا فلها كيفية .
ولذا وقف كثير من المفسرين عند قوله تعالى في المتشابه :{ وما يعلم تأويله إلا الله } يعني حقيقة أسمائه وصفاته عز وجل ، وقفوا عند : (( إلا الله ))
والغضب :
ــــــــــــــــــــ
بعضهم قال / : إنه الانتقام أو إرادة الانتقام
ويرد عليه بقوله تعالى :{ فَلَمَّا آسَفُونَا انتَقَمْنَا مِنْهُمْ} ،
ومن قال / : إنه إرادة الانتقام
فنقول :
ـــــــــــــ
إنكم فسرت الغضب بأثر من آثاره ، والمسألة مرت معنا
والغضب :
يتفاوت ، لقول الرسل يوم القيامة كما في حديث الشفاعة :
(( إن الله قد غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله ولن يغضب بعده ))
وقول النبي عليه الصلاة والسلام كما في موطأ الإمام مالك رحم الله :
(( اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد ))
لو قال قائل :
هل اللعن والغضب بمرتبة واحدة ؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الجواب / :
ـــــــــــــــــــــ
ليسا في درجة واحدة ، لأنهما مختلفان لأن العطف في أصله يقتضي المغايرة
{ من لعنه الله وغضب عليه }
ومما يدل على أن الغضب ليس في مرتبة اللعن بل إن الغضب أشد :
ما جاء في آية اللعان فقال تعالى في حق الرجل :
{ وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِن كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ }
وفي حق المرأة بما أن العلم عندها أكثر من الزوج لأنها صاحبة القصة :
{ وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِن كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ }
لو قال قائل :
من الذين لعنوا في الآية وغضب عليهم ؟
الجواب / :
ــــــــــــــــــــ
اليهود .
لو قال قائل :
الآية التي قبلها قال :
{ قل يا أهل الكتاب }
وأهل الكتاب هم اليهود والنصارى فما الجواب ؟
الجواب / :
ـــــــــــــــــــــ
نقول إن أصل ذكر أهل الكتاب هم اليهود والنصارى لكن لما جاء سبب النزول بين المقصود .
ومع ذلك فهناك قاعدة عند العلماء في أصول التفسير:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[ أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب ]
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هذه الآية لها سبب تفسير :
فهناك قاعدة عند العلماء في أصول التفسير:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[ أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب ]
فلا تكون الآية محصورة في شخص أو في هؤلاء الأشخاص الذين نزلت فيهم هذه الآية بل إنها تشملهم وتشمل غيرهم .
ثم إن بعض المفسرين كما قال شيخ الإسلام رحمه الله في الفتاوى يقول :
” إن بعض المفسرين قد يقول إن الآية نزلت في كذا وكذا “
وليس مراده أن هذه الحالة هي سبب النزول
وإنما المراد :
ـــــــــــــــــــــــــ
أن هذه الآية داخلة ضمن معنى هذه الآية فجوَّز من هذا الباب أن يقال نزلت هذه الآية في كذا وكذا
وهو يقول رحمه الله – وهذا تعبير لا يختلف مع التعبير الذي ذكره عامة العلماء- وهو : ” أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب . “
قوله هذا لا يتعارض مع ما ذكروه :
فيقول رحمه الله :
” إن الآية قد يقال إنها تختص بهذا النوع وتعم ما يشابهه ” فتكون الآية مثلا التي نحن بصدد الحديث عنها تكون خاصة بالنوع الذي فعله اليهود .
ويدخل تحت هذا النوع من سار على طريقتهم ، فهي تختص بهذا النوع وتعم ما يشابهه .”
وهذه القاعدة :
ـــــــــــــــــــــــ
لا تختص بكتاب الله عز وجل فقد ، وإنما تشمل النصوص الشرعية :
مثاله :
ـــــــــــــــــــ
حديث النبي صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين :
(( ليس من البر الصيام في السفر ))
فهو نهي منه عليه الصلاة والسلام أن يصام في السفر مع أنه صام وصام بعض أصحابه ولم يعب الصائم على المفطر ولم يعب المفطر على الصائم ، فيكون هذا القول منه عليه الصلاة والسلام يخص هذا النوع :
” وهو هذا الرجل الذي قد ظلل عليه لكونه صائما ، فيخص نوعه ويدخل من يشابهه “
فمن حصلت له مشقة وضرر يدخل ضمن هذا النوع
ولا يكون هذا الحديث عاما لغير هذا النوع من الصُوام حتى نجمع ونوفق بين النصوص ,