الشرح الموسع لكتاب التوحيد ـ الدرس( 188)
قوله تعالى (قال الذين غلبوا على أمرهم )
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فضيلة الشيخ : زيد بن مسفر البحري
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قال المصنف رحمه الله :
وقوله تعالى :
{ قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِم مَّسْجِدًا }
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مطلع الآية :
{ وَكَذَلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لَا رَيْبَ فِيهَا إِذْ يَتَنَازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ فَقَالُوا ابْنُوا عَلَيْهِم بُنْيَاناً رَّبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِم مَّسْجِداً }
نأتي على أولها على عجالة :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
{ وكذلك } :
أي وكذلك كما أيقظناهم أعثرنا عليهم
{ ليعلموا } :
وهذا يعود لمن أنكر البعث ، ليعلم من أنكر البعث أن وعد الله حق وأن الساعة لا ريب فيها ،
{ إذ يتنازعون } :
يقول بعض المفسرين : إذ ، متعلقة بـ ” أعثرنا “،كأن المعنى أعثرنا عليهم من أجل أن يتنازعوا .
{ إذ يتنازعون بينهم أمرهم }
النزاع حاصل في ماذا ؟
قال بعض المفسرين :
في عددهم .
وقال بعض المفسرين :
في مدة لبثهم .
وقال بعض المفسرين :
في بعث الله عز وجل للأبدان والأرواح .
وقال بعضهم :
إن البعث للأرواح .
وقال بعضهم وهو ما أراده المصنف هنا ،
ما الذي أراده هنا ؟
الذي أراده هو ما ذهب إليه بعض المفسرين ، وهو ظاهر الآية من أن :
النزاع حاصل فيما بينهم
فقال المؤمنون :
لنتخذ عليهم مسجدا .
وقال غيرهم :
لنبني عليهم بنيانا لأنهم على ديننا
وقال المسلمون :
هم على ديننا فحصل النزاع بينهم مما يؤكد قوة هذا المعنى الذي من أجله ذكر المصنف هذه الآية تحت هذا الباب :
{ قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِم مَّسْجِداً }
مما يدل على أن النزاع حاصل فيها يكون على هؤلاء الفتية أيبنى عليهم بنيان أم يبنى عليهم مسجد ؟
فقوله عز وجل :
{ قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِم مَّسْجِداً }
هذا يؤكد أن للسلطة قوة وتأثيرا في تغيير الشيء لأن من له الغلبة هم أهل السلطة وأهل التنفيذ ،
ولذا يقول عثمان رضي الله عنه : إن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن ،
ولذا قال عز وجل :
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ }
قال المفسرون :
ـــــــــــــــــــــــــ
هم العلماء والأمراء ، لأن العلماء هم جهة التبيين والتوضيح وأما الأمراء هم جهة التنفيذ ، وهذا يؤكد ما ذكره ابن المبارك من أن سبب ضلال ابن آدم من ثلاثة أصناف من أمراء السوء من علماء السوء من عباد السوء ،
ولذا قال :
وهل أفسد الدين إلا الملوك
وأحبار سوء ورهبانها
قال تعالى :
{ قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِم مَّسْجِداً }
هذه القصة هي قصة أصحاب الكهف .
القصة في القرآن هي أمثلة وعبر كما قال شيخ الإسلام رحمه الله ولذا ذكر عز وجل في آخر سورة يوسف :
{ لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُوْلِي الأَلْبَابِ }
وقال في أول السورة :
{ نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ }
قال رحمه الله :
” إن أحسن القصص هنا هو ما قصه الله عز وجل في كتابه من قصص الأنبياء وغيرهم ، وليس المقصود في هذه الآية فقط قصة يوسف “
بل قال رحمه الله :
” إن في قصة موسى وعيسى وصالح وهود وذكر أنبياء قال إن قصص هؤلاء أفضل من قصة يوسف “
ما الدليل على أن هذه الآية ليس المقصود بها قصة يوسف ؟
أن الله عز وجل قال في آخر السورة :
{ وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِي إِلَيْهِم مِّنْ أَهْلِ الْقُرَى أَفَلَمْ يَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَدَارُ الآخِرَةِ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ اتَّقَواْ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ{109} حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ }
على وجه العموم :
{ وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُواْ جَاءهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَن نَّشَاء وَلاَ يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ{110} }
ثم :
{ لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ }
بل قال :
” إن في نفس الآية دليلا إذ قال : { نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَـذَا الْقُرْآنَ }
ولم يقل في هذه السورة .
فدل على أن المراد في كتاب الله عز وجل .
ولذا قال رحمه الله :
” مما يدل على أن قصة هؤلاء الأنبياء أفضل من قصة يوسف ، أن الله ثنى ذكر هذه القصص في كتابه أكثر من مرة بينما قصة يوسف مرة واحدة ـــــــــــــــ لم ؟
مع أن قصة يوسف لو سئل عنها أحد ما أفضل قصة في كتاب الله ؟
لقال : قصة يوسف .
قال رحمه الله :
” لأن الابتلاء الحاصل ليوسف هو من جهة أمر دنيوي لا من جهة أمر ديني لأن الأنبياء ابتلوا حينما دعوا الناس إلا التوحيد بينما البلوى الحاصلة ليوسف هي بلوى واقعة على يوسف لغرض دنيوي “
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله تعالى :
{ قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِم مَّسْجِداً }
فمثل هذه القصة ، وهي قصة أصحاب الكهف تحدث عنها شيخ الإسلام في مواضع متعددة
دلت على أن الشيخ قد فنَّد مزاعم من يقول بأن قصة يوسف هي أعظم قصة في القرآن .
وليس كذلك
بل قال :
(( ما جرى له مع إخوته إنما هو من حسد أضمرته نفوسهم ، فإن هذا واقع بسبب العداوة الدنيوية التي أضمروها .
فإن ما جرى له مع امرأة العزيز أرفع منزلة وأعظم مكانة مما جرى له مع إخوته .
بل إن حبسه حبسٌ مع ترك ملازمه دون أن يصحب هذا الحبس بأذية أو عداوة .
بينما النبي عليه الصلاة والسلام حبس في الشعب على أن لا تبايع عشيرته ولا تناكح ، وهذا أشد ))
فإن الحبس في الإسلام :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
هو الملازمة والتضييق مع الأذية .
فإن السجن لم يتخذه النبي عليه الصلاة والسلام ، ولم يتخذه أبو بكر ، إنما اتخذه عمر
إنما الحبس في عهد النبي عليه الصلاة والسلام هو أن يلازم الغريم غريمه
ولاشك أن ملازمة الغريم لغريمه فيها أذية أشد مما لو حبس وترك دون أن يصل إليه أذى .
ولذا :
ــــــــــ
فإن حبس النبي عليه الصلاة والسلام في الشعب أعظم .
وبالتالي :
فإن ما قاله النبي عليه الصلاة والسلام عن ” يوسف ” إنما هو من باب بيان فضل يوسف ، هذا من جهة
ومن جهة أخرى من باب التواضع منه
ولذا قال :
(( ولبث يوسف في السجن بضع سنين ، ولو دعيت إلى ما دعي إليه لأجبت ))
لأن يوسف عليه السلام لم يجب في أول الأمر كما هو معروف من السورة
وقال :
” إن قصة يوسف هي أحسن القصص مما لم يذكر في القرآن من حيث ما جرى له “
ولذا :
ــــــــ
فإن النبي عليه الصلاة والسلام أمر أن يتأسى بأولي العزم من الرسل
ويوسف ليس منهم :
قال تعالى :
((فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ ))
وذكر في مواضع أخرى فوائد القصص الموجودة في القرآن
وقال من بين فوائدها :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
أولا :
ــــــــــ
أن يتأسى المؤمنون بما تحلى به الأنبياء من الصبر والحلم
فإن من بعدهم ربما يؤذون كأذية الأنبياء أو أشد فكان في ذكرها فائدة
ثانيا :
ــــــــــــ
أن يُتأسى بهؤلاء الأنبياء بغيرهم من أولياء الله بالمسارعة إلى التوبة إلى الله
ما ذكر عن نبي إلا وذكر معه التوبة ، أي ذكرت معه توبته وقال :
(( إن أعظم قصص الملوك قصة ” ذي القرنين ))
وقال :
(( إن أعظم قصة لأولياء الله في الفترة السابقة هي قصة أصحاب الكهف ))
وقال :
(( إن حقوق الأنبياء حفظت ببركة نبوة النبي عليه الصلاة والسلام بل إن قبور الأنبياء حفظت من الغلو ببركة نبوة النبي عليه الصلاة والسلام إذ أنزل عليه هذا القرآن محذرا ، وأنزلت عليه السنة محذرة من الغلو ))
[ فائدة ] :
ـــــــــــــــــ
يقول الإمام أحمد :
ــــــــــــــــــــــــــــــ
إن قصة موسى عليه الصلاة والسلام هي أعظم القصص في كتاب الله .
ثم ذكر من أن القرآن لا تكرار فيه .
وما يذكر من القصة في مواضع متعددة فإنه بمثابة المعنى الذي يكون في هذه القصة مما لا يوجد في الموضع الآخر .
فما كررت مجردا وإنما ثنيت
والتثنية : الذكر المختلف في المعنى :
ولذا قال تعالى :
((اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مُّتَشَابِهاً مَّثَانِيَ ))
تثنى فيه المواعظ
تثنى فيه القصص
تثنى فيه الفوائد
ومن خلال ما ذكره شيخ الإسلام يتبين لنا أن ما ذكر من القصص في كتاب الله أو في سنة النبي عليه الصلاة والسلام ، وما يشابهها ما جرى للسلف الصالح ، فإن فيه غنية عما يذكر من قصص واقعية
فإن العبرة أبلغ بما مضى أكثر مما وقع .
والسبب :
لأن الواقع قد يشوبه ما يشوبه من عدم التثبت
ولأن ما وقع فيما مضى لاشك أنه واقع لأناس بلغوا مراتب علية في الطاعة
ولذا : من أراد أن يكون حديثه عن القصص فلتغنه قصص القرآن ، وقصص السنة ، وقصص من جاء بعدهم من الصحابة والتابعين ، ومن سار على نهجهم
أما أن تشغل الأوقات بقصص واقعية ، ويكون ديدن المتحدث هو هذا الموضوع في جل مجالسه
هذا ليس بسديد ، إنما السديد أن ينظر إلى هذه القصص المذكورة في القرآن وفي سنة النبي عليه الصلاة والسلام ويستوحي منها الفوائد والعلم ، لأن الله ما ذكرها إلا لأنها أبلغ القصص .
ولأن النبي عليه الصلاة والسلام ما ذكرت في سنته قصص إلا لأنها أبلغ ما يكون
ولذا :
لما كانت قصة موسى أعظم القصص ثنيت في كتاب الله ، وذكرت في مواضع متعددة
فالخلاصة هنا :
ـــــــــــــــــــــ
أن من نظر في قصة يوسف نظر بأن هذه القصة قد تتابعت أحداثها وترابطت فقال : إنها أعظم قصة
[ فائدة ] :
ــــــــــــــــــ
في قصة يوسف الهم الذي وقع له كما قال شيخ الإسلام إنما هو ” هم قلبي “ كتب الله له بهذا الهم لما صرف ذهنه عن ذلك كتب الله له به حسنة ، ولو كان واقعا منه شيء لذكر الله توبته ، وإنما جل وعلا ذكر الهم ولم يذكر التوبة
وما ذكر في التفاسير : من أنه خلع سراويله ، ونظر إلى أبيه أو ما شابه ذلك مما ذكر في كتب التفاسير ، وأنه جلس بين فخذيها
هذا لم يثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام في نقل صحيح ، ولا يجوز مثل هذا .
لو قال قائل :
ـــــــــــــــــــ
ما مناسبة ذكر هذه الآية تحت هذا الباب ؟
المناسبة مرت معنا ، وتظهر المناسبة إذا ضمت هذه الآية مع حديث : (( أبي سعيد )) الآتي
فإن هذه الأمة ستتبع سنن من كان قبلها
ومن سنن من كان قبلها : أنهم اتخذوا قبور الصالحين مساجد