الشرح الموسع لكتاب التوحيد ـ الدرس (19) قوله تعالى {قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ …}(5)

الشرح الموسع لكتاب التوحيد ـ الدرس (19) قوله تعالى {قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ …}(5)

مشاهدات: 426

التوحيد الموسع لكتاب التوحيد

الدرس ( 19 )

قوله تعالى :

{ قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا} [الأنعام: 151]

الجزء الخامس

فضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ثم قال تعالى مفردا الوصية العاشرة بآية مستقلة :

فالوصية العاشرة :

((وَأَنَّ هَـذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ))

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

” الواو ” هنا واو عاطفة : فهي معطوفة على ما سبق ، فكل ما سبق هو ” صراط الله عز وجل ” إما بدلالة التصريح أو بدلالة الإشارة

فيكون موضع ” أنّ ” : ــــــــــ في موضع نصب بالفعل المتقدم : ((قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ ))

فيكون المعنى : (( وأتلو أن هذا صراطي مستقيما ))

فقوله تعالى : (( هذا )) المشار إليه ما سبق

وقوله تعالى : ((صِرَاطِي )) :

ويأتي صراط الله عز وجل – كما قال ابن القيم يرحمه الله في مدارج السالكين – يأتي مضافا كما هاهنا :

فـ ” صراط ” مضافة إلى ” ي ” المتكلم

أو يأتي مُحلا بـ ” الألف واللام ” كقوله تعالى : {اهدِنَــــا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ }

وهذا الصراط قد يضاف إلى الله عز وجل كما في هذه الآية

وقد يضاف إلى عبادة المتقين كما في سورة الفاتحة : ((صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ ))

فإضافته إليه عز وجل باعتبار أنه هو الصراط الوحيد الموصل إليه جل وعلا

وإضافته إلى عبادة المتقين باعتبار أنهم هم السالكون له ، والسائرون عليه

وقد وضح عز وجل : أن الامتثال بهذا الصراط ،  والسير عليه نعمة منه عز وجل كما في سورة الفاتحة :  ((صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ ))

وقد بيَّن عز وجل من هم الذين سلكوه كما في سورة النساء : (( وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَـئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ ))

وقد وضح عز وجل : أنه لا طريق للعبادة إليه جل وعلا من هذا الطريق :

فقال عز وجل : {قَالَ هَذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ }

أي انه لا وصول إليه عز وجل إلا بهذا الطريق

وإنما لم يقل : ” هذا صراط إليّ مستقيم “

وإنما قال :” ((قَالَ هَذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ ))

: لأن على تفيد الاستعلاء

فمن سار على هذا الصراط فإنه في علو ، وفي مقام رفيع

ولذا تجدون الفرق بين طريق المتقين ، وطريق الضالين تجدون ان الأسلوب يتغير :

فيكون الأسلوب في طريق المتقين بصيغة ” على ” لعلوهم

بينما ” الضالين ” بـ ” في ” لانغراقهم وانغماسهم في الضلال

قال عز وجل : ((أُوْلَـئِكَ عَلَى هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ ))

وقال عز وجل عن الضالين : ((وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ ))

وباختصار أتت هاتان الأدتان في آية واحدة :

قال عز وجل : ((وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ ))

وقد أوضح عز وجل أنه هو جل وعلا على صراط مستقيم :

قال هود عليه الصلاة والسلام : ((إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ))

لأنه عز وجل : أقواله وأفعاله عدل ، ليس فيها جور ، وكل أخباره صدق

وقد أوضح عز وجل : أن الرسول عليه الصلاة والسلام يهدي إلى هذا الصراط : ((وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ))

وقوله عز و جل : (( مستقيما ))

مستقيما إعرابه حال : أي حالة كون هذا الصراط معتدلا مستقيما لا اعوجاج فيه

فدل هذا على أن هناك صراطا معوجا :

وقد أوضح في سورة النحل : {وَعَلَى اللّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَمِنْهَا جَآئِرٌ ))

ويلزم من استقامة الصراط ان يتصف بثلاثة أوصاف :

1ـــ أن يكون واسعا

2 ــــ أن يكون سهلا

3ـــ أن يكون قريبا

وهذه الصفات موجودة في صراط الله عز وجل :

فهو يسع كل الخلق

وهو سهل على من سهله الله عليه

وهو قريب : أي يقربك من الله عز وجل

ثم قال : (( فاتبعوه ))

هذا من باب التأكيد ، وإلا فإذا قيل لعاقل : هذا صراط ، وطريق واسع سهل قريب من الله

لو قيل له هذا لدعاه عقله ورشده إلى ــــــــــ ماذا ؟

إلى ان يتبعه

ولذا جاء الأمر تأكيدا : قال : (( فاتبعوه ))

ولما ذُكر أنه صراط مستقيم أوضح في هذه الآية الطرق المعوجة

ولما كان الأمر كما هي القاعدة الأصولية :

لما كان الأمر نهى عن ضده نهى عن اتباع هذه الطرق المعوجة :

اقرأ ما بعدها :

(( ولا تتبعوا )) هذا نهي

(( ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ))

وقال هنا : (( السبل ))

وقال عز وجل  في سبيله  كما فسّر بذلك النبي عليه الصلاة والسلام في حديث ابن مسعود رضي الله عنه في مسند الإمام أحمد : قال : ” خط النبي عليه الصلاة والسلام خطا مستقيما ثم خط خطوطا عن يمين هذا الصراط وعن شماله ، ثم قال : هذا سيبل الله ، وهذه سبل على كل سبيل منها شيطان ثم قرأ هذه الآية  : ((وَأَنَّ هَـذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ))

ولذا سبيل الله يفرد لأنه طريق واحد

أما سبل الشياطين فتُجمع لأنها متفرقة غير مجتمعة .

ولو قال قائل : ما تقولون في قوله تعالى : ((يَهْدِي بِهِ اللّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلاَمِ ))

فجاء طريق الله مجموعا : ” سبل ” ؟

فالجواب: أنها مضافة إلى السلام ، فلما قال : ” سبا السلام ” لم يعد هناك تعارض

ثم قال تعالى : ((فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ )) :

يُفهم من هذا : أن من حاد عن سبيل الله عز وجل فإن الشياطين تتلقفه وتستقبله

ولذا فليكن المسلم على حذر من أن يعصي الله عز وجل ، فلربما استمراء المعصية فولدت معصية أخرى حتى يطبع على قلبه من حيث لا يشعر :

كما قال عليه الصلاة والسلام – عند الترمذي – : (( إن العبد إذا أذنب ذنبا نكت في قلبه نكتة سوداء ، فإن تاب واستغفر صقل منها ))

يعين مُسح قلبه فيصبح نظيفا كالمرآة إذا نظفت ( وإن زاد زادت حتى يُغلف بها قلبه ، وذلك هو الران الذي ذكره الله عز وجل في كتابه : (({كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ } ))

وقال عليه الصلاة والسلام – كما في صحيح مسلم – : (( تعرض الفتن على القلوب كعرض الحصير عودا عودا ، فأي قلب أشربها نكتت فيه نكتة سوداء ، وأي قلب انكرها نكتت فيه نكتة بيضاء ، حتى تعد القلوب على قلبين : قلب أبيض ؟، وقلب أسود ، ثم ذكر صفات القلب الأسود ، قال : (( مربادا كالكوز مجخيا ، لا يعرف معروفا ، ولا ينكر منكرا إلا ما أشرب من هواه )) :

ومربادا : ـــــــــــــــ يعني مثل المنشف كلما مسح بها كلما ازدادت اتساخا

ثم قال : ” كالكوز مجخيا ” : ــــــــــ أي كالكأس إذا قلبته انسكب ما فيه ، ومن ثَم لا يدخله شيء لأنه منتكس

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ثم قال تعالى : ((ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ))

أي لتتقوا

وفي الآية الأولى ختم بقوله : ((ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ  ))

وفي الآية الثانية ختم بقوله : (( ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ))

وفي الآية الثالثة ختم بقوله : ((ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ))

واختلاف هذا الختام يدل على – كما قال بعض المفسرين – على أنه متى عقل تذكر ، وإذا تذكر خاف ، ومن ثَم اتقى

ولذا تناسب ترادف هذه الجمل .

سأل أحد الإخوان عن قول الله عز وجل : ((وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ))

فجمع السبل هنا مع أننا قلنا : عن سبيل الله عز وجل يُفرد ، ووجهنا قوله تعالى :  (( يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ))

ولما لم يكن الوقت بالأمس متاحا لجواب فإن الجواب عن هذه الآية كالجواب عن الاية السابقة لأنه جل وعلا أضاف السبل إليه قال : (( لنهدينهم سبلنا ))

فهي كالآية السابقة لأن قوله تعالى : ” يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ” فسر السلام بأنه هو الله عز وجل لأن من أسمائه السلام كما ذكر عز وجل في آخر سورة الحشر

والقرآن يفسر بعضه بعضا

ثم إن هذه الآيات المذكورة في سورة الأنعام :

قال بعض العلماء : هي الآيات المحكمات في قوله تعالى : ((هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ ))

ولكن الصحيح ان قوله تعالى : ((هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ ))

أشمل وأعم مما ذكروه

ومناسبة إيراد هذه الآية تحت هذا الباب أن التوحيد هو وصية الله عز وجل