الشرح الموسع لكتاب التوحيد ـ الدرس (191) حديث ( إن الله زوى لي الأرض فرأيت) الجزء (1)

الشرح الموسع لكتاب التوحيد ـ الدرس (191) حديث ( إن الله زوى لي الأرض فرأيت) الجزء (1)

مشاهدات: 489

الشرح الموسع لكتاب التوحيد ـ الدرس( 191)

حديث ( إن الله زوى لي الأرض فرأيت) الجزء (1)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فضيلة الشيخ :  زيد بن مسفر البحري

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قال المصنف :

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ولمسلم :

عن ثوبان :

أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :

(( إن الله زوى لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها، وإن أمتي سيبلغ ملكها ما زوى لي منها ، وأعطيت الكنزين الأحمر والأبيض ، وإني سألت ربي لأمتي أن لا يهلكها بسنة عامة ، وأن لا يسلط عليهم عدوا من سوى أنفسهم فيستبيح بيضتهم ، وإن ربي قال :  يا محمد إذا قضيتُ قضاء فإنه لا يرد ، وإني أعطيتك لأمتك أن لا  أهلكهم بسنة عامة ، وأن لا أسلط عليهم عدوا من سوى أنفسهم يستبيح بيضتهم ولو اجتمع عليهم من بأقطارها ، حتى يكون بضعهم يهلك بعضا ويسبي بعضا )) :

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الشرح :

ـــــــــــــــــ

عن ثوبان :

[ ثوبان ] :

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ــ هو خادم النبي عليه الصلاة والسلام

ــ أعتقه النبي عليه الصلاة والسلام ، وتولى خدمته ، فيكون من بين خدامه

ـــ وقد سكن الشام

ـــ وتوفي سنة ( 54 هــ )

[ عن ] : حرف جر

[ ثوبان ] : اسم مجرور وعلامة جره الفتحة نيابة عن الكسرة لأنه ممنوع من الصرف للعلمية وزيادة الألف والنون

وقوله : (( إن الله زوى لي الأرض )) :

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

في رواية عند أبي داود :

(( إن الله زوى لي الأرض أو قال إن ربي زوى لي الأرض ))

وقوله : (( فرأيت مشارقها ومغاربها )) :

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وفي رواية أبي داود : (( فأُريتُ مشارقها ومغاربها ))

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الزوي : هو الجمع

فيكون الله جمع الأرض للنبي بما فيها من جبال وسهول وبحار وتلال وسائر ما خلقه الله فيها

ولكن هذا الزوي ،  وهو الضم :

أهو زوي قُربت فيه الأرض للنبي عليه الصلاة والسلام حتى كانت بمقاس  الكف ، أم أن قوة بصر النبي عليها لصلاة والسلام زيد فيه حتى أبصر ما كان بعيدا كأنه قريب ؟

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

قولان لأهل العلم :

ــــــــــــــــــــــــــ

القول الأول :

ــــــــــــــــــ

أن الزوي على حقيقته ، فجمعت الأرض بما فيها بمقدار قليل / وبقي بصر النبي عليه الصلاة والسلام على ما هو عليه

ولا عجب :

فعندنا الآن الكرة الأرضية مصورة أو مصنوعة على شكل دائرة ، فلا يبعد أن يكون الله قد جمعها بهذا المقدار

فرأى النبي عليه الصلاة والسلام ما فيها مما في المشرق والمغرب

ولذا جاءت رواية الشك :

(( إن ربي )) تقوي هذا لأن الرب هو المالك المتصرف المدبر ، ثم أيضا في صيغة الرب ما يدل على الاعتناء الكبير والرحمة الواسعة من الله للنبي عليه الصلاة والسلام إذ أراه مشارق الأرض ومغاربها حتى يطمئن قلبه ، وحتى يأنس فؤاده

فيكون من باب الاطمئنان لقلبه

ولو قال قائل :

ـــــــــــــــــــــــــــ

كيف تجمع بهذا الحج وفيها تلك الجبال وتلك البحار والأنهار ؟

كيف تجمع بهذه الصورة ؟

الجواب :

ـــــــــــــــــــ

نقول : إن الله على كل شيء قدير

ومثل هذا لا تتسع العقول لإدراكه

لا تقل لم ؟

ولا تقل : كيف ؟

إنما هو التسليم والانقياد

القول الثاني :

ـــــــــــــــــــــــــ

إن الله قوَّى بصر النبي عليه الصلاة والسلام والأرض على ما هي عليه

ويشابه ذلك ما جاء في قصة الإسراء والمعراج :

فإن النبي عليه الصلاة والسلام لما كُذِّب وقالوا له : صف لنا بيت المقدس إن كنت قد ذهبت إليه

فقال النبي عليه الصلاة والسلام في الحجر فجلَّى الله له بيت المقدس فوصفه لهم وصفا دقيقا

والظاهر من السياق هو القول الأول :

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

لأن عبارة الزوي تدل على الضم والجمع  ، ولا يعدل عن هذا الظاهر إلا بدليل

ولأن الأصل أن الظاهر يبقى على ظاهره ولا يُؤول إلا بدليل

ولذا : عندنا الظاهر والمؤول :

الظاهر :

ـــــــــــــــ

ما ظهر فيه الحكم من ظاهره

أما المؤول :

ـــــــــــــــــــ

فهو :

ما عدل عن الظاهر إلى معنى مرجوح لوجود دليل آخر

وسواء قلنا  بالقول الأول أو القول الثاني فكلاهما معجزة

وفائدة تتعلق بالمعجزة :

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

معجزات النبي عليه الصلاة والسلام كثيرة، وأعظمها القرآن

لكن من بين المعجزات :

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

أن النبي عليه الصلاة والسلام في صلح الحديبية كتب :

[ هذا ما قاضى عليه محمد بن عبد الله ]

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

كتب : [عبد الله ]

ــ ومر  معنا أن النبي عليه الصلاة والسلام أمي

وهذا هو صريح القرآن

والأمية تمدح باعتبار وتذم باعتبار آخر

وقررنا فيما سبق أصناف الأمية

وأن النبي عليه الصلاة والسلام كان أميا

لكن المشكلة هنا :

ـــــــــــــــــــــــــــــــ

أنه جاء في صحيح البخاري :

(( أن النبي عليه الصلاة والسلام في صلح الحديبية لما قال لعلي : اكتب هذا ما قاضى عليه محمد رسول الله ))

فقال سهيل بن عمرو : قف ، لو كنت رسول الله ما حاربناك ، ولكن اكتب محمد بن عبد الله

فقال النبي عليه الصلاة والسلام لعلي : امحها

فقال علي : لا أمحو شيئا كتبته

وهو لم يتوانى في تنفيذ الأمر لكنه علم بقرينة الحال أن هذا ليس على سبيل الإلزام

قال : فأخذ النبي عليه الصلاة والسلام الكتاب ، وهو لا يحسن الكتابة فكتب : (( محمد بن عبد الله ))

ومن هنا وقع الإشكال :

كيف يكتب النبي عليه الصلاة والسلام ؟

ومن هذا الخبر رأى [ أبو الوليد الباجي ] رأى أن النبي عليه الصلاة والسلام علم الكتابة فيما بعد ، فقام عليه علماء الأندلس ورموه بالزندقة

فاستدعاه الأمير ومن معه

فقال : معي الدليل !

فقال : ما هو

قال : قول الله تعالى :

((وَمَا كُنتَ تَتْلُو مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ ))

قال : ((مِن قَبْلِهِ )) فلما أوتي القرآن تعلم النبي عليه الصلاة والسلام ، ولا يكون في ذلك حجة للمعاند

فتبعه جماعة من العلماء واستدلوا بأدلة :

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الدليل الأول :

ـــــــــــــــــــ

الآية

الدليل الثاني :

ـــــــــــــــــ

ــ ما جاء عند البخاري :

أنه اخذ الكتاب وهو لا يحسن الكتابة ، وكتب : (( هذا ما قاضى عليه محمد بن عبد الله ))

الدليل الثالث :

ــــــــــــــــــــــــــــــ

ــ ما جاء في مصنف بن أبي شيبة :

(( أن النبي عليه الصلاة والسلام ما مات حتى قرأ وكتب ))

الدليل الرابع :

ـــــــــــــــــــ

ــ أن النبي عليه الصلاة والسلام أمر معاوية أن يكتب لعيينة وللأقرع ، فقال عيينة : لا آخذ كتابا ككتاب المتلمس لا ادري ما فيه

فرأى النبي عليه الصلاة والسلام فقال :

(( قد كتب لك ما أُمر لك ))

الدليل الخامس :

ــــــــــــــــــــــــــــــــ

ـــ أن النبي ليه الصلاة والسلام قال لمعاوية :

(( حرِّك القلم وأقم الباء ، وفرق السين ، ولا تعور الميم ))

الدليل السادس :

ــــــــــــــــــــ

ــ وقال : (( ولا تمد بسم الله ))

الدليل السابع :

ـــــــــــــــــــــــ

(( ضع القلم عند أذنك فإنه أذكر لك ))

فهذه أدلة من قال بإنه كتب

ـــ أما الجمهور :

ـــــــــــــــــــــــ

فيرى أن النبي عليه الصلاة والسلام لم يكتب

ويستدلون على ذلك بقوله تعالى :

((وَمَا كُنتَ تَتْلُو مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ ))

وليس فيه دلالة على أنه سيعلم أو سيتعلم الكتابة والقراءة فيما بعد

فالآية فيها إخبار عما سبق

ـــ أما ما جاء في البخاري :

 فإن النبي عليه الصلاة والسلام لم يكتب

بدليل أنه قال لعلي :

(( أرني إياها ، فأراه إياها  ، فكتب ))

فيكون النبي عليه الصلاة والسم غير عالم بالقراءة ولا الكتابة

وإلا لما قال لعلي : (( أرني إياها ))

ولما احتاج أن يقول لعلي :

(( أرني إياها ))

والدليل الآخر على أنه لم يكتب في صلح الحديبية :

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

أنه جاء في حديث ” المسور ” التنصيص على أن الكاتب الوحيد في صلح الحديبية هو ” علي “

فما أُجمل في رواية فُسر في رواية أخرى

الدليل الثالث :

ــــــــــــــــــــــ

أن معنى : ” كتب ” يعني أمر بالكتابة

كما جاء في أحاديث :

كتب إلى قيصر

كتب إلى كسرى

فيكون كتب يعني : أمر بالكتابة

وأما ما استدلوا به من أحاديث فكلها ضعيفة

كما أفاد ابن حجر رحمه الله

وعلى افتراض أنه كتب من باب التنزل ومن باب الأخذ بالظاهر فإن النبي عليه الصلاة واسللام جرت يده بالكتابة  لأن الأمي قد يعلم صورة الكتابة فيكتبها كما هي ولاسيما الأسماء

وبذلك لا يخرج عن كونه أميا

ثم لو كتب حقيقة دون اللجوء إلى القول بكتابته للكلمة على صورتها فإن هذا الأمر معجزة للنبي عليه الصلاة والسلام في تلك اللحظة

وهذه معجزة

ولا تدل على أنه عالم بالقراءة أو الكتابة

وقوله : (( فرأيت مشارقها ومغاربها )) :

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

في رواية أبي داود :

(( فأُريت مشارقها ومغاربها ))

رأيت : يعني هو الذي رأى وذلك ببناء الفعل للمعلوم

وأما أُريت : فهو ببناء الفعل لما لم يسم فاعله أو للمجهول

فكأنه قيل للنبي عليه الصلاة والسلام : (( لتر ))

كأن هناك من أمره بأن يرى

بينما هنا هو الذي رأى مباشرة

ولا تعارض بين الوجهين :

فيكون في أول الأمر أثمر بالرؤية فرأى

(( فرأيت مشارقها ومغاربها ))

لم يقل : (( فرأيت شمالها وجنوبها ))

لم تذكر جهتي الشمال والجنوب

ولذا قال بعض العلماء :

(( اتسعت فتوحات الأمة الإسلامية من جهة الشرق إلى جهة الغرب أكثر بكثير من اتساع فتوحاتها من جهة الشمال إلى الجنوب ))

 

وعندي احتمال ما رأيت أحدا ذكره وقد يعارضه ما حصل في الواقع اللهم إلا إذا وجد شيء في المستقبل وهو أن ذكر المشرق والمغرب من باب العموم لا من باب التنصيص على الشرق والغرب وإنما يراد به المبالغة ، والأدلة على ذلك كثيرة من بينها في دعاء الاستفتاح ( وباعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب )  يراد به المبالغة

{ وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ }

وقال تعالى { يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ }

ولا يعني أن يخرج الشمال والجنوب بذكر هاتين الكلمتين بدليل أن الفتوحات وقعت في الجنوب والشمال