الشرح الموسع لكتاب التوحيد ـ الدرس( 203)
حديث ( وإنما أخاف على أمتي ) الجزء (10)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فضيلة الشيخ : زيد بن مسفر البحري
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[ ولا تزال ] ــ هذا الفعل يدل على الاستمرار
فاستمرار وجود طائفة من الحق
وإذا وجدت هذه الطائفة فإنه يدل على أن الإسلام باق إلى قيام الساعة
وأن الجهاد ماض إلى قيام الساعة كما هو معتقد أهل السنة والجماعة
ولذلك أتى بكلمة : (( النصرة ))
وبكلمة : (( عدم إلحاق الضرر بهؤلاء ))
مما يؤكد هذا المعنى
وقوله : (( طائفة )) :
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
أبهمها وهذا الإبهام يقرر ما سبق :
ــ من أن ههذ الطائفة لا تحصر بزمن ، ولا تحصر بمكان ، ولا تحصر بشخص
لأن الإطلاق يدل على الشمول ، ولا يدل على التقييد لا بزمن ، ولا بموقع ، ولا بشخص
وقوله : (( على الحق )) :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الحق : هو ما جاء به الشرع
وهو دين الإسلام
ولذا : من زعم بأنه من أفراد الطائفة المنصورة
فإن زعمه لا يلتفت إليه حتى ينظر إلى فعله :
فينظر في هذا الفعل :
ــ هل هذا الفعل موافق لأصول الإسلام ، ومبادئ الدين
فإن كان كذلك فيكون قوله مقبولا
إذ ليست الأوصاف تلحق بالدعاوي
وإنما ينظر فيها إلى الأفعال ؟
وقوله : (( على الحق )) :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هذه فيها تبشير من النبي عليه الصلاة والسلام لهذه الطائفة المحتاجة إلى التأنيس في آخر الزمان ، فإنه أتى بالحرف على
و” على ” يدل على الاستعلاء
ففيه تبشير لهم وإشارة إلى أنهم سيفوقون ويعلون غيرهم بتمسكهم بالحق
ولذا قال ابن القيم :
” إن الله إذا ذكر أهل الحق أتى بحرف ” على ” الذي يدل على العلو ، وإذا ذكر أهل الباطل أتى بحرف [ في ] الذي يدل على الانغماس والاستغراق في الباطل :
فقال عن أهل الحق :
(( أولئك على هدى من ربهم ))
وقال عن أهل الباطل :
(( أولئك في ضلال مبين ))
ولم يقل : (( على ضلال مبين ))
ولذا جمع بينهما في قوله :
(( وإنا أو إياكم لعلى هدى )) هؤلاء هم أهل الحق
(( أو في ضلال مبين )) وهؤلاء هم أهل الباطل
وتفيد كلمة : (( على الحق )) أيضا :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أن هذه الأمة لن تعلو إلا بالحق ، وسبيل العلو هو :
” الجهاد في سبيل الله ” وهو إعلاء كلمة الله
ولذا قال النبي عليه الصلاة والسلام :
(( إذا تبايعتم بالعينة ورضيتم بالزرع وأخذتم أذناب البقر وتركتم الجهاد سلط الله عليكم ذلا لا ينزعه عنكم حتى ترجعوا إلى دينكم ))
وقوله : (( منصورة )) :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تفيد هذه الكلمة حصول المطلوب لهذه الطائفة إذ المطلوب لدى أي طائفة أن تكون منتصرة
ففي هذا تأنيس آخر وتبشير منه من أنهم منصورون
ولاشك أن الانتصار حصول مطلوب
وتفيد هذه الصيغة ، وهي على وزن اسم المفعول التام
تفيد أن هذا الانتصار ليس منهم :
لأنه لم يقل : ” مُنْتصِرة ” وإنما قال : ” منصورة “
والمنصورة لها ناصر ــــــ من هو ؟
الله عز وجل
وتفيد هذه الكلمة أن من هو على الحق فهو منصور على أعدائه
ــ إما بالنصرة بالحجة :
كأن ينتصر على المنافقين في بيان مابهم ودحض مزاعمهم
ــ وإما إن ينصر بالقوة بالسيف :
وذلك في حق الكفار المعاندين لشرع الله
ولذا قال تعالى :
(( وكان حقا علينا نصر المؤمنين ))
والنصرة هنا مطلقة :
ــ النصرة بالحجة والبيان
ــ والنصرة بالسيف والسلاح
وقوله : (( لا يضرهم )) :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هنا زوال المكروه
فظفروا بشيئين :
ـــــــــــــــــــــــ
1ــ حصول المطلوب
2ــ وزوال المكروه
حصول المطلوب مفادة من كلمة :
((منصورة ))
وزوال المكروه مفادة من كلمة :
(( لا يضرهم ))
(( يضرهم )) ــــ فعل مضارع مرفوع وعلامة رفعه الضمة الظاهرة على آخره لأنه لم يسبقه لا ناصب ، ولا جازم
و [ لا ] : هنا نافية ، وتقدمتم الفعل
ومرت معنا قاعدة : في شأن الفعل المنفي :
[ والفعل المنفي يفيد العموم ]
كما هو مقرر في الأصول .
ومكمن إفادتها للعموم هنا : أن الضرر لا يحصل لهم بوجه من الوجوه
لا يضرهم لا في بدن ولا في مال ، لا في ذرية ، لا في نساء
ولا في غير ذلك من أنواع وأشكال الضرر
فإذاً الفعل المنفي يفيد العموم
[ نطرح إشكالا ] :
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وهو أن الضرر إذا نفى عنهم عامة فإن الضرر قد حصل على بعض هؤلاء كالإمام أحمد لما سجن وضرب ، وما حصل وما ذكر في السير فهذا لا يعارض ما ذكر من هذه القاعدة ؟
الجواب عن هذا :
ـــــــــــــــــــــــــــ
أن نفي الضرر لا يلزم منه نفي الأذية فيؤذى ،لكن الأذية ليست كالضرر لأن المراد من هذا الضرر في هذا الحديث الضرر الذي يقضي عليهم أو يضعفهم
ففرق بين الأذية والضرر :
ولذا قال تعالى كما في الحديث القدسي :
(( يؤذيني ابن آدم يسب الدهر وأنا الدهر ))
وأثبت أن هناك أذية لله لكن لا يلزم منها أن يقع ضرر
ولذا قال :
(( إنهم لن يضروا الله شيئا ))
بينما أثبت الأذية هنا كما في هذا الحديث
وفي قوله تعالى :
(( إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ))
وقوله : (( من خذلهم ولا من خالفهم )) :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هنا في هاتين الكلمتين ذكرت طائفتان ، فيكون هذا الحديث قد ذكر ثلاث طوائف :
1ــ الطائفة المنصورة
2ـ الطائفة الخاذلة
3ــ الطائفة المخالفة
فالطائفة الخاذلة :
هي الطائفة التي تكون قريبة من هذه الطائفة من حيث المنهج ، ولكنها لما أرادت إعانتها خذلتها
فهذا الخذلان لا يصيب هذه الطائفة منهم ضرر
الطائفة الثالثة :
من خالفهم ، وهي التي تخالف نهجهم من الكفار والمنافقين ونحوهم
فقوله : (( لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم )) ــــــــــ
هذا الحكم له أمر وله وقت
ما وقته ؟
((حتى يأتي أمر الله تبارك وتعالى ))
ما هو أمر الله ؟
في رواية أخرى عند مسلم : (( حتى تأتيهم الساعة ))
وهنا إشكالان :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الإشكال الأول :
ــــــــــــــــــــــ
على الرواية التي معنا : (( حتى يأتي أمر الله ))
فهذا الإشكال يوحي بأن هذه الطائفة سيمر عليها زمن لا يحصل لها هذا الموعود في الحديث ؟
الإشكال الثاني :
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
ينساق إلى الرواية الأخرى :
(( حتى تأتيهم الساعة ))
ومعلوم أن الساعة لا تأتي إلا على الكفار ؟
فلا تقوم الساعة – كما جاء في الحديث إلا على شرار الخلق :
(( إن من شرار الناس من تدركهم الساعة وهم أحياء ، والمتخذين عليها المساجد والسرج ))
هنا إشكالان ــــــــ فما الجواب ؟
الإشكال الأول :
ــــــــــــــــــــــــ
على رواية : (( حتى يأتي أمر الله ))
أجاب عنه بعض العلماء بقوله :
ــــــــــــــــــــــــــــــ
” إن أمر الله هو إتيان الريح اللينة التي تقبض أرواح المؤمنين قبل قيام الساعة
هذا هو الجواب
لكن لو اعترض عليه فقيل : أين الدليل على أن هذا الأمر هو المراد به وجود الريح ؟
نقول :
ــــــــــــــــــ
حتى يأتي أمر الله الجواب كما ذكر
وعمدتنا في هذا أن الحديث أثبت استمرارية نصرة هذه الطائفة مع ما جاء من أدلة أخرى في أن أهل الحق منصورون على سبيل الإطلاق
وكما جاء من أحاديث تبين أن الجهاد ماض إلى قيام الساعة
فيكون أول الحديث مؤيدا لما فسرنا به أمر الله
وهو هبوب الريح
الإشكال الثاني :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
على الرواية الأخرى :
(( حتى تأتيهم الساعة ))
إن قلنا :
إن هذه الساعة هي الساعة الكبرى فإن ورود الحديث في هبوب الريح يدفع هذا الإشكال لأن الأحاديث يفسر بعضها بعضا
وإن قلنا :
إن المراد بالساعة هنا هي الساعة الصغرى ، وهي موتهم فلا إشكال
فإن موتهم لا يكون إلا عند هبوب الريح التي تكون قرب قيام الساعة
فإن قلنا :
هي الساعة الكبرى : فالجواب عنها :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ــ أن الأحاديث أثبتت هبوب الريح تقبض أرواح المؤمنين ، وإن قلنا هي الساعة الصغرى وهي موتهم فلا إشكال في ذلك ـــــــــــــ لم ؟
لأن موت هذه الطائفة واضمحلالها لا يمكن أن يكون إلا عند هبوب الريح
(( حتى يأتي أمر الله )) :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[ يأتي ] فعل مضارع منصوب بـ”حتى ” وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره
هذا على رأي الكوفيين
أما على رأي البصريين فهو منصوب بـ” أن ” مضمرة وجوبا
(( تبارك وتعالى )) :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[ تبارك ] فعل ماض مبني على الفتح
[ تعالى ] فعل ماض مبني على الفتح منع من ظهوره التعذر
(( تبارك وتعالى )):
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فعلان من أفعال السعة :
فيكون [ تبارك] أي وسعت بركته كل شيء
وإذا وسعت بركته كل شيء فإن آثارها تكون واسعة
وإذا كانت بركته واسعة يدل على عظمتها .
(( وتبارك )) :
ـــــــــــــــــــــــ
من أفعال السعة
وإذا كانت من أفعال السعة فإنه يدل على كمال بركته
(( تعالى )) :
ــــــــــــــــــــــــــــــ
من أفعال السعة .
فيدل على كمال علو الله ، وعلى عظمة علو الله
وأرى – والله أعلم – في مثل هذا المقام أن ذكر هذين الوصفين لله تعالى في هذا المقام مما يؤكد هذا الموعود المذكور في الجملة السابقة .
فمن بركته أنه نصر هذه الطائفة .
ومن بركته أنه أبقى ههذ الطائفة لهداية من أراد الله هدايته .
ومن بركته مما ذكر أنه نصر هذه الطائفة مع قلتها ومع ضعفها في بعض الأحيان .
ــ ومن بركته:
أن هذا الألم الحاصل لهذه الطائفة لم يدم
فإنه ينقطع بمجيء ريح وصفت في الحديث بأنها لينة
فإذا كانت لينة في قبض أرواحهم ففيه دليل على أن هناك ما هو ألين بعد وفاتهم
ولو جلست تتمعن لوجدت أيضا فوائد كثيرة .
وفعل (( تعالى )):
فإن من علو الله أن ينصر الطائفة القليلة المستضعفة
ــ من علوه – قد يستغرب إنسان ويقول : ” لماذا تذكر هذه ضمن علوه ؟
لا تستغرب لأن علو الله كم نوع ؟
لأن علو الله ثلاثة أنواع :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1ــ علو الذات لله
2ــ علو الصفة
3 ـ علو القهر
(( وهو القاهر فوق عباده ))
ــ فمن علوه انه أوجد لهذه الطائفة مطلوبها ، وكف عنها مكروهها ومرهبوبها :
(( لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم ))
وعند التأمل يحصل شيء أكثر من هذا
والعلم عند الله
(( تبارك )) :
ــــــــــــــــــــــــ
من الفوائد تحت هذه الكلمة :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أولا :
ـــــــــــ
أن هذا الفعل تبارك لا يطلق إلا على الله :
كما قال تعالى :
((تَبَارَكَ الَّذِي إِن شَاء جَعَلَ لَكَ خَيْراً مِّن ذَلِكَ ))
((تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ ))
((تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاء بُرُوجاً ))
ثانيا :
ـــــــــ
أن في هذا الفعل بيان بركة الله
وقد جاء في أحاديث أخرى بيان بركة اسمه
كما في دعاء الاستفتاح :
(( وتبارك اسمك ))
فإذا كان اسمه تبارك فهو من باب أولى
ثالثا :
ــــــــــ
أن كلمة (( تبارك )) تدل على النماء والزيادة والسعة
ــ وقوله : (( وتعالى )) :
ــــــــــــــــــــــــــــ
من الفوائد تحت هذه الكلمة :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أولا :
ــــــــــ
أن العلو ثلاثة أنواع :
1ــ علو الذات
2ــ علو الصفة
3ــ وعلو القهر
وبعض العلماء يجعله نوعين :
1ــ علو الذات
2ــ وعلو الصفة
ثانيا :
ـــــــــــ
أن العلو يختلف عن الاستواء من وجهين :
الوجه الأول :
ـــــــــــــــــــــ
أن العلو صفة ذاتية ، والاستواء على العرش صفة فعلية
الوجه الثاني :
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
أن العلو ثبت عن طريق النص وعن طريق العقل ، وعن طريق الفطرة ، وعن طريق الإجماع ، وعن طريق اللغة
بينما الاستواء ورد عن طريق النص
ثالثا :
ــــــــــــ
العلو كما قال شيخ الإسلام في الفتاوى عن بعض السلف
قال : ورد في ثبوته أكثر من ألف دليل
وهذه الأدلة ، وهي الألف أو الأكثر تندرج – كما قال ” ابن أبي العز الحنفي ” إلى عشرين طريقة ذكرت في النصوص الشرعية :
من بين الطرق :
ـــــــــــــــــــــــــــــ
ــ إما أن يصرح بصعود شيء إليه أو بنزول شيء منه أو بذكر الفوقية ـــــــــــــــ إلخ
رابعا :
ــــــــــــ
أن علو الله عند أهل السنة والجماعة أن الله في العلو قد استوى على عرشه بائن من خلقه ليس في ذاته شيء من خلقه ولا في خلقه شيء من ذاته
وعرفوا هذا التعريف ليدفعوا قول من قول : بأنه حل في كل مكان
وليدفعوا قول من يقول : ” بأنه ليس في مكان ـــــــ كيف ؟
قالوا : ليس في علو ، وليس في سفل وليس في خارج العالم ولا في داخل العالم
وهذا هو المعدوم حقيقة
تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا
الفائدة الخامسة :
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
أن العلو والمعية لا تنافي بينهما
ولذا عبارة السلف :[ قريب في علوه عليٌ في دنوه ]
فإن المعية لا تقتضي الاختلاط وهو في حق المخلوق فكيف بالخالق ؟
قد تقول في القمر : مازلنا نسير والقمر معنا
فأثبتت المعية للقمر مع المسافرين
ومع ذلك أين هو ؟
هل مختلط بهم أم انه في العلو ؟
في العلو
هذا مخلوق فكيف بالخالق عز وجل ؟!
الفائدة السادسة :
ـــــــــــــــــــ
أن العلو لم ينكره أحد من السلف
ولذا من أنكره فهو فرعوني لأن فرعون قال :
((وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحاً لَّعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ{36} أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِباً ))
ومن أثبته فهو ” موسوي ” منسوبا إلى موسى
موسوي محمدي
ومن أنكره فهو فرعوني جهمي
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ