التوحيد الموسع لكتاب التوحيد
الدرس ( 21 )
عن معاذ بن جبل رضي الله عنه ، قال : ” كنت رديف النبي صلى الله عليه وسلم على حمار فقال لي : ( يا معاذ ، أتدرى ما حق الله على العباد ، وما حق العباد على الله ) ؟
الجزء الثاني
فضيلة الشيخ : زيد بن مسفر البحري
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ثم ذكر رحمه الله : ” حديث معاذ ”
وفي ذكر لحديث معاذ في ختام هذا الباب من الروعة وحسن الترتيب ما لا يُقدر بثمن .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عن معاذ بن جبل رضي الله عنه ، قال : ” كنت رديف النبي صلى الله عليه وسلم على حمار فقال لي : (( يا معاذ ، أتدرى ما حق الله على العباد ، وما حق العباد على الله ؟ فقلت : ” الله ورسوله اعلم ” ، قال : (( فإن حق الله على العباد : أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا ، وحق العباد على الله ان لا يعذب من لا يشرك به شيئا ))
فقلت : ” يا رسول أفلا أبشر الناس ؟
قال : لا تبشرهم فيتكلوا ))
أخرجاه في الصحيحين .
الشرح :
ــــــــــــــــ
لقد أحسن المؤلف رحمه الله في ترتيب النصوص تحت هذا الباب :
فقد ذكر في أول هذا الباب الحكمة من خلق الجن والإنس
ثم ذكر النص في بيان الحكمة من إرسال الرسل
ثم ذكر النص الذي فيه قضاء الله عز وجل : القضاء الشرعي بالتوحيد
ثم ذكر النص الذي فيه بيان حقه عز وجل من جملة الحقوق العشرة
ثم ذكر نصا فيه وصية الله عز وجل لجميع خلقه بالتوحيد
ثم ذكر نصا فيه بيان وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم للناس بالتوحيد
ثم ذكر هذا النص الذي فيه جزاء وثواب من قام بهذا الحق العظيم وثوابه
كما سيأتي في ثنايا شرح هذا الحديث : ” ألا يعذب من لا يشرك به شيئا “
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله : ” معاذ بن جبل ” :
هو : معاذ بن جبل بن عمرو بن أوس الخزرجي الأنصاري رضي الله عنه
كان من أعلم صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم :
ولذا جاء في الحديث الصحيح ان معاذا يوم القيامة يتقدم العلماء برتوة ، ” والرتوة ” قيل هي الرمية بحجر
وقيل الرمية بسهم
فيكون إمامهم
إمام من ؟
إمام العلماء
ولذا أرسله النبي صلى الله عليه وسلم – كما سيأتي معنا – أرسله إلى اليمن قاضيا ومعلما
فيخبر رضي الله عنه فيقول : ” كنت رديف النبي صلى الله عليه وسلم على حمار “
رديف : على وزن فعيل ، ووزن ” فعيل ” يأتي بمعنى : ط فاعل ” فرديف بمعنى رادف
كما ان سميع بمعنى : سامع
قال : ” كنت رديف النبي صلى الله عليه وسلم على حمار”
يؤخذ من هذا : جواز الإرداف على الدابة شريطة أن تتحمل هذه الدابة ، فإن لم يكن لها طاقة فلا يجوز هذا الإرداف ، لأن الإضرار بالحيوان لا يجوز
ولذا النبي صلى الله عليه وسلم مرّ ذات يوم بجمل ، فشكا إليه هذا الجمل أن صاحبه يكلفه ما لا يطيق ولا يطعمه ، فقال عليه الصلاة والسلام : اتقوا الله في هذه البهائم المعجمة ، فكلوها صالحة واركبوها صالحة
ونهى عليه الصلاة والسلام أن تُتخذ الحيوانات منابر يركبها صاحبها من غير حاجة إلى الركوب
وأمر عليه الصلاة والسلام في السفر إذا مر القوم بأرض مخصبة أن يعطوا الإبل حظها
ونصوص الرحمة بالحيوان في هذه الشريعة لا تحصر في هذا المقام
فالإسلام سبق غيره إلى الرحمة بالحيوان
ولا أدل دخول تلك المرأة بسبب هرة : حبستها لا هي أطعمتها ، ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض
فدخلت النار بصنيعها هذا
وقد غفر الله عز وجل لامرأة بغي لما سقت كلبا كان يلهث من العطش
فقوله رضي الله عنه : ” كنت رديف النبي صلى الله عليه وسلم على حمار “
هذا الحمار :
جاء في رواية ان اسمه ” عُفير ” فقد كان له عليه الصلاة والسلام حمار يدعى بــ ” عُفير ”
وقد اخبر اهل السير أن ملك مصر المقوقس قد أهداه له ، وأهدى مع هذا الحمار : ” مارية القبطية ، وسيرين ” فكانت مارية سُرِّية النبي صلى الله عليه وسلم
وفي هذا الإخبار :
بأنه رديف النبي صلى الله عليه وسلم على حمار يدل على كمال تواضعه عليه الصلاة والسلام
وإلا فهو قادر عليه الصلاة والسلام ان يركب ما هو أعظم
بل إنه عليه الصلاة والسلام لما أُحصرت تركته وُجد فيها بغلة
وقد قال بعض الصحابة: يقولون فيّ التيه ( يعين الكِبر ) قال : ” وكيف يكون فيّ التيه وقد ركبت الحمار”
وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام : ((فمن ركبه فليس فيه من التيه شيء )) أو كما قال عليه الصلاة والسلام
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يا : أداة نداء
والمنادى : هو معاذ
والمنادِي هو : الرسول صلى الله عليه وسلم
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
طرح النبي صلى الله عليه وسلم هذا العلم بصيغة ” سؤال ” لأنه أدعى لحضور الذهن
ولم يخبره عن هذا العلم من أول وهلة بل صاغه في سياق ” سؤال ” :
فقال : (( أتدري ما حق الله على العباد ، وما حق العباد على الله “))
فأفاد هنا : ان هناك حقين :
حق الله جل وعلا على عباده
وحق للمخلوق على خالقه جل وعلا
ــــــــــــــــــــــــ
القائل هو معاذ
ــــــــــــــــــــــ
قال : فقلت : ” الله ورسوله اعلم “
لم يقل : الله ورسوله أعلمان
وإنما قال : الله ورسوله أعلم :
و” أعلم ” خبر وأُفرد
والقاعدة في اللغة : ” ان أفعل التفضيل إذا كان على تقدير : ” مِن ” فغن المشهور فيه : ان يُفرد ، وان يُذكَّر
فيكون السياق : ” الله ورسوله أعلم من غيرهما ، وأعلم مني ”
وهذه الجملة أقرّ النبي صلى الله عليه وسلم معاذا على تشريكه عليه الصلاة والسلام مع ربه في العلم .
ولا يخالف هذا ما جاء عنه عليه الصلاة والسلام :
أنه قال لرجل قال له : ” يا رسول الله ، ما شاء الله وشئت “
فغضب عليه الصلاة والسلام فقال : (( أجعلتني لله ندا بل ما شاء الله وحده )) أنكر النبي صلى الله عليه وسلم على هذا الرجل ، ولم ينكر على معاذ ــــــ فما وجه الافتراق بين هاتين الجملتين ؟
وجه الافتراق :
أنه يجوز أن يُجمع بين الله ورسوله في العلم الشرعي ، أما العلم الكوني فلا يجوز
فلو قال قائل : متى يقدُم زيد ؟
فلا يجوز أن تقول الله ورسوله أعلم
لأن هذا الأمر ، وهو قدوم المسافر من العلوم الكونية
بينما لو قال : ” هل سجود السهو في الزيادة بعد السلام او قبله ؟ “
فيصح أن يقول : ” الله ورسوله أعلم ” لأن هذا السؤال صادر في بيان علم شرعي
لكن الظاهر من حال صحابة النبي صلى الله عليه وسلم بعد وفاته ، الظاهر من حالهم أنهم بعد وفاته لا يقولون في الأمور الشرعية : ” الله ورسوله أعلم ”
إنما كانوا قولونه في وقت حياته
والدليل :
ما جاء في صحيح البخاري :
أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه سأل بعض الصحابة عن قوله عز وجل : {أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَن تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ لَهُ فِيهَا مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاء فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ ….. )) الآية في سورة البقرة
سألهم ك فيمن نزلت ؟
فقالوا : الله أعلم
ولم يقولوا : الله ورسوله أعلم
مع ان بعض العلماء يجوز هذا ولكن الأولى ان يُقتصر في قصر العلم في العلوم الشرعية على الله جل وعلا
“ـــــــــــــــــــــــــ
” فقلت : الله ورسوله أعلم “
قال :
القائل هو النبي صلى الله عليه وسلم
قال : (( فإن حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا ))
فحق الله على العباد أمران:
أن يعبدوه
ولا يشركوا به شيئا
ذكر جملة ولا يشركوا به شيئا بعد جملة : ” أن يعبدوه ” من باب التأكيد ، وإلا مقتضى العبادة الخلوص من الشرك لأن لا عبادة حاصلة مع وجود الشرك
والعبادة والشرك سبق تعريفهما
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله : (( ولا يشركوا به شيئا ))
شيئا : ـــــ نكرة في سياق النفي
والنكرة في سياق النفي – كما هو مقرر في الأصول : ” تفيد العموم ”
فلا يجوز أن يُشرك معه غيره ، لا ملك مقرب ، ولا نبي مرسل ، من باب أولى الحجر والشجر والوثن ، ونحو ذلك
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(( وحق العباد على الله أن لا يعذب من لا يشرك به شيئا ))
في هذه الجملة ما يغاير في مفرداتها الجملة الأولى :
فالجملة الأولى : قال :(( أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا ))
الجملة الثانية : (( أن لا يعذب من لا يشرك به شيئا ))
فمعنى الجملة الأولى : ذِكر للعبادة وترك الشرك
وأما في الجملة الثانية :” فترك للشرك ، ولم تُذكر العبادة “
من هنا يطرأ سؤال :
لو أن خصا لم يشرك بالله شيئا ، ولكنه لم يعبد الله “
لم يصلِ
لم يصم
لم يزكِّ
لكنه لم يشرك بالله شيئا ، فهل يستحق هذا الوعد ، ” وهو عدم التعذيب ” ؟
الجواب :
ظاهره أنه يستحق هذا الوعد ، من ثَم لا يُعذب
وهذا ليس مرادا ؟
لأنه يعارض النصوص الشرعية الأخرى
فيا ترى ما هو الجواب ؟
الجواب / : من ثلاثة اوجه :
الوجه الأول :
أن من مقتضيات عدم الشرك : العبادة لله عز وجل
فجملة : ” من لا يشرك ه شيئا ” تقتضي وجوب العبادة لله عز وجل
الوجه الثاني :
أن هذه الجملة اختصر فيها بناء على دلالة الجملة السابقة
لأن هذه الجملة مقابلة للجملة الأولى
فالجملة الأولى : حق الله على العباد
فإذا قاموا بهذا الحق لم يعذبوا
وما هو هذا الحق الوارد في الجملة الأولى ؟
أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا
فيلزم من هذا حتى يُوفَّى للمخلوق حقه أن يفعل العبادة ، وأن يترك الشرك
الوجه الثالث:
تدل هذه الجملة على وجوب القيام بالعبادة ، وإلا لم يصبح ” عبدا ”
إذ قال : ” وحق العباد ” وصفهم بأنهم عباد
وكيف يكونون عبادا ، وهم لم يأتوا بالعبادة ؟
هذا لا يمكن
ثم يطرأ إشكال آخر في هذه الجملة :
فقوله : ” وحق العباد على الله “ يقتضي أن على الله حقا وواجبا لعبده
وكيف يكون هذا ، وهو جل وعلا المالك الملك ؟!
فيا ترى ما هو الجواب عن هذا الإشكال ؟
الجواب :
أن هذا الواجب الذي للعباد أو جبه الله عز وجل على نفسه تفضلا وإنعاما وإكراما
وإلا لو عذب جل وعلا عباده لكان هذا منه مقتضى العدل : ((وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ ))
ولهذا نظائر كقوله تعالى : ((كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ ))
وهذه الكتابة هي فضل ومنحة ونعمة منه جل وعلا
وهذا خلاف ما ذكره المعتزلة القدرية :
إذ يقولون : ” إن هذا واجب على الله عقلا ليس فضلا ” تعالى الله عما يقولون علو كبيرا “
ولذا قال شيخ الإسلام رحمه الله : ” إن هذا الاستحقاق للمخلوق استحقاق إنعام وإفضال ، وليس استحقاق معاوضة ، كما يجب على المخلوق للمخلوق “
والمعتزلة يقولون : ” – وهم ينزلون آراءهم على العقل ، ولذا ضلوا وأضلوا
يقولون : ” إنه كاستحقاق المخلوق على المخلوق “
وهذا بناء على أصلهم الفاسد ، وأصلهم الفاسد ان المخلوق يخلق فعل نفسه ، وليس لله فيها مشيئة ،”
ومن ثَم على قولهم فهذه الطاعات التي قام بها المخلوق ، قام بها بنفسه فيجب على الله على زعمهم أن يعاوضه بعدم تعذيبه
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فقلت :
القائل معاذ
ــــــــــــــــــ
ولم يقل هنا : ” يا محمد ” وسبق الحديث معنا : انه لا يجوز أن يُنادى النبي صلى الله عليه وسلم باسمه مجردا كغيره
قال تعالى : ((لَا تَجْعَلُوا دُعَاء الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاء بَعْضِكُم بَعْضاً ))
وسبق هذا في النص السابق