الشرح الموسع لكتاب التوحيد ـ الدرس (26) قوله تعالى( الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم)(1)

الشرح الموسع لكتاب التوحيد ـ الدرس (26) قوله تعالى( الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم)(1)

مشاهدات: 459

الشرح الموسع لكتاب التوحيد

الدرس(26)

قوله تعالى { الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ } الأول

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فضيلة الشيخ :  زيد بن مسفر البحري

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وأول نص ذكره المؤلف رحمه الله في هذا الباب :

قوله تعالى : {الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَـئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ }

فأفادت هذه الآية أن للتوحيد مزايا وفضائل :

أولا : الأمن

ثانيا : الهداية

فالموحد آمن مهتدٍ

قول المصنف : ” قوله تعالى ”  :

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

يشعرنا بأن هذه الآية من كلامه عز وجل مع أن هذه الآية جاءت بعد المناظرة التي جرت بين إبراهيم عليه الصلاة والسلام ، وقومه في سورة الأنعام :

قال عز وجل : ((وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَاماً آلِهَةً إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ{74} ))

إلى أن قال : ((فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَباً قَالَ هَـذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لا أُحِبُّ الآفِلِينَ{76} فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغاً قَالَ هَـذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِن لَّمْ يَهْدِنِي رَبِّي لأكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ{77} فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَـذَا رَبِّي هَـذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ{78} ))

الآيات

بعدها ماذا قال ؟

قال : (( الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَـئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ{82} وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَّن نَّشَاء ))

فإذا كان هذا من قوله جل وعلا فيكون قولا فصلا فصل فيه جل وعلا بين إبراهيم وقومه

ولتعلم :

ـــــــــــ

أن بعض المفسرين قد شان تفسيره بما ذكره من أن إبراهيم كان شاكا فهداه الله ، ثم لما ناظر قومه اهتدى إلى الصواب ، وهذا باطل من عدة وجوه :

الوجه الأول :

ـــــــــــــــــــــ

أنه جل وعلا قال قبل هذه المناظرة : ((وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ ))

فكيف يقال : إنه شاك وقد مدحه جل وعلا باتصافه باليقين  واليقين ضد الشك

الوجه الثاني :

ــــــــــــــــــــــــ

أنه جل وعلا قال : ((وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ ))

فلو كان شاكا فلما كانت تلك المناظرة حجة له على قومه

الوجه الثالث :

ـــــــــــــــــــــــ

إن الله عز وجل قد قال في سورة الأنبياء : (( وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِن قَبْلُ ))

الوجه الرابع :

ـــــــــــــــــــــــ

إن النبي عليه الصلاة والسلام قال – كما عند البخاري –  : (( نحن أحق بالشك من إبراهيم ))

يعني : لو كان إبراهيم يشك لكنّا أولى ، لكنه لا يشك في قدرة الله عز وجل

فيكون كلامه هنا عليه الصلاة والسلام من باب ” التنزل مع الخصم حتى يُلزم الخصم “:

وهذا له نظائر :

قال عز وجل : ((أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى{19} وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى{20} ))

وهذا من باب التنزل معهم .

وأما قوله عز وجل عن إبراهيم في سورة البقرة : ((وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِـي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَى وَلَـكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي ))

فهو أراد بسؤاله هنا عن كيفية إحيائه جل وعلا للموتى فيريد رؤية كيفية إحياء الموتى زيادة في اليقين

ودلالته واضحة إذ جاءت هذه الآية بعد المناظرة التي بينه وبين ما يُسمى كما ذكره المفسرون بــ ” النمرود “

قال :  ((أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَآجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رِبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللّهُ الْمُلْكَ ))

ما الذي بعدها ؟

قال : ((إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِـي وَيُمِيتُ ))

إذاً هو مؤمن بهذا

وقد قال بعض المفسرين : ” إن هذا القول من إبراهيم عليه الصلاة والسلام ذكره جل وعلا عنه “

والدليل أنه ختم المناظرة بعد هذه الآية بقوله : ((وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ ))

وتلك :

ــــــــــ

اسم إشارة يعود إلى ما تقدم من هذه المناظرة

وقال بعض المفسرين : ” إنه من قول قوم إبراهيم عليه الصلاة والسلام ، فقالوا هذه الكلمات حجة عليهم .

ويؤيد هذا ما جاء في سورة ” الأنبياء ” أنهم قالوا : ” قال إبراهيم عليه الصلاة والسلام لما كسر أصنامهم قال : ((فَاسْأَلُوهُمْ إِن كَانُوا يَنطِقُونَ{63} فَرَجَعُوا إِلَى أَنفُسِهِمْ فَقَالُوا إِنَّكُمْ أَنتُمُ الظَّالِمُونَ{64} ))

أقروا على أنفسهم بالظلم

فيا ترى ما أرجح الأقوال ؟

لأن هذا الاختلاف ليس من اختلاف التنوع ، لابد أن يكون هذا القول من قائل ؟

أهو قول الله جل وعلا فصلا بينه أي بين إبراهيم وبين قومه ؟

أو من قول إبراهيم عليه الصلاة والسلام ؟

أو من قول قومه حجة عليهم ؟

الجواب :

ـــــــــــــــــ

هي محتملة لكن الذي يظهر انه من قول الله عز وجل

وأظن أنه لا تنافي بين قول من يقول : ” إنه من قول الله ” وبين قول من يقول :” إنه من قول إبراهيم ط لإمكان الإجماع

فيكون القول من الله جل وعلا ، وبلغه إبراهيم عليه الصلاة والسلام

ولذا قال عز وجل في القرآن : {إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ }

أي النبي عليه الصلاة والسلام

وقال في سورة التكوير :  {إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ }

أي جبريل

وإنما أُضيف لهما باعتبار أنهما مبلغان عن الله جل وعلا لا كما تقوله المعتزلة : ” من أن القرآن مخلوق “

وسيأتي عليهم زد بإذن الله جل وعلا في موضعه

وأما عدم رجحان قول من يقول :  ” أنه قول قومه ” :

عدم ترجيحه من حيث إن الكلام كله من إبراهيم عليه الصلاة والسلام ؛ ولأن الظاهر من قوله : ((وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ ))

يشعر بهذا ؛ لن الأصل في الحجة ان يقولها المُحِق ”

والله اعلم بالصواب

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قوله : ((الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ ))

قوله : ((الَّذِينَ آمَنُواْ ))

الإيمان لغةً : هو التصديق

قال إخوة يوسف لأبيهم : ((وَمَا أَنتَ بِمُؤْمِنٍ لِّنَا )) أي بمصدق لنا

ولا يقال من حيث اللغة : ” آمنت بالشيء إلا لما هو غائب ، أما ما هو محسوس فيعبر عنه بالتصديق “

فلو قال قائل : السماء فوقنا والأرض تحتنا

هل تقول : آمنا أم صدقنا ؟

الجواب :

ــــــــــــــ

تقول صدقنا لأنه شيء محسوس غير غائب

ولفظة ” الإيمان ” إذا تعديت بـ ” الباء ” فيُراد الإيمان بالمخبر به

قال عز وجل : ((الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ )) أي يؤمنون بما أخبروا به

أما إذا عُديت بـ ” اللام ” فيراد منه : ” المخبِر “

وقد اجتمع هذان المعنيان في آية في سورة ” التوبة ” :

قال في وصف النبي صلى الله عليه وسلم : ((يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ ))

أي يؤمن بما أخبره به جل وعلا

ويؤمن للمؤمنين : أي يصدق المؤمنين الذين هم المخبِرون

قال عز وجل : ((وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيِقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ ))

يعني : يستمع لكل شيء ، فإذا أخبرناه وحلفنا صدقنا

فقال تعالى ردا على المنافقين : ((قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَّكُمْ يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ ))

ولم يأت الإيمان بالأمر مطلقا : أي لم يأمرنا جل وعلا بإيمان مطلق ، وإنما أمرنا بإيمان مقيد كما قال عز وجل : ((الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ ))

أو بإيمان موصوف : أي له صفات :

قال عز وجل : {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ }

والإيمان في معتقد أهل السنة والجماعة : وهو التعريف الشرعي : ” هو قول باللسان ، واعتقاد بالقلب ، وعمل بالجوارح يزيد بالطاقة ، وينتقص بالمعصية “

وقد قال شيخ الإسلام رحمه الله : ” ذلك لأن مغراف ما في القلب / وهو محل الاعتقاد ، مغراف ما فيه يكون باللسان ، وما على اللسان لا يصدق إلا بالعمل بالأركان “

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ســ1 / أينفع القول بلا عمل ؟

الجواب :

ــــــــــــــ

لا ينفع

والدليل على أن الإيمان قول باللسان واعتقاد بالجنان ، وعمل بالأركان الدليل أصل لفظ الإيمان ، فلا يصدق على الشيء انه إيمان إلا بالقول والاعتقاد والعمل .

وسيأتي معنا عن شاء الله أدلة نقف عند بعض كلماتها ، ونوضح القول والاعتقاد والعمل .