الشرح الموسع لكتاب التوحيد
الدرس(27)
قوله تعالى { الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ } الثاني
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فضيلة الشيخ : زيد بن مسفر البحري
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ذكرنا في الدرس الماضي معتقد أهل السنة والجماعة في الإيمان ، وأنه : ” قول باللسان ، واعتقاد بالقلب ، وعمل بالجوارح يزيد بالطاعة ، وينقص بالمعصية “
وقد افترقت طوائف في معتقد الإيمان وضلوا به ضلالا واضحا :
” فالكرامية مثلا يقولون : ” إنه قول باللسان ، ويلزم على قولهم أن يكون المنافقون مؤمنين ، وهذا يبطل معتقدهم “
وقالت الجهمية :
ـــــــــــــــــــــ
إنه المعرفة بالقلب .
ويلزم على ذلك من قولهم الفاسد : ” ان فرعون مؤمن ؛ لأنه يعرف الله بقلبه “
وقالت المرجئة :
ــــــــــــــــــــــــ
إنه قول باللسان واعتقاد بالقلب ، ولذا قالوا : لا يضر مع الإيمان ذنب عملت أم لم تعمل ، إيمانك هو هو إذا كان بالقول ، والاعتقاد “
ويلزم على قولهم أن تُطرح نصوص كثيرة : فيكون إيمان الرسل عليهم الصلاة والسلام كإيمان الفسّاق ، وان إيمان أبي بكر رضي الله عنه كإيمان غيره
وهذا واضح في البطلان
وقالت المعتزلة :
ــــــــــــــــــــــــــ
” إنه قول باللسان ، واعتقاد بالقلب ، وعمل بالجوارح ” لكنهم يفترقون عن أهل السنة والجماعة في أن ” مرتكب الكبيرة مخلد في نار جهنم إذا مات قبل أن يتوب “
وهذا ترده نصوص كثيرة :
قال الله عز وجل : ((إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ ))
وترده أحاديث الشفاعة التي يشفع فيها لعصاة قد استوجبوا دخول النار ألا يدخلوها .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
والإيمان – كما سبق – : إن عُدي بـ ” الباء ” فهو للمخبر به
وإن عدي بــ ” اللام ” فهو للمخبِر ( على وزن اسم الفاعل )
ولا إيمان لمن لا عمل له :
ولذا قال المجدد ” محمد ن عبد الوهاب ” رحمه الله في : ” مقدمة الأصول الثلاثة ” :
” اعلم – رحمك الله – أنه يجب عليك أن تتعلم أربع مسائل :
ـــ العلم
ـــ العمل
ـــ الدعوة إلى الله
ـــ الصبر على تحمل الأذى في الدعوة إلى الله عز وجل
وهذه موجودة في سورة ” العصر ” :
((وَالْعَصْرِ{1} إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ{2} إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ{3} ))
وقلنا أن ذكر العمل الصالح معطوف على الإيمان أنه من باب اللزوم
وقد يكون من باب عطف الخاص على العام
والأوضح في عطف : ” التلازم ” قوله تعالى : ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ ))
فيلزم من طاعة الله عز وجل طاعة الرسول عليه الصلاة والسلام
ولابد مع الإيمان من إسلام يحققه ، ولابد مع الإسلام من إيمان يصححه ، وإلا أصبح إدعاءً وانتحالا
والإيمان يزيد بالطاعة ، وينقص بالمعصية :
والدليل على زيادته قوله عز وجل : ((لِيَزْدَادُوا إِيمَاناً مَّعَ إِيمَانِهِمْ ))
وقوله عز وجل : ((زَادَتْهُمْ إِيمَاناً ))
وقوله عز وجل : ((وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَاناً ))
نصوص كثيرة في هذا المعنى
ومن السنة :
قوله عليه الصلاة والسلام : (( ما رأيت من ناقصات عقل ودين ))
فدل على أن دين الإنسان قد ينقص
ومن دلالة اللزوم :
أن الزيادة تدل على نقصان سابق
وأن النقصان يدل على زيادة سابقة
وإلا لما صح أن نقول : ” زاد إيمانه “
ولا ما صح أن نقول : ” نقص إيمانه “
ومن الأدلة أيضا :
” الحس “
ـــــــــــــ
فالإنسان يشعر في بعض الأحيان أن إيمانه قد ارتفع ، وفي بعض الأحيان يشعر أن إيمانه قد انتقص “
وهذا يرد قول الجهمية والمرجئة
والعاقل : ” هو الذي يتعاهد إيمانه “
ولذا في جاء صحيح البخاري :
عن معاذ بن جبل رضي الله عنه لبعض أصحابه : ” اجلس بنا نؤمن ساعة ”
هم مؤمنون ، ولكن ببعض التذاكر والوعظ يزداد بالإيمان
هذه مسألة ذهب فيها أبو حنيفة رحمه الله : ” أن الإيمان عند الإطلاق : قول باللسان ، واعتقاد بالقلب “
ولكن في حكم الشرع يقول : ” لابد من العمل ”
أما جمهور العلماء والأئمة : ” أن الإيمان عند الإطلاق يشمل القول والاعتقاد والعمل “
وقول الجمهور هو الصحيح : فلا تكون مؤمنا بالشيء إلا إذا حرصت عليه وعملت لتحقيقه
ولذا قال الطحاوي ، وهو حنفي رحمه الله – ” والناس في أصل الإيمان سواء “
والمراد بالناس المؤمنون : ” والمؤمنون في أصل الإيمان سواء “
نظير قوله أن يقول لمجموعة : ” هؤلاء عقلاء ” :
لكن أهم على درجة واحدة من العقل أم أنهم يتفاوتون ؟
فيكون كذلك الإيمان
فالمؤمنون في أصل الإيمان سواء ، ولكن هم يتفاوتون في هذا الإيمان
والإيمان من فضائله :
أن الله عز وجل لما ذكر نعيم المتقين ما ذكره إلا لأهل الإيمان ، ولم يذكره لأهل الإسلام
ولعله يأتينا نص نتحدث فيه عن الإيمان والإسلام
ومسائل العقائد كثيرة ، فلنأخذ عند كل نص جملة من مسائل كل معتقد حتى لا تزدحم المعلومات في أذهانكم