الشرح الموسع لكتاب التوحيد
الدرس (31)
حديث عبادة(من شهد أن لا إله إلا الله) الثالث
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فضيلة الشيخ : زيد بن مسفر البحري
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(( من شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأن محمدا عبده ورسوله ، وأن عيسى عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه ، والجنة حق ، والنار حق أدخله الله الجنة على ما كان من العمل ))
وقوله عليه الصلاة والسلام : (( وأن محمدا عبد الله ورسوله )) :
” الواو ” حرف عطف
وهذه الجملة على نية تكرار العامل
وأصل الكلام : من شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وشهد أن محمدا عبد الله ورسوله “
فالعامل ليس موجودا ، وهو ” شهد ”
و ” محمد ” :
هو النبي عليه الصلاة والسلام : محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب
وينتهي نسبه إلى “عدنان ” فهو النبي العدناني
و ” عدنان ” من ولد إسماعيل عليه الصلاة والسلام
و ” إسماعيل ” ولد لإبراهيم عليه الصلاة والسلام
وهو بهذا ابن الذبيحين :
فأبوه عبد الله – كما تعرفون قصته في السير – أراد أبوه عبد المطلب أن يذبحه ، وقصته مشهورة
و ” إسماعيل “ هو الأب الثاني ، وهو الذبيح الثاني ، وقصته في ” سورة الصافات ”
و ” إسماعيل “ هو الذبيح على الصحيح ، وليس هو إسحاق .
وهناك أكثر من عشرين دليلا على أن الذبيح هو إسماعيل وليس إسحاق
وله حديث في موضعه إن شاء الله تعالى
وهو من أشرف الناس نسبا
فقومه أشرف القوم
وقبيلته أشرف القبائل
وفخذه أشرف الأفخاذ
ولد عليه الصلاة والسلام – على الصحيح من أقوال أهل السير – وأبوه قد مات ، توفي أبوه عبد الله ، وأمه به حامل على الصحيح
وسيرته عليه الصلاة والسلام معروفة
حتى أن نبوته شهد بها ” بحيرا الراهب ” :
وذلك لما بلغ ” اثني عشر عاما ” أخذه عمه أبو طالب في تجارة إلى الشام
فمرّ ببحيرا الراهب ، وقال : ” هذا هو النبي الذي صفته عندنا في التوراة ، عدْ به فإني أخشى عليه من أهل الكتاب في الشام “
فأرسل معه رجلا وعاد إلى مكة
وقد حصلت له مراتب الوحي :
ومراتب الوحي :
ـــ الرؤيا الصالحة :
فكان لا يرى عليه الصلاة والسلام رؤيا إلا كانت مثل فلق الصبح كما أخبرت بذلك عائشة في صحيح البخاري
ومن مراتب الوحي :
النفث في الروع وفي القلب
فينفث فيه الملك ولا يرى الملك :
قال عليه الصلاة والسلام : (( إن روع القدس قد نفث في روعي أنه : لن تموت نفس حتى تستكمل رزقها وأجلها )) الحديث
ومن مراتب الوحي :
ـــــــــــــــــــــــــــ
أن يتمثل له المكل أحيانا في صورة الآدمي :
وكان الصحابة يرون هذا الملك أحيانا
ومن مراتب الوحي :
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
أن يرى الملك على صورته التي خُلق عليها :
فقد رأى جبريل مرتين على صورته التي خلقه الله عليها
ومن مراتب الوحي :
ــــــــــــــــــ
أن يتلبس به الملك :
وهو أشد ما يكون عليه :
قال عليه الصلاة والسلام – عند البخاري – : (( وأحيانا يأتيني مثل صلصلة الجرس ، وهو أشده عليّ ، فيفصم عني ، وقد وعيت ما يقول ))
فإذا أتاه يتفصد عرقا في اليوم الشاتي
فإذا كان راكبا دابته عليه الصلاة والسلام بركت
ومن مراتب الوحي :
ـــــــــــــــــــــــــ
أن يكلمه الله بلا واسطة
كما في قصة الإسراء والمعراج :
فرض عليه عز وجل الصلاة من غير واسطة
ومن مراتب الوحي عند بعض العلماء ، والصحيح خلافه :
أن يكلمه كفاحا : ” أي من غير حجاب :
وهذا مبني على مسألة :
هل رأى النبي صلى الله عليه وسلم ربه في اليقظة أم لا ؟
والمسألة طويلة ، وباختصار :
القول الراجح : ” أنه لم يره يقظة ، وإنما رآه في المنام “
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
و [ محمد ] من أسمائه عليه الصلاة والسلام
قال ابن القيم رحمه الله: ” وأسماؤه ليست أعلاما محضة بل اسم له صفة ، ولذا بعض الناس قد يكون اسمه محمدا ، وهو ذميم عند الناس ، فلها صفات
وأسماؤها عليه الصلاة والسلام أوصلها البعض إلى عشرين اسما
وأوصلها البعض إلى ” ألف اسم “
وهذا العدد بناء أخذ من الصفات أسماء
وأسماؤه قد سبق ذكر بعضها :
منها :
محمد
أحمد
الحاشر
الماحي
المقفي
نبي التوبة
نبي الرحمة
الفاتح
(( الضحوك والقتال )) فلا ينفرد هذان الاسمان ؟، فلابد من ذكرهما معا
ضحوك : في وجوه المؤمنين
قتال : لرءوس الكافرين
ومذكور اسمه أحمد في الإنجيل كما ذكر عز وجل في سورة الصف :
قال عيسى عليه الصلاة والسلام كما ذكر عز وجل عنه : ((وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ ))
وقد قال ” ابن القيم ” رحمه الله : ” وأما اسمه : ” محمد ” فهو موجود في التوراة ، وجاء في صحيح البخاري : (( اسمه المتوكل ليس بفظٍ ، ولا صخاب في الأسواق ، ولا يجزي السيئة بالسيئة ))
كما جاء في صحيح البخاري :
عن عبد الله بن عمرو قال : (( قرأت صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم في التوراة ، فاسمه المتوكل ، ليس بفظ ، ولا غليظ ، ولا صخاب في الأسواق ، ولا يجزي السيئة بالسيئة ، بل يعفو ويصفح ، ولن أقبضه حتى أقيم به الملة العوجاء ، وذلك بأن يقولوا : ” لا إله إلا الله ” ))
وقد قال رحمه الله : ” إن محمد أبلغ من محمود ؛ لأن محمودا من الفعل المجرد ، أما محمدا فمن الفعل المضعف لكثرة صفاته الحميدة .”
و ” محمد ” هو من اسم المفعول : يعني : كثير من يحمده عليه الصلاة والسلام
وأما أحمد :
فقد قيل : بأنه من اسم الفاعل ـــــــــ ( أي انه أحمد الناس لربه عز وجل )
وقيل : من اسم المفعول :
بمعنى : أنه يحمد أكثر من غيره
وقد اختار هذا الأخير ابن القيم رحمه الله
فيكون ” محمد ” من حيث كمية صفاته الحميدة
ويكون ” أحمد ” من حيث كيفية حمده
ولذا لو كان ” أحمد ” بمعنى أ:ثر حمدا لله من غيره لسُمِّي بـ ” الحماد ” :
كما سميت أمته بـ ” الحمادين “
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وقوله عليه الصلاة والسلام : (( عبده ورسوله ))
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أتى بهذين الوصفين لكي يدفع الإفراط والتفريط ، لكي يدفع التقصير والغلو :
فـ ” عبد الله “ رد على من غلا فيه حتى أوصله إلى رتبة الإله
” ورسوله ” رد على من حطّ قدره وانتقصه ، كمن قال : إنه ساحر أو مجنون أو كذاب
أو كمن قال في هذا العصر بأنه رجل ديكتاتوري ، أو رجل شهواني
ووصفه عليه الصلاة والسلام بالعبودية لا ينفي أن غيره من الرسل عليهم الصلاة والسلام لا ينفي أن غيره ليس عابدا
وإنما هو عليه الصلاة والسلام له أسماء لا يشاركه فيها أحد :
كالعاقب والحاشر
وله أسماء يشاركه فيها غيره من الرسل عليهم الصلاة والسلام ، ولا يختص بها إنما يختص عليه الصلاة والسلام بأكملها
فإذا وُصفت الرسل عليهم الصلاة والسلام بالعبودية ، فهو أعبدهم عليه الصلاة والسلام
ووصفه بالعبودية سبق معنا في مواضع متعددة هي من أعلى المقامات ، وسبق ذكرها وشرحها
” ورسوله ” :
الفرق بين الرسول والنبي سبق إيضاحه ، فلا معنى لإعادته